محمد بشكار - حَاضِرٌ في دفْتر الغِيَابْ!

يا شاعراً تسلَّل إلى الفصْل الدِّراسي، وتصرَّفتْ التربية في نصِّه، دون إذْنٍ منه، لم أجدْ ما أهديكَ غير هذا النَّص وقد صار غريباً عنكَ قليلاً: بهذه العبارة هنَّأني مشكورا الصديق الكاتب والمترجم محمد معطسيم بِمَقْدَم السنة الجديدة، ويَقْصدُ بالنص مقالتي التي كتبتها ذات افتتاحية للملحق وتحمل عنوان" أوبِّخ ولا أؤرخ "، فقد اختاره المسؤولون عن حقل التربية مادة للامتحان برسم سنة 2020-2021 (الأسدوس الأول)، عجباً تَحدَّثَ صوتٌ خفي بين أضلُعي، هاهي قطعتي الأدبية تنوبُ عنِّي في العودة لحصص التربية أنا الهاربُ دائماً من جدران المدرسة، عادتْ بي طواعية دون توْبيخ من الإدارة أو زجْرٍ من الوالدين للتعليم، ولستُ أُبالغ إذا قلتُ فخوراً، إنِّي عدتُ إلى النَّبع بمقالتي من أبواب واسعة قد تراها بعضُ الأعين الضَّيِّقة مُجرَّد خُرْم إبرة، لأني مازلتُ أؤمن بالحكمة التي تقول " التعليم في الصغر كالنقش على الحجر"، ولا أنكر أنِّي كنت أشْبِه هذه الحكمة في كل شيء، هي كانت مُعلَّقة أعلى جدار القسم تُظلِّل رأسي، وأنا مُعلَّقٌ من فؤادي كأني مربوطٌ بحبل أنتظر دقَّ الجرس !

لطالما أشفَقْتُ على التلاميذ والطلبة كما كنت أشفق على نفسي من شبح الامتحان، خصوصاً ذاك الذي لا أعرف من أي نافذة في الفصل الدراسي يتسلَّل شيطانُه مُوسوِساً للأستاذ أن يُنْزِله بغتةً على رؤوسنا كالصاعقة، ولم نكن لنجد من حيلةٍ في هذا اليوم العسير وقد كُنَّا نهْباً لزينة الحياة ولهْوِها، سوى أن نُحرِّك أيادينا الصغيرة تحت القِمَطْر مُسْتنجِدين بأقرب مطبوع دراسي، أليس مفهوم مَنْ نَقَلَ انْتَقلَ في بلدنا هو الشِّعار البارع الذي منه يتخرَّج السياسي مباشرةً لقُبَّة البرلمان، لا غرابة إذا اقْتدتْ بهذا الطموح الذي يوصل بمرجعيته للقمم بعد السطوح، أجيالٌ تتخرَّج كل يوم من أبواب المدرسة للشارع !
وها الله يُحْييني حتى أشْهَد مقالةً كتبتني بتجاعيد القَدَر على الجبين، تعْتمِدها التربية اليوم موضوعاً للامتحان، ها فلذةٌ من مقالتي التي كتبتُها أعْزَل إلا من قلمي، تلج قاعة الدرس مُسلَّحةً دون إسمنت بأسئلة لا يجيب عن حيرتها إلا من كان ببصيرة من حديد، لم يكن لِيخْطُر ببالي أنا الذي لا أكتب إلا حين يميل حالي لتجد الكلمات مَنْفذاً رحيما للانْعتاق، أن تطالب التربية التلاميذ بإيجاد عنوان آخر مناسب لمقالي، ربما لأنها تعلم من حيث أجهل أني ممن ضيَّعوا بكثرة التجوال على سطح الأرض كل العناوين بعد أن ضلَّلني الأمل، ويا له من سؤالٍ صعبٍ أن يجد المُمْتحَن عنوانا آخر لسَكَني، لكن لن تنُوبه للأسف من الجواب الصحيح إلا نقطة واحدة، يا لشُعوري الفادح بالذَّنب وأنا أُقْلق راحة التلاميذ بكتاباتي التي لم أقصد إلا أنْ أُفرِّجُ بأحْرُفها عن كآبتي !
وأنا أعيد قراءة مقالتي بعد تفْخيخها كمادة تصلح للامتحان، أعترف أنِّي كنت بين فينة وأخرى أمدُّ يدي لأطمئنَّ على أحرف ملامحي هل ما زالتْ في مكانها بوجهي، لم أجد سوى تصرُّفٍ طفيف في مقالتي عزوْتُه للضرورة التعليمية كما قد أعزو أخطائي للضرورة الشِّعْرية، ولم يأْتِ التَّصرُّف في النص عبثاً كما أوْضَح الصَّديق محمد معطسيم، بل كل النصوص المُعتمدة في التَّقويم تخضع للتَّصرُّف مع إثبات ذلك وفق الإطار المرجعي للغة العربية، ورغم أنَّنا نُكابد هذه الأيام ليالي الصقيع، فقد أثْلج صدري شَرْحُ معطسيم وزاده انشراحاً أن تُلاقي تجربة اختيار مقالتي تفاعلاً واستحساناً حسب منتوجات المتعلِّمين، فما أحْوج الأدب المغربي الذي يُكتَب يوميا في الصحف أو يُطبَع في كتب، لِمَنْ يُعيد تدويره في أذهان الأجيال الصاعدة، عِوض قذْفِه في آلات التَّدْوير التي تُعيد تصنيع النفايات، فالأشجار الواقفة تنهار حين تُصادف في طريقها نُشَارة الخشب !
شكراً للأستاذ محمد معطسيم الذي أفْسح المجال لنصي الأدبي كي يتسلَّل إلى الفصل الدراسي، بنفْس خِفَّتي في التسلُّل من المدرسة هرباً من الامتحانات، شكراً لأنه آثَر لِبذرة أفكاري تُرْبة خِصْبةً لتنمو مع المتعلِّم وتُرافقه في كل الأسلاك حتى يكتمل تكوينه الأكاديمي، شكراً لسِعة قلبه وهو يُدبِّر ببراعة هدية رأس السنة كما يُدبِّر الشعراء قصيدة !
........................................
افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 7 يناير 2021.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى