أحمد رشاد حسانين - رواية "أميرة البدو" لمجدي جعفر بين واقعية الرمز وانفتاح الدلالة بقلم / أحمد رشاد حسانين

توطئة :
" أميرة البدو " هى التجربة الروائية الأولى للأديب مجدى جعفر ، أصدرها عام 2000 عن سلسلة " أصوات معاصرة " فى عددها الحادى والستين ، وقبلها صدر للكاتب المجموعة القصصية : " أصداء رحلة شاب على مشارف الوصول " ، ثم تتابع إنتاجه فأصدر أيضاً مجموعته القصصية " أم دغش " عام 2003 م عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ، تلاها مجموعته الثالثة : " الزيارة وتحولات الرؤى " عام 2006 م ، ثم روايته الثانية " زمن نجوى وهدان " 2007 م ، وقد دخل الكاتب حلبة الكتابة الروائية بعد طول تمرس وحنكة فى كتابة القصة القصيرة، مما أفاده فى طرح جماليات وتقنيات شتى للقص وتجاربه 0
تتألف رواية " أميرة البدو " من مائة وست وخمسين صفحة من القطع المتوسط ، مكونة من ثلاثة وثلاثين مقطعاً كتابياً ، يتوافر لها توازن ملحوظ بين كل من السرد والحوار ، ويدور أكثر من ثلث هذه المقاطع مباشرة حول " بدوية " شخصية الراوية المحورية ، وتتوزع سائر المقاطع حول باقى شخصيات الرواية وإن لم تبتعد عن الشخصية المحورية فهى " القاسم المشترك الأعظم "(1) على حد تعبيرها فى الرواية وأما سائر الشخصيات فهم حسب الظهور على مسرح الأحداث : الفتوة ، فارس ، الشيخ ، بدوى ، وحول هؤلاء تتحرك شخصيات ثانوية ومعاونة كأولاد بدوية الكثيرين من أزواجها الثلاثة سالفى الذكر ، يمثلهم " فهد " من الفتوة ، و " على " من فارس ، و " سعد " من الشيخ ، ثم بعض المستشارين وكبار الحرس والقواد 0
ملخص أحداث الرواية :
تتلخص أحداث الرواية فى سرد وقائع " قيام وانهيار " ملك بدوية وطموحها الكبير ، فقد استطاعت هذه الفتاة الضعيفة الفقيرة بنت البدو الرحل ـ أن تكون أميرة ذات غنى بل ولها حضور وطموح شرع فى صياغة حياة جديدة لها ولأبنائها ، وقد أثار طموحها مخاوف الكثيرين ومنهم زوجيها السابقين " الفتوة وفارس " وأيضاً زوجها الأخير " الشيخ " بعد أن فترت علاقتها به ـ وكانوا جميعاً أصحاب ضيعات " مناطق نفوذ " مجاورة لضيعتها ، هذا ، فضلاً عن آخرين كانوا يرقبون منطقة الصراع ولهم مصالح وتحدوهم مطامح وتطلعات فى التواجد والتأمين والسيطرة 0
ولما كانت بدوية أصلاً جزءاً ـ من لعبة كبيرة ورقماً من أرقام الصراع فى تلك المعادلة ، لذا فقد تآمر عليها المتنافسون وأصحاب المصالح بالرغم ما بينهم من خلافات ومنازعات واتفقوا مرحلياً ـ على التخلص من نفوذها ووضع حد لطموحاتها المهددة لوجودهم ومصالحهم فتم ضربها وإجهاض مشروعها 0
والأحداث تروى بطريقة خطية ممتدة لا يعتريها " تقطيع " ، وإن كان هنالك بعض المقاطع وخاصة فى نصف الرواية الثانى تقوم بوظيفة " اختزال " أحداث كبيرة ومنها أحداث الفتن والحروب بين الفتوة وفارس ، والشيخ والفتوة ، ثم الفتوة وبدوية ، وكذلك اختزال فترة التحول الحضارى الذى قطعته بدوية وأولادها بين مرحلتى : ( البداوة ، الزراعة ) ـ ( الحداثة ) ـ وكلها جاءت ضمنية فى أقوال الشخصيات وحواراتها 0
والاختزال إحدى الصيغ التى يلجأ إليها الروائيون دفعاً لإيقاع السرد وطلباً للإيجاز 0
المعالجة وزاوية الرؤية :
يبدو المؤلف بوضوح مستقيلاً من وظيفة الراوى ، فهو يدع عملية القص تجرى على لسان شخصياته ، ولذلك تبدأ مقاطع الرواية بـ " قالت بدوية " ، " قال الشيخ " ، " قال الفتوة " 00 الخ 0
وهو يعتمد على الرمز للتعبير عن أحداث واقعية شهدتها ومرت بها منطقتنا العربية خاصة منطقة الخليج العربى وما حفلت به من أحداث جسام ، كان أبرزها التواجد الغربى فى المنطقة فى أعقاب غزو صدام للكويت عام 1991 م 0
ويحرص الكاتب على طرح رموزه وأحداثه فى إطار من رؤية حضارية أعم وأشمل ، يتعرض فيها دون تقريرية وبعيداً عن المباشرة ـ لعوامل قيام الدول والكيانات ومصادر القوة وأسباب الضعف ، كما يتعرض لقضية الصراع بين القديم والحديث ، الأصالة والمعاصرة واختلاف مواقف الأجيال الجديدة إزاء هذا الصراع خاصة فى ظل أطماع واضحة تحيق بالمنطقة بل تواجدت فيها بالفعل ويحرص أصحابها على هز الثوابت والعبث بالهوية 0
ويتعاطى الكاتب رموز الشخصيات والأحداث بصورة قريبة بعيداً عن التعقيد أو الغموض ، وهو بجانب المعالجة الرمزية الواقعية للرواية ، يستخدم فى بنية تكوينها أيضاً مادة أسطورية متمثلة فى " بدوى " ، كذلك يقوم بتوظيف تقنية " الحلم " وتأتى مرتبطة أيضاً بتلك الشخصية الأسطورية ، والاثنان معاً يندغمان فى نسيج بناء الرواية المتخذ من الواقعية منطلقاً ومعولاً 0
عنصرا الزمان والمكان :
من خلال معطيات الملامح المكانية التى دارت فيها الأحداث ، نستطيع القول ، بأن عنصر المكان يتبدى بوضوح بل يتعدى ذلك إلى مقدرة طبيعة المكان وتحولاته للدلالة على زمن الأحداث بصورة عامة ، حيث تعمد الكاتب ألا يحدد زمناً معيناً لأحداث روايته إنما ترك للمواقف وملامح المكان وسلوك الشخصيات ـ مهمة تحديد الحقب الزمنية ، وهى بصفة عامة تشير إلى مرحلة التطور الحضارى التى مرت بها الجزيرة العربية وخاصة بعد تدفق النفط 0

وقد نجح الكاتب برموزه وأحداثه إلى استخدامها وتطويعها بشكل طبيعى لمعالجة أحداث الغزو الصدامى للكويت ، وهو حادثة فارقة فى تاريخ المنطقة ـ ويرمز لها بالمشهد الأخير الذى تختم به الرواية أحداثها ، لكن دون أن تسدل ستائرها على المشهد العام لتظل كل الاحتمالات قائمة وكل الدلالات مطروحة إلى أن تمتلك إحدى قوى الصراع كل عوامل الثبات
والاستقرار :
" مذعورة كانت تجرى فى اتجاه ضيعة الشيخ ، لتجده فى انتظارها على الحدود ـ فاردا ذراعيه ـ ترتمى فى حضنه وتروح فى نوبة بكاء هستيرية ، بينما عيناها شاخصتان تنظران للرجل الأبيض !! " (2)0
00 إنه تقريباً مشهد الأمراء الكويتيين على الحدود وهم يرتمون فى أحضان السعوديين بعد أن نجحوا بأعجوبة فى الإفلات من أنياب صدام الدموى 0
وأزعم أن المؤلف كان موفقاً إلى حد كبير حين طرح العنصر الزمنى للرواية بصيغة العموم والشمول وهى صيغة تأتى متوافقة مع رؤيته الحضارية ودلالاته السياسية التى ينطوى عليها عمله 0
الشخصيات والصراع :
الرواية كما يذهب د 0 صابر عبد الدايم ، تحرك خيوط أحداثها الشخصيات وتتجول داخل المكان وداخل الأفق الزمنى العام ( غير المحدد بفترة معينة ) ، ولها حضور فى أجواء الرواية والأثر الأكبر فى تشكيل عالمها 0
وقد لمسنا تطور شخصية " بدوية " ، وقد برز فى تكوينها النفسى العام الشعور بالقلق وعدم الاستقرار وهو ما شكل عالمها 0
وقد تولد هذا القلق من نشأة فقيرة وبداية مأساوية تجسدت فى اغتصاب بدوية على يد " الفتوة " واتخاذها محظية له ، بالإضافة إلى ضعف أهلها وعجزهم أن يثأروا لها ، فكان أن ذاقت مرارة القهر والانسحاق ، أما نهايتها فكانت تجسيدا لمأساة اغتصاب وطن نتيجة مؤامرة نسج خيوطها الشيخ متحالفاً مع الرجل الأبيض .
يتصارع على الظفر بيدوية ـ فائقة الإثارة والجمال ـ ثلاثة رجال أشداء هم :
ـ " الفتوة " : وكان أشبه بقاطع طريق فاتك يهابه الجميع ولا يؤمن إلا بالقوة والعنف ، ولذا كان مخشى السطوة ، مرهوب البأس 0
ـ " فارس " رجل قوى صاحب ضيعة ونفوذ وقد هذبته طبائع الحضر ولضيعته منفذ على البحر ، وكان له الفضل فى انتشال بدوية من مهاوى التهميش والضياع بعد فشل تجربتها مع الفتوة وخيبة أملها فيه ، وقد ضمها فارس إليه فى صيغة أشبه بزواج المتعة وأنجب منها أولاداً 0
ـ " الشيخ " : وهو رجل محنك داهية صاحب تجارب واسعة وله ولع بالنساء ، فاز ببدوية أخيراً وضم أولادها جميعاً إليه وأسبغ عليهم حمايته ورعايته ولكنه انقلب عليها بعد أن توجس خيفة من نزعتها الاستقلالية وطموحها الوثاب 0
أما شخصية " بدوى " الأب المادى والرمز المعنوى لبدوية وأهل الصحراء ـ فقد قدمها المؤلف وسط هالة أسطورية جعلت منه شخصية خارقة لها حضور فى الزمان والمكان ورمزاً دنيوياً وروحياً وهو زعيم البدو الأول موحد كلمتهم وصانع مجدهم ومصدر هيبتهم 0
وكما كانت له سطوة الكاريزمية والهيبة فى حياته ، كان له القدرة أيضاً على الإلهام والتأثير بعد رحيله خاصة فى بدوية ، بل إن الشيخ وبدوية اللذين اختلفا فى بعض الأمور لم يجتمعا إلا على الإعجاب به والإيمان بكراماته ، وتصر بدوية على نقل رفاته من قلب الصحراء إلى ضيعتها فى احتفالية مهيبة وتجعل من يوم مولده سنوياً مناسبة كبرى يؤمها الناس من كل الضياع تضخيماً لأسطورته وبحثاً ـ من وراء ذلك ـ عن شرعية ومسحة دينية تصبغ بها مسيرة ملكها وتطلعها ، وهى تصر على ذلك وترسخه فى قلوب أبنائها بالرغم من تأكدها من أقاويل وأخبار عن مصادر علمية ووثائق تكشف عن زيف أسطورته لأنه كان متعاوناً مع الإنجليز ، وهى إحدى إشارات الرواية التى تجعلنا نعيد النظر فى كثير من الأوهام والأكاذيب التى عشنا عليها وعلى ترديدها وكأنها مسلمات وحقائق لا تقيل النقد أو التشكيك 0
وإذا تناولنا أولاد بدوية الكثر ، فأهمهم الثلاثة :
" فهد " : ممثلاً لأبناء الفتوة ، و " على " لأبناء فارس ، " سعد يمثل أبناء الشيخ وهم يرمزون لمجتمعات ثلاثة تتجاور وتتداخل فى المنطقة ، تتلاقى حيناً وتتنازع حيناً أخر ، وتلعب أصابع القوى الخارجية " الرجل الأبيض " – أدوار هامة فى مسار أحداث المنطقة ، وطبيعة العلاقة السائدة بين القوى الثلاث :
- فارس وابنه ، يرمزان الى إيران والقوى الشيعية فى المنطقة .
- الشيخ وأولاده يمثلون القوى السنية بما فيها السلفية المحافظة.
- أما الفتوة وأبنائه ، فأقرب تمثيل لهم ، العراق خاصة فى زمن الأحمق صدام .
- ويلعب الرجل الأبيض على التناقضات بينهم ، وتتطلع بدوية الى الإستقلالية ودعم الإستقرار فى ضيعتها ، فى صيغة أشبه بالكوزموبوليتانية ، رافضة للنزعات الإثنية والعرقية،منفتحة على أسباب القوة ومظاهر التقدم مع التمسك برموز الهوية .
وأولاد بدوية – وإن لم يكن لهم دور مؤثر فى الرواية – إلا انهم عكسوا فى نصفها الأول – صورة الصراع الفردى بين القوى الثلاث ( البدوية – الحضرية السنية – الحضرية الشيعية )
ثم غدوا فى نصفها الثانى تجسيدا لصراع التكتلات والتحالفات فى المنطقة .
هذا غير جوانب ومظاهر أخرى للصراع كالتنازع بين القديم والجديد ، التعددية والإثنية ، التوجهات الإنفتاحية الواثقة ، والأخرى الإنغلاقية المتوجسة .
الرؤية الحضارية والدلالات السياسية :
إذا كنا قدا أشرنا إلى أن الرواية تنطوى على "رؤية حضارية " فذلك لأن المادة الروائية تضمنت خلال عملية السرد والقص والوصف – حالة المجتمع العربى فى شبه جزيرة العرب- فى طور البداوة وتطور هذا المجتمع إلى نمط أشبه بالنمط الحضرى " نموذج ضيعتى الفتوة والشيخ " ، ثم حدوث طفرة هائلة بظهور النفط فى المنطقة وتحول مجتمعاتها إلى مجتمعات مستهلكة وجالبة لكثير من أساليب الحداثة وأنماط الرفاهية ، فى نفس الوقت الذى تبرز المنطقة فى أهم مناطق الصراع فى العالم وبؤرة مسببة للانفجار .
وتكاد هذه البؤرة الشاملة للرؤية التى تحتوى أحداث الرواية وما يمكن أن يليها من أحداث – تكون مظهراً عملياً لنظرية " عبد الرحمن إبن خلدون " فى تدرج العمران وأسس بناء الملك وفى نشأة الدول وتطورها وعوامل قيام الحضارات وانهيارها وهذا يعنى بالتحديد " فلسفة التاريخ "بسننه الثابتة وقوانينه التى تحكمه ، وهى سنن وقوانين شكل بها الفيلسوف العربى نظرية متكاملة استقاها من دراسة مستفيضة للتاريخ الذى انتهت إليه أخباره فى القرن الرابع عشر الميلادى – الثامن الهجرى(4) وربما يدفعنى هذا إلى الاختلاف مع بعض النقاد الذين تناولوا الرواية ورأوا فيها تماساً مع التاريخ نفسه ..أجادل بالقول : إنها ليست سيرة تاريخية وليست تاريخا فنيا لفترة معينة ، وإنما هى رؤية لحركة الزمن والبشر ، فى منطقة جغرافية تحكمها عوامل ومؤثرات .. إنها فلسفة التاريخ وليست التاريخ نفسه.
والمؤلف حين ضبط بؤرته وأعمل رؤيته – لم يقترح مواقف أو يضع حلولاً أو يصدر أحكاما – وإنما ترك دلالاته مفتوحة واحتمالاته قائمة وكأنه يقول هذه حركة التاريخ وتلك قوانينه وسننه فهلا من مبادر وهل من يوظف ذلك كله طوع توجهاته ووفقا لمصالحه ؟
إن المسرح يظل مفتوحاً فى الواقع( كما كان من خلال الخطاب الروائى وحركة الشخصيات ومصائرها) ، ويقبل كل الاحتمالات ، والفائز من ملك الأوراق الرابحة ، وأدوات اللضغط الفعالة ، مستثمراً حركة الزمن وعطاءات المكان .
إن ما يمكن أن نفيده من تلك الرؤية الحضارية العامة ربما يكون التنبيه إلى إعادة النظر فى كثير من سياساتنا ، وإعادة صياغة علاقتنا العربية – العربية والعربية - الإقليمية والدولية ، وتحديد نوعية تحالفاتنا ، والتحديد الأكثر حسماً للعدو المرحلى والعدو الإستراتيجى ، وبالتالى وضع سياسات طويلة المدى ، وفقاً للمصلحة العربية ومن أجل الأجيال القادمة من شعوبنا .
إن الرواية على حد تعبير د. حسين على محمد " تمتلئ بتوق واع إلى التوحد البصير الذى يرى الخلل و يحلم بالحلول والإجابات ، إلا أن الروائى ليس منظراً سياسياً ليضع الحلول الجاهزة .. وإذا كانت الرواية تتماس مع الواقع وتختلف مع كثيرا من جزئياته ، فلأن الفن إختيار من الواقع وليس واقعا حقيقيا ". (5)
لغة الرواية :
اعتمد الأسلوب اللغوى فى الرواية على بناء الجمل الفعلية المتتابعة ، الدافعة للحدث ، مع تجنب الإسهاب والإطالة أو الإستطراد الممل ، كما ساهمت المفردات والتعبيرات فى رسم تشكيلات البيئات المختلفة وتنوعها ، وقد وفق الكاتب من خلال لغة فصيحة بعيدة عن الغرابة والخشونة – أن ينقل لنا بصفة خاصة أجواء البيئة البدوية وبعض أعرافها وتقاليدها :
" .. وما كاد ينتهى الرجال من الطعام ، حتى جاء الخدم بالأباريق النحاسية المملوءة بالماء والطسوت الفارغة ، يصب الخادم الماء على يد سيده فيغسلها ، ويغسل فمه ثلاثأ وينفض بيده فيتطاير ما تبقى عليها من رذاذ الماء ، ويمسح فمه بكم جلبابه وهو ينهض لاهجا بحمد الشيخ وداعيا الله بأن يوسع فى رزقه ويجعل ديوانه عامرا .. ريثما يفرغون من تناول الطعام ... يأتى الخدام بأطباق الفاكهة ، فيأكلون ، ويحمل الخادم إبريق القهوة ويملأ لهم الفناجين ويأتى الشعراء والمداحون المنشدون والمغنون وضاربو الدفوف وعازفو العود .. ولكن الشيخ يبدو مشغولا، فأنفرد بمستشاريه ،وأحسوا بأن ما يجرى بين فارس والفتوة على الحدود ، بدأ يقلق الشيخ "(6).
ولما كانت الرؤية الروائية للكاتب نتاج واقعها وهى بدورها تضيئه وتثريه ، لذا فلم يستطع أسلوبه أن يفلت من بعض المصطلحات والتعبيرات المعاصرة كهذا الحوار الذى دار بين سعد وأخيه فارس :
"" قال سعد : أنه لا يشغلنى أمر القوة العسكرية .. فإذا نظرت الى الشيخ لوجدت أنه أضعف عسكرياً من الفتوة ومن فارس .. وعلاقاته الجيده مع الضياع الكبيرة ، جعلته لا يخشى قوة الفتوى ولا بأس فارس .
- ولكن ثمة تنازلات يقدمها وإتاوات خفية يدفعها
- ولماذا لا تقول أنها المصالح المشتركة ؟
- أو تقول أنها لعبة التوزنات . "
وفى بعض مواضع الوصف تنحو اللغة الى الرقة الهادئة :
" كانت الرياح قد هدأت ، والرمال سكنت ، وتساقط المطر رذاذاً خفيفاً .. ونشر القمر ضوءه الهادئ فى الضيعة .. وبدأت تسير عائده الى فيلتها وعيناها شاخصتان إلى القمر ودموعاً خفيفة تتساقط على خديها .. وبدت السماء جميلة .. صافية ، رائعة .. وغسلت السماء الضيعة والأحزان " (7)
كما زين الكاتب أسلوبه فى أكثر من موضع بالإستشهاد من القرآن الكريم أو تضمين بعض المعانى القرآنية فى ثنايا عبارات الشخصيات ، طلباً لنصاعة المعنى وجمال الآداء.(8)
بعض العبارات جاءت منبته عن أجواء الرواية ، غريبة على طبيعة البيئة ، مثل قول أحد مستشارى الشيخ عن بدوية : "تتسرب فى النفوس كما يتسرب الماء فى الأرض الشراقى " .
وأما الحوار ، فقد أدى دوراً لا يقل عن السرد والوصف ، ,وأسهب بنصيب وافر فى تنمية ألأحداث ، والكشف عن ملامح الشخصيات ونوازعها ، خاصة فى الشطر الثانى من الرواية كما جاءت بعض الحوارات محملة بالإشارات السياسية وأخرى جنسية تعكس مقاييس الجمال العربية واهتمام الرجل العربى بالنساء ، ودور العامل الجنسى فى بعض الأحداث الكبيرة . وأخيراً ، تبقى ملحوظة تتعلق بهنات طفيفة كبعض الأخطاء النحوية المعدودة أو ما يتعلق بغلاف الرواية ، فلوحة غلافها أقرب فى تكويناتها للبيئة الفرعونية منها إلى طبيعة البيئات التى جرت فيها الأحداث .
وبعد ، فإذا كانت " أميرة البدو " ، أولى تجارب مؤلفها الروائية ، فإنها بذلك تشى بعطاء روائي مبشر ، وتنبئ براو واعد فى ساحة هذا الفن العريق .
الهوامش :
" أميرة البدو " رواية – مجدى جعفر ص 64 – دار الوفاء للطباعة والنشر – الإسكندرية 2000 م .
أنظر : الرواية ص 156
" الوسائط الحديثة والأدب " كتاب أبحاث مؤتمر الكتاب بالشرقية والقناة ص 124 – دار الإسلام للطباعة والنشر 2007 م .
أنظر :"إبن خلدون – المختار من المقدمة " مكتبة الأسرة – القاهرة 1997 م .
إنظر دراسة ملحقة بالرواية د . حسين على محمد ص 166
أنظر " أميرة البدو " مصدر سابق ص 30
المصدر السابق ص 69
المصدر السابق : ص 67 ، 101 ، 134

أحمد رشاد حسانين
بورسعيد فى نوفمبر 2007

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى