عباس الحداد - اعتراف.. قصة قصيرة

للمرة الألف أؤكد لكم أنني كنت أقف مع الشباب ، رافعا علم بلادي التي نهب خيراتها لصوص الثورات. أقف بكامل إرادتي، وقواي العقلية في ساحة التحرير ،كجندي تعب من جراء الذل والهوان الذي لحق به من كثر ما سمع من وعود ،وحلال ،وحرام ،وفتاوى ما انزل الله بها من سلطان ،وخطابات لا تسد ثمن الدواء الذي أحتاجه لأسبوع . نعم وقفت أطالب بحقوقي كمتقاعد خدم الدولة لأكثر من ثلاثين عاما . حقوقي التي كفلها الدستور ،ووعدت بها من قبل رجال لا اعرف أسماءهم ، أو مذاهبهم ، ولو أن هذا الأمر لا يعنيني من قريب أو من بعيد ،لكني أعرف أن لي حقاً اقره الدستور . هل تعرفون ما هو الدستور ؟ لا اعتقد . مهلا ، أنا لا اكذب ! ولماذا اكذب بشيء مقتنع به تمام الاقتناع .لكن أؤكد لكم إنني كنت مصمما على التظاهر السلمي .
استيقظت قبل صلاة الصبح ،أعددت أبريق الشاي ،وخرجت والمؤذن لم ينه دعواته لحفظ دماء المؤمنين ، بعد أن سرت ما يقرب سبعة أو ثمانية كيلو مترات لم أر فيها واسطة نقل تقلل من تعبي . ولم أيأس . صراحة كنت أعرف هذه الإجراءات، فكما ترون العقود الستة التي عشتها بين عشرات الحكومات التي حكمت بلدي لم تذهب هدرا .
صحيح إننا عشنا أياما صعبة، ولكننا والحمد لله استطعنا أن نحتويها بصبر ، نعم فالحياة لا تكون جميلة ورائعة أن لم تجابه بهكذا منغصات . عمكم هذا لا يحمل هذه الشيبات البيض عبثا .لا أطيل عليكم وصلت ساحة التحرير. لا أخفيكم سرا . كنت تعبا ولكن سعيدا .السعادة أن تحقق شيء ما في قلبك وضميرك يهفوان إليه وبإصرار .هل جربتم هكذا إحساس ؟ لا اعتقد ، فالسلطة تجعل الأب يتبرأ من ابنه . أهذي ! ألم تقراؤا التأريخ ؟ المهم كنت بحاجة إلى الإعلان عما في قلبي من وجع وقهر ، أن أقف بوجه كل من يحاول النيل من كرامتي وصبري الذين طالا . حقيقة أقولها لا يهمني من يدعو إلى التظاهر. فكل الذين رايتهم يحملون بعض أوجاعي وهمومي وحيرتي وخذلاني .
هل اسكت ؟ لا والله . أتريدون منا أن نقف مكتوفي الأيدي ونحن نرى السراق ،والقتلة ، وقطاع الطرق ، يثرون على حسابنا والله لا وألف لا . لن نسكت . ولماذا نسكت ؟ لم يبق من العمر بقدر الذي هدر من جراء الحروب الخاسرة ، والحصار اللئيم والخطب الرنانة التي لا تقتل ذبابة .
لا أطيل عليكم ،وقفت في ساحة التحرير، والزهو يتملكني .
كان يقف إلى جانبي شباب يعرفون سبب وقفتهم ، يعرفون السارق ويشيرون إليه بدون خوف أو تملق . كانت تقف الأم التي فجعت بفقدان معيلها ، والأرملة التي تركض منذ شهور لاستلام الراتب التقاعدي ،والأخت التي ترفع صورة أخيها المفقود من سنتين ، واليتيمة التي تنتظر صرف رواتب أبيها الشهيد .
لا ... لا كذب ما تفترون . كانوا يطلبون الإصلاح .
لا ... لا لم يكونوا يحملون ما تذكرونه ،هذه حمولة القتلة ، والإرهابيين.
كان قربي رسل سلام ، ومحبة .
آه يا ولدي التهديد ما عاد يرعبني ! ولست بعمر يسمح لي بتغير ما قلته. لا تتعب نفسك ،والحمد لله الذي أمد بعمري ،لأعرف أن لغة العصي واحدة لم تتغير.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى