ثقافة شعبية أ. د. ‎إلهام حمدان - التراث الشعبى..وطنين المصالحة.

لا أحد منا ينكر الدور الذى يقوم به التراث الشعبى فى كل البلدان من استقراء للحكمة واستخلاص الخبرات التى تستجلب من الغوص فى بطون المجتمعات لجلبها وتوثيقها لتصبح فيما بعد دستورا يضم سمات ترسم ملامح مواطنيها وترصد حكاياتهم وتجاربهم على مر الأزمان ليتوارثها الأجيال ويتمثلونها فى سلوكياتهم ويتحاكون بالسير ويتغنون بالأغنيات الشعبية فى المناسبات المفرحة أو الحزينة، ويتسامرون بالحكايات الشعبية،ويستخلصون دروسا مستفادة من الأمثال والأقوال المأثورة التى تعينهم على اتخاذ قرارات حياتية فى ضوء ما وقفوا عليه من هذا اللون الأدبى الأثير لدى الكثير منا. ومن خلال تنوع مصادر حكايات التراث الشعبى فى أحد البلدان العربية، التى ترددت كثيراً، والشائعة تحديدا فى التراث الجزائري، وهي : حكاية «عمار الجايح»،وقصتها الجدات على مسامع الأحفاد نجدها تنفر من «الغباء»،من خلال محتوى الحكاية التى تقصها عليهم،فتحكى أنه كان هناك أرملة تعيش وحيدة مع ابنها اليتيم،البالغ من العمر ١٦ عاما، وكانت تكد وتتعب حتى تنفق عليه وتحسن تربيته،ولكنه لم يكن عديم النفع فحسب، بل كان للفشل والغباء صديقا، فأطلق الناس عليه «عمار الجايح»،وفى يوم أمنته على الدجاجة وفراخها من الصيصان ليعتنى بها ويحميها من العقاب حتى لايخطفها ويفترسها جميعا أثناءغيابها عن البيت عند ذهابها لشراء الطعام. فقال لها: لا تخافى سأحرسهم جيداً، وفور خروجها من المنزل. قال: ماذا أفعل وأنا أشعر بالنعاس؟ سوف أذهب للنوم، ولكن والصيصان. ماذا أفعل؟ آآآآه فكرة جيدة ؛ سأربط الدجاجة مع الصيصان من قدمها بخيط واحد، وألقيها فوق سطح الدار، حتى أخبأها عن عين العقاب، وعندما تأتى أمى أنزلها لها بخير وسلامة، وبالفعل نفذ الأمر وخلد إلى النوم، وعند عودة الأم للمنزل سألته عن الدجاجة وصيصانها، فأجابها بالفكرة العبقرية التى خطرت على باله فأخذت تبكي، وتنوح، وقالت له: أنت جعلت العقاب يأخذ الجميع يعنى بدلاً من أن تتركهم، ويأخذ صيدا واحدا، قدمت له الجميع فى بعضهم البعض، وحرمتنا البيض! من أين سأعوض الدجاجة؟ وعندما رأوها الناس حزينة من أن ابنها قليل الحيلة، وغبى أشاروا عليها أن تزوجه فيعيش مع زوجته، ويتعلم أن يكون ذكيا، ويتعلم أسلوب الحياة فى هذه الدنيا، فقررت أن تأخذه وتخطب له من قرية أخرى غير قريتهم حتى يقبلوا به زوجا لجهلهم بغبائه، فأخذته وأوصته ألا يتحدث عند أهل العروس، وقالت له : لا تتحدث إلا عسلا، أريدك أن تكون كالنحلة تنقط عسلا من فمك، وذهبوا، وحدثت الكارثة عند أهل العروس،فحين سأله والد العروس كيف حالك ياعمار؟ يرد عمار: زززززززز، ماذا تعمل ياعمار؟ يزن ويطن طويلا ب: ززززززز، وهكذا كل كلامه مقلدا النحلة، فقالت أمه: بضحكة خجلة مصطنعة مبررة له: إنه على استحياء وخجل. وحين بدأوا يتجاذبون أطراف الحديث تركهم ليذهب إلى الحمام، فرأى عند عودته النساء تدهن فى السمن للطعام، فأخذ يضع من الدهان فى عباءته التى يرتديها، ويخبئ الدهان فى صدره عند الحزام، وعندما عاد مع امه للمنزل قال لها: أحضرت لك الدهان!

لا أدرى لم استحضرت هذه الحكاية تحديدا وأنا افكر فيما تردده وتزن به وتطن مثل «عمار الجايح» بعض الآراء حول المصالحة مع الجماعة الإرهابية مرة تلو المرة، بطنين غباء واستهانة فى آن معا مسببين الحرج لقيادتنا السياسية التى تقف على رأى الشعب الرافض،فهناك من يرى أن مصر لا يمكن أن تتصالح مع أبنائها لكون المصالحة تقع مع الأجنبى لو نشأ نزاعا،لكن أبناء الوطن المسالمين لا خصومة بينهم وبين بلدهم،والسؤال كيف نعدهم أخوة لنا ومن بنى وطننا وهم لايعترفون بوجود الأوطان أصلا؟! وهل لا نجد حلولا أخرى تخلصنا من مأزق وجودهم فى أجوائنا وأرجائناواندساسهم وسط جموعنا بقناع الطيبة المزيفة التى تحاكى تدينهم المزعوم الذين يوظفونه لخدمة أطماعم للوصول إلى سدة الحكم،يقينا الدين منهم براء ومن أفعالهم الشنعاء التى ذاق مرارتها القاصى والدانى،إن حفظ الأمن القومى المصرى يأتى فى مقدمة أولويات الرئيس عبدالفتاح السيسى والحكومة وقواتنا المسلحة والشرطة،وهؤلاء الإرهابيون المتلفحون بعباءة الدين ويخفون خنجر الخيانة لرشقه فى ظهورنا خطر لو تعلمون عظيم لو آمنا مكرهم،ليس علينا فقط بل على العالم أجمع ففكرهم الإرهابى يهدم ولايبني، وبه يجتذبون شبابنا أزاهير المستقبل ويستقطبونهم ليصبحوا وقودا يشعلون به الفتن ويوسعون به دوائر اللهب والقتل والدمار، إلى متى سنظل نستمع إلى هذه النغمة النشاز(المصالحة)؟!
منتهى أملى أن يتم حذف هذه المفردة تماما من قاموسنا السياسى مع عدو لا يحترم عصمة الدماء ولا يعى معنى كلمة وطن التى يعيها كل مصرى حقيقى على أرض البسيطة، مثلما يعى تعاليم دينه الحنيف بعيدا عن ثعالب السلطة وكلاب العثمانلية المسعورين المطلقين علينا للقضاء على استقرار أصبحنا ننعم به، ونحمد الله عليه،وعلى إرساله لزعيم مخلص أخذ بيد مصر وشعبها إلى بر الأمان ومازال يواصل طريق التشييد والبناء ويعلى من إنجازات المصريين ويثمن جهودهم فى مساندته بلفظ دعاة التشرذم والشتات طريقا لنبذ العنف لحماية المكتسبات التى ضربت كل المكائد فى مقتل..أبدا لن تكون مصر أما لمثل هؤلاء بل هيهات! عاشت مصر عصية أبية !

أ. د. ‎إلهام حمدان


* نشر بجريدة روزا اليوسف الورقية

_______



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى