فتحية دبش - إلى السّيدة كوفيد-19

ها أنا أخترق عزلتي الثّانية وأبحث في اللّغة عن قاموس جديد أخاطبك به ومن خلاله...
مرّة أخرى تخترقين جسدي، فيصيبني وهن كبير وكحّة تمزّق الحلق وتجثم على الصّدر كصخرة... مرّة أخرى تخترقين كلُ أسباب الوقاية وتعشّشين بي فتمنعيني عن الحياة إلاّ من خلال هذه الأجهزة التي تؤمّن لي اتُصالا هاتفيّا أو رسالة مكتوبة لزوجي وطفليّ والمحيطين بي.
جسدي العارف بشيطانيُتك ومكرك قاومك ببسالة في المرّة الأولى ومازال يفعل... وسينتصر مرّة أخرى كما انتصر في المرّة الأولى.
هذه المرّة كان الألم الجسدي أخفّ ولكنّ النّفسيّ أكبر. أيّام والسّعال يخضّني كدلو الماء فيفرغني منّي ويملؤني. أيّام والوهن يثنيني عن نفسي ومن حولي.
كان بعيدا عن خلدي أن تعاودني اللّعنة بك رغم تحذير طبيبي المباشر بأنّه لا يجزم أنّ إصابة أخرى ستكون غير ممكنة، فالحالات التي عاودت فيها السّيُدة كوفيد-19، بعض معشوقيها نادرة ولكنّها واقع. كنت ألتزم بالوقايات كلّها ورغم ذلك لم أنج.
حين أبلغني مخبر التُحاليل الطّبّيّة بإصابتي من جديد ورأيت الطّبيب يفد إلى بيتي بكلّ عتاده الحربي ليراقب القلب والرّئتين ظننت أنّني أنتهي ولكنّه أثنى على هذا الجسد العارف بخارطة كوفيد-19 فظلّ يراوغك ويستبسل في الذّود عن نفسه فيمنحني نفسا جديدا للحياة أو يحاول...
لا أدري هل عليّ أن أحزن لأنُني أقع فريستك مرّتين أو إنّه عليُ أن أسعد لأنّك منحتني ثقة أكبر بجسدي المناضل ومنحتني نصّا كوفيديّا جديدا يشعرني ربّما لأوّل مرّة أنّني أتداوى بالكتابة...
في الحالات كلّها أودّ أن أقول لعلّها الحياة تختبرني لا الموت... أو لعلّها الزّكاة التي على الجسد إخراجها... وأنا على يقين بأنّني أعطيت أكثر ممّا ينبغي...
فدعيني سيّدتي لأنُني لم أنه بعد مهمتي....


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى