د.رضا عبد الرحيم - تمائم المسرح التقليدى اليابانى

كان لتغلغل مذهب التغريب(التأثر بالغرب) على ساحة الفنون بشكل عام أثره فى ازدهار الفنون الغربية وفى مقدمتها المسرح فى الفترة المبكرة من عصر ميجى(1868-1912م)،إلا أنه سرعان ما تتداخل هذا النشاط الغربى مع ظهور المبدأ القومى المتشدد ليحدث ذلك حركة نشطة لإحياء الفنون التقليدية فى اليابان،فيحدث التوازن بين التيارين ،بل يستطيع التيار التقليدى امتصاص وهضم الفنون الغربية.

كان النمط الأصلى للكابوكى يتمثل فى نوع من الرقص تبدو فيه النساء وهن يرتدين أزياء غير عادية.وقد نشأت الرقصة التى تسمى "كابوكى أودورى"فى كيوتو فى بداية عصر إيدو،وقد لفتت الانظار لاسلوبها الحر،وابتكارها،وخلاعتها.وتطورت هذه الرقصات الأولى والمسرحيات الهزلية القصيرة إلى مسرحيات ذات بنيان درامى محدد.وفى النهاية منعت النساء من الظهور على المسرح بسبب التهديد بنشوب اضطرابات اهلية بين الرجال الذين يتنافسون على نيل حظوتهن.

وظهر رجال أكبر سنا كممثلين جادين كان يسمى بمسرح الرجال الشجعان وذلك على يد الممثل المسرحى سودوا سادانورى (1867-1907م) وخرج من طوره الأول كفن راقص- هزلى إلى تقديم مسرحيات من التاريخ والاساطير والحياة المعاصرة،وسيطرت موضوعات إنسانية عن الاخلاص والحب ومآسى العائلات .

وفى عام 1889م تم إنشاء مسرح الكابوكى فى طوكيو،وبحلول عقد التسعينيات من القرن التاسع عشر أظهر مسرح الكابوكى نهضة كبرى كان عمادها المؤديين كيو- ودان وسادانجى الأول وسمى هذا العصر فى مسرح الكابوكى بـ" دان- جيكو-سا"وهى المقاطع الأولى من أسماء المؤدين الكبار ،وكان عصرهم هذا أزهى عصور مسرح الكابوكى على الإطلاق.

وقد ورث الكابوكى شكل مسرح نو(مسرح راقص نشأت اصوله الأولى فى عصر هييان) الذى كان المشاهدون فى الأيام السابقة يشهدونه وهم جلو على الأرض فى الهواء الطلق.غير أنه ظهرت بعد ذلك مسارح كابوكى ذات طابقين ولها أسقف.وطور لمسرح شكله الخاص المجهز بامتداد ضيق للمسرح حتى مكان المشاهدين يعرف باسم"هاناميتشى"(طريق الزهور)وستار مُسدل،وفى النصف الأخير من القرن الثامن عشر ابتكرت الآت مسرحية متطورة،تشمل المسرح الدوار ومصاعد للمسرح .وأصبح للبرنامج الذى يعرض خلال اليوم شكلا محددا،

يشمل مسرحية تاريخية،ومسرحية عن الحياة العصرية وعاداتها،ومسرحية راقصة إضافية،وأدى اعطاء الأولوية للتمثيل على كل شىء آخر فى الكابوكى إلى تعليق أهمية كبرى على ميراث اسم الأسرة وتقاليد التمثيل.

ثم تلقى المسرحى كاواكامى أوتوجيرو (1864-1911م) الراية من سادانورى وطور من هذا المسرح بالتعاون مع زوجته الممثلة المسرحية الشهيرة سادايكو ليصبحا بحق مؤسسين للمسرح الحديث.

وبعد الحرب اليابانية الروسية تم البدء فى استقدام واقتباس المسرح الحديث الغربى ،وكان الرائد فى ذلك الكاتب والناقد المسرحى تسوبو أتشى فقد أسس بمشاركة المسرحى والناقد الفنى شيمامورا فى عام 1906م ما أطلق عليه الاتحاد الفنى الذى من خلاله استطاع الاثنان تقديم مسرحيات شكسبير وإبسن ،ثم تأسس المسرح الحر بعد ذلك 1909م على يد الروائى والكاتب المسرحى والمؤدى فى الوقت ذاته كاثورو(1871-1928م) والممثل المسرحى سادان جى الثانى(1880-1940م)وواصلا معا مسيرة تطوير حركة المسرح الحديث.

ومن تمائم المسرح التقليدى اليابانى والتى جاءت فى كتاب جولة فى فنون العرض المسرحى الصادر حديثا للاستاذ جمال المراغى الملابس الغريبة والمثيرة وهى ما تُعرف بمنتجات"مصنع الدولفين"وهو ما أطلق على صانعى بعض الملابس اليابانية الخاصة جدا التى تعتمد فى تصميماتها على شخصيات اصلية مستوحاه من تاريخ اليابان،ومنها "كيجورومى"وهو عبارة عن ملابس لشخصية رسوم متحركة ما بين حيوان وإنسان،وهى أقرب ما تكون لشخصيات ديزنى،وتميزها الوجه اللامع ذو العيون الواسعة أحيانا ما يكتفى به.وهناك أيضا "كومادورى" وهو يشبه الكابوكى،لكنه دهان على الأجساد العادية،ويمكن أن يجسد العديد من الشخصيات حسب استخدام خطوط ملونة معينة،فاستخدم الخطوط الحمراء يدل على بطل قومى،والخطوط الارجوانية واللحية السوداء للأشرار،والخطوط الزرقاء تمثل المشاعر السلبية مثل الغيرة أو الخوف،ويمكنها أن تدل أيضا على الأشباح،أما الخطوط الرمادية والبنية فهى تشير لكل ما هو غير إنسانى الطبع.

وعلى الجانب الآخر ،فهناك ابتكارات غريبة ومثيرة مثل ايضا مثل الملابس المنتفخةوهوملىء بالهواء، يتراوح طوله ما بين 10 إلى 90 قدما،وأصبحت هذه المنتفخات أكثر شهرة عندما صممت على شكل تمائم لبعض الشخصيات الشهيرة لكل فى هيئة أضخم من احجامهم الطبيعية،وبعضها تحمل سماتالأزياء الشعبية مثل مصارعو السومو وراقصى البالية وغيرهم.

وتعددت أشكال وأنماط الأقنعة فى المسرح التقليدى اليابانى وإن ظلت هناك مجموعة منها فى مستوى أعلى والتى لها أثر تاريخى وحضارى هام ومنها:"الهانيا" وهو أحد الأقنعة المستخدمة فى مسرح النو،وهو يمثل الشيطان فى صورة أنثى الثعبان ولها اثنين من القرون الحادة وهو مصنوع من المعدن،ويعبر عن النساء اللواتى يتحولن إلى شياطين بفعل الهاجس أو الغيرة،وبدأ استخدامه بداية من عام 1558م،والأبيض منه يعنى امرأة من أصول أرستقراطية والأسود يعنى واحدة من العامة!وهناك أيضا قناع "الهيوتوكو" وهو يعبر عن رجل قادم من النار،وله قصص كثيرة يرويها المؤرخون عن أصل هذا القناع وأهمها أن رجل من نار يشبه وجهه هذا القناع أتى أحد الأباطرة اليابانيين واستطاع أن يشفى ولده من أحد الأمراض المستعصية ولهذا ارتبط هذا القناع باسم الرب عندهم،ومن اشهر الرقصات الخاصة بهذا القناع رقصة الصياد،وهناك مهرجان خاص يقام للهيوتوكو سنويا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى