عبدالله علي المطمي - قصة الضرير

يسير في الأزقة وقد رفع هامته ينظر إلى الأعلى وعصاه تمسح له الطريق ، يعرف الدرب الذي يسلكه من بيته إلى السوق ، حيث مجلسه اليومي يتبادل الأحاديث مع أصحاب الحوانيت وباعة
البسط ، يرى بيديه ويسمع بأذنيه ، نادراً ما يغير خط سيره إلا عندما تجنح به عصاه عن الدرب
المعتاد وهو يحركها يمنة ويسرة مفسحة له الطريق من المارة ، أحس بإحساس الأعمى الذي نادراً
ما يخيب، وبحساسية قدميه خروجه عن دربه المعتاد إلى درب آخر ، زاد حذره وأرهف سمعه، لم
يعد يسمع أحدا من المارة ماشياً أو مسلماً مواصلاً سيره الوئيد الحذر، لفحة عطر عبرت أنفاسه تبعتها يد ناعمة قبضت على معصمه التي بها العصا حولت مساره إلى جهة اليمين ، تبعها منقاداً دون أن ينبس ببنت شفة ، سمع صوت الباب يقفل خلفه ، سار حتى ولج بابا آخر وصوته يقفل خلفه أيضاً ، كهرباء تسري في سائر بدنه عبر اليد الناعمة التي ما زالت مطبقة على معصمه، وقف وقد أحس أنه يقف علي سجادة وهواء بارد يلفح وجهه المتعرق ، اسلم نفسه للأحداث التي توالت ، والصمت مطبق على المكان إلا من آهات وشهقات ، خمسة عشرة دقيقة فقط واليد الناعمة تمسك معصمه من جديد وتسير به متخطية الباب الأول ثم أطلقت معصم اليد القابضة على العصا ودفعته في ظهره ليخرج من الباب إلى فضاء الشارع وهو يسمع صوت المزلاج يقفل خلفه ، تنفس بعمق وواصل سيره وعصاه تشمشم الأرض أمامه تقوده في الطريق.


السعودية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى