أمل الكردفاني- الأخلاق ضد الأخلاق

توجهات الأمركة الراهنة لبعض أنصار الانفتاح كالقراي ونصر الدين، في مقابل التيارات المحافظة، خير دليل على النسبية الأخلاقية. دعونا نضع كلا التوجهين في مصفوفتين أخلاقيتين متقابلتين:

حرية|محافظة
حرية المرأة|حشمة المرأة
الحرية الفردية| التقاليد الاجتماعية
حرية التعبير| احترام المقدسات
مركزية الإنسان|مركزية الله (الدين)..
لا دينية الدولة|دينية الدولة

سنجد ان كل تيار سيعتبر نفسه منافحاً عن قيم أخلاقية تمثل آيدولوجيته الخاصة، حيث ترى كل فئة مفاهيم العدالة والحرية بحسب منظورها الخاص.
هذا نفسه الانقسام الذي أفضى ببريطانيا إلى انفصالها عن الكاثوليكية الفاتيكانية، وارتمائها في البروتستانتية، وهي نفسها البروتستانتية التي تحولت لأحد عناصر آيدولوجيا الثورة الصناعية والتي امتدت في تأثيرها إلى الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال والجنوب الأمريكيين، وهي نفسها البروتستانتية التي بشر بها صمويل هنجتنجتون في كتابه الموجة الثالثة كمعيار ثقافي متطلب لدحر الكاثوليكية والإسلام السُّني اللذان سيمثلان عقبة أمام التحولات الديموقراطية في العالم.
هكذا تبدو القيم الأخلاقية مطاطة جداً ومنزوعة الدسم، فسير المرأة وهي عارية تمثل قيمة اخلاقية كبرى وهي حرية الانسان، وفي نفس الوقت تمثل قيمة لا أخلاقية عند المحافظين الدينيين. في ذات التوجه فحرية التعبير قيمة اخلاقية، لكنها في كل الأحوال تعتبر انتهاكاً حينما تمس بعض الخطوط الحمراء في بعض الدول مثل انكار الهولوكوست أو ابادة الأرمن أو المساس بالعرق اليهودي، وهي أيضاً مرفوضة عندما تمس القيم الدينية والمقدسات.
هذا إذاً صراع الأخلاق ضد الأخلاق.. ستكون الماركسية معبرة عن العدالة الاقتصادية، وستكون الليبرالية معبرة عن الحرية الاقتصادية، وكل تلك قيم متعارضة.
سنجد هذا الصدام قد أُعلن عنه بوضوح في الدول العربية. ففي الوقت الذي تتوجه فيه دول الخليج بقيادة الإمارات والسعودية نحو الانفتاح، سنجد أن مصر (التي قادت الانفتاح العربي سابقاً) تتجه نحو القيم المحافظة. عبر عن ذلك بوضوح خطاب السيسي مع ماكرون بفرنسا، حينما قال بأن الدين مقدم على الإنسان. فقام ماكرون وقال بأن الإنسان مقدم على الدين. كان ذلك نصراً للسيسي، وربما يكون بغير قصد، لأنه خلق تلك المصفوفة التي رسمناها أعلاه، وماكرون بدون ان يشعر وقع في الفخ.
هذا اللقاء مضى عابراً دون اهتمام من الاعلام العربي بل وحتى المصري، رغم أن الدقائق الثلاثة هذه كانت تمثل مناظرة ضخمة جداً ليست بين الشرق والغرب فقط، بل مناظرة بين الكاثولية والاسلام السني في مواجهة البروتستانتية والليبرالية. وفي كل الأحوال، أعادت موضعة النزاع في خندق النسبية الأخلاقية.
تعتبر الأخلاق ضد الأخلاق
moral versus moral
نزاع تاريخي، يحدد الحقيقة من الكذب والصواب من الخطأ بحسب كل رزمة أخلاقية، تمثل في مجملها آيدلوجيا أو ضمن أحد معايير آيدولوجيا معينة. فالثورة الصناعية اتبعت قيمها الأخلاقية ومن ضمنها الحرية الفردية. مع ذلك فعلينا دائماً أن نقفز فوق الآيدولوجيا الظاهرة لنعرف ما وراءها، أي دوافعها. وسنجد -في كل الأحوال المال كمحرك أساسي لتلك الآيدولوجيات. فكما كانت مصلحة الكنيسة والمنظومة السنية الإسلامية تتحرك بمعاييرها المحافظة كأسلحة تحمي مصالحها (نفوذها الاقتصادي والسلكوي)؛ تحركت البروتستانتية والليبرالية لحماية نفوذ ومصالح البرجوازية. إذاً فالماركسية لم توجد إلا كطريق ثالث وليس ثانياً كما يُعتقد، أي انها جاءت لتستخدم البلوريتاريا نفسها ومعايير العدالة الإجتماعية، بقيم اخلاقية مادية (مقابل قيم اخلاقية كاثوليكية)، وقيم إجتماعية (مقابل قيم الفردية الليبرالية). وهكذا ظهرت لنا مصفوفة ثالثة، تضمنت بذاتها قيمها الأخلاقية الخاصة..
إننا جميعاً كمواطنين عاديين، نقع في ورطة ذلك الصراع، الذي يدفع بنا نحو استقطاب سايكولوجي التأثُّر، آيدولوجي القيم، أخلاقي (على طول الخط)، ومن خلفه رأسماليون في كل الأحوال. وذلك دون أن ندري.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى