صلاح عبد العزيز - ديوان "حنين الذكريات" أشعار الصبا - شعر

- ربما هذا الديوان أهديته للشاعر محمد فؤاد بكر الذى لا يعرفه أحد ولا أعرف زمن كتابته على وجه التحديد عثرت عليه من ضمن حزمة من الملفات احتفظ بها الأصدقاء الروائى العربى عبد الوهاب / الشاعر عزت ابراهيم . ويغلب عليه التأثر بالشعراء الرومانسيين
من بداياتى


كتبت قصائد هذا الديوان فى الفترة 1985 ـ 1990


ديوان
حنين الذكريات
أشعار الصبا
شعر
صلاح عبد العزيز


اهداء :
بِكُلِّ كَيْنُونَتِى مِنْ عَالَمِى المُذْهِلْ
أُهْدِيكَ يَا أَمَلِى حُبِّى وأَشْعَارِى
أَنْتَ الحَيَاةُ ومِنْكَ الضَّوْءُ إِذْ يُغْزَلْ
علَى الشِّفَاهِ قَصِيدًا شَفَّ أَوْتَارِى
فَاسْكُبْ كُؤُوسَ هَوَاكَ ، إِنَّكَ الأَوَّلْ
فِى كُلِّ خَاطِرَةٍ .. بَلْ كُلُّ أَفْكَارِى

------------------


*
إليك
**
لَعَمْرُكَ إِنِّى بِشِعْرِى النَّقِى
شَرِبْتُ السُّلافَ الذِى قَدْ بَقِى
سُقِيتُ المُدَامَ عَلَى المُشْتَرَى
وطِرْتُ بِدَمْعِى عَلَى الزَّنْبَقِ
جَمَعْتُ العَبِيرَ بِفَيْضِ النُّهَى
فَجُزْتُ المَعَانِى ولَمْ أُُرْهَقِ
ونِلْتُ الجَمَالَ كَمَا يَنْبَغِى
بِنَوْمِ العَذَارَى عَلَى مِرْفَقِى
مَجَرَّةُ كَوْنِىَ قَدْ جُزْتُهَا
ولَيْسَ الهُبُوطُ كَمَنْ يَرْتَقِى
لِذَا قَدْ تَرَانِى أُحِبُ الحَيَاةَ
وأَعْشَقُ مِثْلَ الطُفَيْلِ الشَّقِى
فَخَمْرُ الدِّنَانِ مَذَاقٌ عَفَا
ولَيْسَتْ بِشَئٍ إِذَا نَلْتَقِى
إِذَا أَنَا مِتُّ فَفِى دَفْتَرِى
خُلاصَةُ شِعْرِى وعُمْرِى التَّقِى
*
فى الغربة
**
شَرِبْتُ المُـَّر مِنْ كَاْسٍ
حَبَابـاً يُشْبِهُ الزَّهْـرَا
كَـأَنَّ الكَاسَ مِنْ زَمَنٍ
عَلَيْهَا المُّـر مُزْدَهِـرَا
زَمَانـاً عِشْتُ لَمْ أَحْزَنَ
حُزْنِى أَشْعَـلَ الدَّهْـرَا
*
الغياب
**
أَتُمْعِنُ فِى الغِيَابِ وأَنْتَ خِلِّى
كَفَانِى مَا لَقِيتُ بِفَرطِ جَهْلِى
فلَو أَعْلَمْ .. بِأَنَّ الحُبَّ يُرْدِى
لكُنْتُ الآن أَنْعَمُ فِى التَّسَلِّى
فهَجْرُكَ شَفَّنِى وطَوَى صَوَابِى
وقَدْ خَلَّيْتَنِى ظُلْماً فَمَنْ لِى
ومِثْلُكَ مِثْلَمَا الأَمْطَارُ تُحْيِى
جَدِيبَ الرَّوْضِ بِالغَيْثِ المُهِلِّ
أُعِيذُكَ أَنْ تَكُونَ سَحَابَ طَلٍّ
أَنَا المُشْتَاقُ للمَطَرِ المُطِلِّ
أَطِلَّ عَلَىَّ لا تّخْشَى عِتَابِى
كَوَجْهِ البَدْرِ فِى الليْلِ المُضِلِّ
زمَانُ الحُبِّ طَلْقٌ فِى يَدَيْنَا
فمَنْ يُدْنِيهِ مِنْ قَلْبِى وعَقْلِى
وحُبُّكَ قَـْد تَسَامَى فَى خَيَالِى
وأَصْبَحَ مُنْتَهَى أَرَبِى وشُغْلِى
ولَو أُدْنِيتُ للمَوْتِ اشْتِيَاقـاً
سأَرْضَى مَوْتَتَى إِنْ رُمْتَ قتْلِى
لعَمْرُكَ إِنَّمَا العِشْقُ احْتِرَاقٌ
يَلَذُّ تَذّلُّلِى فِيهِ .. وذُلِّى
وليْسَ يُغَيِّرُ العُشَّاقِ نَأْىٌ
ومَنْ طَلَبَ الرِّضَا بالدَّمْعِ يُمْلِى
فالبِشِّعْرِ الرَّهِيفِ تّرَاهُ نِدًا
وحُبُّكَ مَوْئِلٌ لا شَكَّ يُعْلِى
وجَلَّ الشِّعْرَ أَنْ يُلْقَى لِفَدْمٍ
فَلَوْلا العِشْقُ مَا كَانَ التَّجَلِّى
ولا كَانّتْ مَنَابِعُهُ بِنَفْسِى
تَفُورُ صَبَابَةً مِنِّى وتَغْلِى
ولا كَانَ العَبِيرُ علَى يَرَاعِى
يُسَاقِى الكَرْمَ منْ خَمْرِى المُدِلِّ
ولا كَانَ الحَيَاءُ رَفِيقُ طَبْعِى
فَقَد رَوَّى الوَفَاءُ جُذُورَ أَصْلِى
وفجَّرَ ثَوْرَتِى قلْبٌ مُعَنَّى
ونَمَّ عَلَى شَرِيفِ القَصْدِ فِعْلِى
يُدَاعِبُ مِلْءُ سَمْعِىَ مِنْكَ صَوْتٌ
فَيَعْدُو مُخْبَلاً جَسَدِى وظِلِّى
ويُلْقِينِى السُّهَادُ إِلَى الأَثَافِى
فَتَأْخُذُنِى إِلَى دَرْبٍ مُضِلِّ
أَسِيراً بَيْنَ أَوْهَامِ وبُؤْسٍ
شَرِيداً بَيْنَ أَفْوَافٍ وطَلِّ
وقَدْ صدت عيون الليل عنى
بشائر فجرى المكلوم مثلى
كأنى قد رميت بصدر جن
هوى من حالق الوهم المشل
وتاه العقل منى لست أدرى
ضلالا من هدى .. قد تاه عقلى
حرام فتنتى وشقيق روحى
قضيت العمر ممطولا بوصل
مددت إليك حبل الود طوعا
فصرت اليوم موتورا بحبلى
بذلت من المحبة فيك روحى
فهل يرضيك أن أُرْدى ببذلى
أحبك فوق إدراكى ووعيى
وما أنا بالزنيم ولا العتل
أحبك حب طفل لا يلاقى
سوى الحرمان فى الزمن الممل
أحبك لست أعبأ فى شقائى
فمنك هدايتى أو منك خبلى
أحبك واحة أرسو عليها
تضئ مباهج كالضوء مجل
إذا ما الليل أرخى حاجبيه
وسود فى المنى وانهار طفلى
فيا بدرا تجلى فى سمائى
ويا روح الشباب المستهل
شربت جهالة من فيض كأس
أذل حبابها من كان قبلى
يدور بها فتى الأوهام يرعى
نجوم الليل والفكر المضل
وصب السقم من عمق لعمق
وفى الأعماق نيرانى ونصلى
فما الأشعار إلا من دموعى
وما الأحزان إلا بعض أهلى
عيون الفجر أضناها انتظارى
ففر الدمع منهلا كوبل
وجئت إليك من دنيا ظلام
يحيط الأرض من حزن وسهل
أعاقر خمرة الأشعار إنى
مع العبرات مخمورا بليلى
ويدمى مقلتى الشوق المدمى
وتذوى مهجتى ويموت نبلى
وهذى الروح منسكب بدمعى
فلا تسأم ولا تعبأ بعذلى
ولكن نظرة تمحو دجايا
وتدنى القلب من وهج لظل
فكأسى أترعت بلهيب صد
فليت أراك تجمعنى بشملى
فإن البعد يسحق فى نبضى
وإنى فى الهوى قد ذبت كلى
إن التفتت عيونى فى رحاب
ففى حلل الجمال أراك حولى
أراكَ بمهجتى صرحا ذراه
كنار الحب فى الأغوار تصلى
وأبعَثُ فِيكَ رسلاً بعد رسلٍ
وها قد ملت الأيامُ رسْلِى
وما هدأت شجونى والليالى
أسود الدهر والأشجان تبلى
وما قرت لعينى الغوانى
وأعطار الورود ولثم فل
فما سحر الغوانى عنك يسلى
وما دار اشتياقا عنك ميلى
*
لمثلك تهفو
**
لمثلك تهفو مهجتى وعيونى
فأنت بفضل قد محوت دجونى
وأنت الذى محضتنى النصح فى الهوى
وأهديتنى حبا بغير شجون
وأنت الذى بدلت عيشى نعمة
وقد كنت أمسى فى شقاء مبين
فحبك قد كان السلاف الذى به
قد اخضر دربى واستعدت يقينى
ولولاك ما كان المدى منصتا لما
يقول شعورى أو تخط يمينى
فقبلك كنت الطل يصفعه المدى
ويذوى على كفيه نبع فنونى
وقبلك كنت الغر فى عالم الصبا
أصارع وهما يستفز ظنونى
شريد ووجه فى الظلام يضمنى
ويشعل دمعى مؤذنا بجنونى
فلما رأت عيناك أنى واحد
ألاقى الدياجير التى تصطفينى
غدت كفك البيضاء تمسح دمعتى
وتزهر ضوءا شع فيه جبينى
فشكرا إمامى فى الحياة وإننى
أسير السجايا مثقل بديونى
*
أجللت شعرى
**
أجللت شعرى أن يكـون مـراءِ
ونعيتـنـى فى عـالم الأضـواء
ورضيت كف الليل أن تبقى هنـا
فى قلبى المضنَى الـغريب النـائى
ماذا ستفـعل كفـه وبمهْـجتى
شبـحٌ كئِيـبٌ نـزَّ فىَّ دمـائى
أو ما ترى روح يقـلِّق نـزْعُهَـا
من فى بقَاع الأرض من أنضـاء
سكبت على شط الجراح دمُوعها
فاخضر دامِى الوجد فى الأحشاء
فلقد ظمئـت وشفنى ذاكى الهَوى
ووفيت حتَى خلتنـى بوفائـى
ما لى نظير فى الوفـاءِ لأننـى
قد ذبْتُ فيـه بوحدتـى وشقائى
يا شاعرا أشـربت من كاساتـه
عطر الخمَـائِل فى جديب مسائى
هبنى رقـودا ليس يُرْجَى بعده
إلا صدى الأشعـار والنـدماء
بينى وبينـك مهمـه قـد خفته
والخوف طبع شـف فى حيـائى
بينى وبينـك خطـوة من مسكنى
هى باتساع البحر فوق ذكائى
بينى وبينـك بحر شعـر زاخـر
أنـا لا أطـاول فيه ذيل ردائى
أنا لست ندا أن أكون مرافقـا
نـجم العـلا بـمدارك العلياء
كيف الثناء بمن إذا نطق الثـرى
ما بان من قدره فى عالم الشعراء
وهم الألى شادوا البلاغة للدنـا
حفظوا العروبة من شديد فناء
صاغوا القريض ومن سلاف دنانه
عاد الضياء يشع فى الأرجاء
عاصرتهم .. بل كنت فيهم بلبـلا
عذب الغنـا والند للأنداء
عاصرتهم بل أنت فيهم بدْرهـم
نجم السماء على الذرى الشماء
ما أنت إلا كـوكب متسربـل
رغم الظلام بهالة الأضواء
لا ينبـغى جـرم صغير أن يحــــيط
بضوئه إلا الصريع بداء
*
يا خالى البال
**
لا يدرى القلب كم فى الحب من هالك
ياخالى البال ليلى فى الهوى حالك
كل الليالى بدمع الوجد تعرفنى
فكم سقتنى حميا الحب من خالك
أما ترانى شريد اللحظ من أرق
مثل النجوم براها السهد فى آلك
عفوا حبيب فؤادى لست معتادا
نزف الوريد على طعنات إغفالك
إن الزمان أراه أسودا حلكا
إلا الرجاء بأن أخطر على بالك
يا ليت شعرى والأشواق تقتلنى
أنصب كالخمر فى كاسات إقبالك
هبنى اللقاء فإن لم ترتضى دعنى
أطوى الجراح على أنات أغلالك
هبنى اللقاء وكن لى مرشدا أبدا
إن الدروب ضلال فى المدى الحالك
لا تشتهى النفس أحلاما تحققها
بل تشتهى نغما من فيض أمثالك
*
الأيام
**
ما لها الأيـام تبـدى
مخلبـا يتلـوه نـاب
كلما أقفلت بـابـا
يستبيـنى منك بـاب
خنجر يرسم لحـدى
فى دمائـى واكتـآب
لا أرى إلاك دربــى
أيها الساكـن قلبـى
هكذا أمضى إليـك
فاحـتوينى بيديـك
وامنح الحب فـؤادى
وارونى نبع الشبـاب
*
أغنى بلا ملل
**
خذ الأشعار وارويها
فديتك أنت يا أجلى
وقل لى كيف أحياها
بلا شغب ولا ملل
وغنيها بلا وتر
مع الأضواء واشتعلِى
سنجمع بعض غزلان
على الربوات والجبل
فيسكر كل طيرين
ويشدو الفجر بالقبل
كتبت الحرف فاحترقت
دموعى فى سنا المقل
ولما ثار بى شوقى
رأيت الدمع فى الطلل
يناجى ساكن الأيك
ويسأل سر ذا الميَل
لمن حزنى لمن فرحى
فراح اليأس ينشد لى
لهيبا فى دجى نفسى
قصيدا ذاب فى أجلى
لمن فكرى لمن جدلى
وكم قلبا لمرتحل
يرانى .. ليس يذكرنى
ويقطع راية العدل
فضاعت كل أحلامى
برغم الشدو والحيل
أنا فى الروض كالعطر
وأنت كومضة الأمل
خذى الأشعار يا أملى
وذوبى فى ضيا عملى
إذا ما عشتِ فى أرضٍ
ففى عينى واكتحلى
*
فرقة
**
زرعت القبور صلاتى
لتروى بدمع الرفـات
برغمى أفارق أهـلى
كـأنى تراب بذاتـى
فما زلت نـجم ليلى
كـأنى صريـع فـلاة
بدك المقـادير حزنى
وأشواقى المفجعات
*
أبى
**
غيم البؤس ثارت العاصفه
فى محيط ملبد الأغلفه
وأبى لم يزل بداء بغيض
يستبيح النفوس والعاطفه
فإذا ثار خلته كرعود
أو بقايا من مهجة تالفة
*
لو كنت تعرف
**
لو كنت تعرف ما الهوى ما خنتنى
وتركتنى ميتا بلا أكفان
لو كنت تعرف ما الهوى ما خنتنى
وتركتنى حلما بغير أوان
لو كنت تعرف ما الهوى ما خنتنى
وتركتنى كالظامئ الحيران
*
الحب
**
لمـاذا نحـن نـخشاهُ
ويـصفعنـا ونـهواهُ
لمـاذا نحـن نعـشقهُ
وبالأحـداق سـكناهُ
وفى الأشـعار نذكـرهُ
كـأنا مـا عرفــناه
كـأنا لم نذق أبــدا
بقـايا من سجـأيـاه
فـلولا أنـه فـيـنا
لكـنا قـد صنعـناه
*
صورة ريفية
**
بكف الشط أمواج تعانق جزر صفصافهْ
بها الأسراب من سمك كمثل الروح شفافه
حسان فى بياض الغيد تحت الماء مصطافه
وساقية بنهديها ينيم الضوء أطيافه
تعب الخلد من حان وتلقى الخلد فى حانه
قناة لم تزل تسقى حقيْل القمح ألوانه
وعصفور على توتهْ
يسامر غصن ريحانهْ
يغنى مرسلا شجوا
يعربد ملء أشجانه
يناغم غصنه لحنا
ويحضنه بساقيْهِ
لعل الزورق النائى
يصافح وجه شطيهِ
ويدنى راحة الموج
لأمواج بكفيه
ولكن راشه الوجدُ
بسهم فى جناحيهِ
وفلاح بمعوله يمد بأرضه الخضره
ويحنى الظهر فى جد ليمحو الموت عن زهره
كأنك واجد جنا يذيق الدهر ما يكره
فنحسبه مع الأيام خلدا ناسيا قبره
*
نداء
**
أقبل الليل لا أراك حبيبى
وبه الروح فى السهاد تعانى
وسط لج الظلام أين دروبى
أين أمسى .. بل أين أحلى الأمانى
كلما مُدَّ قيده فى فؤادى
غار نصل الغرام فى جسدى
واستباح الدماء صوت منادى
ضاع منك الهوى وهذى يدى
يا حبيبى أضنيتنى فى المساء
وانتهى العمر فى رحى الذكريات
روحى الحيرى ردها بلقاء
فلقد شفَّها ركود حياتى
يا حبيبى هذى شموعى انطفت
وانطوى الحب فى دجى الحرمان
الليالى والأغنيات انطوت
وأنا حائر ليوم ثان
هل أرى فى الصباح وجهك الدرى
أم أرى سطوة الدموع بجفنى
أى هذا الربيع العمر يجرى
وخريف الهوى أطل بعينى
*
رباعيات للحياة والموت
**
1
أعيش العمر كالزهرهْ
بعيدا فى روابيها
حياة كلها عبق فما للدهر يفنيها
إذا ما العمر فى صمت تولى لم يعد فيها
غرام مات من زمن عبير الروض يرثيها
أنا لو عشت فى قصر نوافذه كقضبان
كطير عاش فى وكر فلم يعبأ بسجان
كأنى نسمة جاءت تبدد كل دخان
فما للكأس أشربها وعمرى ضائع فان
سؤال راح يشغلنى لماذا الحب يشقينا
لماذا الشك فى دمنا نصارعه فيدمينا
لماذا الوهم يشعلنا رمادا فى أغانينا
لماذا نحن لا نحيا ولا تحيا أمانينا
أنين الليل يقذفنى إلى بحر بلا موج
وأعجب كيف يجعلنى أصارع كثرة اللج
وجسما عاريا يزهو مفاتنه بلا حرج
أمام العين يعرضها كغيث جاء بالفرج
كلاب الصيد إن تجرى فللترحيب لا تسعى
فما للحب قد خُلقت ومنها الخير قد نزعا
فإن فتكت وإن قطعت وإن قتلت فلا فزعا
ملكت الروح يا ربى وفيها زدت متسعا
أنا فى الحب بحار بلا مرسى بلا زورق
أصيد الفجر أقمارا أبددها ولا أغرق
أغوص إلى مدى القاع وحتى الأعمق الأعمق
وأجمع لؤلؤا درا وأزرع حوله الزنبق
وهذا الحسن فى وجه يكاد يكون ألحانا
عتى قاهر مفن يزيد الشك إيمانا
أراه الآن فى قرب كورد فاح ريحانا
تراب سوف يجمعه ويفنى كل ما كانا
وتلك الحان قد فتحت لخير مقبل حانا
فصب بكأسك الأوحد عبيرا منك نشوانا
بقايا العمر ترتجف وتخبو عنك أحيانا
فما للكأس قد جفت وصار اللحن أحزانا
أعيش العمر فى صمت أردد بعض ألحانى
كنبع فاض من شجن على ليلات حرمانى
وأحباب تعاندنى وتكسر لين أغصانى
فيملأ عينى الحزن ويذوى ورد بستانى
أصون هواى فى نبضى فيسحقنى ويشعلنى
كأنى النجم إذ أهوى صريعا فى دجى زمنى
وكنت أظن أيامى تطول إذا تسل عنى
تهاوت كل أحلامى سعيدا كنت بالظن
إذا أهدى لى الحزن مساميرا وأوتادا
فإن الحزن أقداح شربن الفن والزادا
تصب الفجر ألاَّقا وتطوى الليل إنشادا
فمن أشقاه ميلاد يظل الحزن ميلادا
حبيب الروح لا تعجب هى الدنيا وما فيها
سراب خادع منها يزيد الروح تأليها
سيبقى الحر معصوما من الأخطاء دانيها
فإن تقرب من الدنيا شربت المر من فيها
وحان الفجر ظمآنا ليشرب من ضيا عمرى
وصب الحب أنغاما تذوب على فم الوتر
فهاج الكون ألوانا وكنت أظنها قدرى
عرفت الآن أين أنا أعيش الآن فى قبرى
فيا ربى لك العتبى أنا فى الدرب لم أهجر
فذنبى لا تضارعه ذنوب الأرض أو أكثر
سأطوى اليوم ألحانى وأحيا العمر أستغفر
فذنبى صار شيطانا أنادمه ولا أشعر
2
بكت الجوانح علّ طيفا قد يُرى
فى الضفة السوداء مجنون الشفاه
والليل يرخى من غلائل سخطه
هذا الضباب كأنما غيم رِدَاه
ما بين حلم نرتقى شم الأمانى
منذ أن بكت الجوانح من لظاه
ولعل تسكاب المنى واستعارتها
سبب السآمة والملالة فى الحياه
قالوا بأن الحب جنس لا شعور
أوَ كيف يحيا الحب فى دنيا الفجور
لا شك أن الفكر فيه نوازع
للإرتداد إلى القديم من الدهور
أيام كان السبع يخترق الفلا
ويضاجع الأنثى على مرأى الصقور
والصقر يبنى موطنا أعلى الذرا
كى يمنع الأطيار أن تبنى الوكور
فى العمق فى الأفكار فى الدنيا جميعا
ينساب لحنا مشرقا مسموعا
فالحب من سنن الإله وفضله
فى العالمين وكالصلاة خشوعا
إن نحن أشعلنا الهوى أسدى لنا
فى الكون أحلاما تزف ربيعا
فالحب أفراح وأشجان بها
نسج الهوى من بينهن دموعا
ذو الحس يفنى فى خبايا نفسه
وذوى الرعونة يحلمون بحسه
أرأيت نجم الحب يلقى ظله
إلا لفرد ذائب فى كأسه
لولا انسكاب الحب فى دن الجسوم
لكان كل يُرى من لبسه
ولكان فى الآفاق شر مطبق
يطوى الأمانى فى غياهب رمسه
تستقبل الأيام أحلام الهوى
بشراع ليل من دجى الوجدان
قد عكر التذكار أوردة الدماء
كأنما لم يستطع نسيانى
من عاش يوما ضاحكا جنت أغانى
عمره من صفعة الحرمان
وكذا يمر كغيمة وأغانى
أبد الحياة مع النعيم ثوان
خذ الحياة فلا شراب مثلها
إن الحياة حبيبة المشتاق
وانظر إلى النجم البعيد وضوءه
كم ذا يكابد ثورة الأشواق
إن الحياة مع الشقاء جميلة
ما دام فى عينيك فرح باق
لا خير فى مرْء يعاند فى الهوى
إن النفوس تُرى على الأحداق
لأبى العلاء كآبة قد صاغها
صوغ المعنى من غرام ناء
كم مهجة فى فكره مجروحة
جرح القريح على يد العذراء
قد أستطيب اليوم فكرا ضلنى
ما نلت منه فمن يديم بقائى
وغدا تولى الروح بعد بلوغها
شط الحياة إلى الثرى اللألاء
حقا سيأتى الليل يتلوه الردى
وستسقط الآفاق فى دنيا العدم
حقا سيفنى كل وجه للحياة
وتحتوينا السافيات على الديم
حتى إذا صُفَّت على غيم المنى
ما خلد الإنسان فى دنيا النغم
وهوت بنا الأيام فى غيب الثرى
لن تنفع الأشعار إلا من سلم
*
بيدى
**
بيدى كتبت وروحى
وبعمق إيمانى
هذى السطور وشعرى
خلجات إنسانى
فإذا قرأت ترانى
روحى .. وجثمانى
*
فتنة
**
يا فتنة الراح
لا توقظ الأيام
دعها بلا راح
عبيرها الفتان
قد مل أقداحى
والطير والأنغام
وصب أفراحى
فى أكؤس الأحزان
يا من لها قلبى ودائما أبدا
من يمنع الظامى للماء أن يردا
قد كان لى قلبا لكنه شردا
فى حسن غانية وفارق الجلدا
وعاش فى كمد يعانق الوجدا
وبات مخمورا وحطم الجسدا
لو طال ما يهوى لأرق الوردا
وانثال فى شغف بالجيد وانعقدا
يا فرحة الأعياد
فى غمرة الآلام
الحزن كالميلاد
كالنور فى الأشجان
أنام فى الأصفاد
مغلغل الأنغام
فى نشوة الإنشاد
ضاع الصدى الهيمان
إرحم فؤادى وكن لى فى الهوى كاسى
يا مضرم النار فى أعصاب إحساسى
هذى زهور من الأشجان أرسلها
من يجمع الزهر من أشلاء أنفاسى
عطر السنين عليه لست أعهده
إلا بنزف دمائى فى الدجى القاسى
تألقت شجنا كرائع الماس
من ذا يضللها بقلبك الناسى
يا توأم النهار
من جمل الحدائق
من أيقظ الدمار
وأشعل الحرائق
وسلط الدوار
بشاعر مراهق
يا فكرة الأقدار
وبسمة الصواعق
ظمئت حتى ارتوى
عمرى بأوهامى
هلا سكبت الضيا
فى غور أحلامى
أصبحت من وحدتى
أغتال أيامى
وذاب فى غنوتى
فؤادى الدامى
مادمت يا مدنفى
يا حبى السامى
بوعدك الأجوف
تغتال أنغامى
*
الشك
**
أصطلى مذ غبت عنى ثورة الشك الجموح
فى الدجى ألقى عذابى فى الضيا ألقى جروحى
فترفق يا حبيبى يا منى قلبى الذبيح
لو تغافى النجم يوما فارقت عينى روحى
إننى لا أشتهى إلا عناق المستريح
دونما أبلى شبابى فى الهوى أو فى الطموح
يا صبا الأيام كن لى لا تكن عصرى الكسيح
قل لأحلامى تعالى فى تأن ووضوح
إننى عشت زمانى أخرسا فأتى وبوحى
أحلم الحلم وإنى عاشق للضوء يوحى
أن نفسا فى الذرى لا ترتضى ذل السفوح
*
البعد
**
البعد يسحق شملنا
يأتى على نبع الذكر
فتضيع من أحداقنا
الأمنيات مع العمر
الحب فينا وحده
يبقى على غصن القدر
إن عشت يوما صده
لا تسل أين المفر
*
حنين الذكريات
**
يا ضياعى بين أنات الجوى
وأنين القلب فى دنيا السراب
دمرتنى أمنياتى فهوى
نبض قلبى بين أمواج العذاب
عبر ليل موحش قفر الأديم
زورقى السابح فى صفحة حبى
لم يزل يطفو على لج الجحيم
بمداد هو جرح فى قلبى
وجهك الألآق يا حلم الصبا
كل ليل ضمنى أذكره
أذكر الأشواق حتى إن خبا
منبع الذكرى فلا أنكره
آه من إطلالة الفجر الوليد
يلهب العين وتخشاه دمائى
أنت ضوء مر فى عمق الوريد
أنت روحى وصباحى ومسائى
بينما تزهر فى روحى الأغانى
وعلى أنغامها أشدو السكينة
ثار فى قلبى وغابت بالأمانى
ذكريات خلف أعماقى دفينة
عربدت فى النفس لم تسمع ندائى
ولها الأشواق أصداء وفرح
كلما لاحت كهمس فى دمائى
سود الآفاق أنغام وجرح
إن تكن أحلام قلبى فلما
عدت من حلمى بقلب مدنف
مزقت كفاه أبواب السما
كحريق من منى لا تنطفى
-------------------------
1985 ـ 1990
الفهرست :
1) إليك
2) فى الغربة
3) الغياب
4) لمثلك تهفو
5) أجللت شعرى
6) يا خالى البال
7) الأيام
8) أغنى بلا ملل
9) فرقة
10) أبى
11) لو كنت تعرف
12) الحب
13) صورة ريفية
14) نداء
15) ربا عيات للموت والحياة
16) بيدى
17) فتنة
18) الشك
19) البعد
20) حنين الذكريات



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى