إبراهيم محمود - انعطافات فائتة..

قلت للقرية اخرجي من سريري
قلت للمدينة تنحّي عن طريقي
مضى بي جسدي بعيداً عني
التقيت حميراً تمارس الرفس الجماعي الآسر في الهواء الطلق
أبصرتني جميعاً
رحَّبت بي جميعاً
تقدَّم مني أحد الحمير مرحّباً بي قائلاً بلغة السؤال:
ألم نقل منذ زمان طويل أن مكانك بيننا
لتعيش دورة الأرض والحياة كاملة
وأطلقت جموع القطيع نهيقاً عذباً لم أعهده من قبل ؟
***
حيث تحتضنني الأرض بكل حميميتها
وكل ما في نافذٌ فيها
سمعت دود الأرض يخاطب بعضه بعضاً:
هل عرفت أي تائه هذا الذي يريد الدخول في الأرض؟
وسمعت صوتاً هائل العذوبة والحلاوة من دود الأرض:
داوم على هذا الالتصاق
سنمنحك شرف اكتشاف الأعماق
ونطوّبك ابناً بالتبني لنا
وفاحت لي أعماق الأرض بحكمتها التليدة

***
شعرتُني، وملئي الأرض وأبعد
أن السماء تمد أنجمها إلي
وفي الجوار غابة ترقص ظلمات منتشية
التقيت قطيعاً من الكلاب السعيدة بلاحدودها
ودنا مني كلب طروب الخطى متمسحاً بي وناظراً إلى نظرائه الكلاب:
انظروا إليه، الآن يشبهنا
ها قد اهتدى إلينا بعد عقود من سنوات عمره البشري العجاف
فليعرف الآن من نكون:
نحن الكلاب حيث نعيش وجودنا بالكامل
زمننا واحد لا يتجزأ
فلا قبْل ولا بعْد لنا، فهما داءان بشريان مزمنان
لا ذاكرة لنا، فالذاكرة وباء بشري فتاك
لا خيال لنا، فالخيال مرض بشري
لا حلم لنا، فالحلم عاهة بشرية
نصادق أذيالنا
نعرف مؤخراتنا جيدنا
أجسامنا بروائحها السعيدة توّحدنا
أهلاً بك بيننا بعد تيهك الطويل الطويل
واستغرقني عواء جماعي أبصرني بحقيقتي المخادعة
***
في فسحة من الأرض الحالمة بروحها
تحلقت حولي ضباع
ترثي وضعي وما آل إليه أمري
أسمعني ضبع، وهو يلحس وجهي بلسان، ما أنعمَه من لسان
كاشفاً عن أنياب بالغة اللطف،
مشدداً على صوت له معنى السديد:
هاأنتذا ترانا يا شقيقنا البشري
نحن الضباع لا ننهش أحدنا
كما يتصرف جنسك بمناسبة ودون مناسبة
نأخذ كفايتنا من الطعام
ومن ثم نسلّم لغريزتنا العتيدة خطانا الراقصة
ونهِب الطبيعة ما يبقيها راضية عنا
نقبِلك فرداً منا
سنعلّمك في الحال كيف تعيش كامل جسمك
وامتدت إلي قوائمها وهي تنز طراوة ونعومة وأريحية
تخللتْ كامل جسمي
قفزت من نومي مذعوراً
لأبصرني في كامل بؤسي البشري
متحسراً على الأحبة الذين عشت معهم قبل ثوان
كان علي أن أمضي في النوم إلى الأبد !!!


إبراهيم محمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى