صديقة علي - الحليب المرّ

قرّب أُذنه من بطنها الحاضن لحلمه ، أخذ يتحسسه بكفه القويّة ،بهدوء وحذر شديدين ، كمن يتلمس بتلات وردة.
- أُريده رجلاً منذ ولادته ، أُريده بطلاً بالرياضة أريده سباحاً ماهراً، لا يخاف البحر سألقيه في اليم وأدعه يخلّص نفسه بنفسه .
أمي كانت تخاف عليّ من غدر البحر فلم أتعلّم السّباحة إلا في عمر الشباب ،أيّاك ِ أن تزرعي الخوف في قلبه أنتنَّ الأمّهات تُضعفن من قلوب الرجال بحمايتكن لهم من المخاطر والمغامرة.
كانت تصغي إليه بابتسامة ملؤها الحب والرضا وهو يسرد أمنياته لطفلهما المنتظر منذ سنوات وسنوات.
******
عند الباب ودّعها وهو يوصيها :
-لا تلدي قبل ان أعود.
ضحكت وقالت :
-الولادة لا تنتظر معارككم التي لا تنتهي .
بجعبته وبندقيته وخوذته، بلباسه الميداني غادرها .
*******
كانت روحه تحوم بسلام فوق السرير، تلثم حلمه النائم ،أهو متاخر أم الرحيل أتى باكراً !!!:؟...
حجبها عن طيفه نهر من العبرات، وكأنَّ روحه تبتعد مخافة الغرق بماء العيون ...،مدّت يديّها الواهنتين تحاول لمس منكبه ،الذي كان متكأها يوماً ليس ببعيد، و لم تفلح بذلك سرعان ما تسامت الروح ...لحقته بنظراتها ، وبحركة كفيها .
وروحها تئنُّ وتناديه :
-تعال إلينا نحن لا نطيق الإبحار في هذه الحياة الغادرة من دونك .
كانت النسوة يكسرن بياض المشفى بسواد لباسهن.
منهن من قالت :
تحتاج المسكينة لطبيب نفسي .
وأخرى قالت: لقد أصابها المس.
وأخرى بكت بصمت وهي تتلو صلواتها لله أن ينجي ابنتها من همّّ تجاوز قدرتها على الاحتمال.
لكن أكثرهنّ قهراً وفاجعةً احتضتنتها وهي تتلمس آثار ولدها على جسد تغادره الحياة رويداً رويداً و تترك عالماً فيه من الغدر ما يكفي لغياب نور الغد .
*******
أيقظها من موتها بكاء الوليد ..فمنحته قطرات الحياة الأولى من حليبٍ مر ٍّ

صديقة علي/ سوريا /7-12-2017



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى