عامر الطيب - أنظر إليكِ وأنت واقفة.. شعر

أنظر إليكِ وأنت واقفة
تتطلعين لأثرٍ على ضباب النافذة،
بعيدة كالخضرة التي تلمع في الوحل،
كنا عندها نشعر بالبرد على رصيف مليء ببقع الدم،
وكانت بيوتنا عالية كذراع ..
هكذا ستطلبين مني أن أحكي لك
عن الأبواب ما يحكى عن الموت ،
هكذا ستنخنقين الكلمة في رأسي!

تحت ثوبكِ مدينة آمنة
بمصابيح هادئة على العتبات،
بثلج مريح و أغان
باهتة.
نحن إذن من مناف بعيدة و أنت تلصقين ثوبك
بجسدك كالإبهام على إسطمبة الحبر ،
نحن من بلد واحد
لحظة ما تتعرين !

تظلُّ الإبرة أشد الأسلحة وحشية
حيث أنك تغلق
أنف الثوب
من عينيه !

رويداً رويداً يتشابه الأشخاص
في ذاكرتي.
يصيرون جميعا أليفين أو شرسين،
أعداء أو معشوقين في اللحظة نفسها .
رويداً رويداً تمتزج المشاهد أيضاً
مشاهد الألفة و السخط ، الهجرة و القيلولة .
مشاهد الذبح و الغبطة
إلى أن تلتصق عبارة - وقع في الحب -
بعبارة- طرحه أرضاً - !

وصلتُ إلى هذه القصيدة بحالة يرثى لها
هكذا صحوتُ من نومي لأنحت الحجرة من الجبل،
فشكراً للذبابة التي لسعتني
لأتذكر
شكراً للهفة التي جعلتني أبكي،
شكراً للحكاية التي سأرويها،
شكراً لليوم الذي يشبه طعنة ندية
في القلب ،
شكرا يا إلهي ،شكرا لأنك جعلتني
منحنياً للأمطار العالية
و محروساً بالموت!

لا أستند إلى جدار إنما إلى نافذةٍ،
هكذا أتطلع لقطط تطارد بعضها كالأيام
هكذا أرى المدينة دنيئة كشلال
محاولاً أن أنمو على مد النظر
كحقل أو أكتفي بوحدة نفسي كوردة .
لكنّ الحب لا يجلب لي غير الحسرة
فها أنا أكتب من بيت وضيع
من حافة أو من مطبخ باردٍ .
عن الألم،
عن النعمة
عن الأغاني السرية
عن الإهانة التي تشبه العرس،
كل ما قلناه لرفاقنا كافٍ
أما ما ينبغي أن نقوله للعابرين
فلن يصبح كافياً !

قليلون هم الذين أحبوكِ
على علاتكِ بعيون مفقوءة أو مغمضة
حدث ذلك و ها هم يستعيدون
الغبطة أو يأسفون عليها.
قليلون هم الذين ولدوا
ليتلصصوا عليك،
أيتها المدينة البخارية التي تتصاعد
كأنفاس غريق نهري
أيها الضوء الذي يتعذبُّ
بالفتحات !

غالباً ما نرى الزمن
بيتاً من الثلج،
غالباً ما نعيشه على هيئة
نضح أو ذَوبان!

بدأتْ الكتابة بالأرجل
و ستنتهي بالأرجل،
كلمات كبيرة كحركات وحوش سوداء ،
كلمات صغيرة كهرولة أطفال خلف شموس
العالم .
حتى في تلك اللحظة
سأكون غريباً كفينيق صغير
أركض في الفناء الشاسع
لأحفظ كلماتي !

أراك نائمة كجدة ميتة،
سعيدة بوجه متشقق كالأرض ،
مممدة كإضاءة في غرفة بيضاء
ينبغي أن أرى الملامح
في الخطوات الغابرة أيضا لأرفع قدمي،
أراك الأجمل بين أخواتك
و الأشد خوفاً من الجمال المبثوث بين خطاياكِ.
حزينة لأي موت يعبر
ضائعة لأي عين تغادر
فائقة الحس لأن أي نسمة
تهب في الليل البارد
ستغدو ريحاً !

عامر الطيب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى