د. عبدالجبار العلمي - عن الحركة الأدبية والثقافية في شمال المغرب :

لقد كانت هنالك حركة أدبية وثقافية مزدهرة في شمال المغرب، سواء فيما قبل الاستقلال أو بعده إلى سنوات السبعين . وقد عشت فترة الطفولة والصبا في مرحلة الدراسة الابتدائية والثانوية هذه الحركة الثقافية النشيطة خاصة في سنوات الستين . قبل الاستقلال أي في عهد الحماية ، كانت تصدر جريدة الريف للتهامي الوزاني، وجريدة أخرى للمكي الناصري وأخرى تطبع في المطبعة المهدية لعبدالله كنون ومقرها في طنجة ، وهذه الأخيرة كانت تصدر في عهد الاستقلال . أما المجلات ، فكانت كثيرة ومتنوعة، ومنها : مجلة السلام لصاحبها المؤرخ العلامة محمد داود، وقد صدرت سنة 1936 م. وهي أول مجلة تصدر بتطوان في عهد الحماية الإسبانية. ومجلة الأنيس التي كان يكتب فيها أشعارهما الأولى الشاعر محمد نسيم السرغيني ، وعبدالكريم الطبال، وذلك في بدايات ووسط سنوات الخمسين ، و مجلة " المعتمد " التي كانت تديرها المستشرقة الإسبانية الأديبة الفنانة "ترينا ميركادير " ويساعدها الأديب المعروف محمد الصباغ ، وقد كانت تترجم بعض قصائده كما يقوم هو بترجمة قصائدها وتنشر بالمجلة ، ومجلة "كتامة"، وقد نشر بها الشاعر محمد السرغيني. ومجلة "الأنوار ". وأثناء تصفحي المجلات الصادرة بتطوان في المرحلة التي ذكرت ، صادفت إلى جانب هذه المجلات وغيرها مما لم تسعفني الذاكرة بتذكر عناوينها ورؤساء تحريرها ، مجلة تعنى بالإذاعة والمسرح تحمل نفس هذا الاسم . أما مجلة " تطوان " ، فكانت مجلة شبيهة إلى حد ما بمجلة المناهل ، وكان يرأس تحريرها الأستاذ العلامة محمد بن تاويت التطواني رحمه الله. والذي يود أن يطلع على هذه المجلات الرائدة في أدبنا المغربي الحديث ، وغيرها من الجرائد الهامة ومنها جريدة الريف التي حظيت بتصفح بعض أعدادها في مجلد كبير ، فليقصد المكتبة العامة للكتب والمخطوطات بشارع محمد الخامس بتطوان . والجدير بالإشارة أن الأديب المغربي محمد الصباغ تولى إدارة هذه المكتبة قبل أن ينتقل إلى وزارة الثقافة بالرباط . وبعده تولى إدارتها على ما أذكر أحد أبناء تطوان هو الأستاذ المهدي الدليرو . في عهد صباي أيام الدراسة بالثانوي كان الطريق إلى الثانوية أو في العطلة الأسبوعية التي كانت يومين : السبت والأحد ، إليها أو إلى المدينة العصرية الأوروبية تمر بزنقة الساقية الفوقية، وقدكانت زاخرة بالمكتبات أذكرمنها :المكتبة الفكرية ومكتبة السيد العافية رحمه الله شقيق الأستاذ عبدالقادر العافية ، ومكتبة السيد الكُرفطي وغيرهما وكلها تعرض الجديد من الكتب والمجلات التي كانت تصدر كل شهر ومنها مجلة المعرفة السورية ومجلة الآداب البيروتية ومجلة الهلال المصرية ومجلةالفكر المعاصر ومجلة المجلة على عهد يحيى حقي، ومجلة المسرح .. ناهيك عن السلاسل الأدبية المتنوعة أذكر منها على سبيل المثال : سلسلة "كتابي" لحلمي مراد والسلاسل التي تصدرها دار الهلال في مصر ككتاب الهلال وروايات الهلال ومجلة الهلال ، كما كانت تصلنا سلسلتان خاصتان بالقصة والرواية عن نادي القصة بالقاهرة هما : الكتاب الفضي والكتاب الذهبي .. كنا نجمع ما تنفحنا به عائلتنا طيلة أسبوع أو أكثر من فرنكات قليلة ، لنقسمها بين شراء بعض الكتب والسينما . ومن الجدير بالذكر بل من أهم ما يمكن التنويه إليه هنا هو معلمة ثقافية حقيقية تتمثل في مكتبة لأسرة تطوانية عريقة ،خاصة ببيع الكتب والمجلات والجرائد هي مكتبة الناصر العتيدة القريبة من الفدان، تحت عمارة "الطير" ، لأنها قامت بدور هام وملموس في نشر الثقافة وتكوين العديد من روادها سواء من الأساتذة أو التلاميذ والطلبة ، حيث كان يسمح الأخوان السيدان عبدالله وعبدالعزيز رحمهما الله بأن يتصفح روادها الجرائد والمجلات وحتى بعض الكتب سواء كانوا من المقتنين أو من القراء الذين يتشوقون إلى معرفة الجديد، لكن ضيق ذات يدهم تحول دون الاقتناء. من القراءة وقوفا في هذه المكتبة المعلمة التي كان يعتبر أصحابها أن ما يقومون به يدخل في إطار الصدقة الجارية خاصة بالنسبة للتلاميذ ، تابع العديد منهم دراساتهم وحصلوا على تكوين أدبي وثقافي مكنهم من الحصول على شهادات عليا وأغلب القراء الواقفين في تلك المكتبة ، حصلوا على شهادات الدكتوراه في الآداب أو القانون ،وبعضهم قضى حياته أستاذا جامعيا ، وبعضهم صار كاتبا مرموقا وبعضهم تقلب في مناصب متعددة في بلاط صاحبة الجلالة على حد تعبير الصديق الأستاذ الصحافي عبدالقادر الإدريسي أحد رواد هذه المكتبة - المدرسة . ولا أنسى فضل صاحب المكتبة الأصلي والد الأخوين السيد الوقور الذي ترك هذا التقليد الإيجابي لأبنائه البررة قبل وفاته رحمه الله. والحقيقة أنها ظهرت في المدينة العصرية مكتبات أخرى ، لكن لم يكن لها مثل هذا الإشعاع الثقافي ، لأنها لم يكن همها إلا التجارة. ربما كانت القيم قد أخذت في التغير والابتذال. هذه بعض الأجواء الثقافية التي كانت سائدة في الزمن المزدهر ثقافيا الذي عشته في مدينة نشأتي تطوان . سقته لصديقي العزيز سيدي المهدي ناقوس أغلبه من الذاكرة ، والذاكرة خؤون . ولنا عودة إن شاء الله إلى توثيق المجلات غير الموثقة أو غير المذكور عنوانها، لأن الأمر كان يتعلق بمجرد ذكريات حول النهضة الأدبية والثقافية في تطوان وددت أن أشارك صديقي الحديث عنها. فليعذرني لأن الوقت لم يسعف حاليا للعودة إلى المراجع للقيام بما ينبغي من التوثيق الضروري.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى