محمد عارف مشّة - حين غضبت صفية من مسعود البغل.. قصة

رفعت صفية رأسها نحو مسعود البغل ، وعادت تحيك له جوربه المثقوب ، وقد زكمت أنفها رائحة جوربه المعتّق بعرق قدميه . نهرها مسعود البغل ثم كتم غيظه . تنهد . زفر غيظه بهواء كثير أخرجه من أنفه وفمه ، ضحكت صفية للطريقة التي أخرج بها زوجها الهواء من أنفه وفمه بصوت يشبه الشخير .
ساد الصمت بينهما ، الجوع بدأ يعتصر معدة مسعود ، ولم يستطع التظاهر بالغضب من صفية أكثر ، حاول أن يتشاغل عن جوعه ، بأن أطلق صوته في موال طويل . الجوع يأكل جدران معدته ، ينهض من مكانه ، يتجه نحو صفية غاضبا ، ينتزع الجورب من يدها ، ويلقي به بعيدا .
تنظر نحوه صفية ، تخفي ابتسامة تكاد ترتسم بعينيها ، تتظاهر بغضبها من تصرفه ، لا تنطق بشيء . يزداد غيظ مسعود البغل من صمت صفية وعدم اكتراثها ، يرفس بقدمه قطة جواره ، تموء القطة ، تطير في الهواء ، تسقط أرضا ، تخرج هاربة من الغرفة ، ترتطم بسطل ماء يندلق في حضن صفية .
نهضت صفية من مكانها نحو الحوش ، زيادة في الدلال ورغبة في زيادة غيظ مسعود ، وراحت تبلل الأرض الترابية بالماء ، وتكنس الأرض وهي تغني :
كال وبيفكروا يزعجونا
إن هجرونا ، وإن كانوا معنا
إحنا بنات الأصل بنات العشاير
الكل بيطلب رضانا .. .
انتبه مسعود لما تقصده صفية في غنائها ، فنظر نحوها . ابتسم . تجاهلت صفية ابتسامته ، حملت جرّة الماء الفخارية ، واتجهت نحو باب الحوش ، همست : بحبك افهم يا بغل . ابتسمت في سّرها ، لم تنظر نحوه ، خرجت من باب الحوش غاضبة .... البغل ظل جائعا .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى