محمد عكاشة - علمني اللهُ.. شعر

لديَّ ممحاةٌ منذُ كنتُ صغيرًا
سوداءُ ومدببةٌ كمسدسٍ،
أعطاني إياها اللهُ وعلمني الخَلْقَ،
وعلمني أيضًا كيف أمحو،
وكيف أنفخُ بقاياهم بفمي
من حينِها وأنا أعملُ ربًا لهذه المساحةِ البيضاءَ الشاسعةِ،
أخطُّ بيديَ الخطَّ الفاصلَ بين السماءِ والأرضِ،
أخلقُ بحرًا وشمسًا تشرقُ
فتمخرُ سفينةٌ لاتعجبُني فأمحو أسفلَها
كقاذفةٍ ناريةٍ أصابتْها
وأنفخُ بقاياها بفمي

والممحاةُ مطاطيةٌ ولينة

أُشكلُ عجوزًا وشيخًا وولدَهما
وبعدها أمسحُ هذا الولدَ
كطعنةِ سكينٍ حادةٍ
وأنفخُ بقاياه بفمي

والممحاةُ باردةٌ وجافةٌ

أبني جدارًا قديمًا لينقضَّ
فأعودُ وأقيمُهُ بظلٍّ وضوءٍ
وأنفخُ بقاياه بفمي
أخططُ بلادًا وأمحو أخرى
كزلزالٍ ضربَها
وأنفخُ بقاياها بفمي

والممحاةُ ملساءُ وناعمةٌ


أتسللُ وسطَ المعاركِ
أمحو البنادقَ والقاذفاتِ
وأمسحُ النصفَ الأسفلَ للجنودِ
كأثارِ قاذفةٍ قصفتْهم
وأنفخُ بقاياهم بفمي

والممحاةُ لها رائحةُ البارودِ

أرسمُ أطفالًا وشيوخًا
وأمحوهم
كضربةِ قنبلةٍ أبادتْهم
وأنفخُ بقاياهم بفمي
أكملُ ساقًا مبتورةً لرجلٍ
وأمحو عصاهُ
أبدل الرؤوس والأجساد
وأنفخُ بقاياها بفمي
أرسمُ أوانيَ للشحاذين
وأمحو الأرصفةَ
وأنفخُ بقاياها بفمي

والممحاةُ تتلوى في يدي من الألمِ

أرسمُ رجلًا وامرأةً يتعانقان
وأمحو الشيطانَ
والذي كلما مسحتُهُ من زاويةٍ
يظهرُ في زاويةٍ أخرى
قبلَ أن أنفخَ بقاياهُ بفمي
وقبلَ أن أطويَ هذه الورقةَ
وأضعَها وأضعَ القلمَ
وقبلَ أن أنفخَ بقايايَ بفمي

محمد عكاشة
مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى