غياث المرزوق - غُلُوُّ ٱلْكِتَابَةِ ٱلْسِّيَاسِيَّةِ: لَغْوُ ٱلْتَّنَبُّؤِ بِالْتَّرَدِّي أَمْ رَغْوُ ٱلْتَّبَوُّءِ بِالْتَّحَدِّي؟ (القسم الثاني)

حَذَارَيْكِ هَذْيًا مَا يَهْذِي بِهِ ذٰلِكَ ٱلْنَّبِيُّ ٱلْكَاذِبْ،
وَحْدَهُمُ ٱلْمَوْتَى يُبْصِرُونَ مُنْتَهَى ٱلْوَيْحِ ٱلْلَّازِبْ!

اَلْمَسِيحُ وَأَفْلاطُون


(2)

قُلنا ببعضٍ من التوكيدِ في القسمِ الأوَّلِ من هذا المقالِ إنَّ أُسْلُوبَ الكِتَابَةِ السِّيَاسِيَّةِ التي يخُوضُ في غمَارِهَا معشرُ الكُتَّابِ (والكاتباتِ) الإعلامِيِّينَ وَ/أوِ الصِّحَافيِّينَ، في هذا العالَمِ العربيِّ الكَلِيمِ من كلِّ حَدَبٍ وصَوْبٍ، إنَّمَا يتطبَّعُ بالنَّفسِ بطابعٍ «إغْرَاقِيٍّ قَهْرِيِّ» في أحسنِ أحوالِهِ، حتَّى لو كانَ هذا الأُسْلُوبُ مدفوعًا بدافعٍ «تنويريٍّ» من الدَّوَافِعِ، أو حتَّى محفوزًا بحافزٍ «تثويريٍّ» من الحَوَافِزِ. وقُلنا كذلك إنَّ هذا الأُسْلُوبَ، فيمَا يبدُو واقعًا أكثرَ من فاشٍ وأكثرَ من جَليٍّ، إنَّمَا يتمَيَّزُ باللِّسَانِ بميزَتَيْنِ متلاصقتَيْنِ جَنْبًا إلى جَنْبٍ أو، على النّقيضِ، مُتَقَاصِيَتَيْنِ بَيْنًا على بَيْنٍ، حَسْبَمَا يقتضيهِ الاِنعطافُ، أوِ الاِنحناءُ، السِّيَاسِيُّ حتَّى قبلَ النَّظيرِ الإعلاميِّ وَ/أوِ الصِّحَافيِّ، بطبيعةِ الحَالِ. ثَمَّةَ في هذهِ القرينةِ «الخَوْضِيَّةِ»، إذنْ، تلك الميزةُ التي سُمِّيَتْ إذَّاك مَرَامًا بـ«ٱلْتَّنَبُّؤِ بِالْتَّرَدِّي» Prophesizing Decadence، وذلك بالفَحْوَى «اللَّغْوِيِّ» المُوَارِبِ (نسبةً إلى «اللَّغْوِ» Loquacity، تحديدًا)، كما يُشيرُ بجَلاءٍ (ودونما مُوَارَبَةٍ) مَا يبنيهِ مبدأُ الشِّقِّ الأوَّلِ من استئنافِ عنوانِ هذا المقالِ، من طَرَفٍ أوَّلَ. وثَمَّةَ في ذاتِ القرينةِ «الخَوْضِيَّةِ»، أيضًا، تلك الميزةُ التي دُعِيَتْ كذاك تباعًا لذاتِ المَرَامِ بـ«ٱلْتَّبَوُّءِ بِالْتَّحَدِّي» Monopolizing Defiance، وذلك بالفَحْوَاءِ «الرَّغْوِيِّ» المُرَاوِغِ (نسبةً إلى «الرَّغْوِ» Garrulity، تعيينًا)، كما يُشيرُ بجَلاءٍ أكثرَ حتَّى (ودونما مُرَاوَغَةٍ، كذلك) مَا يبتنيهِ مَنْهَى الشِّقِّ الثَّانِي من استئنافِ العنوانِ عينهِ، من طَرَفٍ ثَانٍ. وبعدَ وُقوعِ الاختيارِ غيرِ الجُزَافِيِّ، في هكذا مَسَاقٍ (لَغْوِيٍّ رَغْوِيٍّ)، على ذاتِ الكاتبِ الإعلاميِّ «الجزراويِّ»، فيصل القاسم بالذاتِ، لتلك الأسبابِ «التفضيلِيَّةِ» و«الإيثارِيَّةِ» التي تَمَّ إيرَادُهَا في بدايةِ القسمِ الأوَّلِ من هذا المقالِ، فقدْ عُمِدَ فيمَا تلا هذهِ البدايةَ عَمْدًا، والحَالُ هناك، إلى تِبْيَانِ الميزةِ الأُولى، ميزةِ «ٱلْتَّنَبُّؤِ بِالْتَّرَدِّي»، بشيءٍ من التحليلِ السياسيِّ النفسيِّ المُبْعَدِ عن كلِّ مَا هو عَائصٌ مُغْرِقٌ في الإبْهَامِ بِقَدْرِ المُسْتَطَاعِ – ابتدَاءً مِمَّا جاءَ بِهِ الكاتبُ الإعلاميُّ المَعْنِيُّ من مَعْنَى الاِستنتاجِ «التَّنَبُّئِيِّ» الجِدِّ تَوَعُّدِيٍّ والجِدِّ تَشَاؤُمِيٍّ بأنَّ ذينك الدَّمَارَ والخَرَابَ اللذين حَلاَّ في هذا العالَمِ العربيِّ الرَّثِيمِ، في الأسَاسِ، لا يعدوانِ أن يكونَا وجهَيْنِ مُوَجَّهَيْنِ لمرحلةٍ تمهيديَّةٍ تجهيزيَّةٍ تُحَذِّرُ تحديدًا وتُنْذِرُ تعيينًا بذلك «القادِمِ الأعظمِ»، ومُرُورًا كذاك بِمَا سَاقَ هذا الكاتبُ الإعلاميُّ المَعْنِيُّ من «مَثَلِ الأمثالِ» القَنَانِيِّ-الإقطاعِيِّ بالمِرَارِ تَشَبُّهًا، في كلِّ مرَّةٍ، بما يضربُ الأنبياءُ من أمثالٍ تعليميَّةٍ إرْشَادِيَّةٍ، كَمِثْلِ المَسِيحِ بالذاتِ وضَرْبِهِ بعضًا من أمثالِ الأقْنَانِ والعبيدِ (وأنجَاسِ الخِلاسِيِّينَ المُتَحَدِّرِينَ منهم) هُنَا وهُنَاك في ثنايَا «العَهْدِ الجَدِيدِ»، وانتهَاءً بذاك بمَا آلَ إليهِ من إرْهَاصِ «ذَكَائِهِ ٱلْقَهْرِيِّ ٱلْتَّكْرَارِيِّ» في ذينك الإيرَادِ والاِستطرَادِ الحَرُونَيْنِ لحَشْدِ المُسَلَّمَاتِ والبَدِيهيَّاتِ وحتَّى البِدَائيَّاتِ في هكذا نوعٍ كتابيٍّ سياسيٍّ (لَغْوِيٍّ رَغْوِيٍّ) آمرًا فَاهِقًا كلَّ الأمْرِ وناهيًا مُفَهَّقًا كلَّ النَّهْيِ، من جَانِبٍ أوَّلَ، وبِمَا آلَ إليهِ من إرْصَادِ «زَكَائِهِ ٱلْلَّاقَهْرِيِّ ٱلْلَّاتَكْرَارِيِّ» في ذينك الاِرْتِمَاسِ والاِغْتِمَاسِ اللاحَرُونَيْنِ في مِيَاهِ التَّسَامِيَاتِ والتَّرَاقِيَاتِ وحتَّى التَّهَابِيَاتِ في هكذا النَّوعِ الكتابيِّ السياسيِّ (اللَّغْوِيِّ الرَّغْوِيِّ) ذاتِهِ، مُعْتَزِيًا دونمَا تحفُّظٍ، أوِ حتَّى احْتِرَازٍ، بالنَّقلِ من غيرِهِ من الكُتَّابِ الإعلاميِّينَ «الجزراويِّينَ» و«اللَّاجزراويِّينَ»، مُعْتَزِيًا بِدَوْرِ ذاك الآمرِ الفَاهِقِ وذاك النَّاهِي المُفَهَّقِ من جديدٍ، من جَانِبٍ آخَرَ – وكلُّ ذلك لمْ يَكُنْ بالوَعْيِ (أكثرَ مِمَّا كانَ باللاوَعْيِ) إلاَّ استمرَارًا في ادِّعَاءِ طَوْرِ ذاك «ٱلْتَّنَبُّؤِ بِالْتَّرَدِّي» جَائِحًا بتلك النَّبْرَةِ النُّحَاسِيَّةِ الجِدِّ تَوَعُّدِيَّةٍ والجِدِّ تَشَاؤُمِيَّةٍ، حينًا، وبتلك اللُّكْنَةِ الحَمَاسِيَّةِ الجِدِّ «تعلِيميَّةٍ» والجِدِّ «إرْشَادِيَّةٍ»، حينًا آخَرَ، وجَاهِلاً، لا مُتَجَاهِلاً، بالإطباقِ، فَضْلاً عن ذلك، بكلِّ مَا هو مَلْغُوٌّ، أو حتَّى لامَلْغُوٌّ، فيهِ عن مَاهِيَّةِ ذلك «القادِمِ الأعظمِ» بالذاتِ قبلَ أكثرَ من أربعينَ عَامًا لِزَامًا (حتَّى قبلَ أعْوَامِ مَا تنطَّعَ بِهِ من وَثَائِقَ إنكليزيَّةٍ «جَلِيَّةٍ» ومن حتَّى نظيراتٍ عبريَّةٍ «خَفِيَّةٍ»، على حَدٍّ سَوَاءٍ).

والآنَ، وقدْ أغفَلَ الكاتبُ الإعلاميُّ المَعْنِيُّ كلَّ الإغْفَالِ إذَّاك مَا تقتضيهِ بالاِفْتِآلِ إرادةُ الشُّعُوبِ في التسْيِيرِ الثَّوْرِيِّ الأكِيدِ، ومَا تقتضيهِ قدرتُهَا كذاك على التنظيمِ الدَّوْرِيِّ السَّدِيدِ، لا بَلْ بالمِثَالِ على التغييرِ الجذريِّ العَتيدِ، مهما احتدَّ المُحَالُ ومهما امتدَّ المَآلُ مَرَّاتٍ ومَرَّاتٍ من جديدٍ، سَيُعْزَمُ في هذا القسمِ الثاني من هذا المقالِ، والحَالُ هُنَا أيضًا، بالتَّوَازي المُؤَاتِي بِقَدْرِ الإمْكَانِ بذاتِ الغِرَارِ (الجَدَلِيِّ) مِمَّا أَنِفَ بالقَصْدِ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ، سَيُعْزَمُ فيهِ على تَبْيِينِ الميزَةِ الأُخرى، ميزةِ «ٱلْتَّبَوُّءِ بِالْتَّحَدِّي»، بشيءٍ مماثلٍ من هكذا تحليلٍ سياسيٍّ نفسيٍّ مُتَوَخًّى، تَبَعًا لِمَا تجترُّهُ مقتضيَاتُ كلٍّ من المبنَى والمعنَى اجترَارًا مُوَازِيًا ومُؤَاتِيًا، كذلك. فأمَّا من حيثيَّةِ هذهِ الميزةِ بالعينِ، ميزةِ «ٱلْتَّبَوُّءِ بِالْتَّحَدِّي» بالفَحْوَاءِ «الرَّغْوِيِّ» المُرَاوِغِ، من الطَّرَفِ الثاني، ففي مقالِهِ الإعلاميِّ وَ/أوِ الصِّحَافيِّ الأقدمِ عَهْدًا نسبيًّا مِمَّا ذُكِرَ، ذلك المقالِ الذي تُشْتَفُّ فيهِ نزعةٌ دِلالِيَّةٌ «تَبَوُّئِيَّةٌ» جِدُّ تَسَاوُمِيَّةٍ وجِدُّ تَسَاعُرِيَّةِ، بدورِهِ هو الآخَرُ، حتَّى من مُجَرَّدِ النَّظَرِ إلى شِبْهِ جملةِ عنوانِهِ اللَّطِيمَةِ في تمثيلِ الجَارِّ والمَجْرُورِ، «جهاد في المزاد» (القدس العربي، 14 أيلول 2018)، يُورِدُ هذا الكاتبُ الإعلاميُّ المعنيُّ إيرَادًا تساؤلاتٍ شتَّى كانَ قدْ خَالَهَا كذلك من لدنْ غيرِهِ من «المتسَائلينَ» الرَّقميِّينَ، إن تواجَدُوا على أرضِ الواقعِ بَتَّةً، تساؤلاتٍ عن نوعِ ذلك التَّأَرْجُحِ (أو، بالحَرِيِّ، ذلك التَّنَوُّسِ) الرَّاهِنِيِّ الذي يَحُلُّ حُلُولاً بينَ عينِ التدليلِ الإنْبَالِيِّ والإجْلالِيِّ «المُقَدَّسِ» Sacrosanct والمُضْفَى إضْفَاءً زَيْنِيًّا بامتيازٍ على مفردةِ «الجِهَادِ» في مَاضِي ذاك الإسلامِ اللاسِيَاسِيِّ واللامُرْتَزِقِ الأثِيلِ، من جهةٍ أولى، وبينَ عينِ التدليلِ الاِسْتِهْزَائِيِّ والاِزْدِرَائِيِّ «المُدَنَّسِ» Besmirched والمُرْبَى إرْبَاءً شَيْنِيًّا بامتيازٍ كذاك على هذهِ المفردةِ ذاتِهَا في حَاضِرِ هذا «الإسلامِ» السِّيَاسِيِّ والمُرْتَزِقِ الوَكِيلِ، من جهةٍ أُخرى. ومن ثَمَّ، وفي مُحَاولةٍ حَيْنُونِيَّةٍ «عَصْمَاءَ»، أو في شَبِيهَتِهَا بالحَيْنِ، من لَدُنِ الكاتبِ الإعلاميِّ المعنيِّ في «وَضْعِ النِّقَاطِ على الحُرُوفِ»، أو هكذا يَخَالُ بَادِيًا، وذلك استنادًا بَدْئِيًّا إلى دَحْضٍ وتفنيدٍ إيحَائِيَّيْنِ لارْتِآءَاتِ مَنْ وَضَعُوا اللَّوْمَ كلَّ اللَّوْمِ على مَا يُسَمَّى بـ«منظمة التعاون الإسلامي» OIC (أو «منظمة المؤتمر الإسلامي»، سَابِقًا)، حينمَا لجأتْ هَيْئَةُ أعْضَاءِ هكذا منظمةٍ إسلاميَّةٍ من الأهميَّةِ بمكانٍ إلى الإسْقَاطِ الرَّسْمِيِّ لفَرْضِ «الجِهَادِ» من جدولِ فُرُوضِهَا (التشريعيَّةِ) المُتَوَخَّاةِ قَبْلَئِذٍ، حينمَا لجأتْ إليهِ بالفعلِ في المؤتمرِ السَّادسِ منعقدًا قبلَ مَا يقرُبُ من عقدَيْنِ إذَّاك في داكارَ (عاصمةِ السنغالِ)، في تَتْرَى الأيَّامِ مَا بينَ اليومِ التَّاسِعِ واليومِ الحَادِي عَشَرَ من شهرِ كانون الأوَّل عامَ 1991، تحديدًا. وكانَ ذانك الدَّحْضُ والتَّفنيدُ الإيحَائِيَّانِ بسببٍ من تحوُّلِ هذا الفَرْضِ الإسلاميِّ «المُقَدَّسِ»، فَرْضِ «الجِهَادِ» بالذاتِ، إلى ذريعةٍ وضيعةٍ تَسْعَى جُلُّ الدَّوَائِرِ المَافْيَوِيَّةِ في الغربِ الاستعماريِّ خاصَّةً، وبالأخَصِّ تلك الدَّوَائِرَ المُخْتَصَّةَ بالاتِّجَارِ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ وشَنِّ الحُرُوبِ (حُرُوبِ القَبَائلِ والمَذَاهِبِ والعَصَائِبِ، بالمِثَالِ لا بالحَصْرِ)، تَسْعَى سَعْيًا، بمَعِيَّةِ الاتِّكَاءِ على أمْوَالِ وَ/أوْ أفْعَالِ أذنابِهَا الخَدَمِيِّينَ «أثرياءِ النفطِ والشَّفْطِ» في الشرقِ الاستبداديِّ عَامَّةً، إلى التذرُّعِ بِهَا من حِينٍ إلى حِينٍ لِمَآرِبَ سياسيَّةٍ هَيْمَنِيَّةٍ «استشرَاقِيَّةٍ» أشدَّ وضَاعَةً وأشدَّ دَنَاءَةً حتَّى – حتَّى أنَّهُ، من قبيلِ «دَحْضٍ وتفنيدٍ مُضَادَّيْنِ» إنْ جَازَ القبيلُ بالنظرِ الاِحْتِمَالِيِّ، أو حتَّى بالرَّأْيِ التَّيَقُّنِيِّ، لذينك الدَّحْضِ والتَّفنيدِ الإيحَائِيَّيْنِ الآنِفَيْنِ بالذِّكْرِ تَوًّا، ثَمَّةَ الكثيرُ الكثيرُ مِنْ أولئك الذينَ وَضَعُوا اللَّوْمَ كلَّ اللَّوْمِ على ذاتِ «منظمة التعاون الإسلامي» تلك لأنَّهَا لَجَأَتْ إلى الإسْقَاطِ الرَّسْمِيِّ لفَرْضِ «الجِهَادِ» الآنِفِ بالذِّكْرِ تَوًّا كذلك، ثَمَّةَ الكثيرُ مِنْهُمْ مَنْ كانوا يَرَوْنَ رَاْيًا تَيَقُّنِيًّا بأنَّ هذا الإسْقَاطَ الرَّسْمِيَّ، في حَدِّ ذاتِهِ، لَمْ يَكُنْ، من حيثُ المبدأُ (الوَاجِبيُّ)، سِوَى استجَابةٍ إذْلَالِيَّةٍ مُذِلَّةٍ لِمَا رَامَهُ المَدْعُوُّ، إسْحٰقُ شاميرَ (1915-2012)، من تصريحِهِ «ٱلْمُتَبَوِّئِ بِالْتَّحَدِّي» أيَّمَا تَبَوُّءٍ، فيمَا تَبَدَّى إبَّانَئِذٍ، ذلك التصريحِ الذي صَرَّحَ بهِ هذا الـ«شاميرُ الخَمِيرُ» على المَلأِ الأدْنَى في مؤتمرِ مدريدَ بالذاتِ (منعقدًا كذاك، قبلَ انعقادِ ذاك المؤتمرِ الإسلاميِّ السَّادسِ حتَّى بأقَلَّ من شهرَيْنِ، في تَتْرَى الأيَّامِ مَا بينَ اليومِ الثلاثينَ من شهرِ تشرين الأوَّل واليومِ الأوَّلِ من شهر تشرين الثاني عامَ 1991، تعيينًا)، صَرَّحَ بهِ هكذا: «إنَّ العربَ [والمسلمينَ]، إذا أرادوا تحقيقَ السَّلامِ معَ إسرائيلَ فعلاً، فلا بدَّ لهمْ من إلغاءِ كلمةِ «الجهادِ» من القاموسِ السياسيِّ والعمليِّ للإسلامِ» (هيئة علماء المسلمين، 29 تموز 2008).

ليسَ المَرَامُ المنشوُدُ من أيٍّ من هٰذينِ «الدَّحْضِ والتَّفنيدِ المُضَادَّيْنِ»، كَمَا يتجَلَّيَانِ هُنَا من منظوُرٍ خَارِجِيٍّ «لامُنْتَمٍ» تجَلِّيًا وَاعِيًا، ولا ريبَ في النَّقِيضِ المُنَاظِرِ، ليسَ المَرَامُ من أيٍّ منهُمَا، بطبيعةِ الحَالِ، تَوْجِيهَ تلك «اللائِمَةِ المُضَادَّةِ» بالعينِ إلى عينِ الكاتبِ الإعلاميِّ المَعْنِيِّ بَتًّا، مَا دَامَ ثَمَّةَ في جَوْفِ الإجْرَاءِ النفسِيِّ المُتَّخَذِ اتِّخَاذًا (من جَانِبِهِ الأخلاقيِّ، على أقَلِّ تقديرٍ، هَا هُنَا)، كُلٌّ مِنْ مَسْعَيَيْنِ ذِهْنِيَّيْنِ مُتَوَاشِجَيْنِ اِثنَيْنِ في مَسْعًى ذِهْنِيٍّ مُرَكَّبٍ مُتَرَاكِبٍ واحدٍ: ثَمَّةَ، بالتِّبَاعِ الاِنْزِوَائِيِّ، إذن، مَا يُمْكِنُ أن نسمِّيَهُ قَبْلاً بـ«سَبْقِيَّاتِ التَّحَسُّبِ الأصْلِيِّ» Primordial Precaution A Priori، هذا إضَافَةً بذاك إلى مَا يقتضيهِ هكذا «تَحَسُّبٌ أصْلِيٌّ» في الأعَقابِ مِنْ تَحَسُّبَاتٍ فَرْعِيَّةٍ (أو حتَّى مِنْ تَحَسُّبَاتٍ جِدِّ فَرْعِيَّةٍ) أُخرى، في الحَيِّزِ القَبْلِيِّ حَامِلاً لَدَيْهِ، أوَّلاً؛ وثَمَّةَ، بالإتْبَاع الاِنْضِوَائِيِّ، عِلاوَةً علَيْهَا أيضًا، مَا يُمْكِنُ أن نَدْعُوَهُ في المُحَاذِي كذلك بَعْدًا بـ«لَحْقِيَّاتِ الاِحْتِرَاسِ الأوَّلِيِّ» Principal Caution A Posteriori، هذا عِلاوَةً كذاك على مَا يَسْتَدْعِيهِ هكذا «احْتِرَاسٌ أوَّلِيٌّ» في الأعَقابِ مِنِ احْتِرَاسَاتٍ ثانويَّةٍ (أو حتَّى مِنِ احْتِرَاسَاتٍ جِدِّ ثانويَّةٍ) أُخرى، في الحَيِّزِ البَعْدِيِّ مَحْمُولاً عَلَيْهِ، ثانِيًا. واستنادًا إلى ذلك، فإنَّ هٰذينِ المَسْعَيَيْنِ الذِّهْنِيَّيْنِ المُتَوَاشِجَيْنِ الاِثنَيْنِ، ومَا يَجُرَّانِ من مَسَاعٍ ذِهْنِيَّةٍ تِبَاعِيَّةٍ اِنْزِوَائِيَّةٍ تحتَ لِواءِ المَسْعَى الأوَّلِ، ومَا يَجْتَرَّانِ أيضًا من مَسَاعٍ ذِهْنِيَّةٍ إتْبَاعِيَّةٍ اِنْضِوَائِيَّةٍ تحتَ لِواءِ المَسْعَى الثاني إنَّمَا هما، أوَّلاً وآخِرًا، مَسْعَيَانِ ذِهْنِيَّانِ مُتَوَاشِجَانِ اِثنَانِ (أو، بالقَمينِ، مَسْعًى ذِهْنِيٌّ مُرَكَّبٌ مُتَرَاكِبٌ واحدٌ) وَرَاءَ التَّفَادِي من وُقُوعِ أيِّمَا إسَاءَةٍ للاستيعَابِ واعِيَةٍ أو لاواعِيَةٍ، أو حتَّى من وُقُوعِ أيِّمَا إسَاءَةٍ للتَّأْوِيلِ واعِيَةٍ أو لاواعِيَةٍ بالمِثْلِ، على وجهِ الخُصُوصِ، هذا الوُقُوعِ الاِحْتِمَالِيِّ الذي يتبدَّى، والحَالُ هذهِ، بوَصْفِهِ وُقُوعًا لارَغَبِيًّا زائِدًا عن حَدِّهِ، وإلى حَدٍّ فُجَائِيٍّ أحْمَرَ فَاقِعٍ من حُدُودِ «التَّكْفِيرِ»، أو «التَّخْوِينِ»، أو حتَّى «التَّهْوِيدِ» (بالاِصْطِلاحِ «اللَّوْذَعِيِّ» المُفَذْلَكِ من لَدُنْ أولئك الرَّهْطِ من المُتَحِلِّلِين السِّيَاسِيِّينَ وَ/أوِ الدِّينِيِّينَ الفَطَاحِلِ)، لولا ذلك الاِسْتِدْرَاكُ التمثيليُّ (القَصْدِيُّ) لفَحْوَى التَّنَازُعِ «الجِهَادِيِّ» المَأْجُورِ، إبَّانَ الدُّخُولِ المَعْمُولِ في مَعْمَانِ الوَغَى الأفغانيِّ المَسْجُورِ، مَا بينَ أمريكا بالذاتِ عن طريقِ جيشٍ «أبيضَ» مُقْتَادٍ اقْتِيَادًا بمِخْلَبِهَا الاِسْتِخْبَارَاتِيِّ «المَبْجُورِ» من «وكالة الاستخبار(ات) المركزية» CIA، وروسيا بذاتِ الذاتِ (أيَّامَ كانتْ دولةَ «الاتحادِ السُّوفْيِيتيِّ» CCCP، باللغة الروسية، أو USSR، باللغة الإنكليزية) عن سبيلِ جيشٍ «أحْمَرَ» مُرْتَادٍ ارْتِيَادًا بِبُرْثُنِهَا المُخَابَرَاتِيِّ «المَعْجُورِ» من «لجنة أمن الدولة» КГБ، باللغة الروسية، أو CSS، باللغة الإنكليزية) – كُلُّ مَنْ شَارَكَ في ذلك التَّنَازُعِ «الجِهَادِيِّ» المَأْجُورِ في الثمَانينيَّاتِ من القرنِ المَاضِي، وأكثرَ منهُ عُدَّةً وعَتَادًا حتَّى من نتاجِ تلك المُؤَسَّسَةِ الاِتِّجَارِيَّةِ الأمريكيَّةِ التي تَتَسَمَّى بالعَمْدِ تَسَمِّيًا تَهَكُّمِيًّا سَاخِرًا بـ«التعهُّدات الدولية لـ(تصنيع) الجهاد» JEI، لا كَمَا يترجمُ الكاتبُ الصِّحَافيُّ السُّورِيُّ، صبحي حديدي، بـ«شركة الجهاد العالمية» غُبْنًا، بالطَّبْعِ، في مُقْتَضَى الحَالِ الإنكليزيِّ مُغْتَمِسًا في «كَلْبِيَّةٍ» شكسبيريَّةٍ غايةٍ في الصَّرَامَةِ في الدَّلِّ، أو حتَّى في النَّظِيرِ الفرنسيِّ مُرْتَمِسًا، بدَوْرِهِ، في «كَلْبِيَّةٍ» فولتيريَّةٍ أخَفَّ صَرَامَةً في الأدَلِّ، كعَهْدِهِ الاِسْتِحْوَاذِيِّ الهُجَاسِيِّ المَحْسُوبِ حِسْبَانًا بالكَمِّ، لا بالكَيْفِ، وذلك باللُّجُوءِ المَنِينِ إلى تَدْوِيرِ فَحْوَى مقالٍ قديمٍ تحتَ عنوانٍ جديدٍ مُسْتَجِدٍّ آنًا بعدَ آنٍ (انظرا، مثلاً لا حَصْرًا، مقالَهُ المُدَوَّرَ بالحَرْفِ، أو بالكَادِ: «أفغانستان أمريكا: ظلُّ «القاعدة» الذي يتجدد ويترامى»، القدس العربي، 10 أيلول 2020)، كُلُّ مَنْ شَارَكَ في ذلك التَّنَازُعِ «الجِهَادِيِّ» المَعْنِيِّ في حَدِّ ذَاتِهِ، من قريبٍ أو من بعيدٍ، إنَّما هو، بالحَقِّ والحَقيقِ، سِفْلٌ وفِسْلٌ مُتَأمْرِكٌ مُرْتَزِقٌ مُتَأَسْلِمٌ «مُتَجَهِّدٌ» مَأْجُورٌ لا يَهُمُّهُ مِنْ «تحرِيرِ أرْضِ الأفغانِ» من الاحتلالِ السُّوفْيِيتيِّ الدَّنِيءِ أيُّ شَيْءٍ بَتَّةً عَدَا ذاك «الفَنَاءِ» فِيمَا يَتَقَاضَاهُ بالتَّزَايُدِ المُثِيرِ مِنْ أجْرٍ «بِتْرُو-دُولارِيٍّ» مُتَّكِئٍ اِتِّكَاءً كُلِّيًّا، أو شِبْهَ كُلِّيٍّ، على أمْوَالِ بعْضٍ مِنْ أذنابِ أمريكا، أولئك الأذنابِ الخَدَمِيِّينَ «أثرياءِ النفطِ والشَّفْطِ» في الشرقِ الاستبدادِيِّ المذكورِينَ أعْلاهُ، من ناحيةٍ أولى، ولا يَهُمُّهُ مِنْهُ أيُّ شَيْءٍ مِنْ ثَمَّ خَلا ذاك «الوَفَاءِ» لِمَا يَتَلَقَّاهُ بالتَّعَاضُدِ الأثيرِ مِنْ دَرَبٍ «إمْبِرْيُو-صُهْيُونِيٍّ» مُسْتَنِدٍ اِسْتِنَادًا حتَّى أكثرَ كُلِّيَّةً إلى أقوَالِ وَ/أوْ أفعَالِ حَشْدٍ من الأسْيَادِ الآمِرِينَ الأمريكيِّينَ (وحتَّى المُتَأمْرِكِينَ) في الذَّبِّ والذِّيَادِ عن مَصَالِحِهِمْ في تلك «الأرْضِ» من الخطرِ السُّوفْيِيتيِّ الوَشيكِ، وعلى الأخَصِّ الخِصِّيصِ في تلك الدُّرُوبِ البَيْدَاوِيَّةِ الجَدْبَاءِ التي كانتْ، ومَا زالتْ، تُؤَدِّي إلى مَقَارِّ الكُنُوزِ النَّفْطِيَّةِ المَخْبُوءَةِ في بحرِ قزوينَ بالذاتِ، من ناحيةٍ أُخرى.

نَاهِيكُمَا، للإفَادَةِ اسْتِحْضَارًا، هَا هُنَا، من شَيْءٍ من «لَوْلَبِيَّاتِ» التاريخِ السُّوفْيِيتيِّ الخَبِيءِ زَمَانًا مَدِيدًا قبلَ الاحتلالِ الأمريكيِّ القمِيءِ مَكَانًا عَتِيدًا لتلك «الأرْضِ» بالعينِ إبَّانَ «تحرِيرِهَا» المَجيدِ من جَدِيدٍ، نَاهِيكُمَا عن أنَّ الاحتلالَ السُّوفْيِيتيَّ الدَّنِيءَ بالذاتِ، بَادِئَ ذِي بَدْءٍ (وكأنَّ ثَمَّةَ اتِّفَاقًا وثِيقًا خَفِيًّا بينَ ذينك الاحتلالَيْنِ حتَّى) لَمْ يَكُنْ، في حَقِيقَةِ الأمْرِ، إلاَّ احتلالاً دَنِيئًا كانَ قَدْ حَفَّزَتْهُ من قبلُ تحفيزًا مباشرًا، أو غيرَ مباشرٍ، بِضْعَةٌ من مُؤْلِمَاتِ تيك «الآفَاتِ الرَّضِّيَّةِ القوميَّةِ» Nationalist Traumatisms، أو حتَّى من مُوجِعَاتِ مَا لازَمَتْهَا من «آفَاتٍ» مَثِيلاتٍ لاقوميَّةٍ، أو أيَّتِمَا مَثِيلاتٍ نَعْتِيَّةٍ عُصَابِيَّةٍ غيرِهَا، كذلك، تيك «الآفَاتِ» التي نَجَمَتْ، بنَحْوٍ أو بآخَرَ، عن مُخَلَّفٍ سِيَاسِيٍّ نفسيٍّ كَنِينٍ دَفِينٍ من مُخَلَّفَاتِ مَنْيِ ذاتِ المَدْعُوِّ، جوزيف ستالين (1878-1953)، بذلك الإخْفَاقِ البيروقراطيِّ الذَّرِيعِ في تجربةِ الإيعَازِ الأوتوقراطيِّ المُريعِ بتأسيسِ مَوْطِنٍ جِدِّ خاصٍّ لليهودِ السُّوفْيِيتِ أيَّامَئِذٍ بمَثَابَةِ «تحقيقٍ» واقعيٍّ بديلٍ عن ذاتِ الحُلْمِ الأُسْطُورِيِّ المُعَادِ بأرضِ المِيعَادِ، مَوْطِنٍ جِدِّ خاصٍّ في تلك الأرضِ الجَرْدَاءِ المَهْجُورَةِ التي سُمِّيَتْ يَوْمَهَا بالاِسْمِ الفَنِّيِّ القوميِّ «بيروبيجان»، والتي قُيِّضَ لَهَا كذاك أن تَتَوَاجَدَ مَوْقِعًا في قَاحِلِ الجنوبِ القَصِيِّ مَا بينَ الحَدِّ الرُّوسِيِّ السُّوفْيِيتيِّ والحَدِّ الصِّينِيِّ اللاسُّوفْيِيتيِّ، تحديدًا، تمامًا في الجانبِ الشرقيِّ المُقَابلِ إذَّاك للجانبِ الغربيِّ بالتَّوَاجُدِ من موقِعِ «أفغانستان»، كما أوْرَدَ الكاتبُ الماركسيُّ البولنديُّ، إسْحٰق دُويْتْشَر، إيرَادًا تمثيليًّا علميًّا لامُتَحَيِّزًا في كتابِهِ الألْمَعِيِّ اللَّمَّاحِ، «اليهوديُّ اللايهوديُّ: ومقالاتٌ أُخرى» The Non-Jewish Jew: And Other Essays، في نُسْخَتِهِ الإنكليزيَّةِ، في هذا المُتَنَاوَلِ الرَّقَمِيِّ اليَسِيرِ – وهو، على فكرةٍ، عينُ الكتابِ الذي تَمَّ إنجَازُهُ اللارَقَمِيُّ بالتَّمَامِ، قبلَ رحيلِ الكاتبِ الماركسيِّ عينِهِ عنْ هذهِ الدُّنْيَا بشهرَيْنِ ونَيِّفٍ، تَمَّ إنجَازُهُ مُتَزَامِنًا، في حَيِّزٍ من التحليلِ السياسيِّ الثُّنَائِيِّ (العربيِّ-الإسرائيليِّ)، معَ كُلٍّ من مُؤْلِمَاتِ ومُوجِعَاتِ تلك «الآفَاتِ الرَّضِّيَّةِ القوميَّةِ» التي نَشَأتْ كذاك، في المُقابِلِ العربيِّ، عن ذلك الحَدَثِ المَشْأَمَةِ الكَارِثِيِّ في اليومِ الخامسِ من شهرِ حزيرانَ عامَ 1967، وعلى الأخَصِّ الخِصِّيصِ، مَرَّةً أُخرى بذاك، مُتَزَامِنًا، في حَيِّزٍ مُنَاظِرٍ من التَّقْوِيدِ، أو من التَّعْهِيرِ، أو بالعَرَبِيِّ «المُشَرْمَحِيِّ» من التَّعْرِيصِ، الدبلوماسيِّ الثُّنَائِيِّ (العُرْبَانيِّ-الصُّهْيُونِيِّ)، معَ مَا يظهرُ، الآنَ، من أولئك الأذنابِ الخَدَمِيِّينَ من «عُرْبَانِ النفطِ والشَّفْطِ والعَفْطِ» في مَهَازِئِ لَعْقِ النِّعَالِ في هذا «التَّطْبِيعِ» البَغَائِيِّ الخَنُوعِ وَاحدًا تِلْوَ الآخَرِ في الجَهَارِ «ٱلْمُتَبَوِّئِ حَالاً بِمَا بَعْدَ ٱلْتَّحَدِّي» (كما هي الحَالُ في الإماراتِ والبحرينِ، وهَلُمَّ جَرًّا)، ومَا سَوفَ يظهرُ، عَاجلاً أم آجلاً، من أولئك الأذنابِ الخَدَمِيِّينَ أشْبَاهِهِمْ تِبَاعًا في الخَفَاءِ «ٱلْمُتَبَوِّئِ حَالاً بِمَا قَبْلَ ٱلْتَّحَدِّي» (كما هي الحَالُ في قطرَ والكويتِ، وهكذا دواليك)!

[انتهى القسم الثاني من هذا المقال ويليه القسم الثالث]

*** *** ***

دبلن، 9 أيلول 2020

‬/ عن الحوار المتمدن
hthttps://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=697234

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى