علجية عيش - "لؤلؤة الصحراء البربرية" المدينة التي قاومت الزمن

دور الحركة "السنوسية" في بعث المشروع الإسلامي

رغم أعمال العنف التي شهدتها المدينة ، لم يتأخر أعيانها في النهوض بها، و الإستمرار في إحياء تراثها و موروثها الحضاري و ترقيتها اقتصاديا، و هي اليوم تشهد مشاورات دبلوماسية لفتح معابر الحدود بينها و بين الجزائر، بغية إطلاق منطقة "تبادل حر" بين منطقة إليزي و غدامس، و المعبر الذي يربط مدينة جانت بمدينة غات الليبية انطلاقاً من مدينة الألف قبة (وادي سوف)



مدينة غدامس Ghadames أو كما يسمونها "لؤلؤة الصحراء البربرية"، واحدة من أشهر المدن الأفريقية الشمالية التي لعبت دورا تجارياً مهماً بين شمال وجنوب الصحراء الكبرى بكونها محطة للقوافل، دخل الإسلام مدينة غدامس سنة 44 هجرية على يد الفاتح الصحابي عقبة بن نافع الفهري، وقد خضعت المدينة قديماً لسيطرة الإغريق ثم الرومان، إلى أن دخلها العرب لأول مرة بقيادة عقبة بن نافع، وبلغت ذروة مجدها في القرن الثامن عشر عندما خضعت للحكم العثماني الموجود آنذاك في ليبيا، وأصبحت مركزاً مهماً للقوافل ونقطة للتجارة بين حواضر القارة الإفريقية، واحتلها الإيطاليون عام 1924 م، وأخضعوها لسلطتهم حتى اندحارهم منها ودخول القوات الفرنسية إليها سنة 1940 م وظل الفرنسيون في غدامس حتى 1955م، وبحكم ما تزخر به من معالم و تراث ثقافي مادي و لا مادي، صنفت مدينة غدامس الليبية كمدينة تاريخية ومحمية و كموقع للتراث العالمي من قبل منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة "اليونسكو".

تقع مدينة غدامس على المثلث الحدودي ( ليبيا وتونس والجزائر)، فهي تقع على بعد 7 كلم من بلدية الدبداب الحدودية شمال ولاية إيليزي جنوب الجزائر، ويقال لها مدينة القوافل لمحطتها الرئيسية من الزمن البعيد، أصل التسمية قداموس أي بلد الجلود باللغة الرومانية أو إغداميس أي مناخ الإبل كما يسميها الطوارق، كما كانت تسمى بـ: "لؤلؤة الصحراء"، و تقع في الجزء الغربي من ليبيا على خط عرض 30.08 شمالا وخط طول 9.03 شرقا، وترتفع عن مستوى سطح البحر 357 مترا، وتبعد 543 كيلومتر جنوب غرب طرابلس، كما ترتبط مدينة غدامس بطرابلس طريق بري يمتد لمسافة 600 كم ويمر تحت جبل نفوسة وهي السلسلة الجبلية الممتدة من الخمس إلى نالوت ويوجد بالقرب من المدينة مهبط للطائرات (مطار محلي) تربطها رحلات دورية مع مدينة طرابلس وسبها، و يحدها من جهة الشمال الحدود الليبية التونسية على بعد حوالي 09 كيلومتر، و غربا الحدود الليبية الجزائرية على بعد 15 كيلومتر، سكانها الأصليون من الأمازيغ والطوارق، عاش سكانها تحت نير الإحتلال الإيطالي ثم الإحتلال الفرنسي

و رغم أنها عبارة عن واحة نخيل، تسعى مدينة غدامس عن طريق نخبتها لإبراز الهوية العربية و الحفاظ على موروثها الحضاري، حيث تعتبر نموذجاً للمدينة الإسلامية التقليدية والتي قاومت الزمن محتفظة بطابعها الأصيل المستمد من التراث العربي الإسلامي، و يظهر ذلك في شكلها العام المتميز بالتماسك و وحدة الأجزاء، فالمدينة بأكملها محاطة بسور تتخلله عدة بوابات ومقسمة إلى دورين لكل منهما وظيفة محددة، ويبلغ طول هذا السور 06 كيلو متر وهو يأخذ شكل دائري و مع مرور الزمن أزيل جزء كبير منه في أواخر عهد الاستعمار الايطالي، ولم يبق منه إلاّ بعض الآثار التي منها ما يحيط بجزء من شارع أولاد دليل من باب جرسان إلى باب النادر، حسب الكتابات فمدينة غدامس قديما قسمت اجتماعياً ومكانياً إلى عشيرتين رئيسيتين هما ( بنو وليد ) و ( وبنو وازت)، تقيم كل منهما في محلة منفصلة، وتتفرع كل عشيرة إلى مجموعة من القبائل تتوزع على عدد مماثل من الشوارع أو الأحياء السكنية التي تسمى بأسماء القبائل التي تسكنها .
و تشكل هذه الشوارع و الأحياء الحد الفاصل بين أحياء العشيرتين الرئيسيتين، و قد عرفت مدينة غدامس بأوقافها، من حيث تواجد مساجدها الرئيسية ، تتوزع في الأحياء السكنية وهي ( العتيق ، يونس، عمران الفقيه ، تندرين، أولاد بليل ، السنوسية و مسجد الظهرة) بالإضافة إلى جامع عقبة الذي يعتبر شبة مهجور، أما الزوايا فيوجد بمدينة غدامس ثلاث زوايا كبيرة للشيخ عبد القادر الجيلاني، وزاويتان للشيخ محمد بن عيسى، زاوية للشيخ مولاي الطيب، وأخرى للشيخ المدني، وزاوية للشيخ عبد السلام الأسمر، زاوية الشيخ محمد السنوسي ، مؤسس الحركة السنوسية التي لعبت دورا لا يستهان به في بعث الحضارة الإسلامية على مر ّ العصور، و قد ظهرت الحركة السنوسية ( نسبة لمؤسسها محمد بن علي السنوسي)، في ليبيا منتصف القرن التاسع عشر، ويرجع أصل العائلة السنوسية، إلى سلالة الأدارسة الذين حكموا المغرب في القرن التاسع الميلادي ، و على يده ظهرت الدولة الليبية الحديثة ، و الشيخ محمد علي السنوسي ولد في مستغانم غرب الجزائر و تابع تعليمه في جامعة القرويين بالمغرب، و ظل يتجول من بلاد لأخرى حتى انتهى به المطاف بليبيا التي توفي فيها

و المتتبع للأحداث ، يقف على أن مدينة غدامس لم تعد على الحال التي كانت عليه بالأمس، فأعمال العنف التي يعيشها السكان يوميا، منذ سبتمبر 2011 ، و المواجهات المتواصلة بين الفصائل الأمنية الليبية التي تطلق على نفسها تسمية ''ثوار ليبيا الأحرار''، ومجموعة مسلّحة من التوارڤ، التابعة لجماعة عبد الحميد أبو زيد أمير كتيبة طارق بن زياد في المنطقة، والتي حاولت التوغل إلى الأراضي الجزائرية، لولا تفطّن عناصر الكتائب القتالية للجيش الوطني الشعبي الجزائري المرابطة بالحدود، فانخراط مرتزقة من طوارق مالي و النيجر في صفوف القذافي ساهم في جعل طوارق ليبيا محل عنف المقاتلين حتى بعد أن شد أولئك الرحال إلى بلدانهم.

و قد عرف الزعيم الليبي معمر القذافي بمساندته للأقليات العرقية كطوارق الجزائر و الأمازيغ كما وقف إلى جانب الطوارق في النيجر ومالي، إذ وهب اللاجئين منهم الجنسية الليبية ، وقدم لهم المساعدات المالية، ما جعل الليبيين العرب ينكرون على الطوارق انتماءهم إلى ليبيا ويصفونهم بالخونة، و ينقلبون على القذافي، و هذه هي الأسباب التي جعل المدينة (غدامس) تبقى تحت الحصار من قبل قوات القذافي، قبل عقد اتفاق بين المجلس الوطني الانتقالي الليبي و ممثلي الطوارق - جنوب غربي طرابلس- لوقف الاقتتال، و إلقاء السلاح والسماح بعودة العائلات إلى غدامس من الجزائر التي لجأت إليها في أعقاب الأحداث التي شهدتها المدينة، و اليوم توجد مشاورات دبلواسية لفتح معابر الحدود بين الجزائر و ليبيا، من اجل تجسيد البرنامج الطموح لإطلاق منطقة تبادل حر بين الدولتين انطلاقاً من مدينة الألف قبة (وادي سوف) في الجنوب الشرقي الجزائري، و بين منطقة إليزي وغدامس، و المعبر الذي يربط مدينة جانت بمدينة غات الليبية.
علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى