مدحت ثروت - أمل.. قصة قصيرة

أصبحوا على صوت كرعود الغضب من كبد السماء، فتح خشب شرفته البالي قبيل ساعات الفجر، أصوات مكبرات الصوت بالمساجد حلوه تستعد للآذان، الظلام يضمحل ويبزغ فجرا سماؤه ملبدة بغيوم مباغتة؛ قد كان الليل طبيعيا لم يبدو فيه اي بادرة لتقاب الجو، ونام الجميع كعادته كل ليلة مودعين أحباء أو أقارب رحلوا في الجائحة، أو باغتهم الموت والبعض يربض لهم على أعتاب صباحهم، نظر إلى السماء فإذ بها مظلمة غطاها سحاب كأحزان المآتم وأصوات آتية من بعيد كنحيب الأرامل، شعر بقشعريرة تسري بجسده وسقيع قارس كثلجية حياته تأكل منكبيه النحيلين، أغلق الشرفة وشد ستارتها ظانا منه انه قد أنهى العرض، عاد إلى سريره كمن يهرب من قدر محتوم يبتغي غفوة صباحية، أغلق عينيه وراح في سبات ليس بالعميق، ايقظته صوت الرياح الآتي من كل صوب وضجيج اتربة زفتها أهوية العاصف الذي بات يعدو كالعدو المتربص، دب الخوف بقلبه؛ فلم يعتد هذا المشهد في هذا الوقت من العام عله البوق الضارب معلنا نهاية العالم او ليتها ساعة قريبة جدا وتاتي ساعة الحسم ليعطي كل وكيل وكالته، قد سئم حياته ورغب في الفرار من عالم ظالم وأرض خربة لم يعهد فيها إلا الفساد والكراهية والحقد وزيف المشاعر وتبون الإنسان كالحرباء، هم بالوقوف لينظر من فتحات الخشب ليجد الغيث السمائي وقد انهمر في سخاء لم يعهده منذ سنوات، وقد امتزج بأتربة وكأن السماء تواعدت مع الأرض في كيده؛ فعاد يسقط المطر ماء لكن كيف يختلط برمال الأرض؟ زاد حنقه من كل شيء، اتخذ قرارا بعد النزول لعمله فلن يستطيع السير في الطريق في هذا الجو ومن المؤكد ان الأعمال ستتعطل بأغلب المصالح، فر هاربا إلى سريره من جديد، واستلقى مغطى بأغطية من صوف : ليتها كانت أكفان هكذا همس الشيطان بأذنيه، لماذا تعيش وما فائدتك في هذه الحياة؟ لا أحد يحبك ولا أهمية لوجودك، لن تذهب اليوم للعمل ولن يتغير شيء، ثقل جسده على فراش يأسه وبطانيته الثقيلة، فأغمض عينيه لكن لم تفارقه أصوات العاصفة والامطار وألسنة اللهب التي صبها الشيطان في أذنيه ولم تقو عليها أمطار العاصفة، راحت عيناه في النوم مرة أخرى - او هكذا ظن - ليجد سيدة بلباس اسود من قمة منزل عالي أمامه تستعد لتصوير تلك العاصفة بآلة تصوير بيدها وفيم ترجع خطوات قليلة لتلتقط الصورة سقط لهوله من أعلى المنزل على الشارع وسحلتها الرياح إلى مجهول، استيقظ في هلع من هول من حلم به ليجد امه المريضة جواره وقد غرقت في عرقها تحتاج مساعدته في رشفة ماء، هم بالقيام وسط ذهول ما رأى، وبعد أن شربت دعت له أن يمن الله عليه، طرق متسارع على الباب ودقات الجرس متابعة، هاله عندما فتح الباب وجه زوجه الصبوح كشمس يومه عائدة من مشفى الأورام وقد من عليها الله بالشفاء احتضنها ودخلا إلى امه وفتح نافذة الأمل على صباح مشمس لا رياح فيه ولا عاصفة ترافقه وزوجه دعوات امه، اغرورقت عيناه وهو يدعو لها بالرحمة.
#مدحت_ثروت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى