خليل حمد - فالج لا تعالج.. -2-

- فالج لا تعالج: اكتمل سواد الصورة وعبرنا الى جحيم الكورونا

منذ ان أعلنت منظمة الصحة العالمية عن جائحة الكورونا، وأصدرت تحذيراتها واليات التعامل مع الجائحة، حتى لا تتحول الى وباء وعدوى قاتلة، وتفتك بالناس كما فتك بهم من قبل الطاعون والأنفلونزا الاسبانية، كان الهدف الأساسي المعلن من قبل جهات الاختصاص للدعوة للالتزام بالإجراءات الوقائية هو عدم فقدان السيطرة وعدم انهيار النظام الصحي ولم يكن ابد ا الهدف القضاء على الفايروس فهذه تحتاج الى تدخل السماء.
فلا يوجد أوهام لدى العلماء واهل العلم الذين ليدهم دراية ومعرفة بعلم الفايروسات، وحتى الذين عرجوا عليها في مواد الاحياء المدرسية ومروا عليها هنا وهناك مرور الكرام. ليس لدى هؤلاء جميعا اية أوهام حول قدرة الطب على معالجة أي حالة مرضية يكون سببها فايروس، فلا يوجد حتى الان، علاج للحالة المرضية التي يكون قد تسبب بها فايروسن نقطة وأول السطر.
كما لا يوجد لديهم أوهام في موضوع اللقاح. والمعضلة في موضوع اللقاح هو انه ما ان يتمكن العلماء من تطوير لقاح ضد الفيروسات، وهي أصلا مهمة مستحيلة، حتى يتحور الفايروس، وتتغير تركيبته الجينية وخواصه الأخرى، رغم بساطة تركيبته وضاءله حجمه وضعفه وهوانه، حتى انه لا يملك جسدا او روحا، مما يستدعي تطوير لقاح جديد مناسب للنسخة الأخيرة من الفايروس المتحور.
والمشكلة ان تطوير هذا اللقاح بشكله النهائي المأمون، كما نعرف، يتطلب سنوات عديدة، قد تصل الى 15 سنة، حتى يتم التأكد من نجاعة وسلامة وفعالية اللقاح المعجزة، والاهم هنا ان لا يتسبب هذا اللقاح في مشكلة أكبر من التي صنع من اجلها تتمثل في الاثار الجانبية. وهذا يعني ان الباب سيكون مفتوحا لتحور الفايروس العديد من المرات.
واي لقاح يتم سلقه كما فعلوا في لقاح الكورونا الحالي، والذي لم يستغرق تطويره سوى بضعة أشهر فقط، حيث اختصروا المدة المطلوبة، للتأكد من سلامة الاستخدام من 15 عام الى 7 أشهر فقط، سيكون بمثابة لقاح تجريبي في أحسن الأحوال، والناس الذين يتلقونه في محل فئران التجارب. وقد يظهر من خلال الاستخدام الميداني الواسع معلومات وبيانات تدفعهم لاحقا للتوقف عن استخدامه من واقع الاثار الجانبية التي ربما يتسبب بها اللقاح المنشود، وربما هذا هو السبب الذي يفسر عزوف الناس عن اخذ اللقاح في الدول التي وصل اليها.
من هنا أعلنت العدوى الكورونية أصلا جائحة. نعم، بكل تأكيد، من ناحية بسبب غياب العلاج او اللقاح، وبسبب ما تسببه العدوى من الم وموت، ومن واقع سرعة الانتشار، والذي قد يؤدي، إذا ارتفع عدد الإصابات بشكل كبير، الى تجاوز قدرة المستشفيات على استيعاب المرضى، وبالتالي انهيار النظام الصحي، خاصة ان العدوى فتكت اول ما فتكت في جيش الرداء الأبيض من أطباء ومسعفين وممرضين وعاملين في المجال الطبي سقطوا في الميدان.
ولو ان مثل هذه المواد العلاجية كانت متوفرة لما أعلنت عدوى الكورونا جائحة اصلا، حيث سيتم محاصرة المرض في وقت قياسي، والقضاء عليه كما تم القضاء على امراض عديدة معدية تمكن العلماء من اختراع اما علاج او لقاح لها.
لكل ذلك كان اهل الاختصاص يعلنون حالة الطوارئ، ويحذرون وبقوة من الانكار والاستهتار وعدم الالتزام بالإجراءات الوقائية المعروفة، وعلى راسها لبس الكمامة، والتباعد الاجتماعي وغسل الايدي والتعقيم المستمر.
ولكل ذلك كانت الاغلاقات ضرورة ملحة أحيانا، حتى يبقى مستوى انتشار العدوى ضمن حدود قدرات الجهاز الطبي، وامكانيات المستشفيات تحديدا التي تقدم العناية الحثيثة لمن تشتد عليهم الاعراض.
ومن واقع التجربة والمعلومات المتوفرة، دفعت الدول التي تهاونت في اتخاذ إجراءات حاسمة، ثمنا غاليا وعاليا جدا من الضحايا، ومنها الولايات المتحدة والبرازيل، بينما في المقابل تمكنت الدول التي تعاملت مع الجائحة على انها امر يهدد الامن القومي، وريما يتسبب في فناء شرائح واسعة من المجتمع وطبقت لذلك إجراءات أقرب الى الأوامر العسكرية الجبرية والإلزامية، تمكنت من السيطرة على الانتشار ليظل ضمن حدود ممكن التعامل معها بأريحية، ومنها دولة الصين أصل البلاء والمكتظة بالسكان، ومنها كوريا الجنوبية. وحتى الأردن، تمكن في مراحل الانتشار الأولى من تطبيق إجراءات منع تجول واغلاقات مشددة وصارمة أتت اوكلها، وحصرت الانتشار وصار يضرب المثل في الأردن، لكنها عادت لاحقا وتهاونت ربما تحت الضغوط الشعبية والاقتصادية ليعاود المرض انتشاره بسرعة واتساع.
والمعروف أيضا ان إيطاليا واجهت حالة فريدة في التعامل مع الجائحة، حتى صار يضرب فيها المثل بعنوان السيناريو الايطالي. ولا نعرف تحديدا الأسباب التي أدت الى الانتشار الواسع للفايروس في ايطاليا في موجته الأولى، حتى وصل الامر الى ما وصل اليه من حالة مأساوية، وعلى الاغلب ان السبب يعود الى تراخي المسؤولين في تطبيق إجراءات صارمة، وتهاون الناس في التعامل مع الجائحة، حتى وصل الامر الى تجاوز قدرة المشافي على الاستيعاب، واضطرار الاطباء الى تطبيق مبدا انتقائي والمفاضلة بين من يعيش ومن يترك ليموت.
مثل تلك الكارثة حصلت في دولة متقدمة ولها إمكانيات ضخمة هي ايطاليا، ويمكنها ببساطة الحصول على دعم الدول الاوربية المجاورة لها، والمتحالفة معها تحالف اتحادي، وعلى الرغم من ذلك دخلت جحيم الكورونا على أشده في موجته الأولى.
ونفس الكلام ينطبق على كل الدول المتقدمة تقريبا، فعلى الرغم من امكانياتها الضخمة الا انها تسارع الى اتخاذ إجراءات العزل والاغلاقات لإبقاء مستوى انتشار العدوى ضمن إمكانيات الجهاز الصحي، ومن يتمنع ويتراخى يسقط في متاهات الكارثة. فها هي سي ان ان تعلن الليلة بأن شخص ما يسقط قتيلا كل 15 دقيقة في محافظة لوس انجلس متأثرا بإصابته بالفايروس. بينما يعلن دكتور فوشي أكبر مسؤول صحي امريكي باحتمالية جعل التطعيم اجباري ويطبق من قبل الحكومة الفيدرالية لضمان تعميم اللقاح حيث وعلى ما يبدو يمتنع الناس عن اخذه فلم تتجاوز نسبة الذين حصلوا على اللقاح 29% كما هو معلن حتى الان.
وهذا ما فعلته بريطانيا بالأمس، حيث أعلنت قرارها بتطبيق اغلاق مشدد وشامل بحيث لا يسمح لاحد مغادرة المنزل الا لأسباب معينة، ومحددة من قبل جهات الاختصاص. وقد جاء هذا الاجراء في ظل تحور الفايروس وانتشار نسخه جديدة منه أسرع في انتشاره بنسبة 70% ، مما سيؤدي إذا ترك الحبل على الغارب الى ارتفاع شاهق في الإصابات، المرتفعة أصلا، والسقوط في جحيم السيناريو الإيطالي او ما هو أسوأ من ذلك بكثير.
فاذا كانت هذه الدول بكل امكانياتها سقطت في متاهات الجحيم الكوروني، ويمثل انهيار النظام الصحي لديها هاجسا مخيفا يدفعها للإغلاق على الرغم من الثمن الباهظ الذي تدفعه اقتصاديا لمثل تلك الاغلاقات، فماذا نقول عن وضعنا ونحن نعتمد على المساعدات في مجابهة الجائحة، وأحيانا نجد أنفسنا عاجزين حتى عن اجراء الفحوصات كنتيجة لنفص المواد اللازمة للفحص.
لا شك اننا ومنذ مدة كنا في تسارع نحو الجحيم الكوروني، وقد سمعنا نداءات تحذر من اقتراب السقوط في الكارثة، منها ما صدر عن المستشفى العسكري، والذي عززه التقرير الصحفي الميداني لمعاذ شريده، الذي أشار الى تجاوز المشفى قدرته على الاستيعاب.
وقد علمنا أيضا بأن أحد الذين احتاجوا سرير عناية مركزة قد تم تحويله الى طولكرم. كما حذر أكثر من طبيب من خطورة الوضع الصحي وأن المشافي على وشك اللجوء الى السيناريو الإيطالي والمفاضلة بين من يعيش ومن يموت، وهو ما يوشر وبشكل جلي ان النظام الصحي على وشك الكارثة والانهيار.
لكن ما جرى ويجري هذه الأيام يؤشر الى اننا عبرنا حقيقة وفعلا الى الجحيم، ولم نعد نراوح على اعتابه. فهها نسبة الإصابات مرتفعة جدا، وعدد الذين ينتقلون الى رحمة الله، مرتفع جدا، ومنهم هذه الليلة والدة زميلي وصديقي اياد دويكات، وهو في تزايد مستمر وموجع، منذ مدة ليست قصيرة.
وما حصل مع ابن بلدتي وصديقي وابن صديقي رجا احمد جبر والذي نشرت قصته بالأمس، مخيف ويوشر ان تماسك النظام الصحي هو صورة زائفة. فهو حقيقة منهار وعاجز عن تقديم المزيد من الخدمة الطبية الضرورية والحثيثة. فقد أخبرني والده منذ قليل بأن ابنه رجا قد أجري الفحص للكورونا ثلاثة مرات ويتم اخباره في كل مره ان النتيجة سلبية على الرغم من وجود اعراض واضحة بأنه مصاب ولا تحتاج لطبيب للتعرف عليها. والكارثة ان كل العائلة اختلطت معه ظنا منها ان نتائج الفحوص موثوقة، ويمكن الركون الى دقتها والاعتماد عليها، ليتبين بعد ان اشتدت الاعراض من ارتفاع في درجة الحرارة حتى 40 درجة مئوية، وانتقال الفايروس الى الرئة، واصابته بالتهاب رئوي حاد بأنه مصاب بالعدوى الكورونية، وهو ما يعرض الاسرة كلها للخطر.
والادهى والامر انه في كل مرة يذهب للمستشفى يتم إعطاؤه ابرة الكيلو ثم يعاد الى البيت رغم وجود التهاب رئوي حاد واعراض شديدة القسوة، ويتطلب رعاية فائقة وأوكسجين صناعي ربما على مدار الساعة.
والاسخم بأنه وبعد تدبير سرير له في مستشفى ترمسعيا اليوم، وذهاب اسعاف لتحميله لنقله الى المستشفى لكن سائق الإسعاف لم ينتظره لارتداء ملابسه وتجهيز حاله، وهو الذي يعاني من وضع صحي صعب، وغادر المكان على عجل دون نقله، مما يعني عمليا ربما تفويت الفرصة عليه للعلاج الحثيث في المستشفى المتخصص.
نعم لقد صدق صديقي اياد دويكات الذي علق على منشوري الحواري هذا المساء وسألت فيه ان كنا نتجه نحو الجحيم، فعلق بأننا فعلا في الجحيم.
واي حال أسوأ من ان نكون في الجحيم؟!
الصحيح ان الأبواب مفتوحة على ما هو اسوأ من الجحيم الكوروني، إذا ما استمر التعامل مع الجائحة بنفس الطريقة والأدوات. فها هم جيراننا يعلنون اغلاق لمدة أسبوعين، وهذا مؤشر خطير على وجود السلالة الجديدة من الفايروس المتحور على مرمى حجر منا، وهو ما يفتح الأبواب على الطامة الكبرى.

***

- فالج لا تعالج: كأن على رؤوسهم الطير والقادم كوفيد 501.2V اسخم.

أربعة كلمات لا أحد يريد سماعها " الأمور تتجه نحو الأسوأ". وهي فعلا تتجه نحو الأسوأ ولأسباب عديدة.
حدثني صديقي حمدي المصري فقال. لما اشتد المرض على صديقي الصدوق، رحمه الله، ونقل الى المشفى العسكري، لم يكن امامي خيار سوى ان اذهب لزيارته في المشفى العسكري مهما كانت المخاطر، وقد فعلت ذلك مع علمي وادراكي بالمخاطر والخوف المقترن باسم المشفى. وأضاف وعندما عبرت قدماي بوابة المستشفى، شعرت وكأنني عبرت الى عالم اخر، اشتممت رائحة الموت فورا. كان امرا رهيبا، ذلك الشعور، وتلك المشاهد، وكل ذلك الألم، وكأن المشفى في عالم اخر، في كوكب اخر، غارق في الألم والموت والخوف.
كل شيء وكل حركة هناك تذكرك بالمرض والالم والموت، الرائحة الوجوه الشاحبة، العيون الشاخصة، والانين الموجع. تسمع وترى الموت وتستشعره في قلبك، وترى الأحبة تنتظر بلهفة مصير احبتهم على اسرة العناية الحثيثة.
وقد شعرت اثناء زيارتي القصيرة ان الناس منقسمة الى قسمين. قسم وهو الذي يعيش داخل مستشفيات الكورونا، وقسم اخر يعيش خارج هذه المستشفيات.
وهذا القسم الخارجي لا يعرف ما الذي يجري في داخل تلك المستشفيات حقيقة. او الاصح لا يريد ان يعرف.
تستغرب كيف ينهمك الناس في حياتهم ولا يلقون بالا لما يجري داخل اسوار المستشفيات التي يتساقط فيها الناس كالفراشات بفعل الفايروس اللعين.
الناس خارج المشافي " كأن على رؤوسهم الطير"، سارحه والرب راعيها، وهذا التعبير يقصد فيه ان الناس يعيشون حالة انفصال عن الواقع بخصوص الكورونا ومخاطرها، فهم لا يريدون ان يعرفوا شيئا عنها، وكأن الناس الذين يموتون في الداخل من كوكب اخر، والعدوى التي اصابتهم تخصهم هم وحدهم، ويظل الحال على ذلك حتى يصاب الانسان فيجد نفسه في ميمعة المرض والالم والبعد عن الناس، بل يجد نفسه بين يدي قنينة الاوكسجين فاذا فرغت انقطع نفسه وانتهت حياته.
ويرى السيد حمدي بان هناك لغز في الموضوع؟! هذا الانفصال عن الواقع العجيب!!. وكان الفايروس نوعان، نوع يصيب البعض في جسدهم، وتظهر عليهم الاعراض. وفايروس يصيب عقول بعض الناس فيعطلها، ويجعلها غائبة عن الواقع منفصلة غير قادرة على رؤية حقيقة ما يجري.
وما يجري ظاهرة غير مفهومة وغريبة بحق. والا كيف يمكن للناس ان تتجاهل المرض والعدوى وكأنه لم يكن وهو على الأبواب، وأصبح يحيط بنا من كل صوب وحدب؟؟!!
ويرى السيد حمدي ان تعامل الناس مع مخاطر الجائحة، وحالات الاستهتار والانكار السائدة، تشيء بغياب العقل والمنطق، ويعود ذلك على الاغلب الى سيطرة الفايروس على عقول الناس، فليس هناك تفسير اخر حسب وجهة نظره، لان الموضوع يتنافى مع المنطق.
طبعا من الطبيعي ان تسمع هذا الكلام من شخص زار المستشفى العسكري او أي مستشفى يعالج مرضى الكورنا الذين تتطلب حالاتهم عناية مركزة، وان يشاهد بأم عينه ما يكابده مرضى الكورونا واهلمهم المنتظرين مصيرهم، ويشتم رائحة الموت، ويشعر بما يكابده الناس من الم ووجع وعذاب، وهم جميعا أقرب الى الموت من الحياة، ورائحة الموت والعقاقير تعبق في المكان.
والادهى ان يكون قد فقد صديقه المقرب ايضا بسبب هذه العدوى اللعينة، رغم نقله للعلاج في مستشفيات الداخل.
ومثل هذا الفقد كان غير متوقع ومثل صدمة عنيفة، وفي نفس الوقت يؤشر الى خطورة المرض وجديته، واهمية التعامل مع مخاطره والالتزام بالتعليمات لتجنب الإصابة، لكنه يرى الناس في المقابل وكأنهم سكارى وما هم بسكارى، يسيرون في الأسواق كل يلاحق شأنه، ولا يتوقف ولا يكاد يلتفت الا إذا أصيب بالعدوى، وهنا تقع الكارثة، ويدخل المصاب في دائرة الألم التي يعيش في داخلها مرضى العدوى حصرا، ويصبح من سكان المستشفيات.
وانا اثني على كلام السيد حمدي المصري، وارى ان موقف الناس وتعاملهم مع المرض عجيب غريب.
وكأنهم لا يزالون غير مصدقين لوجود الفايروس أصلا، رغم انه فتك بأعداد هائلة من الناس. وحتى المصدق لوجود العدوى تجده يتهاون وبالتالي يعرض نفسه للإصابة وربما الموت. والشواهد على ذلك عديدة.
قبل قليل قرات على الفيسبوك بأن زميل عمل، وهو السيد بشير عبيد، يعلن عن اصابته بالعدوى، فقمت على الاتصال به فورا، وسألته اول ما سألته عن كيف أصيب فأخبرني ان زميله في المكتب حضر الى العمل يوم الاحد، وكان يبدو عليه المرض، تخيلوا؟!!
وقلنا له بأنك تبدو مريضا فانكر المرض، واستهجن، واستبعد الإصابة، واستمر في الدوام، مدعيا كألوف من الناس، ان لم يكن كل الناس، بأنه مجرد رشح بسيط، ولكن اعراض المرض اشتدت عليه اثناء الدوام فطلب منه الزملاء ان يقوم بالفحص، فانتظر الى اليوم التالي او الذي بعده ليقوم بالفحص، بعد ان اقعده المرض واستوى كحبة تين ناضجة تماما، وصارت الاعراض جليه واضحة، وبعد ان فات الاون، وخالط كل من في المكتب، الذي يعمل فيه، موزعا عليهم الفايروس اللعين، بما فيهم صديقي السيد بشير الذي ظهرت عليه اعراض الإصابة بعد 4 أيام بالتمام والكمال، فذهب للفحص مجبرا اخاك لا بطل فاظهر الفحص انه مصاب ومن هنا بدأت قصة عذاب بشير افندي مع الكورونا. الله يلطف فيه ويجعلها بردا وسلاما عليه.
والعجيب ان بشير، وكما أخبرني، ورغم شكه بإصابة زميله إبراهيم بالعدوى، لكنه لم يرعوى عن الاختلاط به طوال ذلك اليوم في المكتب، وربما شربا الشاي معا، وتناولا وجبة او وجبتين. وليس ذلك فقط فعندما علم بشير بخروج إبراهيم الى مكان اخر طلب منه ايصاله في طريقة بالسيارة الى البنك لإيداع شيك مستحق، ولم يجد بشير غضاضة في ان يركب معه الى البنك رغم وجود اعراض مرضية واضحة.
حكاية بشير ليست الا نموذج ومثال لما يحصل كل يوم وفي كل الانحاء والامصار ومع كل الاشخاص، وهو ليس المقصود شخصيا في الحديث.
لا يريد أحد ان يصدق انه يمكن ان يصاب بالعدوى، هذا من ناحية، ولا يمتنع الشخص الذي تظهر عليه الاعراض عن مخالطة الناس، ولو من باب الاحتياط لحين اتضاح الرؤيا، ولا يمتنع الشخص السليم عن التعامل مع المشتبه بانه مصاب لأسباب كثيرة، على رأسها الخجل وقانون العيب وطول الامل والاستهانة وعدم تصديق رواية ان الفيروس لعين وسريع الانتشار، وربما لخلل في الأدراك.
وهذا يقودنا للحديث عن النسخة الجديدة المخيفة من الفايروس الكوروني المتحور، والتي منشأها جنوب أفريقيا هذه المرة، والتي فتحت الأبواب على وضع اسخم مما نحن فيه حتما.
والخبر الذي وصلني من صديقي سامر القطSamir Alqot
منشور أصلا في مجلة Best Life الامريكية ويقول الخبر ان د.فوتشي وهو مدير دائرة مكافحة الحساسية والامراض المعدية في أمريكا، ويعتبر اعلى سلطة في مجال الفايروسات عالميا، وله باع طويل في محاربة الفايروسات منذ ظهور فايروس الايدز في ثمانينيات القرن الماضي، يحذر من النسخة الجديدة من الفايروس الكوروني، ويصفها بأنها اسرع انتشارا واعراضه اشد فتكا، حتى من النسخة البريطانية من الفايروس المتحور، واللقاحات الحالية غير فعالة بالشكل الكافي لردعه ، وتحتاج الشركات المصنعة الى زمن إضافي ربما بضعة اشهر لتعديل اللقاحات لتصبح فعالة ضد التحورات الكورونية الجديدة.
ويشير فوتشي الى ان اغلبية التحورات تأتي ضعيفة عادة ، وليس لها فعاليةmeaningless، لكن التحور أحيانا يأتي اقوى من النسخة التي سبقته، وهذا ما حصل هذه المرة، وفي وقت قياسي على ما اعتقد، أولا في بريطانيا وأعلن الأطباء هناك ان سرعة انتشاره تصل الى 70% أسرع من نسخة Covid-19، ولذلك لجأت بريطانيا الى الاغلاق لمدة 6 أسابيع، رغم وجود اللقاح لمحاصرة العدوى، لأنها تتسبب في اغراق المستشفيات في المصابين الذين يحتاجون عناية حثيثة.
ليأتي هذا الفايروس الجديد العن من سابقيه، والذي اعطوه رقم 501.V2 فهو أسرع انتشارا من سابقيه ويشكل تهديدا حقيقا للأمريكيين حسب تصريح فوتشي كونه انتشر في أربع ولايات أمريكية حتى الان.
ويرى فوتشي ان امريكا محظوظة كونها قادرة على مراقبة الوضع والتعرف على أي نسخ جديدة من الفايروس المتحور، وتتعرف على مدى قدرتها وفعاليتها وهذه الخاصية ليست متوفرة لدى العديد من الدول، وهذه مفردة مهمة بالنسبة لنا.
المهم ان الجهات الصحية المعنية في أمريكا أعلنت حالة الطواري لمواجهة الخطر الجديد الذي ينظر اليه على انه اشد فتكا من الفايروس في نسخته الأولى، والثانية النسخة البريطانية، وهو ما يجعل الالتزام بالتعليمات الصحية والمتمثلة في لبس الكمامة، والتباعد الاجتماعي وتجنب التجمعات، والخروج الى الجبل أي المناطق المفتوحة، وغسل الايدي بين فترة وأخرى، وهي الطقوس التي تقضي على أي فايروس كما يقول المختصين هناك ، أصبحت أكثر الحاحا من أي وقت مضى بسبب خطورة النسخة الجديدة الجنوب افريقية من الفايروس المتجدد اللعين، وبسب عدم نفع اللقاح فيه حاليا.
فأين نحن من هذه التطورات؟!
على الاغلب ان النسخة الجنوب افريقية منتشرة بيننا ونحن لا ندري. فها هي الإصابات تنتشر والاعراض قاسية وتصيب الشباب، وعدد الموتى يزداد، ولكن الناس في غفلة، وفي حالة انفصال عن الواقع، وكأن على رؤوسهم الطير.
لكل ذلك أقول " الأمور تتجه نحو الأسوأ".
وليرحمنا الله من غفلتنا ومن عائلة الفايروس الكوروني المتجدد والمتحور

***

- فالج لا تعالج: فصول من حكايات الخيال الكوروني السحري.

وصلني على مدار أيام الكورونا اللعينة، ثلاثة حكايات من الخيال السحري، تنفع فصول او أجزاء من قصة ملحمية من الزمن الكوروني، على شاكلة ألف ليلة وليلة، ذلك لأنها تشبه الكذب، وتشي بأن المخفي أعظم فيما يجري وراء الكواليس او على السكيت وانه لا امل في الخلاص.
الفصل الأول بطل القصة صديقي فادي جرار، وكان من أوائل الناس الذين أصيبوا بالكورونا، رغم انه رياضي، ويعمل في مجال مبيعات مستلزمات الصيدليات.
فحينما سألت فادي عن كيف أصيب، أخبرني بأنه التقى مع دكتور صيدلي صديق له بحكم العمل، وان ذلك الدكتور الصيدلي دعاه لتناول مشروب بارد في مقهى اول محل عصاير لم يفصل في هذه.
المهم ان فادي يقول اشتبهت صراحة انه مريض فقد كان وجهه ممتقع ويؤشر الى ان هناك خطب ما!؟ فسأله فادي إذا كان مكورن فنفي نفيا قاطعا.
ولتكتمل المأساة استجاب فادي الى الدعوة وذهبا الى مطعم قريب وهناك وقعت الكاثرة.
فسألته، الم تأخذ حذرك؟! فرد على فادي انه وبسبب الاكتظاظ في المطعم جلسا قريبين معا، وانه عندما أراد ان يتكلم كان يمد بوزه لان المحل دوشه كي اسمع الكلام. اسمع الكلام يا عبد السلام.
في اليوم التالي شعر فادي بأعراض الكورونا، وذهب للفحص قبل ان تكتظ امكان الفحص بدورها ليتبين انه فعلا مصاب، وتم الحجر عليه أربعة عشرة ليلة، ليلة تنطح ليلة، ولم تترك الإصابة اثارا طويلة الأمد، رغم انه أحس بكل ما يحس به المكورن من الم وخوف وعزلة وترقب.
الفصل الثاني من صديقي الصدوق الشاعر الهمام بدون ذكر الأسماء، وحكايته سمعتها منذ مدة ليست قصيرة، حيث أخبرني انه مر صباح أحد الأيام، من امام منزل أحد معارفه، فاقترب منه وسلم عليه وشرب معه الشاي، بحكم الجيرة والعشرة، والمذكور يعمل في المجال الطبي، واغلب الشعراء لديهم فراسة، فنظر نظرة الي وجه جاره، فارتاب من حاله، وما بدى له قبل سؤاله، فقد احتقن واصفر.
وعندما صارحه صديقي الصدوق وسأله هل انت مصاب في الكورونا؟ فاستهجن الجار وأنكر. لكنه في اليوم التالي اتصل في صديقي الصدوق وأخبره ان عليه اجراء فحص كورونا كونه مخالط، فقد تبين انه مصاب فعلا. زغرتي يا هلاله.
اما الحكاية الثالثة فهي ليست فقط حكاية من الخيال الكوروني، ولكنني اظنها جريمة مكتملة الأركان، ان كانت قد حصلت فعلا.
فقد حدثني اليوم صديقي فقال:
حدثني صديقي، ان صديقا له دعاه للذهاب معه مشوار في السيارة مسافة عشرة كيلومتر ذهابا وايابا، لقضاء حاجة، فاستجاب له المسكين ويا ليته ما استجاب.
وأضاف المغرر به، بانه ما ان تحركت السيارة حتى بدى له ان صديقه الذي دعاه، وعلى المستشفى في نهاية المطاف وداه، بانه مكورن وبدأ يسعل، وكانت عيونه محمرة كجمرة في وسط النار.
فسأل المغرر به صديقه سائق الحافلة إذا كان مصاب بالكورونا فانكر طبعا، عادي، كل الناس تنكر المرض خاصة الكورونا القاتله، ويضيف صديق سائق السيارة، بأنني قمت على فتح الشباك فطلب مني اقفاله لأنه يشعر بالبرد فأقفلته بناء على رغبته.
وحتى تكتمل المأساة الجريمة، وعلى الرغم انه لم يتوقف عن السعال الا انه لم يتوقف عن التدخين أيضا.
المهم يقول هذا الراوي ولا أدرى مدى صدق روايته، فهي تبدو من الخيال السحري الكوروني العجيب، بأنه ما انتهى ذلك المشوار اللعين حتى شعر وكأن ماء نار قد عبرت انفه الى دماغه، واعتراه منذ تلك اللحظة ما يعتري المكورن، ليذهب في اليوم التالي للفحص لتأتي النتيجة باللون الاحمر.
ولم تنته الى هنا حكاية هذه المأساة. حيث يقول اتصلت بصديقي لأخبره عن مصابي، فكأنني رايته من خلال الجوال يركع لي، راجيا ان لا أخبر أحدا بما جرى له ولي، او انه كان وراء ما حل بي من كارثة.
والسبب يقول الراوي ، وهو أقبح من ذنب هنا، انه مقاول ينقل أطفال في سيارته ويخشى ان يمتنع الأهالي عن ارسال أطفالهم معه فينقطع رزقه.
الصحيح معه حق الا يقول المثل الدارج قطع الاعناق ولا قطع الارزاق! فلتقطع اعناق كل الأطفال، وكل الأهالي، وكل الناس، على ان لا يقطع رزق مكورن واحد، صاحب باص او صاحب بقالة او صاحب عرباية.
وها انا اسكت عن الكلام المباح وغير المباح، والى راح راح، وسلامة تسلمكم.

***

- فالج لا تعالج: حرب الكورونا وجبهة العنف المجتمعي.

يذكرني الفيسبوك هذا الصباح انني في مثل هذا اليوم من العام الماضي، نشرت تغريدة على صفحتي هذا نصها :
"يا جماعة الحياة صعبة صحيح. فالإنسان يواجه تحديات.. أفراد من العائلة يمرضون والبعض يهرمون وموش دايما بتحصل على الوظيفة او الترقية التي تبحث عنها، لكن الصحيح هو ان المرونة والإيجابية مطلوبة حتى تواجه هالمشاكل والتحديات وتعيش الحياة."
كان هذا في العام الماضي وقبل الهجوم الكوروني اللعين، فماذا نقول عن زمن الكورونا الذي اشتد وقسى وطال وقلب حياتنا رأس على عقب؟ واي صعوبة كنا نتحدث عنها في زمن ما قبل الكورونا، مقارنة بما نحن فيه من وضع كارثي مؤلم ومخيف؟ حتى ان المرض لم يعد مرضا عاديا وانما أصبح كورونا، وباء، وجائحة، بما تحمله هذه الكلمات من مخاطر والم وموت محتمل. فلا وجه شبه ولا مجال للمقارنة بين زمن ومشاكل ما قبل الكورونا، وزمن ومشاكل ما بعد الكورونا. وكانا كنا في الجنة وأصبحنا في نار الكورونا.
والمعروف ان الضغط يولد الانفجار، كما تقول القاعدة الفيزيائية... فماذا نتوقع إذا من هذه الحالة الكارثية التي نتجت عن حرب الكورونا؟
لا شك ان الكورونا وإفرازاتها تمثل بيئة خصبة لنمو مشاعر الخوف، والقلق، والإحباط، والغضب، وما الى ذلك من مشاعر سلبية. وهي مصدر هائل للاضطرابات النفسية، والانحرافات السلوكية. كيف لا ونحن نستشعر ونشاهد المشاكل المجتمعية التي برزت كنتيجة لحرب الكورونا، وتشمل دون حصر، الخوف وفقدان الأمان، والمشاكل الصحية المرتبطة بالعدوى الكورونية، والاغلاقات وانقطاع التواصل، والقلق من تبخر المدخرات وعدم توفر دخل مناسب، والوقوع في متاهات العوز والحاجة بسبب التعثر المالي للاسر زيادة على الصعوبات الاقتصادية. فكيف لا ينعكس كل ذلك على سلوك الافراد في المجتمعات على شكل مظاهر عنف إذا؟!
كما هو معرف فأن العنف يزيد في أوقات الطوارئ، والأزمات، بما فيها، ان لم يكن على رأسها، الأوبئة، فحرب الكورونا لم تقتصر على التهديد المباشر لصحة وحياة الانسان، وانما فتحت جبهات حرب حقيقية من الخوف والقلق في النواحي النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية. ومن الطبيعي توقع افرازات مجنونة لكل هذه الضغوط، قد تترجم الى اعمال عنف مجتمعي، وقد حصل ما هو متوقع والأيام القادمة حبلى بالمزيد.
وكما لاحظنا ولمسنا فقد حصل فعلا زيادة غير معتادة في حالات العنف المرئي تتمثل في جرائم القتل غير المسبوقة هنا وهناك، فما بالك في حالات العنف الذي يتم في الخفاء، وقد يكون ضحاياه من الأطفال والنساء بسبب حالات العزلة والاغلاق التي تكررت وجعلت الاسرة تعيش ظروف قاهرة ومنغلقة وضاغطة.
والابواب مفتوحة للمزيد في ظل استمرار حرب الكورونا، وتبعاتها وما يرتبط بها وينتج عنها من اثار خطيرة وجسيمة في المجالات النفسية والاجتماعية والاقتصادية عدا عن الصحية وغياب الشعور بالأمن والأمان الصحي في ظل عدم وضوح الصورة وتفاقم الوضع الصحي، وانتشار الاخبار عن قرب انهيار النظام الصحي، وعدم وجود اسرة في المستشفيات لاستقبال المرضى الذين يحتاجون للعناية المكثفة، وحالة الإرهاق التي تبدو جليه على الطواقم الطبية.
والمشكلة الأكبر انه لا يبدو ان هناك نهاية لما نحن فيه بل اننا نعيش على مستوى العالم اجمع حالة تخبط وعجز امام العدو الكوروني الشرس، والذي يفتك باعداد ليست قليلة ويتطور ويتمحور مما استدعى عند بعض الدول مزيدا من الاغلاقات التي سيكون لها تبعات اقتصادية ونفسية واجتماعية اشد، وسوف ينتج عنها وللأسف مزيدا من العنف المجتمعي كتحصيل حاصل.
والصحيح وكما تشير التقارير فان العنف المجتمعي ارتفع بشكل هائل في كافة المجتمعات وليس فقط في مجتمعنا المحلي، مما دعا الأمين العام للأمم المتحدة الى الدعوة لوقف إطلاق النار في جبهة العنف المجتمعي، والاسري، معتبرا ان ما يجري من ارتفاع غير مسبوق في العنف المجتمعي اشبه بحالة حرب، تستدعي وقف إطلاق النار، وليس مجرد ظاهرة اجتماعية عنيفة، وعلى اعتبار ان العنف تجاوز بكثير المستويات المعهودة في زمن السلم.
فما العمل إذا؟ هل نستسلم لكل هذه الضغوط النفسية التي افرزتها الكورونا وتبعاتها، ونسقط في متون العنف ايضا؟ هل نترك الموج يجرفنا نحو الجنون، وفقدان السيطرة، وممارسة العنف، او ان نكون ضحايا له؟
علينا ان ندرك أولا بأن الضغط يولد الانفجار، وان الضغوط النفسية التي نتجت عن الجائحة وتباعاتها امر ليس هينا ولا عاديا، وانما هو سبب حقيقي في دفعنا الى ما يشبه الجنون في تصرفاتنا، ويتمثل ذلك في اضطرابات نفسية، قد تدفعنا لارتكاب اعمال عنيفة ليست من طبيعتنا.
وما يجعل الامر أكثر صعوبة عندنا هو غياب الارشاد النفسي بشكل كامل تقريبا، وهو مغيب أصلا حتى في الظروف العادية، فلا تكاد تجد دراسات او تحليلات او وصفات علاجية وارشادية نفسية لحالات اليأس والاضطراب والخوف والكآبة وفقدان الامان الاقتصادي المرتبطة بحالة الحرب التي نعيشها. وكأن خدمات الارشاد النفسي تراجعت في عز الازمة بدلا من ان تتكثف.
وما يزيد الطين بلة هو التباعد الاجتماعي، وحالات العزلة الناتجة عن الاغلاقات وانقطاع العلاقات الحميمية مثل التسليم وحضور المناسبات والحفلات ومشاركة الناس في افراحهم واطراحهم. كما تعطل الى حد بعيد نظام الدعم الاجتماعي بسبب التباعد والخوف من العدوى ومن ذلك الجوامع والنوادي وحتى المقاهي التي لا شك انها كانت امكنة توفر دعم نفسي واجتماعي غير مباشر للناس.
ومن تجربة شخصية كنت أجد نفسي عندما اذهب الى النادي والتقي مع الأصدقاء هناك وامارس الرياضة، قد عُدت الى المنزل وكأنني شخص اخر جديد، غير الذي دخل الى النادي منذ ساعات، وقد تخلصت من الكثير من الكدر والنكد والكآبة، والضغط النفسي، وتحصلت على حالة توازن بفضل وبفعل عمليات التفريغ التي تتم اثناء ممارسة الرياضة. وحتى هذه انقطعت عند معظم الناس خشية من الإصابة في النوادي او بفعل امور الاغلاق القصرية.
رغم كل ما قيل وما يمكن ان يقال في ظل هذه الظروف أرى بأننا يجب ان لا نستسلم للواقع المرير الطارئ. بل علينا ان نحاول استيعاب الضغوط، وإظهار اقصى درجات الوعي والمسؤولية في التعاطي مع تفاصيل الحياة اليومية، وان نتمتع بالمرونة النفسية المطلوبة في مثل هذه الظروف القاسية، وهذه المرونة تتمثل في تقبل الظرف والتعامل معه بعقلانية ووعي، وفي نفس الوقت الاستعاضة عن الحميمة المقطوعة، وانقطاع التواصل الوجاهي من خلال استبداله بالتواصل عبر وسائل الاتصال الاجتماعي. إضافة الى ضرورة احياء طقوس التكافل الاجتماعي التي اعتادها شعبنا اثناء الظروف الصعبة التي اختبرها زمن الانتفاضات ونتج عنها ظروف مشابهه الى ما نحن فيه.
وحيث ان الظروف فرضت واقعا جديدا علينا ان نتقن وبسرعة استخدام وتسخير التكنلوجيا والأدوات التكنولوجية الجديدة التي فرضها الواقع الجديد، وان نتدرب عليها ان كان هناك حاجة للتدريب، وان نتقبل هذا الواقع البديل الذي أصبح لا مفر منه ما دامت ظروف الجائحة قائمة، ذلك طبعا هو العالم الافتراضي، وان لا نظل مشدوهين نقف على اعتاب الحلول وعيوننا شاخصة، او ان نظل عاجزين او مترددين في تسخير التكنولوجيا لمصالحنا، ولتساعدنا على التعامل مع الظروف، وبما يخفف من الأعباء النفسية ويعوضنا عما فقدنا من دعم نفسي واجتماعي كنتيجة للجائحة وافرازاتها.
ولا شك ان شركات التكنولوجيا قد وفرت أدوات لتساعدنا على التعامل مع ظروف الاغلاق والانقطاع عن الناس، وحتى التجارة والحصول على مصدر رزق أصبح متاحا وممكنا عبر الانترنت.
فمثلا صار بإمكان كل شخص يتعامل مع وسائل الاتصال الاجتماعي الامن انشاء غرفة دردشة تمكنه من التواصل الدائم مع الاخرين وتبادل الرأي والتعبير عن مكنونات نفسه واحباطاته، وبالتالي تلقي الدعم النفسي من اقرانه في غرفة الدردشة.
وقد وفر الفيسبوك مثل هذه الغرفة التي يمكن اللجوء اليها وتسخيرها للتواصل الافتراضي والبديل، والتي يمكن ان تكون بديل مهم ومعتبر عن التواصل الوجاهي، حيث يتمكن الشخص من الاتصال مع من يشاء فتحدث عملية تفريغ نفسي ويتحصل الانسان على دعم اجتماعي لا يجوز ان ينقطع او ان يظل غائبا فيودي الى استمرار الضغوط النفسية، وربما تراكمها مما يؤدي الى عواقب غير سليمة، وغير مرغوبة قد تصل الى سلوكيات غير سوية او تنفجر على شكل اعمال عنف.
والمصيبة ان قطاع عريض من المجتمع يمكن ان يكون يتعرض بصمت لمثل حالات العنف هذه وعلى رأسهم شريحتي النساء والأطفال. فما نراه من اعمال عنيفة تهتز لها ابداننا ما هو الى رأس جبل الجليد حسب التعبير الفرويدي والمخفي أعظم وضحاياه يعانون بصمت.
ولا شك ان هناك طرق أخرى عديدة للاتصال والتواصل والمهم ان تتحقق الغاية في التفريغ وتلقي الدعم النفسي والاجتماعي، وان لا يتردد الانسان في طلب المساعدة النفسية في حالة شعوره بضغط هائل قد يأتي على شكل مشاعر كآبة وحزن ومشاعر سلبية أخرى.
كما تعتبر الرياضة والخروج الى الأماكن المفتوحة مثل الطبيعة من العوامل التي تحقق نوع من العلاج والتهدئة النفسية والتفريغ، حيث وكما هو معروف فان الرياضة تعمل على افراز هرمون السعادة في الدماغ، وهو بالتالي ما يجعل المرء عصيا على المشاعر الضاغطة التي قد تقوده لفقدان السيطرة وارتكاب الحماقات العنيفة.
ويعتبر الابداع او التعبير الإبداعي متنفس مهم في حالة الازمات، وغالبا ما تزدهر طرائق التعبير الساخر، فالسخرية من الواقع واحدة من اهم أدوات التغلب على المشاكل والواقع المرير.
وكذلك إيجاد هوايات بديلة تعيننا على قضاء الوقت بشكل ممتع وربما يعود علينا بالنفع الاقتصادي، وهو حتما يعود بالفوائد من النواحي النفسية.
الامر ليس هين، ومن المتوقع ان يكون لحرب الكورنا افرازات عديدة، وقد يتحول الضغط الهائل المصاحب لهذه الظروف الى حالات فقدان سيطرة وعنف مجتمعي. ولكننا لا يجب ابدا ان نستسلم، بل علينا ان نعي خطورة المرحلة على سلوكياتنا وان نتمتع بالمرونة للتعامل مع الواقع ونستخدم لذلك كل الوسائل المتاحة لتظل الأمور تحت السيطرة ويتحقق وقف إطلاق النار في هذه الحرب الشنيعة التي أصبحت تهدد حياتنا إضافة الى التهديد من الكورونا اللعينة.
ولنعلن وقف اطلاق النار فورا ودون مزيد من التأخير.

***

[SIZE=26px] - فالج لا تعالج: الكورونا الفتاكة ومتلازمة النعامة. [/SIZE]

اياكم ان تتركوا مواقعكم في الجبل قبل ان تنتهي المعركة. كانت هذه توجيهات الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، الى الصحابة المقاتلين في معركة أحد، لكنهم وما ان شاهدوا بدايات الانتصار حتى تركوا مواقعهم خلافا لما طُلب منهم، طمعا في ان ينالهم حصة من الغنائم، فانقلب السحر على الساحر وتحول النصر الاولي الى هزيمة ساحقة كادت ان تنهي الإسلام في تلك الموقعة.
وكأننا في حالة تشبه تلك كثيرا، وكأن الناس تركت مواقعها في حربها مع فايروس الكورونا، وعادت الى حياتها الطبيعية ما قبل الكورونا.
او اننا في حالة تشبه ما تفعله النعامة حينما تشعر بالخطر، حيث تدفن رأسها في الرمال، ظنا منها انها ستكون في منأى عن الخطر.
أحد الأصدقاء اتصلت به اليوم لأطمئن عليه، كونه مثلي ستيني، أي من افراد الشريحة المهددة بالانقراض بحكم السن، فأخبرني انه شال الكورونا من راسه تماما وما عادت تشغل باله، وانه عاد الى حياته العادية الخالية من الكورونا.
شخص اخر تحدثت معه هاتفيا فأخبرني انه عاد للدوام في مؤسسته بعد انقطاع طويل بدأ مع الاغلاقات، وكأن الكورونا ما عادت موجودة.
وقد غابت فعلا منذ أيام ضجة الكورونا الإعلامية، التي ظلت مدوية منذ اندلاع الوباء، وازدادت بشكل كبير بعد ارتفاع عدد الإصابات الى 2000 إصابة وأكثر، وتساقط العشرات صرعى كنتيجة للوباء.
وتزامن هذا التراجع، سواء كان بقصد او من غير قصد، مع الإعلان عن اجراء انتخابات في المستقبل القريب، لتحل اخبار الانتخابات الموعودة محل اخبار الكورونا اللعينة.
والاشاعة تقول ان الناس قد عزفت عن اجراء الفحوص. والبعض يقول ان الناس صاروا خبراء في التعامل مع العدوى، ويمكنهم ببساطة إبقاء امر الإصابة سريا واخذ الادوية التي صارت معروفة للجميع، من الصيدليات دون التورط في كل تلك الإجراءات المزعجة، التي كان يخوض فيها المصاب من فحوص ومتابعات وحجر.
لكن بغض النظر عن الأسباب التي غيبت اخبار الكورونا وضجتها، وجعلتها في أدني قائمة اهتمامات الناس، لا شك ان هذا العزوف عن الاهتمام في موضوع الكورونا، سيؤدي الى تراخي كبير في إجراءات مقاومة العدوى، وانتشار الوباء، سواء بصورة واعية او غير واعية، وما هي الا أيام حتى يتكرس شعور زائف بالأمان، فيتخلى الناس عما تبقى من اجراءات وقائية، ولو انها كانت في حدها الادنى أصلا، ونعود الى دائرة الألم من جديد.
وهو ما سيوفر الفرصة للفايروس اللعين ان يعاود الكر، ويعود لينقض على الناس من جديد ليفتك بهم بعد فترة وجيزة لن تطول، مستفيدا من حالة التراخي التي لا نعرف الى أي حد يمكن ان تصل قبل ان تعاود ارقام الإصابات الى الارتفاع الى مستويات شاهقة ومخيفة، تدفع الناس الى معاودة الاهتمام في الموضوع كما يحصل الان في لبنان مثلا، خاصة إذا ما تسرب لنا وكنتيجة لحالة التراخي النسخة البريطانية من الفايروس السريع الانتشار والفتاك الذي يقال انه وصل الى لبنان.
وسوف يدفع الناس ثمنا غاليا ومرتفعا، وقد ازالوا دروعهم الواقية، وكماماتهم، واستعجلوا ترك أماكنهم وعزلتهم، وعلى الاغلب سينخرطون في تصرفات مجنونة، بمقاييس الزمن الكوروني، توفر الفرصة للفايروس بأن يعود لينتشر بصورة كبيرة.
هناك حقيقة ثابتة عن هذا الفايروس اللعين وهي انه إذا ما التزم الناس بالإجراءات وطبقت السلطات إجراءات العزل والاغلاقات تنخفض ارقام الإصابات، والعكس صحيح، ولا جدال في ذلك فهذا مثبت وحقيقي.
منذ قليل اذاعت محطة السي ان ان بالإنجليزي خبر يقول ان نسبة 60% من الإصابات في الولايات المتحدة وقعت بعد اجراء الانتخابات. يا للهول؟! هذا يعني انه في مدة شهرين تقريبا كان عدد الإصابات في أمريكا اعلى من عدد الإصابات التي وقعت في الولايات المتحدة قبل 3/11/2020 أي خلال مدة عشرة أشهر.
والتفسير الوحيد لهذه الزيادة ان تصرفات الناس والتجمعات والتقارب الاجتماعي وتلك المهرجانات الانتخابية المجنونة والتي لم يلتزم الناس فيها بالكمامات او بالتباعد الاجتماعي أدت الى هذا الارتفاع المهول في عدد الاصابات، والذي تسبب هناك الى ارتفاع هائل في عدد القتلى اليومي أيضا حتى وصل الى 4000 قتيل بعد ان كان قبل الانتخابات بحدود 70 قتيل كأقصى حد.
وعلى الناس ان تدرك بأن انحسار اعداد الإصابات لدينا لا يعني ان الوباء قد اختفى، كما ان اختفاء الضجة لا يعني ان الوباء صار اقل فتكا واقل خطرا.
فها هو الأستاذ الجامعي جهاد عوادJihad Awad
(أبو هشام) ابن قرية قيره، يسقط اليوم ضحية جديدة لهذا الوباء اللعين. وقد نشرت صفحة كفل حارس أولا بأول اخر كلمات مرعبة له قبل وفاته، وقد وصلتني عبر المسنجر قبل قليل، وهذا نصها:
" يا قاتل الاحباب، ابي وأخيه منذ أيام، وكثير قبلهم وبعدهم مجهول. مالي اراك متربصا هل يثنيك قوة بدن...ام فرق في الازمان. والذي بعثك مجندا لا اخشاك، ما دامت المنايا بقدر الانفاس محصاة، فها هو الليل الطويل بيننا، ما بالي اراني اصارعك وعين القدير شاهدة، ان لا جزع، فمرحبا بالمكتوب ما دام لا مستأخر في الميعاد ولا مستقدم ...ولا منة، فسلام على الديار بطولها وعرضها وأهلها الكرام ان استوفى الحساب، فالموت لا يسرعه طول الامل".
وكان المرحوم أستاذ جامعة خضوري، قد نشر هذه الكلمات المرعبة على صفحته الشخصية Jihad Awad في تاريخ 2/1/2021 لينتقل الى رحمة الله تعالى هذا اليوم، لاحقا والده وعمه حسب كلامه، وبعد كل ذلك الصراع المرير مع المرض الذي يعجز الكثير من المصابين عن وصفه.
ونحن نعرف ان الإصابات ما تزال مستمرة والمستشفيات ما تزال مليئة بالمصابين في غرف العناية الحثيثة يصارعون من اجل البقاء، وان تراجعت اخبارهم، واهتمام الناس بهم.
وعلى الناس ان يدركوا بأن أي تراخي سيوفر الفرصة للفايروس لكي يعاود الكرة وسوف يضرب من جديد بقوة ويفترس اعداد إضافية من الناس، ولن يقتصر الموت والاعراض الشديدة المؤلمة على عنصر العواجيز، والضعاف، فها هو هذا الأستاذ شاب ويبدو انه كان في صحة جسدية جيدة ولياقة بدنية جلية واضحة.
ان موت هذا الانسان يمثل جرس انذار، وعلم احمر، لكل الواهمين بأن الوباء قد اختفى وان خطره قد زال.
على الناس ان تستمر في التزام الإجراءات والعزل وعدم التهاون في التعامل مع الفايروس وحماية أنفسهم.
فالحرب لم تضع اوزارها بعد، وهذا فايروس لعين، سوف يستثمر أي تراجع في الإجراءات ليعاود الانتشار.
وارجو ان لا تكون الانتخابات المزمع عقدها باب جديد للتجمعات والتقارب الاجتماعي المحرم زمن الجوائح، وهو الامر الذي سيتسبب في كوارث على شاكلة ما جرى في الولايات المتحدة والمثبت بالأرقام.
لا يمكننا ان نفعل ما تفعله النعامة، ونحن نعرف ان الخطر مقيم وجسيم.
ولا يمكننا ان نترك مواقعنا قبل ان تضع الحرب اوزارها وتنتهي تماما، ولا سنوفر للفايروس فرصة عظيمة ليتلف علينا، ويفتك بنا في جولة لا تشبه ما سبق.
وان غدا لنظاره قريب.
اللهم ان قد بلغت اللهم فاشهد.

***

- فالج لا تعالج: الحروب سر نهضة الشعوب

المحن منح، وكل شيء في هذه الدنيا له وجهان، واحد سلبي واخر إيجابي، وهذا هو ديدن الحياة التي تقوم على النقائض والمتقابلات.
وحتى جائحة كورونا وعلى الرغم من الدمار الشامل الذي تسببت فيه حتى الان في المجالات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والصحية.. الخ. لكنها تظل محنة عظيمة ستأتي فيما بعد بنتائج مبشرة وخيرة للإنسانية كأي محنة تأتي في جذورها بالخير والمنح.
وسوف ينتج عنها منح عظيمة حتما عظم الألم الذي تسببت به، فالعلاقة بينهما طردية. وتتمثل هذه المنح في نهوض غير مسبوق، على شاكلة قفزات حضارية هائلة تتناسب طرديا مع قوة الالام، وشدتها، واتساع رقعتها، والتي اوقعتها الجائحة، وتسببت بها وما تزال، فهذا ديدن الحياة ايضا، وسر الإنجازات العبقرية فيها عبر التاريخ، والأدلة على ذلك كثيرة، سأحاول ان اسوقها هنا وباختصار.
ولا بد من الإشارة أولا ان هذه ليست محاولة للتهوين من كارثية الوضع، ومأساوية ما تسببت فيه هذه الجائحة، او انها محاولة لرسم صورة وردية لبث الامل الزائف في النفوس، او التهوين من شدة ما خلفته، وتخلفه هذه التجربة الإنسانية المريرة والمدمرة وانما هو مستنبط من وقائع التاريخ وما تراكم لدينا من معارف، وفهم لسر النهوض الحضاري.
فهذه الجائحة حرب شاملة مؤلمة ومدمرة وقد عصفت بالبشرية على حين غرة ودون سابق انذار، وقد تسببت بآلام واوجاع لا مثيل لها حتى في تاريخ البشرية، خاصة ان الامر لم ينتهي بعد، والابواب مفتوحة على كل الاحتمالات، ولربما يتجاوز عدد ضحايا الجائحة الكورونية في نهاية المطاف عدد قتلى الأنفلونزا الاسبانية التي قتلت الملايين مطلع القرن العشرين، وذلك رغم التقدم العلمي الهائل الذي تحصل في السنوات القليلة الماضية خاصة في مجال الهندسة الوراثية وأدى الى تحقيق تقدم غير مسبوق في صناعة لقاح في فترة زمنية قياسية اعتمادا على هندسة الجينات.
والحقيقة الماثلة امامنا الان هي ان جيوش الفايروسات الكورونية التاجية، شنت حرب عالمية شاملة على البشرية، وهي حقيقة حرب دمار شامل، رجحت فيها كفة الفايروسات التي شنت وما تزال حرب إبادة عصفت بالبشرية منذ مطلع العام الماضي 2020، وكان للفايروسات اليد العليا فيها، فأصابت، وقتلت، وعطلت الحياة الاقتصادية، وتسببت بأزمات لا متناهية نفسية واجتماعية ومالية إضافة طبعا الى الازمات الصحية المؤلمة والقاتلة. وفي كل يوم يسقط ضحايا يضافون الى الذين سقطوا حتى الان بعد معاناة لا تطاق ويصعب وصفها في غرف العناية الحثيثة حيث يستهدف الفايروس أجهزة التنفس وما يلبث ان يخنق ضحاياها خنقا قاضيا عليهم.
لكن هذا الواقع المرير ورغم فداحة النتائج والدمار الهائل الذي خلفته الجائحة وما تزال، هو بالتحديد الذي سيولد تلك النهضة الهائلة الموعودة والتي اظنها واقعة لا محالة إذا لم تتسبب الجائحة في فناء البشرية وتم السيطرة على العدوى في وقت ما قريب سواء من خلال اللقاحات العديدة او من خلال مناعة القطيع او تحور الفايروس من جديد ليصبح ضعيف هذه المرة ويفنى لوحده دون تمكن البشر من عمل شيء لردعه.
ذلك لأنه أينما وجد الألم ولد الابداع والعبقرية والإنجازات المهولة الحضارية، فماذا نتوقع إذا وقد أصبح الألم طوفانا يعم العالم اجمع، ولن يسلم منه انسان كائن من كان وسوف يناله من حب والم الكورونا جانب وان لم يكن في المجال الصحي.
يقول جبران خليل جبران، "اللؤلؤة هيكل بناه الألم حول حبة رمل"، ولا شك ان هذا يعني في راي جبران بأن الألم سر الابداع والتألق ومخرجات عقول المبدعين من جواهر وابداعات.
ولقد اختبر جبران خليل جبران الألم بنفسه منذ طفولته، فأولا هناك غياب للوالد الذي كان يعمل في رعي الغنم، وتزوجته ام جبران بعد موت زوجها الأول، وما لبث ان سجن وجبران ما يزال صغير. لكن الألم الذي أصاب جبران في الطفولة وظل معه طوال حياته، هو الم الكتف الذي أصيب كنتيجة لسقوطه من مكان مرتفع، ويقال ان ذلك الألم ظل رفيق جبران مدى الحياة.
كما ان جبران هاجر مع والدته وهو ما يزال صغير، وهي التي تركت زوجها وهاجرت الى الولايات المتحدة مصطحبة اطفالها من الزوجين. وما ان بلغ جبران الثامنة عشرة حتى فقد امه، واخته واخاه ليبقي وحيدا متألما طوال حياته، فصنعه المه ذلك فذا عبقريا، بشاهدة تلك التركة الفنية العظيمة التي خلفها من كتابات نثرية او سردية او فلسفية او حتى فن ورسم حيث كان إضافة الى كونه كاتبا فنانا مرموقا.
المهم ان جبران لاحظ بان الذي يصنع الإنجاز العبقري ليس راحت البال او البدن وانما هو الألم على كافة اشكاله.
وفكرة جبران خليل جبران ليست جديدة، فقد ورد في الحديث الشريف ان الأنبياء اشد الناس ابتلاء، فقد روى الترمذي (2398) عن سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي الناس اشد بلاء؟ قال الانبياء ثم الأمثل فالأمثل...". وهذا الحديث يؤشر الى ان ليس كل بلاء شيء سلبي، فقد يكون البلاء سبب في صنع الأنبياء، ولا يوجد نبي الا وقد اختبر ابتلاءات عظيمة وقصص ابتلاءات الانبياء معروفة للعامة.
حديثا أيضا، خلص الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي ويل ديورانت وزوجته وشريكته ويل في تأليف موسوعة قصة الحضارة، خلص الى ان سر نهضة الشعوب هي الحروب، وقد قدم الأدلة على ذلك في موسوعته من التاريخ، فهو يرى انه لم تمر نهضة في التاريخ الإنساني الا وسبقها حرب طاحنة. ومن الأمثلة على ذلك النهوض الياباني، والألماني، والامريكي الذي جاء في كل من هذه البلاد بعد حروب طاحنة ومكلفة في المال والبشر.
كما ينظر العديد من علماء النفس ان هناك علاقة بين الاحداث والتجارب الماساوية traumatic experiences والابداع .
وقد توصلت شخصيا عبر بحث طويل ان الألم هو مفجر الابداع وسر الدافعية الابداعية. وقد أظهرت ابحاثي التي استهدفت العثور على رابط محتمل بين اليتم والابداع، ان اليتم يمثل اعلى مسبب للألم، ولذلك فهو صانع العبقرية والإنجازات الإبداعية في حدها الاقصى.
وفي بحث احصائي وتحليلي على عينة دراسية يتكون افرادها من افراد أعظم 100 شخصية في التاريخ، الواردة أسمائهم في كتاب الأمريكي مايكل هارت، وهو الكاتب الذي وضع سيدنا محمد في كتابه المذكور على راس أعظم العظماء في التاريخ. تلك العينة التي استخدمتها لدراسية تلك العلاقة المفترضة، اظهرت ان 54% من أعظم 100 شخصية تاريخية هم من الايتام وان باقي من وردت أسماؤهم في الكتاب مجهولي الطفولة فيما عدا اثنين فقط وهو ما يشير الى أهمية اليتم والماسي والمحن في صنع العبقرية والإنجازات العبقرية العظيمة والقيادة الفذة.
كما اكدت عشر دراسات أخرى لاحقة أجريتها على عينات من الافراد العباقرة في مجالاتهم المختلفة نتائج مماثلة ومتقاربة جدا، ودائما تتعدى عامل الصدفة، واشارت بدون مواربة الى ان العلاقة بين اليتم والعبقرية يتعدى عامل الصدفة، بل اكدت ان العلاقة بين اليتم والعبقرية هي علاقة السبب بالنتيجة.
لكل ذلك أقول بأن هذه الحرب التي تسببت حتى الان بالكثير من الألم والفقد والخسائر المتراكمة الى حد انه يمكن القول بأنها احالت حياة البشر الى ركام وحطام بشكل غير مسبوق، لكن وعلى الرغم من فادحة ما خلفته فسوف تتسبب هذه الحرب وافرازاتها في وقت لاحق وبالضرورة والحتمية التاريخية، ومن واقع تلك العلاقة المفترضة بين الألم والإنجازات الإبداعية والعبقرية، وبعد ان تضع الحرب اوزارها، ولمن يبق على قيد الحياة للأسف، وإذا لم تتسبب في فناء البشرية اصلا، سوف تتسبب بنهضة حضارية غير مسبوقة، ذلك لان الألم الذي خلفته غير مسبوق.
وأقول أيضا انه وعلى الرغم من بشاعة الواقع الحالي وارتفاع الثمن الذي ستدفعه البشرية في هذه الحرب غير المتكافئة لكنها ستحصد لاحقا وعلى إثر ما ستخلفه هذه الحرب من الم ستحصد نهوضا، وقفزة حضارية لا يمكن معرفة مداها، لكنها حتما ستغير وجه المعمورة، وقد تنقل البشر الى كواكب اخرى.
فهناك جانب ايجابي لما نحن فيه رغم قتامة الصورة، فمن رحم المأساة تولد الحياة، والمحن منح، والحروب سر نهضة الشعوب، والم لا حدود له يعني ابداع لا حدود له.
فطوبا لمن ينجو من هذه الحرب المدمرة، وينجح في العبور الى عصر ما بعد الكورونا.
وسوف تعلمون.

***

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى