رسائل الأدباء رسائل الأدباء - تقديم

تقديم

سوف نحاول التعرف في هذه الواحة الفكرية على ادب المراسلات، وادب الرسائل كما لايخفى على أحد هو جنس ادبي قائم بذاته ومتميز بصياغته الخالصة والخاصة مثله مثل ضروب الآداب الاخرى التي تنبش في سحيق الذات الانسانية وتحاول توثيقها والقبض على الاحاسيس البشرية، والمشاعر الحميمية الاعمق رقة في نفس الانسان، وتنقب بين تلافيف الذاكرة بحثا عن ذكرى آبقة، وفكرة شاردة، وتقبض على طيف حنين عابر..

والمراسلات الادبية لون أدبي صرف تبحث في علاقات الانسان بناسه ومحيطه.. مثله مثل أدب البحر، وأدب السجون، وأدب الحرب، وادب الطفل، وأدب المناجم، والأدب الإيروسي، والأدب الشطاري، والادب السوريالي او ما هو قائم على التحقيب مثل ادب النهضة والادب الجاهلي أو الاندلسي الى غير ذلك من صنوف الاداب وضروب المعرفة التي خصصنا لها لها ملفات موازية.. وهي فوق هذا كله مادة ادبية تطالعنا فيها حياة الادباء وعلاقاتهم واساريرهم وأسرارهم، خلجاتهم، قوة شخصياتهم ومواطن ضعفهم وهشاشهم، أحلامهم، ومشاريعهم، غضبهم ورضاهم، وهواجسهم عبر سياحة فكرية لا تضاهى في الجمال والبداعة..

الرسائل هي الوسائل.. وادب الترسل فن من فنون التواصل عرف واشتهر منذ القدم، واستخدمت له وسائط كان اهمها "الرقاص" وكان "الحمام الزاجل"، وكان السعاة الذين لا يحملون بالوقت الحاضر إلا إشعارات المحاكم، والضرائب، والغرامات، وكان البريد، وسخر له الكتاب والنساخ في الدواوين السلطانية، وهي معروفة منذ القدم وحتى قبل توثيق الكتابة ، وقبل مقولة "بدأت الكتابة بعبد الحميد وانتهت بابن العميد" ، ويعرف قدامة بن جعفر فن التراسل، بقوله: (التراسل من تراسلت، أترسل، وترسلاً، وأنا مترسل، ولا يقال ذلك إلا لمن فِعْلُه في الرسائل قد تكرر، وراسل يراسله مراسلة فهو مراسل، وذلك إذا كان هو ومن يراسله قد اشتركا في المراسلة، وأصل الاشتقاق في ذلك أنه كلام يراسل به من بَعُدَ أو غاب. فاشتق له اسم الترسل والرسالة من ذلك)... كتاب ( نقد النثر ) ص95

ولعل اول نبإ جاء فيه ذكر الرسائل هو الذي ورد في الكتب السماوية عن خطاب سليمان الملك لبلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ، [( قال تعالى: اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)] .. قبل ان يجف مداد المحابر، وينقطع ادب الرسائل او يكاد في زمن العولمة، وتلتهمه التقنية المتطورة للاتصالات والمواصلات..

ما يهمنا هنا في هذا المتصفح هي مراسلات الادباء الى ذويهم واصفيائهم وحبيباتهم واهلهم ومعارفهم، وكيف تتحول رقعة ورقية عادية الى قطعة ادبية وفنية غاية في الجمال، وتضيء جوانب خفية من حياتهم.. بحر عميق بدون شطآن نعانق من خلاله هذه الكتابات بما تعج به من افكار واخبار هؤلاء العظماء، ونتعرف من خلالها على طرق تفكيرهم وهواجسهم ونزواتهم وغرامياتهم ونجواهم ومشاكلهم ومعاناتهم وشجونهم السياسة والاقتصادية والاجتماعية، وملامح شخصياتهم الابداعية والعاطفية، ونكتشف من خلالها طرق تفكيرهم وملابسات عيشهم وما يكتنفها من مطبات ومشاكل وطرائف ومواقف، منها ما صدر في كتب منفردة، ومنها ما هو موزع بين المجلات والمواقع لانها في البداية والنهاية تحف ادبية نادرة، وتراث انساني فريد يجب الحفاظ عليه لانه يحتوي على فائدة عميمة، ويؤرخ لهؤلاء العظماء، ولا يكاد يخلو من اسرار ومعلومات تحفظ ماثرهم وتصون ذكراهم للاجيال القادمة..

اعترف انه قد حز في نفسي في فترة ما اختفاء بعض هذه النصوص من الويب نهائيا، وضياع كل تلك الجهود هدرا وقد استغرق الامر مني زمنا طويلا في النقل من مصادرها الورقية والتنقيب والبحث والتبويب والفهرسة، وتطلب مني جهدا ليس باليسير لاستخراج هذه الرسائل الادبية التي لا تخلو من طرافة وجمال وفرادة وحميمية، ولا تخلو من رقة وبداعة، والتي قد تناهز في مجملها العشرة الاف 10.000 رسالة او تزيد ، لحوالي الف أديب وشاعر وروائي من مختلف بقاع المعمور.. وكل املي ان تروقكم هذه الرسائل الجميلة ولا شك، وتجدون في طياتها المتعة الادبية الكاملة، وبين سطورها الفائدة المرجوة.. بعد ان غاب ادب المراسلات وجف معين الاشتياق. وغاض ماء الصداقات . وتكلس معدن القلوب

قلة قليلة من مبدعينا كانت لهم الشجاعة على نشر رسائلهم، لا لأن تلك الأوراق أمانات، بل لأنها أيضا ذكريات واعترافات وقصص وتاريخ وفلسفة، وأشعار، وبوح وصداقات وسلوك، وتحنان، لكن وحدهما مي زيادة وغادة السمان تجرأتا على نشر رسائلهما لا لأنها اشياء تخصهما وحدهما فحسب بل تخص البشرية كلها..

قراءة شائقة.
مع تحيات نقوس المهدي
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى