د. سيد شعبان - جناية الأشهر!

لكل أديب عمل ذاع صيته به؛ حاولت فمن الشعراء من له قصيدة بل معلقة عرف بها، منهم من له بيت أو عدة أبيات سارت بها الأحاديث وتناقلها الرواة؛ أدباء كثر لهم أعمال لكن النادر أو الواحد منها بلغ بين القراء والنقاد مكانة جنت على ماعداها من روائع؛ ماركيز ورائعته مائة عام من العزلة؛ نجيب محفوظ والثلاثية؛ الطيب صالح وموسم الهجرة إلى الشمال؛ حتى حيدر حيدر وليمة لأعشاب البحر؛ تلك الأخيرة أقامت الدنيا هرجا وغليانا وإن بحثت فيها بقلم الناقد وجدتها نصا دون المستوى السردي؛ ترى هل تلعب السلطة دورا في انتشار عمل ما؟
ربما تجتهد وراء كاتب تريد منه أن يكون معيارا للتعرف على توجهات القراء؟
وقياسا للرأي العام.
تلجأ للحظر تارة وللمديح أخرى وهي في كلتا الحالتين تمكر وتدبر أمرا؛
يقول د.أحمد العسيري المؤرخ اليمني Ahmed Assirri
:"الفيلسوف الألماني نيتشه عاش منبوذا فقيرا يعاني حالات تعاسة وحالات نفسية ولم يعرف له حقه في الفكر والإبداع إلا بعد موته".
الأعمال الجيدة تعيش ويأتي من يستخرجها من غفواتها لتصحو على زمن آخر أجمل. المعاصرة حجاب
مؤكد أن الدين له تماسه مع أي نص خروجا أو تماهيا مع مفاهيمه ومعتقدات أتباعه؛ تلك هي النظرة الحدية الأخطر؛ أن يدخل السارد نفسه مشرعا في تعامله الإبداعي؛ يبتعد بقدر ما يتناول المعتقد من زواية الإفتاء.
هذه رائعة همنجواي العجوز والبحر؛ والبؤساء لفيكتور هوجو؛ والأم لمكسيم جوركي؛ وفي الشعر الجاهلي؛ كتابات عرف بها مبدعوها وشهروا بها قبل أن توقع بأقلام المؤلفين.
كاتب يدغدغ مشاعر الآخرين حين يظن نفسه في علبة ليل فيكتب عن المسكوت عنه جنسا صريحا يثير الغثيان؛ بدعوى حرية التعبير؛ يغدو قلمه مقززا يخلو من الفنية والروعة؛ فالأدب الحق سمو خلق وعذوبة تناول واستنهاض وعي؛ ثمة أمور تحيط بالعمل الأدبي: الجنس والدين والسياسة؛ لا أريد للأديب أن يبتعد عنها فذا محال لكنه يقربها بعناية وحذر؛ حتى لايكون عود ثقاب يشعل المجتمع نارا!
روعة العمل الأشهر هل تعود لمجمل هذه الآراء أم تكون جنايتها أن تحجب ماعداها لكاتب ما؟
نظل في تلك الدائرة التي تحاصر المبدع؛ يحاول أن يقدم عملا متميزا فيواجه بالعمل الأشهر؛ على المستوى الشخصي أحاول أن أقرب السرد عن عوالم المحروسة فأجد قصتي القصيرة" في شارع شبرا" أو " أم هاشم" وفي الريف " الراهب حنا" نصوصا حاجزة تمنعني من القرب؛ بقدر ما أتخطاها أتعثر!
عندنا من يتهم نجيب محفوظ بعمل يبتسره من سياقه: " أولاد حارتنا"
رآها البعض نزقا بل كفرا؛ فهل قرأها هؤلاء بنظرة الناقد المنصف؟
إنها جناية الواحد من الأعمال تضر وتحجب الرؤية عما عداها من فن؛ ثم يجهل الخالفون ما يبدعه هؤلاء؛ كما أن المعاصرة حجاب تقف أمام فرد بين أبناء جيله فيرونه الديك الفصيح لا المبدع الذي يبهر بأدوات الفن المغايرة.
تأتي أعمال أخرى دون المستوى فتكون سلعة رائجة لعوامل أخرى؛ كتابة تماشي السوق فتغدو وتروح بين يدي القراء ممن يريدون تمضية الوقت دون إدراك لقيمته؛ إنها سموم على المبدعين أن يتجاوزوها.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى