د. عادل الأسطة - الكورونا والأدب ثانية (163)

قبل أقل من شهر شاركت بندوة أدبية عقدها معهد القاسمي بباقة الغربية ، عبر برنامج ( Zoom ) ، حول الأدب والكورونا ، وهذا هو ثالث نشاط أدبي ، منذ بدء الجائحة ، أشارك فيه عبر التكنولوجيا .
كنت قبل شهرين شاركت بندوة عقدتها وزارة الثقافة الفلسطينية ، عن القصة القصيرة ، وشاركت قبل أسبوع ، بحوار إذاعي أجراه معي الكاتب الإعلامي أحمد زكارنة لصوت فلسطين ، عن الحركة النقدية والنقد الأدبي كجنس أدبي .
منذ بداية الجائحة في آذار ٢٠٢٠ لم أشارك في أي نشاط أدبي وجاهي إلا في مناقشة رسالة ماجستير كنت مشرفاعليها . كانت المناقشة أشبه بأعراس هذه الأيام وجنازاتها الحضور فيها قليل .
في آذار الماضي ، تم إلغاء عقد ندوة في نابلس عن الشاعر عبد الرزاق رشيد " أبو رشيد " أعد لها نادي حيفا الثقافي ، وفي آذار نفسه ألغت جامعة الزيتونة الأردنية عقد مؤتمرها ، وهكذا لم أسافر إلى الأردن ، وكنت أعددت الورقتين خلال عدة أسابيع .
عدم عقد الندوات والمؤتمرات وجاهيا زاد في عزلتي التي بلغت ذروتها مع تقاعدي في أيلول ٢٠١٩ ، وهذه العزلة ضاعفت من عادة القراءة ودفعتني إلى كتابة اليوميات وجعلتني أفكر فيها كجنس أدبي ما عاد يلتفت إليه في الأدب الفلسطيني ، علما بأنه ازدهر في بداية القرن العشرين مع خليل السكاكيني وأكرم زعيتر ، وأنا الآن أفكر في الكتابة عن اليوميات كجنس أدبي ؛ انحساره وازدهاره ، وليس هذا هو مرمى كتابتي هنا .
في ندوة " الأدب والكورونا " أتيت على تأثير الجائحة في الأدب من خلال قراءة النقاد والقراء أعمالا أدبية قديمة عن الكوليرا والطاعون والانفلونزا الإسبانية ، وتركيز بعض الفضائيات ، مثل " الجزيرة " ، على أدب الجوائح بعامة ، واهتمام بعض دور النشر ، مثل دار " خطوط وظلال " في الأردن ، بنشر ما كتب في هذه الأيام ، وغالبا ما كان المنشور كتب " يوميات " كتبها أصحابها مع بداية انتشار الوباء .
في الندوة سألني مستمع عن الكورونا والشعر ، إذ لاحظ تركيزي على أعمال روائية عالمية وعربية وفلسطينية تناولت الأوبئة في عصور سابقة وعدم إتياني على ما نشر من أشعار معاصرة قرأ بعضها ومنها القصيدة التي حاكى فيها شاعر سوري محاكاة هزلية ، مات - رحمه الله - بالكورونا ، معلقة عمرو بن كلثوم " ألا هبي بصحنك ، فاصبحينا " .
والحقيقة أنني لم أركز على أعمال روائية وقصصية صدرت في العام ٢٠٢٠ تناولت الكورونا ، إذ لم اقرأها ، وهي بالمناسبة قليلة جدا ، وإنما ركزت على أعمال قديمة مثل " يوميات عام الطاعون " ل ( دانيال ديفو ) و مقدمة قصص " الديكاميرون " ل ( بوكاشيو ) وفي الأدب الفلسطيني ذكرت الروايات التي أتى كتابها فيها على طاعون يافا وعكا إبان غزو ( نابليون ) ، مثل رواية علاء حليحل " اورفوار عكا " ورواية يحيى يخلف "راكب الريح " ، ولم يفتني الإشارة إلى بعض كتب مذكرات الغربيين الذين زاروا فلسطين في القرن التاسع عشر مثل ( اليزا ماري روجر ) " البيوت في فلسطين 1855 -1859 " التي نقلها إلى العربية الروائي جمال أبو غيدا .
هل كتبت أصلا روايات أو قصص قصيرة تناولت الكورونا ؟ وإذا كانت كتبت في زمن الكورونا - أي خلال العام الماضي ، فمن تمكن من قراءتها والكتابة عنها مجتمعة ؟
بعض مواقع السرد مثل موقع " الانطولوجيا " الذي يشرف عليه الكاتب المغربي مهدي ناقوس ( Mehdi Naqos
) خصص مساحة عنوانها " أدب الكوارث والاوبئة " واهتم بيومياتي وبمقالات نشرها أدباء عرب مثل الياس خوري ( Khoury Elias
) حول نصوص أدبية عالمية مثل رواية ( ساراماغو ) " العمى " ورواية ( البير كامي / كامو ) " الطاعون " .
مر الآن عشرة أشهر على الوباء فهل صدرت فيها روايات ومجموعات قصصية تتناول الموضوع ؟ الكاتب الجزائري واسيني الأعرج ( Waciny Laredj
) أنجز رواية في الموضوع عنوانها " ليليات رمادة تراتيل ملائكة كوفيلاند " كان نشرها على حلقات ، ولأنني حتى اليوم لا أقرأ إلا الكتاب الورقي - نادرا ما أقرأ كتابا إلكترونيا كاملا - فلم أقرأ من الرواية إلا أقلها .
مؤخرا أصدر الروائي الأردني / الفلسطيني الأصل إبراهيم نصر الله ( Ibrahim Nasrallah
) رواية عنوانها " مأساة كاتب القصة القصيرة " وفيها يكتب كاتب قصة قصيرة عن الحياة في الأردن زمن الكورونا ، ويرصد بأسلوب فيه قدر من السخرية والفكاهة السوداء يذكر بأسلوب رواية نصرالله " حارس المدينة الضائعة " ، يرصد معاناته ومعاناة الناس بسبب الحجر والإغلاقات شبه اليومية .
الرواية التي تتكون من أربع قصص قصيرة ، سردها السارد بضمير الأنا ، نموذج لتفاعل الأدب مع الجائحة المعاصرة ، ولمن يبحث عن موضوع الجوائح في الأدب غير اليوميات فإنه يجد فيها ضالته .
ما لفت نظري في الرواية هو تنظير السارد لفن الرواية وتحول بعض كتاب القصة القصيرة إلى كتابته ، وهو رأي سيثير جدلا بالتأكيد . يقول سارد القصة :
" سأعترف ثانية أن ما يشبه " النوفيلا " هنا ، لا أتمنى أن يصبح رواية ، فلو أصبح سأكون مضطرا إلى إعادة توزيعه من جديد على شكل مجموعة من القصص القصيرة ، كما فعل عدد من الكتاب المعروفين ، الذين لن أغفر لهم انحناءهم للرواية ! مثل محمود شقير في مجموعته القصصية " مدينة الخسارات والرغبة " ، وفاروق وادي في مجموعته " ديك بيروت يؤذن في الظهيرة " ، والياس خوري في " الجبل الصغير " وايتالو كالفينو في " ماركو فالدو " أو كما فعلها ابراهيم نصرالله في .... ، ولكنني سأحرص على علاقتي بالأخير لأنه المسؤول عن هذه النوفيلا ، على الأقل ، إلى أن تنتهي ! كما حرص بشدة علي ، حين نشر في صدر صفحته مع بدايات تفشي كورونا " نظرا للوضع الصحي القائم فإنني سأحرص على عدم الاختلاط بأي من شخصياتي الروائية " ( ص ٧٩ من طبعة طباق الفلسطينية / رام الله والدار العربية للعلوم ناشرون ٢٠٢١ ".
الكاتب الروائي الذي ينجز في كل عام رواية يبدي سارد روايته - كاتب القصة القصيرة - رأيا في الفيضان الروائي الذي تشهده الساحة الأدبية العربية ، وهو هنا مثل نقاد كثيرين يرددون هذا الرأي.
الجمعة والسبت
١٥ و ١٦ كانون الثاني ٢٠٢١



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى