د. محمد سعيد شحاتة - ثرثرة.. شعر

ثبِّتْ قلبَكَ على الجدار جيِّدًا
وحدَهُ القلبُ المُثَبَّتُ على الجدارِ
يرى فوَّهةَ البندقيةِ حين تُطْلِقُ الرصاصَ
ولا تُصْغِ لندوبِ الروحِ حين تحكي
سراديبُ الذاكرةِ مُتَعرِّجَةٌ
والحواةُ يجيدون العزفَ على أوتارِ الوجعِ
والأزقَّةُ ملأى بالعائدين من التاريخِ
مُحَمَّلين بالزوابعِ
والأنهارِ الشحيحةِ
تكفيكَ طلقةٌ واحدةٌ ليسقطَ القلبُ
وينهارَ الجدارُ
قالت العجوز وهي تلملمُ بقايا بريقها المتناثر
على صفحات مذكراتها البالية:
لم تعد نبوءةُ الشعراءِ قادرةً على الصمودِ
فقد ضَمُرَتْ أعينهم
وصاروا سرابًا
والقصائدُ الملقاةُ على أكتافِ الباعةِ الجائلين
فقدتْ بريقَ أعينها
والكماماتُ المُلوَّنةُ هي المنافي.
يتأبَّطُ العائدون من التاريخِ جوعَ الروحِ إلى النهارِ
ولفحةَ الجسدِ المعجونةَ برمضاءِ الدروبِ
والعيونَ العطشى إلى وهجِ التكوينِ
سيماهم في ظلالِ كلماتهم
وتوابيتِ القصائدِ المُحَنَّطةِ
والجماجمِ المثقوبةِ
زرعتُ أغنيتي في أعينهم فجفَّتْ
وصارتْ هشيمًا تذروه الرياحُ
فاعتزلتُ الغناءَ
كان جدي يقول بيقينٍ مطلقٍ:
الطرقُ المُتعَرِّجةُ يكفيكَ أن تضيءَ جوانبَها
لِتَعْتَدِلَ
وقال أبي:
ليس مهمًّا أن تتوجَّسَ من إخوتِكَ
الذين يكيدون لك كيدًا
فلن تُغَيِّرَ شيئا
لكنني اعتزلتُ الغناءَ ؛
لأن أصابعَ أمي لم تَعُدْ قادرةً على رَتْقِ جراحي
حين بكيتُ لفقدانِ دفتري المملوءِ برسومي البدائيةِ
كنتُ أحنُّ لعينيْ حبيبتي الخضراوين
والشراشفِ المتدلِّيةِ على ساقيْها
ووجهِها المصبوغِ بدمائي
وقصيدتي التي علَّقتُها على صدرِها
ليعرفَ الناسُ أنني عاشقُها الوحيدُ
لم تَعُدْ أمي قادرةً على كبحِ فضولي بضحكتها المُتَعَجِّبةِ
وتجريدِ عينيَّ من النظرةِ المُلْتبسةِ
لقد صار جلدي آنيةً لكل الأفكارِ العابرةِ
وحين أسدلتُ ثوبَ الحنينِ على عيون القلبِ
ثار الحواةُ
والعائدون من التاريخِ
مزَّقوا الثوبَ
وأطلقوا الرياحَ العاتيةَ
وحين اعتصمتُ بجدي وأبي
وأصابعي المغموسةِ في الترابِ
تثاءبت المدنُ من حولي
وغرقتْ في النعاسِ

___________________________
ديوان: العاشق الريفي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى