ماجد سليمان - آلاتُ المـغيب (2)

4 ـــ رجوم الصبر

أخذتُ بحبلٍ من رجوم الصبر، وعدت بذاكرتي إلى ما بقي من مواسم الذكريات، ودلفتُ أحياء التأمِّل تارة، وأقمتُ في مُدن التفكّر تارة، وأمعنتُ في وَهَنِ أحلامنا تارة، وتجاوزتُ أسواراً، وقَلَّبتُ أطوراً، وتَصَفَّحتُ قلوباً عسى أن أشتمّ من عبير حدائقها ما يُبرئ شكّي ويمحو قلقي، وتفحصّ قلبي قبل عيني أسفار الأوَّلين، وَقَلَّبَت أصابعي صفحاتٍ دَبَّجها السَّالفون برحيق أرواحهم وسلسبيل قلوبهم، مُنقِّباً عن حكمةٍ ذائبةٍ في سالف الأعوام، هَرُبت منّي حين طوتها غمرات الغفلة، وَمَوَّهَ الطَّيشُ اللئيمُ ملامحها، فإذا بي أُغني في صحراء القلق بصوت مخدوش.
وكأنّ الحياة مَدَارٌ لا يستدير على من كان ذا روحٍ مُحاطةٍ بسياج السخرية الحادّة، بدى لي أنّها أداة تُرفع في وجه النوازل والعثرات الكبار، وشُعلة تُرعب دواب الألم الزاحفة، وخفافيش القلق المنحشرة في شقوق الزمن، فتّشت طويلاً عن تفسيرٍ أو تحليل لكتابة كهذه، مشحونة بالاستهزاء من عواصف الحظ، وأعاصير تُحيل أغلب النهايات الجميلة إلى خرائب لليأس والألم.

5 ـــ بُقَعٌ مُضيئةٌ بَعيدَة

كان لي صوتٌ قد أخفاه مئزر الزمن، لم يبرح حتى الليلة شراييني، ولم تهدأ مخالطته عظامي وأسرار نفسي، وكأنّه ملّ ما احتمله على يديه فألقاه أرضاً وعاد يلكز قلبي هامساً: أرني مُنجزك الذّاتي، فهو لسانك ويدكْ، وإيمانكَ ومعتقدكْ، وسماؤكَ ويابستكْ، ودعكَ من هرطقات المنظّرين، وهلوسات العاجزين، وشعارات المحبطين، أعداء هِمم الحالمين، مُنجزك الذَّاتي استحقاقٌ أصيل، لأنكَ بِذْرَتهُ وماؤهْ، وجذعهُ وقوامهْ، فافتح إليه قناةً من نهر اهتمامك، وأمطر عليه وابلاً من سحاب خيالك، أرني منجزك الذاتي وابعثني في تفاصيله، فإن سَئِمَتهُ نفسي تركته لـمُريديك، الواردين على شفير واديك، السّاهرين في نشوة لياليك، ومثلك يدرك بأن لكل شيء قوام ومرجعيات.

6ـــ آيةُ الـهَدم

الفراق!! هو آيةُ الهدم التي تعلكها أسنان الزمن وتنفخُ دوائرها في الذاكرة، كذلك الغائبون، صُورهم كآخر وَرَقات الخريف التي عاندت الدهر كي تبقى عالقة في الغصن اليابس، كذاكرةٍ يجترّها الفاقدون المارقون من أمامها، ففي البُعد تجد النفس واحة الصمت الذي يُرتّب أوراق الذهن، ويُعيد حسابات الروح، فتنبعث مُجدّداً كالقصائد الرشيقة، عندها يستحيل العمر كأخشابٍ رطبة، والفهم وقود العقل، نحو حريته المشروعة، ففي لحظة مُضيئة نشعر كأن العقل جملٌ أفلت من عقاله نحو خلاءٍ لا حدّ له.

شتاء 2013م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماجد سليمان، أديب سعودي،
صدر له حتى الآن أكثر من 19 عملاً أدبياً
تنوَّعت بين الشعر والرواية والمسرحية والقصة وأدب الطفل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى