صلاح عبد العزيز - المفارقون وحدهم هم السعداء يا ذاكرة السمكة.. شعر

أستبدل ذاكرتى بذاكرة سمكة
لا تتعرف على الشص
لو أفلتت منه تعود إليه
إلى أن يصيدها صائد
ربما أبدأ بمقدمة مثل " فى خريف ما .........
كعادة الكتاب ......
........ فى خريف ما
نسيت ذلك لا أعرف أى خريف
تشابهت الأيام والفصول ربما
.........فى يوم ما
ومع ذلك
أبحث عن حدث أحكيه
لكننى استبدلت ذاكرتى
بذاكرة سمكة ......
...............................
...............................

كحفرة تنتظر العائدين
تفتح فمها
محاولاتى كلها تبوء بالفشل
فما من مرة إلا ووقع شخص ما
الردم أحيانا لا يكون مثاليا
أو أن إنسانا ما يقوم بحفرها
لذا التزمت الصمت
أقفلت نوافذى وشبابيكى
أعددت ألحفة البيات الشتوى
بعد مرور شتاءات عدة وجدت شعبا
فى الحفرة
التواطؤ مع آخرين يجعل الأمر عاديا

حين يمر خمسة وخمسون عاما من القحط هى عمرك المتدلى من مشنقة الحياة المتدنية .. تكتشف أنك خدعت نفسك تسير بك الحياة من محنة إلى محنة ..
محن لا تعد ولا تحصى ..
ومع ذلك
لا تنكر أنك سعيد بتلك التعاسات حين تغيب ولو فى النوم ، والتى تجعلك كئيبا إذ لا تملك أى حل للابتلاءات المتكررة
كلما صحوت منه ..
ورغم أننا مفارقون
إلا أن البعض ينسى ،
هؤلاء هم الخطايا العشر

أعمار السلالة ما بين الخمسين والستين
تخطو إلى ذلك العمر بجسد مترهل
لا تعرف كل تلك السنوات كيف عشنا
دون أن نعرف تلك البديهة
حين تقارب ذلك العمر
لا تنضج كفاية
تكتشف أنك مازلت طفلا

لم أر جدَّى
جدى لأبى
و
جدى لأمى
السبب
تلك الوفيات الغامضة
كل الحكايات مقتضبة التاريخ المنسى دائما هكذا
فجوات
لا تستطيع حشوها فى القصائد
لكنما السمكة تحدد المكان بدقة

البعض منا يحمل خطأه كالصليب
بعد الموت يتم تدارك الخطأ
زائدون على الحاجة
وفائضون كسقط المتاع ..
وأسأل ( كتعبير دقيق عن الرغبة الجامحة والشروع فى النسيان )
: ما الذى يجعل الحياة موتا ، والموت حياة؟!
فى وحدتك أيتها الوحدة يلوكنى البكاء ..
لا تغررى بى ثانية ..
ما يزعجنى أن هذا كلام عادى
يمكن أن يكتبه أى شخص

تنسى
أحدهم وضع عصا فى عينك
آخر خنجرا فى ظهرك
يدك الممدودة ترجع بحصى فى فمك
لولا هذا الألم لظللت فى نفسك ولم تخرج
ولظلت أسنانك قادرة على قضم الماء ..
تنسى
وجوها ربما
نهرا أصبحت ضفته
ألوان العذاب السبعة
كمن يصلك بالضفة الأخرى

ترْك هذه الدنيا لون من ألوان البهجة لا نتحمله
هكذا بدأ الفساد والمفارقون وحدهم
هم السعداء ...

ما العائد الذى حصلنا عليه
أو العائد الذى سنحصل عليه ..
الأمان مثلا ..
كيف وأنا أخاف المشى مفردا بالنهار ..
حين أغراك أمل زائف فى مستقبل أفضل ،
الذى خُدعنا فيه والذى نتحدث عنه
( بكره ،
بعده ،
الصبر ، )
من اجل ماذا ..
ليلا ونهارا
سنوات ولا يأتى

حين تنام المدينة
تغلق نصف عينها
تقضم تفاحاتها
تتركنى لأرق وارف
على تلتها يجلس الشاعر
كأنما يمسك نارها
وكما تتحملَ نساءها
تتحمل تاريخا من الكذب
الغارقون فى الحفرة التى صنعتها
غير قادرين على ممارسة طقوسهم اليومية

تلك المشاهد كمن يفتح صنبور غاز
حيث تتحول البنايات إلى
جنيات عشاؤهن من دمى
هذه الأعشاب التى تورق
تمضغ ما تبقى
غير أنى أستعيد الوعى
وألملم أجزائى التالفة
وأنا عائد مع العائدين
أحملنى لصباح يوشك أن يغادر
صباح تأخر كثيرا

الآن عرفت
كنت أخاف وأنا صغير وأحذر التعريشات
على جانب البحر
يأتى الموت كالذئب يا عزيزى
يأتى دون أن تحس
هل تذكر حكاية الذئب
هو هكذا
الآن أنتظر الذئب القاتل
من أى اتجاه سيأتى
فى أى وجه

القناطر تفتح بواباتها
للأعشاب كى تبحر للشمال
النهر الذى يسير ليس هو
النهر الذى أجلس عليه
كما الوحدة التى تنشدك
كما
حصوات فى طريقى
حصوات فى فمى
حصوات فى الكلى
حصوات فى المرارة
العالم كله حصوة فى عينك

لست حاقدا طبقيا يا عزيزتى
أنا أيضا أملك سيارة
ودفتر شيكات
وعندى عملات مختلفة
وبضع بنايات يستأجرها التجار
والمرابون
وإذا مشيت فى شارع يتحلق
حولى سائقوا التاكسى
لست طبقيا
ولا أحب أطباق الفاصوليا
ومفروم اللحم
أحب فقط أن ينعتنى أحدهم
بياباشمهندس
أنا ابن الطبقة الكادحة التى نامت
بلا عشاء
شرابها الماء من الفخار
ومع ذلك يحق لى أن أكذب قليلا
ماذا يهم
أنت أيضا
تغيبين منذ غروب الشمس
وحتى الشروق
فى ذلك الغياب أركب سيارتى
أتيه فى أكاذيبى
ولا أسألك حتما
أين أنت ..

أنثرى أيتها السحابات بعض مائك
عل البحر يرتفع
عل موجة تعلو
عل أطرافها تبتل
علها تنجو من الوهج
لنجمة بحر وحيدة
الشاطئ منعكس فى رئتها
تئن
المد بعيد
وأوان الجزر طويل
فى وقت ما كانت فى الأعماق
كانت ملكة
كانت ملاكا
خطوة من الماء واحدة
أزرق الماء على خطوة
تكبر على أطراف ضعيفة
لو لم يكن الرمل مبللا
لأكلتها الشمس
العشق ما بينى وبين البحر
تعوزه الشفقة
يا لأطرافى
لم أكن مهيأ لكل ذلك البعد
وأنت أيها الإنسان
لماذا تسير وحيدا
لماذا كلما انبثقت شمس
تذبل وردة
هكذا بدأت المجاعة
من راوغتنى
فأدمنتها
وحيث لا أحد
كنت فى وجوههم أتقلب كحصى ،.
وأخاف البحر
يا ذاكرة السمكة
لا أعرف ماذا يحدث هناك
لأننى مشغول بهنا
بأسوارى وضلالى وفبركاتى ..

المدهش فى الأمر
أنك تعلق فى مكان
تبارحك قدماك
تستجيب لصوت باهت
وملئ بالصفرة
ليس عندى ضوء أزرق
فى حضّانة أيامك
كمريض باللعنة أو صاحب حان
فى حى شعبى
أصعب ما فيه شراب جيد
أحيانا الضوء الأزرق لا يفعل شيئا

خلط الشراب بالماء
يمكن أن يفسد علاقتنا
أريد الشراب صافيا
والبن صافيا
والماء صافيا
لا تزعجينى
بباب مفتوح
ولا بشباك
أحب الأشياء صافية
خارج الفصول
ونتيجة العام
حيث الألوان ليست صافية تماما

التوحش على شاشة التلفاز
يجعل العزلة خاطئة
ما عندى يكفى احتراق عدة ميادين
خارج الكوكب
كإطلالة غامضة قبل إغماضة أخيرة
على مشهد النهاية
المراؤون وحدهم فوق القانون
وتحت نعل القوانين كلها
الأشخاص الجيدون
وحتى آخر نفس
تحت نعل المخبرين
يموت آخر فرد فى المعتقل ..

رائع ذلك الخليط من الطعام الفاسد
الكون يلزمه استراحة ما
كالضمير تماما
غير أن استهلاك النظام
فى فمنا له طعم خبز ساخن
الشراب أحيانا يأخذنا لمناطق حساسة
نعود منها أكثر هدوء
وأقل عنفا
ننسحب من الميادين حيث الصخب
ننام فى حارات تضيق
ولا نفعل أكثر من ذلك

الخارجون على القانون يمكن مداراتهم
ستعطيهم السلطة بعضا من الكعكة
ليكونوا كرأس حربة فى المعارك اليومية
مع الرغيف والتموين والانتخابات
ومظاهرات محدودى الدخل ..
أمسكت لسانى
كى لا
يفر من فمى هيكل عظمى
والقائمون على المصالح
على أعين الجميع يرتشون
يستخلصون أوراقا ومستندات
بالأجر فوق الاجر
الكلام صوت صامت
والمعانى أصوات خرساء

أعود والأمر كما يبدو
الأشجار فى نومها
والطرق هى التى تسير
ينفرط الإسفلت إلى رمل ومجرات تائهة
قدمى فيها لغز
لا أثر فى رمل الوقت
تحولت المسافات إلى ورق مطوى
شبيهة ضوء الشمس *
منى السلام
وإليك السلام
وعلىّ السلام
وإن متُّ من داء
فإلىّ السلام ..


صلاح عبد العزيز - مصر 🇪🇬 🇪🇬 🇪🇬
----------------------
هامش :
* مؤنسة مجنون ليلى
وإن مت من داء الصبابة فأبلغا
شبيهة ضوء الشمس منى سلاميا
  • Like
التفاعلات: جوهر فتّاحي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى