عبد الحافظ الحوارات - قلوبُ حُبّ صَخريّة

بعض القلوب محض مُضغة نابضة في تجاويف ضلوعنا، وبعضها من حديد كالتي جاءت في رائعة أحمد شوقي، غير أنّ القلوب التي عثرنا عليها هذا اليوم كانت الأكثر غرابة على الإطلاق!
مِنْ أبسط الرسوم التي استعذَبَتْها أقلام طفولتنا منذ أن عَشِقَتْ أصابعُنا النحيلة إمساكها كانت رسمة "قلب الحبّ". ومع تنوّع أقلامنا: من حصى طباشيرية تَرَكَتْ ألوانها على سطح حصاة ملساء، إلى بقايا "مِشْهَابٍ" أنهى واجبه الليلي في تدفئة أجسادنا ليتحوّل في الصباح فحمة صريحة لا تعرف التلوّن فوق صفحاتنا البيضاء إلى أقلام الرصاص مروراً بأقلام الحبر وانتهاءً بلوحات المفاتيح، تنوّعتْ دلالات الرمز الشهير للحبّ… القلوبُ كثيرة والمآرب شتّى والاعتقاد عندي واحد بأنّ جيلنا هو الذي ابتدع هذا الرمز للدلالة على كمّ الحب الذي اعتلج أفئدتنا حتى خططناها رموزاً على الرمل والحصى والماء، وحفرناها على سيقان الشجر وألواح الحجر… وهكذا ربطنا تاريخ الرمز بتاريخنا، رغم إدراكنا بأنّ تاريخ الحبّ بعيد للغاية بُعد تاريخ الضحك والبكاء وتاريخ العبوديّة…
في رحلة اليوم إلى "وادي الحوارات" صعدنا قمّة "تلول الذهب". خمسة وأربعون عاماً وأنا أخشى الوصول إلى تلك القمّة، كان الموروث الذي زرعوه في قلوبنا الصغيرة حول "الرَّصَد" والغول والمغارات المخيفة التي يرمي المرء فيها عود قصب لعلّه يكتشف أعماقها الموحشة فيرتدّ العود بغمضة عين في وجهه مبريّاً كرأس الرمح. كل ذاك الكمّ المخيف من الروايات قد شكّلَ حاجز رعب كان يتشبّث في سيقاننا ويمنعنا الصعود. بَيدَ أنّ الرفقة الحسنة هذا اليوم قد كَسَرتْ قيود الخوف وأذابتْ جليد الرهبة المُصطنعة.
ليس الغريب أن تعثر فوق قمّة "تلول الذهب" على أعمدة أثريّة وتيجاناً اعتاد الزائر منّا رؤيتها في جرش وعمّان وغيرها من المناطق الأثرية التي يزخر بها وطننا الحبيب. الغريب أن تجد بالإضافة إلى ذلك صخوراً أثرية ضخمة مشغولة بدقّة واحتراف على هيئة قلوب حب كالتي رسمناها. القلب الواحد منها سماكته تناهز الستين سنتمتر والمسافة بين وجنتيه تداعب حدود المتر.
الحبَّ هو الذهب، وتلول الذهب تحوّلتْ هذا اليوم إلى "تلول الحب".
إلى أيّ حضارة من تلك الحضارات التي قامت على أرض بلادنا تعود مثل هذه القلوب الصخريّة العجيبة، وما دلالاتها عند أصحاب تلك الحضارة؟ لا أعرف. ومن يعرف في علم الآثار والانثربولوجيا فلا يبخل علينا بالجواب.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى