محمد علاء الدين - ثقافة الـ 0 في مقابل ثقافة الـ ∞

الثورة هي " القضاء على حالة الإغتراب الإجتماعي والسياسي والإقتصادي للأمم " تلك الحالة التي تجعل مغترباً إرادياً وآخر قهرياً ( ظالماً ومظلوماً ) في مواجهة مباشرة أو غير مباشرة في معادلة سياسية وإقتصادية وإجتماعية مغلوطة الأمر الذي يؤدي إلى محاولة تغيير تلك المعادلة من أجل بناء نظام جديد سوي وعقلاني .

ذكرت من قبل أن التاريخ يسير بشكل دائري يتمثل في دائرتين تسيران بإتجاهين متعاكسين الأولى تبدأ بمرحلة الصراع بين أمتين ثم إنتصار أحدهما على الآخرى ثم مرحلة القوة والضعف والعودة إلى الصراع من جديد في حين تبدأ الثانية بمرحلة الصراع ثم الهزيمة ثم الضعف ثم مرحلة إفاقة إحدى الأمم والعودة إلى الصراع من جديد هذا الشكل الدائري للصراع يتسم به التاريخ بشكل عام وتاريخ الأمم المختلفة بشكل خاص وذكرت أن الحل يكمن في الوصول إلى حالة بنائية داخل الأمة الواحدة وحالة من التعارف والتعايش السلمي بين الأمم المختلفة وتلك هي وظيفة الثورات .

نعم فالثورات تدخل في دائرة الصراع لكي تصل إلى هاتين الحالتين في حين تحاول السلطة أن تقف عند مرحلة القوة وهي مرحلة الصفر أو العدم ( اللاشيء ) وسأحاول ان أشرح هذا بشيء من التفصيل فالثورة قبل أي شيء تكون ثورة معرفية ( فكرية ) لأنه بالرغم من ان العلاقة بين الفكر والمادة علاقة ديناميكية إلا أن الفكر يظل سابق على المادة – وأتحدث هنا عن علاقة الإنسان بالإنسان فقط – لأنه سابق على الفعل البشري المنشيء للمادة \ الواقع من الأساس .

السؤال الأهم هنا كيف يكون الصراع بين الثورة والسلطة.. ؟ أعتقد ان الصراع يكون عن طريق فرض حالة من " الحركة السالبة للثقافة " من قبل السلطة وإيجاد " حركة موجبة للثقافة " من قبل الثورة الأولى تتميز بشيئين الحركة السالبة أي حركة إلى الوراء ( عكس عقارب الساعة ) والهدم لبنى " الحركة الموجبة للثقافة " وهي حركة مغتربة عن العصر والتطور الطبيعي للثقافة البشرية وثقافات الأمم الخاصة وينتهجها كل من السلطة ومن والاها والأطراف الأخرى التي تريد أن تصل إلى السلطة ولكن مع الحفاظ على خصائصها " السيئة " كما هي أو بمعنى آخر الأطراف التي لا يشغلها التغيير في حد ذاته بل تغيير السلطة بسلطة أخرى والطرفان يحاولان أن يفرضا حالة من الحركة السالبة للثقافة لكي يحافظوا على مصالحهم ويمنعوا أي تغيير حقيقي في المجتمع .

والثانية تتميز بثلاثة أشياء الديناميكية ( الحركة التفاعلية ) والإنفتاح الفكري والسعي الدائم إلى تغيير الواقع للأفضل وإذا إستطاعت السلطة السيطرة على الوعي الجمعي فأنها تجعل حركة المجتمع تسيرإلى الوراء حتى يصل إلى ثقافة الصفر وهي ثقافة تتميز بشيئين الإستاتيكية ( أي ثبات النظام ) والدوجما ( الإنغلاق الفكري ) وهي ثقافة عدم أو لا شيء إلا أنها وفي نفس الوقت تضفي على الواقع قيم مطلقة كالصفر الذي لا يساوي شيئاً إلا انه له قيمة رياضية مطلقة .

وبالفعل تحاول السلطة أن تفعل ذلك عن طريق فرض أسطورتين أساسيتين الأولى هي أسطورة الفناء عن طريق إيهام الوعي الجمعي بأن الثورة هي مجرد فعل فوضوي سيؤدي في نهاية المطاف إلى فناء الدولة التي لن تستطيع تلبية حاجات البشر الأساسية من مأكل وأمن ومأوى وهي الحاجات الأساسية للوجود البشري في حد ذاته والثانية هي أسطورة المنقذ من الفناء ( النظام أو الفرد أو الدولة ) وبغض النظر عن ماهيته يظل هذا المنقذ بطلاً أسطورياً نصنعه ليتحكم بنا .

أما إذا إستطاعت الثورة إقناع الوعي الجمعي فأنها تجعل حركة المجتمع تسير إلى الأمام حتى تترسخ مبادئها في عقله ووجدانه وهنا ينتقل المجتمع إلى ثقافة الفاي ( المالانهاية ) التي تتميز بالديناميكية والإنفتاح الفكري والسعي الدائم إلى تغيير الواقع للأفضل فالثورة لا تتوقف – وأنا هنا لا أعني الإحتجاج وأن كان مهماً حتى تتحقق مطالب الثورة – ولكن أعني التطور المستمر للمنظومة المعرفية للمجتمع التي تجعل كل ما هو متغير في حالة تطور مستمرمع الحفاظ على ما هو ثابت بالطبع .

#مقال_من_كتاب_الإغتراب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى