د. جميل حمداوي - القصيدة الكونكريتية في الشعر المغربي المعاصر (2-2)

[SIZE=26px](2-2) [/SIZE]


- الأشكال الطيبوغرافية:

وظف الشاعر الكونكريتي المغربي المعاصر مجموعة من الأشكال الفضائية لتأطير قصائده الشعرية هندسيا وتسييجها نصا ومقطعا وجملا. وبالتالي،

فقد تعددت الأشكال الطيبوغرافية والفضاءات المطبعية، فتجووز الفضاء التناظري العمودي القائم على نظام الشطرين ووحدة الروي والقافية في القصيدة الشعرية الكلاسيكية أو فضاء الأسطر والجمل الشعرية القائم على تداخل البياض والسواد تماثلا أوتطابقا.

هذا، وقد استعملت المدرسة الكاليغرافية الجديدة مجموعة من الأشكال البصرية الكونكريتية يمكن حصرها في النماذج الطباعية التالية:



* الشكل التشجيري: يتخذ شكل شجرة نباتية تحيلنا على الثقافة العربية الإسلامية الموروثة ولاسيما في المرحلة الأندلسية التي اشتهر فيها التختيم والتشجير النباتي:



* الشكل الدائري:

وردت مجموعة من القصائد الشعرية المجسمة في شكل دوائر مغلقة تعبر عن مأساة الإنسان وانهياره وجوديا واجتماعيا وحضاريا، كما تعبر عن آلام الاعتقال والتعذيب والتصفية الجسدية والنفسية في ظل أنظمة القهر والجور والقمع والاستبداد:



* شكل المستطيل:

يوظف الشاعر الكونكريتي هندسة المستطيل لتسييج الإنسان وتأطيره وتعليبه في عالم الغواية والافتتان والبلايا والفتن التي تدفع الإنسان المعلق إلى الاستسلام والرضوخ أو الانتفاض والاستشهاد:



* شكل المثلث:

يشغل الشاعر الكونكريتي شكل المثلث عندما يورد علامات المرور الدالة على المنع والتحذير والتهديد والتنبيه الدالة على احترام العمال وتقديرهم وتسييدهم، وفي نفس الوقت تحيل على معاناتهم التراجيدية وصراعهم الجدلي مع طبقة المستغلين الذين يستنزفون عرقهم من أجل تحقيق الأرباح الفائضة على حساب كرامتهم وإنسانيتهم، ويرد المثلث أيضا للتأشير على الحصار والانغلاق والمنع والموت:



أحمد بلبداوي

أحمد بلبداوي



* الشكل القدمي:

ترد مجموعة من القصائد الكونكريتية في شكل أقدام عارية حافية تدل على التطهير الروحاني الصوفي والتعذيب البشري والانبطاح الإنساني وانهيار الذات الآدمية المسحوقة بفعل الضغوطات والقمع والقهر والاستبداد المتجبر:



* شكل الشاهدة:

شغل الشاعر الكونكريتي الشواهد البصرية للتعبير عن المعاناة الإنسانية والنهاية المحتومة والموت الروحاني والجسدي والتأشير على القبر وفضاء الشهادة والاستشهاد والمواجهة والتأسيس كما في هذه النماذج الأيقونية التي ضمنها أحمد بلبداوي في ديوانه الشعري: "حدثنا مسلوخ الفقروردي":



* الشكل الاستفهامي:

وظف أحمد بلبداوي في ديوانه:" ثورة الشتاء والصيف" قصائد شعرية كاليغرافية في شكل استفهامات تجعل من الواقع المهترىء واقعا مأساويا يستلزم وضع استفهامات إنجازية وطرح تساؤلات عويصة حول ماهية هذا الواقع الموبوء ومصير الإنسان المتصدع فيه:



* الشكل الفارغ:

يعتبر الشكل الفارغ الصامت ميسما دالا على البوح والتصريح والثورة والتمرد ورفض للواقع الكائن واستشراف للواقع الممكن كما نجد ذلك عند بنسالم حميش مثلا:



- بنسالم حميش-

وهذا الشكل الفارغ موجود أيضا عند محمد بنيس في ديوانه الشعري:" في اتجاه صوتك العمودي" وعند أحمد بلبداوي ضمن الأشكال الدائرية والمستطيلة المكتسحة بالمتون الشعرية.

وبهذا استطاع الشاعر المعاصر:" أن يقفز إلى هذه المرحلة، ويخرج من براثين العمودية الجامدة المتصلبة، ويتضح أكثر فأكثر على النقد. وقد برز هذا بصورة واضحة جلية في معمارية القصيدة المعاصرة. والشكل الذي صورت به الصفحة البيضاء، فتتعدد فيها نقط الاستفهام، والتعجب والتتابع. ولم يكن الشاعر المعاصر يقصد إلى التزيين والزخرفة قدر ما يتخذ منها وسائل وإمكانيات جديدة تنضاف إلى الأدوات الاعتيادية المعروفة، بل إن الفراغ نفسه الذي يقوم بوظيفة تعبيرية في اللوحة التشكيلية أصبح يوظف أيضا في الشعر الحديث، حيث إن الشاعر وهو يكتب كلمة واحدة مكبرة أو مصغرة في السطر سواء في أوله أو وسطه أو آخره، أو على هامش الجملة لايقصد بالطبع فقط إلى التزيين والديكور الفارغ من كل مضمون، وإنما يتوخى جمالية تشكيلية أعمق في تعبيريتها ودلالتها، ومن هنا، لايقتصر الناقد والقارئ على القراءة اللفظية المجردة، بل بقرنها بقراءة الفراغات والنقط والأشكال الهندسية التي تتخلل الديوان وتصاحب اللغة الشعرية المتلفظة، والتي تكون لنفسها لغة ثانية ملازمة ونابعة من المضمون الرؤيوي العام للشاعر"



* شكل القبة:

يوظف الشاعر أحمد بلبداوي في ديوانه القيم:" حدثنا مسلوخ الفقروردي" شكل القبة المزخرفة التي توحي بالمعمار المغربي الأصيل وبحضارتها المغربية المعتقة التي تحمل ذاكرة راسخة في عالم الفن والإبداع، كما يرد هذا الشكل القببي قي ديوان وفاء العمراني:" حين لابيت..." مطعما بالزخرفة والنقوش المغربية الفسيفسائية:

أحمد بلبداوي

وفاء العمراني



3- ظاهرة الخــــط:

تنوعت الخطوط في دواوين الشعراء الكونكريتيين المغاربة المعاصرين، فبنسالم حميش في ديوانه: " كناش إيش تقول"،وديوان:" ثورة الشتاء والصيف" يستعمل الخط الشخصي والخط الرقعي والخط النسخي والخط المغربي الأندلسي دون أن ينسى تشغيل خطوط أخرى تروقه وتغريه كالخط الديواني الجلي والريحاني والثلثي، كما يمزج بين الخط والحروف المطبعية، وذلك حسب المقام والاقتضاء تجنبا للرتابة والتعقيد.

إلا أن ديوان بنسالم حميش:" كناش إيش تقول" تم بمساعدة الخطاط المعيزي والرسام مصطفى عياد الذي وضع الرسوم واللوحات التشكيلية.

أما أحمد بلبداوي فقد وظف خطه الشخصي واستعان بالخط النسخي والمغربي الأندلسي ولاسيما في ديوانه الشعري:" حدثنا مسلوخ الفقر وردي"، لكنه في ديوان":" هبوب الشمعدان"، فقد وظف الخط الكوفي في تحبير العنوان الخارجي وتنميقه:



أما محمد بنيس وعبد الله راجع فيشغلان كثيرا الخط المغربي وينوعانه حسب السياقات الدلالية والبصرية ويحملانه دلالات رؤيوية مختلفة، وكانا يستعينان بوسيط فني آخر ألا وهو الخطاط المغربي عبد الوهاب البوري. وهذه الوساطة في الكتابة :" تجعل النصوص الشعرية لهذين الشاعرين مفتقدة لأحد أهم الشروط أو القوانين التي سطرتها البيانات النظرية، والمتمثلة في حضور الشاعر المادي من خلال آثار الجسد التي تمثلها الكتابة، فالإنجاز هنا يتم بشكل تقمصي يشتغل بموجبه الخطاط على نصوص الشاعر. واشتغال الخطاط، الذي يمكن أن ينظر إليه من زاوية تقنية صرفة، لايقف عند هذا الحد، إذ من المنظور الإعلامي يعتبر المرسل في الخطاب المخطوط هو الخطاط أو الكاتب، وليس منتج الخطاب كلغة ودلالات، والمتلقي هو القارئ أو مفكك السنن البصرية.

وهكذا فإن الذات الوسيطة تحل محل الآلة الصماء المحايدة نسبيا ويستبدل استبداد الوسيط الآلي استبداد وسيط أكثر فعلا وأثرا هو الوسيط البشري الذي لايقدم لنا عبر النص المخطوط إمكانية الاتصالات لأثر من آثار جسد الشاعر بل إمكانية الإنصات لأثر جسده، فهو لا ينقل النص كوسيط محايد بل ينقله كقارئ، كإعادة إنتاج، حسب لغة البيان تبقى كل قراءة إعادة إنتاج كتابة جديدة.

هذا الملمح الذي يخص الإنجاز عبر وسيط، انعكس على النصوص نفسها بحيث جاءت نصوص الشاعرين مراكمة لنفس الأشكال الخطية، والبصرية بكيفية لايسهل معها التمييز بين النصوص، فجاءت في نمطية ورتابة الأصل فيها مراكمة نفس الإيقاعات الخطية والاغتراف من نفس الرصيد الإعلامي البصري، لعبد الوهاب البوري، الخطاط الوسيط.

هذا التوسط بإلحاحه وتكراره أصبح لازما للتجربة، في وجهها الإنجازي وصار قانونا من قوانينها.لذلك فضلنا تسميتها- يقول الباحث المغربي محمد الما?ري- بالكتابة المضاعفة".

وإذا كان محمد الطوبي قد شغل خطه الكاليغرافي الشخصي في ديوانه:" غواية الأكاسيا"، فإن وفاء العمراني قد استعانت بالخطاط التشكيلي محمد البوكيلي في إنجاز ديوانها" حين لابيت...".

بيد أن الخط المغربي عند بعض الدارسين يحمل قيما سلبية ويحيلنا على تاريخ الانتكاسات المتواليات والهزائم المتصدعة والإصلاحات الرجعية المتخلفة واستبداد المخزن وإدارته البيروقراطية المتعفنة، وفي هذا الصدد يقول الناقد المغربي نجيب العوفي:" إن الخط المغربي الذي يدعو إليه البيان- يقصد بيان الكتابة لمحمد بنيس- ويحاول أن يرد إليه الاعتبار وينفض عنه غبار السنين والإهمال، يختزن، إلى جانب قيمه البصرية والجمالية، قيما تيولوجية وتاريخية يصعب انفكاكه عنها كما يصعب انفكاكها عنه، لأنها تشخص نسغه وإيقاعه. ونلاحظ، في هذا الصدد، كيف تعيد السلفية ومعها الأجهزة الرسمية إنتاج هذا الخط باستمرار، محتفية به ومكرسة له، بدعوى الأصالة والخصوصية ظاهرا، ولأجل تمرير قيمها المتخلفة والرثة باطنا.

والسؤال الذي لايخلو من مفارقة، هو كيف يمكن تجريد هذا الخط من قيمه ورموزه المندغمة فيه، وتحميله رموزا وقيما جديدة ومغايرة. كيف يمكن قتله وإحياؤه؟!"

وهذا الانتقاد الوجيه هو الذي سيدفع بعض الشعراء الكاليغرافيين المعاصرين في فترة السبعينيات للتخلي عن التجربة ومنجزاتها التنظيرية والتطبيقية لينتقلوا إلى الكتابة الشعرية اللسانية الصافية التي تكتفي فقط بثنائية البياض والسواد.



4- اللون الطباعي:

إذا كان الشعراء الكونكريتيون المعاصرون قد وظفوا كثيرا ثنائية البياض والسواد كمحمد بنيس وأحمد بلبداوي وعبد الله راجع ومحمد الطوبي، فهناك بعض الشعراء قد التجأوا إلى تلوين فضاءاتهم النصية بألوان مغايرة كبنسالم حميش في ديوانه:" ثورة الشتاء والصيف" كاللون البرتقالي واللون البنفسجي واللون الأبيض واللون الأسود، ووفاء العمراني في ديوانها: " حين لابيت..." التي شغلت اللون البني في إطار رقعة فضائية فسيفسائية مغربية. وهذه الألوان الحارة والباردة تعبر عن جدلية الألم والأمل، وجدلية الصراع والانتصار، وثنائية الكائن والممكن:

بنسالم حميش



5- ظاهرة الرسومات:

يلاحظ أن بعض الشعراء الكونكريتيين المغاربة قد وظفوا بعض الرسومات الأيقونية واللوحات التشكيلية كبنسالم حميش في ديوانه:"ثورة الشتاء والصيف" كما في النماذج البصرية التالية:



ونستنتج من كل هذا أن القصيدة الشعرية الكاليغرافية العربية المعاصرة:" باتت خاضعة، مثل غيرها من أنواع الكتابة، لشروط الطباعة كتابة وصحافة، وهي تتأثر بالتالي بإمكاناتها التقنية والفنية والإخراجية . كذلك فإن الشاعر بات يعي أنه يرسل قصيدته للنشر في مجلة دورية، بما يستلزمه هذا من سلوك وتصرف، كأن يرسل، مثلا، قصيدته مرفقة بصورته الفوتوغرافية، أو كأن يشترط، كما هي عليه الحال في قصيدتي أدونيس(هذا هو اسمي- مقدمة لتاريخ ملوك الطوائف)، تنويعات طباعية معينة. الشاعر لم يعد يخضع لمقتضيات الطباعة، بل بات يوظف مؤثراتها الطباعية لشد انتباه المتلقي، على الرغم من أن هذه المحاولات تبقى محدودة وخجولة، إذا ماقورنت ببعض التجارب الشعرية الأوربية في هذا المجال".

ومن هنا، نقول بأن القصيدة الكاليغرافية بتوظيفها للمعطى الكرافيكي واللوني قد دخلت فعلا تاريخ الحداثة والتجديد والتجريب الشعري من أبوابه المشرعة على مصراعيها.



6- الفضاء النصي:

نعني بالفضاء النصي فضاء الرقعة الورقية الذي يحوي التشكيلات الخطية والرسوم والخطوط والدوال الكرافية وثنائية البياض والسواد .

وإذا كانت القصيدة المغربية في مسارها التطوري إلى غاية الستينيات من القرن العشرين قصيدة متناظرة الفضاء وسيميترية البناء صدرا وعجزا، فإن قصيدة التفعيلة اشتغلت على فضاء الأسطر والأشطر والجمل الشعرية فاتخذت صورا عدة لتداخل البياض والسواد تماثلا واختلافا.

لكن القصيدة الكونكريتية شغلت فضاءات نصية متنوعة، فكان هناك الفضاء النصي الممتد نثريا وشعريا وأفقيا و عموديا و تموجيا وحلزونيا و دائريا وحلقيا و نباتيا و منحنيا و مائلا و مكتسحا، كما هناك فضاءات كتابية منغلقة ومنفتحة وشبه منفتحة ومتقطعة وملتوية .

وترد هذه القصيدة أيضا ضمن فضاءات التوشيح (بنسالم حميش)، وفضاء القصيدة النثرية، وفضاء القصيدة التفعيلة، وفضاء المحكي السردي، وفضاء الدراما المسرحية، وفضاء التشكيل، وفضاء اللوحة الإشهارية، و فضاء الشعر العمودي كما في ديوان أحمد بلبداوي مثلا.

هذا، و توجد نصوص شعرية مكتوبة من الأسفل إلى الأعلى ومن الأعلى إلى الأسفل أو بطريقة أفقية أومائلة علاوة على فضاء الحواشي كما عند محمد بنيس وبنسالم حميش في ديوانه:" ثورة الشتاء والصيف":

حاشية محمد بنيس

فضاء الحواشي



7- التشظي الكرافيكي:

تتميز بعض القصائد الشعرية الكونكريتية بالتقطيع الكرافيكي الذي يمس وحدة الصوت والكلمة والجملة والنص، ويمكن القول: إنه تضمين جديد أو تدوير جديد في القصيدة الكونكريتية ينصب على الجانب المكاني، سنسميه بالتضمين أو التدوير الكرافيكي أو الخطي. والغرض من هذا التقطيع والتشذير البصري وتمزيق وحدة الملفوظ أيقونيا هو التعبير عن تصدع الإنسان وذوبانه وانهياره ذاتيا وكينونيا ووجوديا واستلابه ذهنيا وروحانيا، وتحوله إلى رقم معلب وسط عالم مادي لايعترف سوى بالعقل والإنتاج والمردودية الشيئية كما في قول حميش الذي قطع كلمة " الإنسان" كرافيكيا ليبين هشاشة الإنسان وسقوطه كينونيا وانكساره وجوديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا في زمن القهر والجور والتسلط:

أنا باسمه خدام

نرفع البنادق والأقلام

نرفع الأعلام

ليسقط المسخ والتدجيل في هذه الأيام

ليحيا الإنسان الإمام

ليحيا الإنــ

سان

بنسالم حميش



ونجد هذا التشظي البصري في ديوان :" هبوب الشمعدان" لأحمد البلبداوي حينما يقطع الكلمات إلى أجزائها الصغرى للتعبير عن تآكل الإنسان وتقطعه وجدانيا ونفسانيا وكينونيا كما في كلمة :" تحتك" :



أحمد بلبداوي

أو تقطيع كلمة:" الشعبي" وتشظيها بصريا لدى محمد بنيس التي تعبر عن انبطاح الشعب وانكساره بسبب قسوة النظام وفظاعة الواقع وكثرة الظلم وتجبر الاستبداد السياسي:



محمد بنيس

ويرد هذا التشظي الكرافي تمديدا وتقطيعا في قصائد أحمد الطوبي الذي ينتمي إلى الجيل الموالي لجيل الرواد من شعراء القصيدة الكاليغرافية حيث قطع الشاعر كلمة: " أقرأ" ، كما مدد بصريا وأيقونيا كلمة: " اتساع" لتماثل مدلولها النصي:

محمد الطوبي يقطع كلمة " أقرأ"

تمديد كلمة:" اتساع" بصريا



ويتم التشظي الكرافيكي أيضا عن طريق تقسيم الوحدة الدلالية والنظمية والإيقاعية بين عدة أسطر وأشطر شعرية تدويرا وتضمينا، ونسمي هذا بالتضمين البصري أو الكونكريتي، حيث تتعالق الكلمة بأختها المتجاورة مباشرة في السطر الثاني أو يترابط الصوت بأخيه في الشطر اللاحق أو تقترن الجملة نظما وتركيبا ودلالة بجملة أخرى تليها في فضاء شعري لاحق كما نرى ذلك واضحا في قصائد محمد بنيس وأحمد بلبداوي مثلا:



هذا الشكل الدائري الحلقي لمحمد بنيس نموذج بصري يجسد لنا التضمين الكرافيكي على مستوى تعالق الجمل وترابط التراكيب النظمية والدلالية والنصية اتساقا وانسجاما مرورا بعمليات التشظي والتقطيع والتداخل والتدوير البصري .

وإليكم نموذجا بصريا آخر للتضمين البصري من ديوان أحمد بلبداوي:" حدثنا مسلوخ الفقر وردي":

التضمين الكرافيكي- أحمد بلبداوي-



ب- المستوى الدلالي والمرجعي:

يستند بنسالم حميش في مجموعته الشعرية الأولى :" كناش إيش تقول" إلى الرفض الشامل والثورة المعلنة للتغيير الراديكالي وتجاوز الواقع الكائن نحو الواقع الممكن. وتنتهي جميع قصائد هذا الديوان الطريف بالنغمة المتشائمة. فبطله دون كيشوت ينتهي بكسر رمحه وهلاك بغله، بينما يسكن الحمق والدعارة واللامعقول عالمه الوجودي المتصدع.

هذان ويعبر حميش في ديوانه هذا عن سخطه وثورته المتمردة ورفضه لهذا الزمن الرديء وعذابه الوجودي:



لو كنت صبيا لطالبت بأب مجنون يعلمني

كيف أحرق

الجدران ولو كانت من حرير وكيف

أعبر البحر وأتبول فيه



هكذا، يتغنى حميش بالإنسان ويندد بالظلم والقهر والعبودية والاستغلال، ويرفض كل مسخ يقهره ويعلبه وجوديا وكينونيا. وينبني شعر بنسالم حميش على ثنائية الألم والأمل، وثنائية المواجهة والتأسيس، ويرتكز أيضا على التثوير والتحديث الشعري بناء ودلالة ووظيفة.

وينهج الشاعر في ديوانه الشعري:" ثورة الشتاء والصيف" منهجا كونكريتيا مع التنويع في الخطوط والألوان والأشكال والرسومات الكاليغرافية . ويعلن حميش في هذا الديوان البصري المتميز لغة المواجهة مع قوى التسلط، و إعلان التغيير لمحاربة كل مظاهر الفسخ والاستلاب والتدجين:



أنا باسمه خدام

نرفع البنادق والأقلام

نرفع الأعلام

ليسقط المسخ والتدجيل في هذه الأيام

ليحيا الإنسان الأمام

ليحيا الإنــ

سان



وعلى أي حال، فبنسالم حميش في شعره يؤمن بالتغيير والمواجهة والتأسيس وإلغاء النوع الشعري والمزاوجة بين الوظيفة الشعرية والوظيفة البصرية. كما نجده ينتفض سياسيا واجتماعيا وثقافيا على الوضع المتردي الذي آل إليه الإنسان المغربي بصفة خاصة والإنسان العربي بصفة عامة بسبب مصادرة حقوق الإنسان وغياب العدالة الاجتماعية وانعدام الديمقراطية الحقيقية، وتجبر الحكام والسلاطين والأمراء إلى درجة الشذوذ والافتتان النرجسي بقهر البؤساء وتذليل المستضعفين في الأرض.

ويسرد أحمد بلبداوي في ديوانه:" حدثنا مسلوخ الفقر وردي" قصة الفقروردي المسلوخ في وطن السلخ والجلد والجوع والعطش الدائم، ويقص لنا الحكاية بطريقة درامية فجائعية على ضوء رؤية صوفية ترصد بصدق معاناة الإنسان في وطنه من شدة الفقر والقهر والظلم بسبب الاستبداد والقمع والتسلطن والتجبر. ويقر الشاعر بضرورة تغيير هذا الوضع الفظيع الذي يستلزم التضحية والاستشهاد والثورة والتمرد الجماعي من أجل تجاوز الواقع الكائن نحو الواقع الممكن:



حدثنا مسلوخ الفقروردي

قال في يوم من أيام الصيف

واليوم يساوي فيه حجرا في

صيف لم يعد فيه الوطن الفظيع

يتقدم إلا بمقدار رغيف جاءت نملة

من التصدع وأوت إلى جذر نخلة

جلست تتأمل عذقا ثم قالت لماذا لا

يتمرد هذا البلح يطير ويحط في

كفي يستريح لحظة ثم يتمرد ثانية

ويهاجر. وتمنت أن تنبت لها أجنحة

حتى لاتنتابها طيور البحر حتى لاينتابها.



ويثور الشاعر في ديوانه:" هبوب الشمعدان" على أحفاد اليوطي وجنرالات العسف والجور والقهر مستشرفا واقعا ممكنا أفضل ينعم فيه الإنسان بسعادة الذات والوطن والأمة والعيش الكريم:



لمعت في أوراق الصفصاف

بهية

قالت أقسم عشب

ألا يطلع أبدا في شبر

تراب دستم فيه

يا أحفاد اليوطي

مجنون من يأمل فيكم

يا أحفاد الماريشال.



وهذه الرؤية الجدلية التي تتقابل فيها الذات المنهوكة مع الواقع الموضوعي الشرس موجودة في دواوين عبد الله راجع ومحمد بنيس، فشعرهما شعر الشهادة والاستشهاد وشعر المواجهة والتأسيس بعد أن كان شعر التفعيلة في الستينيات من القرن العشرين حسب محمد بنيس شعر السقوط والانتظار واليأس والهزائم النكراء والنواح التراجيدي.

يقول الشاعر المغربي محمد بنيس مصورا فظاعة الواقع الدامي المنتفض:



هذا قبر معلوم في أنحاء الصوت

تربع وشما ورسا في

عينك عام الذبح

بمراكش حيث

الناس شهود

يأخذهم

ظل الريف الشعبــ

بـــ

ي



ويقول الشاعر عبد الله راجع منتقدا واقع التعفن والقمع والفساد المستشري:

الهدب

أكيد أن زمان القمل يرتق بالعمش الأخضر مابين الهدبين

أسافر أو أقفل باب البيت/أضاجع أو أغمد هذا الرمح.





وتستسلم وفاء العمراني في ديوانها: " حين لابيت..." لمشاعرها المنسابة وانفعالاتها الذاتية المسترسلة في قالب صوفي عرفاني وجداني تبكي فيه الإنسان والغير، وتنطوي على نفسها لتستكنه خباياها الروحانية التي تعاني من الوحدة والغربة والاشتهاء والحزن والجرح والانتظار، وفي نفس الوقت تبحث عن الوصال واللقاء وتسعى لاكتشاف الوجه النوراني والجمال الأخاذ في عناصر الطبيعة والكون النوراني. إنها تشبه نازك الملائكة في ديوانها:"شظايا ورماد" من خلال البحث عن السعاة الحقيقة وتمثل الحب الصوفي والانتشاء الوجداني:



هنالك

حيث النشوة المتأملة

تستريحين أيتها المدهشة بين البشر

الغريبة حتى بين الغرباء

قلبك مضاء بنجوم لاوجهة تصدر عنها

وكقمة جبل مبارك

حزينة أنت وقوية

عن سخاء الشلال تهبين، جريئة

آهلة بالأعالي

منهمرة عن حكمة الليل

كالكلمة متدفقة بين المحبين

وكأسك، أبدا،

جريحة...

في الوحشة تسكنين

لكنك تقطفين جمال العالم

عبثا يغيبك ناقوس الانتظار

عبثا يحجب عنك الفرح المنسكب

من وهجك السماوي القديم

في هدوء المرتفعات

تتعلمين، كالفجر،

صداقة العنصر.



وعلى أي حال، فإذا كان عبد الهه راجع ومحمد بنيس ينطلقان من رؤية بروميثيوسية واقعية انتقادية ويشاركهما في ذلك بنسالم حميش وأحمد بلبداوي، فإن وفاء العمراني تنطلق في ديوانها من رؤية صوفية عرفانية يتداخل فيها الشوق العارم والانكشاف النوراني الوامض.

أما محمد الطوبي في ديوانه:" غواية الأكاسيا" فيتغنى بالغواية والشهوة والافتتان ولذة الجسد والكأس ضمن رؤية شبقية تتقاطع مع رؤية صوفية حلاجية تتسم بالحرمان والشكوى من الواقع الذاتي والموضوعي ناهيك عن تصويره لمعاناته الواقعية المرة من جراء النفي والإقٌصاء والتهميش والاغتراب الذاتي والمكاني:



تجليت مثل إله صغير أبارك تفاح فتنتها يتوعدني

بوحوش الشذى أرقي فأنادي كسيح اليقين:بلادي وإن

قتلتني مسيحا نبيذي لعشاقها الغرباء الصعاليك يسكب

بلادي وإن شردتني فكم قد قتلت وكم مت

يامجدتي فانتفضت لأحيا حياتي كما شئت

كم قمر في بهار المديح تخضب؟

لأولد فيك بهيا جموحا فأصلب.



ويترنح الشاعر على أمته السليبة والمسبية، ويبكي على وطنه الذي شرده بعيدا ليعانق كؤوس المنافي ولذة الاغتراب وحلاوة الصعلكة والفقر:



يكتبون على شرفة البرق ما أغدق الدم من

سطوة الوطن العاشق المتكبر في آية الانتماء

إلى زمن الفقراء

يفتحون حقول الطفولة حتى تخوم مواسم

سرحت المستحيل من الفرح المتسكع

بين مرايا المنافي التي تستبد بذاكرة البحر

حتى هبوب الصهيل

وطني كم أغاريد يشتعل الجرح في عنفوان

غوايتها كعذوق تباريح دالية وقناديل نهر

وطني لوعة النهار

وطني خصر شمس بتول

وطني صرخة الدم في صباح قتول

وطني وردة الشهداء.



يتبين لنا من كل هذا أن الشاعر الكاليغرافي يحمل فوق كتفه آهات ذاته وآنات شعبه وآلام وطنه وصرخات أمته، إنه شاعر الشهادة والوثيقة يكتب بدمه انتفاضة الذات والغير والمكان، وفي نفس الوقت يستشرف غد الأمل المعسول.



ج- المستوى الفني والجمالي:

استعملت القصيدة الكاليغرافية المغربية أبنية شعرية بسيطة بواسطة الإيقاعات الغنائية وأبنية معقدة من خلال توظيف تركيبات قصصية ودرامية لتقديم الرسالة الأطروحة القائمة على التغيير والثورة والانتفاض ليتمثلها القارئ ذهنا ووجدانا وممارسة كما في ديوان:" حدثنا مسلوخ الفقر وردي" وديوان:" هبوب الشمعدان" لأحمد بلبداوي.

هذا، وقد استخدم الشاعران أحمد بلبداوي وبنسالم حميش التركيب القصصي الصوفي والقوالب التناصية حيث شغل المستنسخات الدينية والصوفية والتاريخية والأدبية، كما استعان شعراء التجربة الكاليغرافية بالرموز اللغوية والطبيعية والتاريخية والعرفانية والمكانية بله عن توظيف صور بلاغية استعارية ومجازية وكنائية ورمزية وأسطورية تمتاز بالإيحاء والشاعرية والغموض والانزياح وتقاطع السردي مع الشعري مشكلة بذلك ما يسمى عند أحمد أعراب الطريسي بالصورة الرؤيا.

وتنماز اللغة بالبعد الإيحائي وشاعرية التعبير ورمزية الدلالة، وتجاوز التعيين الواضح والتقريرية المباشرة واللغة الحرفية إلى لغة التضمين والتجاوز والخرق مع السقوط أحيانا في الغموض التجريدي كما في ديوان:" حين لابيت" لوفاء العمراني .

وعلى أي، فالقصيدة الكاليغرافية عبرت بمستوياتها اللغوية والأسلوبية والكاليغرافية على تصدع الإنسان وتآكله نفسيا ووجوديا مع سخريتها الكاريكاتورية من مفارقات الواقع المعرى شهادة واستشهادا، سقوطا وانتفاضا.



11- تقويم التجربة الكونكريتية:

كانت التجربة الشعرية الكونكريتية المغربية المعاصرة إبان السبعينيات من القرن العشرين ظاهرة شعرية متميزة في العالم العربي بسبب انزياحها على المشهد الشعري العربي الذي بقي حبيس البعد الزمني والمنظور الشفوي الكلامي، ولم ينتقل إلى تجريب المكان واستثمار إمكانيات الخط وطاقات التشكيل إلا مع التجربة المغربية التي حققت تحررا فنيا فعليا ببلورتها لمشروع كتابي جديد أحدث شرخا فنيا وجماليا في القصيدة العربية المعاصرة. وقد تزعم هذه المدرسة العرية الجديدة كل من بنسالم حميش وعبد الله راجع وأحمد بلبداوي ومحمد الميموني.

وبعد ذلك، انتشرت القصائد الكاليغرافية في الساحة العربية، ونشرتها مجموعة من الصحف والمطبوعات كجريدة المحرر، وجريدة الاتحاد الاشتراكي، وجريدة أنوال، وجريدة العلم، ومجلة الثقافة الجديدة، ومجلة البديل، ومجلة الآداب، ومجلة شعر، ومجلة مواقف...

بيد أن هذه التجربة الشعرية الكاليغرافية سرعان ما توقفت مع انتقال محمد بنيس إلى كتابة القصيدة النثرية في بداية الثمانينيات أثناء تعامله مع مجلة "الكرمل " الفلسطينية التي كان يترأسها محمود درويش. ومن هنا، نعتبر محمد بنيس أول من كتب القصيدة النثرية المعاصرة عن وعي تجنيسي، في حين كان الشاعر عبد الله راجع يرفض القصيدة النثرية إطلاقا.

وعندما أحس الشعراء الرواد المؤسسون للتجربة الكاليغرافية بالمغرب بضيق تجربتهم الشعرية الجديدة، فأحسوا برتابتها وتكرارها الممل، ونفاذ قوالبها التعبيرية جمودا واستنساخا، سرعان ماانتقلوا إلى كتابة القصيدة الشعرية الإنشادية في معزل عن البعد التشكيلي كما عند محمد بنيس وبنسالم حميش في دواوينه اللاحقة، أو ممارسة كتابة جديدة وهي كتابة القصيدة النثرية مع محمد بنيس أو الهجرة إلى الأجناس الأدبية الأخرى كما فعل بنسالم حميش الذي انساق وراء الرواية والكتابة الفلسفية والأدبية. لكن هناك من تابع مسيرة هؤلاء في التجريب الكاليغرافي كما فعل محمد الطوبي ووفاء العمراني وحسن نجمي...

يقول محمد الما?ري مقوما التجربة الشعرية الكاليغرافية الجديدة:"إن المشروع الثقافي الجديد، ولد حاملا لمقومات فنائه وتلاشيه لأن نصيب الحماس والاندفاع في صياغته كان أكبر من نصيب القطاعات العريضة من المستهلكين والقراء، بالإضافة إلى أن الجامعة ساعدت في تحجيمه وتجاوزه من خلال انفتاح مقرراتها على آفاق معرفية معاصرة وعلمية، في مواكبة بوتيرة أسرع مما كان عليه الأمر في السبعينيات.

هذا، إضافة إلى استمرار الحضور القوي المؤشر لتجربة الجيل السابق في مختلف المجالات الإبداعية المذكورة سلفا.

وبخصوص التجربة الفضائية بالذات، يمكن القول: إن منحاها الانغلاقي باسم التميز القطري ثقافيا، وكذا إنجازها في معزل عن مقتضيات التلقي وشروطه الحضارية والاجتماعية، جعل منها وهي تتمحور حول الذات، تجربة تجنح نحو موتها منذ الفترات الأولى لولادتها. وقد لاحظنا كيف أن المسلك الفضائي في الغرب، كان مسلكا ضد الانغلاق الثقافي، وتفتحا على الثقافة الإنسانية في وقت لم يعد فيه الناس يتحددون بقومياتهم، وطبقاتهم ولغاتهم الوطنية، بل بالوظيفة التي يشغلونها في مجتمعهم وفي الكون".

ومن هنا، نقول بأن التجربة الكاليغرافية في المغرب لم تستمر كثيرا لتؤتي ثمارها المرجوة لأسباب عدة يمكن حصرها في النقط التالية:

- عدم اقتناع أصحابها بالتجربة لكي يتشبثوا بها طويلا؛ مما أدى بهم إلى تغيير تجاربهم الشعرية؛

- تشابه التجارب الشعرية على مستوى التخطيط والتشكيل واستعمال الألوان والأشكال الكرافية؛

- الاستعانة بخطاطين وسطاء يخططون فضاءات بصرية متنوعة بالطريقة التي فهموا بها النصوص الشعرية؛ مما أثر هذا سلبا على أشعارهم لكونها مكتوبة من خلال رؤى الآخرين على الرغم من وجود إبداعات كاليغرافية شخصية كما هو حال الشاعر أحمد بلبداوي؛

- تهميش النقد المغربي المعاصر لكتابات الكاليغرافيين المعاصرين، بل هناك من سفه بالتجربة كما فعل نجيب العوفي في كتابه:" جدل القراءة"؛

- كانت التجربة الشعرية الجديدة قطرية بامتياز ولم تكن تجربة عالمية إنسانية منفتحة كما هي الأشعار الكاليغرافية الغربية (كيوم أبولينير مثلا)؛

- انتقال شعراء التجربة الكالغرافية إلى ممارسة أجناس أدبية أخرى بعد انفكاك وصال هذه التجربة الشعرية الجديدة، وتفرق شعرائها شذر مذر؛

- احتدام الصراع بين أعضاء المدرسة الشعرية الكاليغرافية الجديدة حول الزعامة والأسبقية في بلورة المشروع الكتابي؛

- عدم اقتناع القراء والنقاد بالخط المغربي لكونه يحمل إرثا تاريخيا زاخرا بروائح القهر والاستغلال والاستبداد والتخلف والتصدع الحضاري؛

- عدم اعتراف الجامعة المغربية بهذه التجربة الشعرية الجديدة فاعتبرتها تقليعة تافهة وسحابة صيف ستنتهي بسرعة .

وعلى الرغم من هذه الانتقادات، فالتجربة الكونكريتية المعاصرة ستبقى ميسما شعريا دالا في تاريخ القصيدة الشعرية المغربية بسبب خلخلتها لقواعد الفضاء السيمتري المتناظر الموروث وتكسيرها لمعايير الأنماط الشعرية السائدة، كما أنها أسست فعلا بعدا جماليا في الشعر العربي بصفة عامة والشعر المغربي بصفة خاصة ألا وهو البعد المكاني والبصري.



خاتمـــــة:

وعليه، فقد تناولنا في هذه الدراسة تاريخ القصيدة الكونكريتية في الشعر العربي القديم والحديث والمعاصر سواء في الحقل العربي أم في الحقل الغربي، وقد بينا أن القصيدة الكونكريتية متعددة المفاهيم والاصطلاحات والتعاريف، وأنها قصيدة شعرية متميزة بالقطبين التشكيلي والشفوي، و تجمع أيضا بين بلاغة العين وبلاغة الأذن، أي إنها قصيدة ثائرة ومتجددة تتأرجح بين السماع الزمني والرؤية المكانية البصرية.

هذا، وقد حققت القصيدة الكونكريتية المغربية في سبعينيات القرن العشرين انزياحا فنيا وجماليا في مسار الشعر العربي عبر المزاوجة بين الكلام الإنشادي والكتابة المجسمة. وبذلك، أنجزت مشروعا شعريا جديدا قائما على التحرر والانعتاق، وبلورة شعر المواجهة والتأسيس من خلال فعل الكتابة والتشكيل لتغيير المشهد الشعري التفعيلي المغربي الذي ظل وفيا إبان عقد الستين لتعاليم الشعرية المعاصرة المشرقية. وبالتالي، لم يستثمر هذا الشعر التفعيلي البعد المكاني بالمفهوم الجديد، ولم يوظف الخط المغربي فيستنطق أبعاده التاريخية والجمالية والفنية، ولم يفتق كذلك ذاكرته الحضارية المتعددة الأبعاد كما فعلت المدرسة الشعرية الكونكريتية الجديدة مع محمد بنيس وأحمد بلبداوي وعبد الله راجع ومحمد الميموني ومحمد الطوبي ووفاء العمراني وآخرين.



.................

المصادر الإبداعية:

1- أحمد بلبداوي: حدثنا مسلوخ الفقر وردي، مؤسسة بنشرة للطباعة والنشر بالدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1983م؛

2- أحمد بلبداوي: هبوب الشمعدان، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الطبعة الأولى سنة 1990م، مطبعة المعارف الجديدة، الرابط؛

3- بنسالم حميش: كناش إيش تقول، دار الأندلس، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1977م؛

4- بنسالم حميش: ثورة الشتاء والصيف، منشورات البديل، مؤسسة بنشرة للطباعة والنشر بالدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1982م؛

5- بنسالم حميش: أبيات سكنتها...وأخرى، دار الطليعة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة1997؛

6- عبد الله راجع:سلاما وليشربوا البحار، مطبعة الأندلس، البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1981م؛

7- محمد الطوبي: غواية الأكاسيا، مطبعة البوكيلي، القنيطرة، الطبعة الأولى سنة2007م؛

8- وفاء العمراني: لابيت حين...، مطبعة البوكيلي، القنيطرة، الطبعة الأولى سنة 2007م؛

9- محمد بنيس: (موسم الحضرة)، مجلة الثقافة الجديدة، عدد:19، سنة 1981م،

10- محمد بنيس: موسم الشرق، دار توبقال للنشر، المحمدية، الطبعة الأولى سنة 1985م؛



.................

المصادر القديمة:

1- ابن رشيق القيرواني: العمدة، تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، دار الرشاد، البيضاء، الجزء الأول، بدون تاريخ للطبع؛

2- ابن سناء الملك: دار الطراز، تحقيق: جودت الركابي، دار الفكر، دمشق، سورية، طبعة 1980م

3- أبو البقاء الرندي: الوافي في نظم القوافي، تحقيق الخمار الكنوني، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، 1974م، غير منشورة، كلية الآداب، الرباط، المغرب؛



..................

المراجع العربية:

1- أحمد بلبداوي: حاشية على بيان الكتابة، المحرر الثقافي، 19 أبريل 1981م؛

2- أحمد الطريسي أعراب: الرؤية والفن في الشعر العربي الحديث بالمغرب، المؤسسة الحديثة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1987م؛

3- بنداود عبد اللطيف: (في اتجاه صوتك العمودي: قراءة في ديوان محمد بنيس)، سلسلة الثقافة الجديدة،المغرب، مطبعة الأندلس، الدار البيضاء؛

4- حاتم الصكر:(بعض مشكلات توصيل الشعر من خلال شبكة الاتصال المعاصرة)،مجلة وليلي، المدرسة العليا للأساتذة، مكناس، المغرب، عدد:5-6؛

5- عبد الله راجع: القصيدة المغربية المعاصرة، بنية الشهادة والاستشهاد، عيون المقالات، الدار البيضاء، الجزء الأول، الطبعة الأولى سنة 1987م؛

6- عزيز الحسين: شعر الطليعة في المغرب، منشورات عويدات، بيروت، لبنان، بيروت، باريس، الطبعة الأولى سنة 1987م،

7- شربل داغر: الشعرية العربية الحديثة، تحليل نصي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة1988م؛

8- محمد بنيس: ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب، دار العودة، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية سنة 1985م؛

9- محمد بنيس: (بيان الكتابة)، مجلة الثقافة الجديدة، المغرب، العدد:19، سنة 1981م؛

10- محمد بنيس: حداثة السؤال، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة1985م؛

11- محمد العمري وآخرون: (الشاعر والقصيدة: حوار مع الشاعر التونسي منصف المزغني)، مجلة دراسات أدبية سيميائية لسانية،المغرب، العدد: 5، 1991م، ص:131؛

12- محمد الما?ري: الشكل والخطاب، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة1991م؛

13- محمد مفتاح: التشابه والاختلاف، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1996؛

14- نجيب العوفي: جدل القراءة، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1983م؛



.....................

المراجع الأجنبية:

1-G.Apollinaire:Calligrammes, Paris, Gallimard, Coll.Poésie, 1966;

2- G.Apollinaire: Poems of peace and war, translated by Anne Hyde Greet, Berkeley: university of California press, 1980.
أعلى