أمل الكردفاني- (APA) منهج التوثيق، وكله عند العرب صابون

لسبب ما قررت جمعية علم النفس الأمريكية وضع منهج خاص بها لتوثيق المراجع العلمية CITATION، وهو ما يتم اختصاره ل APA STYLE
يبدو أن الجامعات العربية ومراكز البحث -على ضعف منتجاتها خاصة في حقل القانون- قد انبهرت بالمختصر الحرفي، فانقلبت تطالب الباحثين باتباعه، وهم لو دخل الغرب جحر ضب لدخلوا وراءه. وأقول ذلك، لأن هذا المنهج -APA- أراه من أسوا مناهج التوثيق، ولا يصلح البتة للأبحاث القانونية، فبالرغم من أن بعض من برره قال بأنه يهتم بالمتن أكثر من الهامش، غير أنه في الواقع يربك القارئ، بل والاغرب ان مجلات الجامعات العربية تطلب استخدام قلب أسماء المؤلفين فيكتب الاسم الاخير اولاً والأول بعده (الصفدي،مطاع) مثلاً أو (محفوظ، نجيب) بدون مبرر منطقي.
على اي حال نظام الAPA به مساوئ كثيرة، إذ يشغل مساحة كبيرة من المتن، وغالباً ما لا يشتمل على بعض المعلومات الهامة، وفوق هذا فهو لا معنى له البتة لو قارناه بعشرات أنظمة التوثيق الاخرى مثل CHICAGO و MLA وغير ذلك.
ولو تتبعنا المجلات العلمية القانونية العريقة مثل مجلة هارفرد لحقوق الإنسان Harvard Human Rights Journal، أو مجلة العدالة الجنائية الدولية لجامعة اكسفورد Journal of International Criminal Justice - Oxford أو مجلات جامعة السوربون Sorbonne Law Review.... الخ، فكل هذا المجلات لا تتبع نظام APA. بل تاخذ بالمدرسة الكلاسيكية للتوثيق.
لم أجد حتى الآن مجلة علمية قانونية عربية استطاعت تبرير مطلبها باتباع منهج الAPA وخاصة فيما يتعلق بالبحث القانوني، بل من الواضح أن هذه المجلات لا تعرف الفرق بين المقال القانوني Article وبين البحث القانوني. لذلك فهناك اضطراب شديد ويمكنك أن تشتم رائحة التعصب للكثير من الشكليات كنوع من إثبات الذات.
دعوني أراجع ضعف المجلات القانونية العربية -بدون ذكر اسماء- من ناحية اهم من الشكل، وهو الموضوع. باختصار لا يمكننا أبداً أن نشير باصابع الإعجاب لأي بحث في تلك المجلات، فتلك الأبحاث ليست سوى مقتطفات من مؤلفات الشروح العامة، فهي لا تقدم أي جديد، لا على مستوى المنهج الوصفي ولا المقارن ولا التحليلي. متابعة ما يطلق عليه (التوصيات) ستثير رغبتك في الضحك. فالتوصيات اجترار لما تم تناوله، مع اضافة كلمة (نوصي)، والسؤال: توصي من؟ تابعوا أفضل الجامعات العربية والتي يتم الانفاق عليها إنفاق من لا يخشى الفقر، سنجد انها (على مستوى الحقل القانوني) غير منتجة لأي مفاهيم ذات أهمية. اغلب أساتذة الجامعات لا يملكون الوقت الكافي لانتاج أبحاث ذات جدوى فيستخدمون أسلوب التلاعب بالعناوين مع اختلاف طفيف في المضمون. قرأت سبعة أبحاث لباحث واحد فوجدتها (السبعة) مجرد تدوير لعشر صفحات من كتاب لشرح قانون الإجراءات الجنائية. ومع ذلك تم قبول نشرها..بل وتمت ترقيته على أساسها، رغم أنه لا يفعل شيئاً سوى قلب البحث الواحد لعدة أشكال ويمنحه عنواناً مختلفاً. أغلب الأبحاث المقارنة شديدة الضعف والبؤس، (رغم أنها ملتزمة بمنهج التوثيق)، وأغلبها يميل للمحلية تسهيلاً لإيجاد المعلومة. فكأنما الباحث يقول: (تريد استخدام نظام ال APA؟.. حسنٌ..هذا هو).
إن الشعوب العربية، يجب ان تخرج قليلاً من عباءة التقليد، وارتداء عباءة التفكير النقدي، والبحث عن الحقيقة من خلال البحث عن العلل، ورسم مخططاتها عبر السببية او العقل الأداتي. بغير هذا ستبدو شديدة البؤس.
قبل بضعة ايام، كنت اقرأ في بعض الابحاث الامريكية التي بدأت تثير الجدل حول اللغة الانجليزية كلغة بحثية بدأ الباحثون في الدول الاخرى هجرها بسبب تعقيداتها، إذ تشترط المجلات الامريكية ما يسمى بالانجليزية القياسية Standard English (SE) ، مما أدى إلى نفور الباحثين في الدول الأخرى من الكتابة بها والاكتفاء باللغة الاسبانية ثم الفرنسية. الأمريكان لم يهتموا بذلك لأنهم يحبون تلك الشعوب، ولكن لأنهم اكتشفوا أن هناك ابحاث كثيرة توصلت لنتائج هامة جداً، خاصة في مجالات مكافحة الأوبئة وغيرها، كما في كولومبيا والصين وخلافه. فبدأوا البحث عن حلول لهذه المشكلة. وأتوقع أن يتم تعديل اللغة الانجليزية المطلوبة من القياسية لإنجليزية اكثر سهولة فيما يتعلق بالأبحاث العلمية على وجه الخصوص. فالغرض من البحث العلمي هو طرح قضايا جادة وإيجاد حلول لها وليس الحصول على ترقية وظيفية وحشد السيرة الذاتية بأبحاث لا قيمة لها، ولا هي التشدد في الشكليات وترك الموضوع..بل هي ككل شيء في هذا الكون...توازن.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى