عباس الحداد - الغميضة

كل يوم تقريباً ، ما أن يحل المساء حتى نتجمع عند دكة الباب الخشبية لمسجد الوردية الكبير ، لنمارس لعبتنا المفضلة ، الغميضة . ننقسم إلى فريقين . فريق يختبئ في أزقة المحلة وخرائبها ، وفريق يبحث عنه ، لكن طوال فترة العطلة الصيفية ، لم نستطع يوماً الفوز على الفريق المختبئ ولو لمرة واحدة ، فقد كان اختباء رئيس المجموعة ( كريم خميّس) معضلتنا الدائمة ، التي أزعجتنا كثيرا، حتى أننا لفرط إعيائنا لمعرفة مكان اختبائه ، قررنا ترك اللعبة التي بدت مملة للكثير من اللاعبين .
فما أن يصرخ رئيس مجموعتنا بكلمة ( حلال ) التي تعني خسارتنا ،ويأسنا ، حتى يخرج إلينا ( كريم خميّس ) من العدم بضحكته العالية التي تغيظنا.
تنتهي أيام العطلة الصيفية سريعاً ، وتنتهي سنوات طفولتنا بأسرع منها .
ويخبرنا ( كريم ) بعد سنوات طويلة كيف كان يدخل التابوت الفارغ الذي كان يتكئ على جدار المسجد ، ويمارس لعبة التخفي عن عيوننا.
نضحك بلؤم على خيبتنا .
ويوم اشتعلت البلاد بأحداث الانتفاضة ، وفجع الناس بفقدان بنيهم . كان ( كريم خميّس ) من ضمن الشباب الذي حملته أرتال العسكر التي كانت تجوب الشوارع القذرة.
عثر الناس على جثث بنيها ، وأحبتها المغدورة ، فحملوهم بنعوش حزينة ، لكن جسد ( كريم خميّس ) ظل يمارس بمهارة لعبة التخفي التي يجيدها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى