حسام الحداد وقراءة في عهد الإمام علي لمالك الأشتر في كتاب جديد

حسام الحداد باحث مصري في شئون الإسلام السياسي و له عدد من الكتب في مسائلة التراث وكشف حقيقة حركات وجماعات الإسلام السياسي من بينها أحاديث تؤسس لدونية المرأة، وخطاب العنف والدم في الفقه الإسلامي، وموسوعة أمراء الإرهاب والمكونة من ثلاثة أجزاء، وكتابه الجديد "الإمام علي وأصول الحكم: قراءة في عهد الإمام علي لمالك الأشتر"
يقول الحداد في مقدمة كتابه: تضمن عهد الإمام علي رضي الله عنه لمالك الأشتر ما يتعارف عليه في الأوساط الأكاديمية والمؤسسات الدولية بمرتكزات ومبادئ الحكم الصالح/الراشد/الرشيد/الجيد/السليم، وبذلك إمكانية صلاحية العمل بما تضمنه العهد في الواقع العملي، لتوزيع القوة بين مؤسسات الحكم والمجتمع –مؤسسات حكم قوية ومجتمع قوي- على المستوى الداخلي، وتنظيم العلاقة مع الخارج، بجهاد الأعداء، وعقد المواثيق والعهود “صنع السلام”.
تعريف بمالك الأشتر :
ومالك بن الحارث من القبائل اليمنية التي أسلمت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الأشتر فلقب عرف به، وهو مشتق من الشَتر، وهو انشقاق جفن العين، وذلك أن رجلا من إياد ضربه يوم اليرموك على رأسه فسالت جراحه قيحا إلى عينيه فشترته ، ويذكر صاحب لباب الآداب أن الشتر جاءه من بضربة أصابته في قتال بني حنيفة حين ارتدوا ، والمرجح أن الشتر جاءه من غزو الروم في موقعة اليرموك التي أبدى فيها شجاعة بالغة، وترك فيها أثرا مذكورا ، واشتهر مالك بلقب الأشتر دون غيره.
كانت أول إشارة لمالك الأشتر بعد إسلامه هي أنه شهد خطبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية ،وذكره هنا يدل على أنه كان رجلا معروفا ذا شأن، ولمع نجمه إثر فتوح الشام، ثم في معركتي الجمل وصفين، وشهد اليرموك وهناك اشارات انه شهد القادسية ، واستطاع الأشتر أن يكون محل ثقة من القادة في فتوح الشام، فيذكر الواقدي أن أبا عبيدة ضم مئة فارس في فتح عزاز ، وألبسهم زي الروم، وكان كل عشرة من قبيلة، وأمر على كل عشرة نقيبا، ثم أرسل وراءهم ألف فارس، وأمر عليهم مالك الأشتر، وقد فتحت عزاز الشام على يدي مالك وسقط حصنها المنيع ، وتعاظم دور مالك الأشتر العسكري والسياسي يوما بعد يوم خصوصا بعد بداية أزمة الحكم في أخر خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأصبح مالك واحد من أهم الشخصيات التي تحرك الأحداث في الكوفة، فقد انطلقت الشرارة الأولى للأحداث التي أودت بحياة الخليفة الثالث بما جرى في مجلس سعيد بن العاص، والي الكوفة، سنة 33 هجرية.
بين يدي العهد:
قيل إن عهد الأشتر كتاب لعلي بن أبي طالب أملاه على مالك بن الحارث الأشتر حيث ولاه مصر. وقد وردنا في روايتين: رواية الشريف الرضي في نهج البلاغة ورواية ابن شُعبة في تحفة العقول. وهما متقاربتان في الزمن لأن ابن شعبة توفي في حدود 381 وتوفي الرضي في 406. أما محتواهما فمتماثل ما عدا فروقاً في بعض المبارات ونقصاً وزيادة في فقرات معينة منهما. وهناك شك حول نسبة العهد إلى بن أبي طالب يرد ضمن الشك في نهج البلاغة، وتحقيق ذلك يحتاج إلى وقفة طويلة قد تخرج بنا عن غرضنا.
وإن عدم القطع برأي نهائي حول نسبة العهد إلى الإمام علي لا يمنعنا من تناوله كوثيقة تاريخية تجسد موقفاً سياسياً متميزاً عن الموقف الرسمي وهو في الحقيقة أقرب إلى أن يعبر عن أفكار وتطلعات معارضي صدر الإسلام على اختلاف تنظيماتهم وانتماءاتهم..
العهد وحقوق الإنسان:
يعتبر العهد من اهم الوثائق الرسمية التاريخية الغنية بمختلف ابعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والادارية كونه صادراً من اعلى سلطة في الدولة العربية في عهودها الاولى، ويمثل ذلك مرحلة مهمة من مراحل تطور الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاداري لدى المسلمين لما شمله من تعليمات ووصايا وسياسات واساليب إدارية وطرق اختيار الحاكم وأساليب مراقبته وعلاقة الحاكم مع المجتمع بمختلف فئاته سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وكذلك لما شمله من اسس الحكم الرشيد العادل الذي تقاس به مستويات صلاح انظمة الحكم السياسية في كل مكان وزمان.
كما انه شكل سبقاً زمنياً للحقوق التي جاءت مبادئها في الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948، واتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة لعام 2008 بمسافة زمنية تصل الى (14 قرن)، وخير دليل على ذلك قول الإمام علي في عهده لمالك الأشتر: (الله الله يا مالك في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم، من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسى والزمنى وذوي الامراض والعاهات التي تمنع عن العمل).
أولاً: الحرية:
لقد حظي مبدأ الحرية باهتمام كبير في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي عرفها الإمام علي وسار على هديهما، فلم ينظر الى البشر كأدوات عديمة الارادة يرتبها الآخرون كيفما شاءوا، لأن الحرية تُعد من الامتيازات الخاصة للإنسان بل من اوضح مزاياه على الاطلاق. فيشير إلى ذلك بقوله: (لا تكن عبد غيـرك وقـد جعلـك الله حراً)، فسلب حرية الانسان يُعد في الاساس من اكبر المظالم التي تقلل من شأن قيمة وكرامة الانسان، الامر الذي جعل الامام علي يعمل على ترسيخ ذلك المبدأ في عدة مواضع، إذ تحدث مع الناس في حياته بمنطق التفكير الحر لأن الاختيار الواعي والبعيد عن الضغوط والاجواء المفتعلة، والتقليد الاعمى اساس كل عمل، فالإنسان مسؤول عن تقرير مصيره ويجب عليه ان يشخص بعقله الذي وهبه الله إياه ويقرر ويختار.
بمعنى ان يتم الاختيار على اساس التشخيص الصحيح وهذا ما اكده الامام علي وكان هذا اسلوبه السياسي في الحكم منذ اليوم الاول وحتى النهاية، على الرغم من ان هذا الاسلوب كان مرفوضاً من قبل طلاب الزعامة والتسلط لان هدفهم مخالف لذلك وهو التحكم والجلوس على كرسي الخلافة.
كما يذهب الامام علي ليوصي مالك الاشتر في عهده اليه حول طريقة التعامل مع الآخر المختلف بالقول: (واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم اكلهم، فانهم صنفان إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق)، ثم يوصي الامام علي مالك الاشتر بان يكون محباً للرعية محترماً لمشاعـر النــاس مــن أي فئـة كانوا، وان يعفو ويصفــح عــن الذيــن اســاءوا عليه او علــى خاصتــه بـقولــه: (فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تُحب ان يعطيك الله من عفوه وصفحه).
ولا شك فان تأكيد الامام علي على قبول الاخر ومعاملته على انه إما اخ في الدين او مماثل في الخلقة امر لا يقتصر على السلوك الخارجي بل يمتد لأن يكون سلوكاً نابعاً من الذات حتى يتحول الى سلوك فطري يستند على محبة الرعية بجميع تنوعاتها واختلافها، وضرورة مغادرة النظرة المسبقة التي تتميز بالحيف والتمييز، والدعوة بدلاً من ذلك الى التعامل الحسن مع الاخر وعدم التعالي عليه بأي شكل من الاشكال، فضلاً عن ان دعوة الامام الى صيانة حرية الانسان لابد ان تبدأ من اشاعة هذا المفهوم داخل الاسرة كأسلوب لتربية الابناء، وهذه اشارة مهمة ولاسيما في تلك الحقبة من التاريخ، قائلاً: (لا تقسروا أولادكم على أخلاقكم فانهم مولودون لزمان غير زمانكم).
ثانياً: العدالة
يتضح البعد السياسي للعدالة عند الامام علي، في توجهه نحو السلطة الحاكمة ليبين حالة التأثير والتأثر بين الامة والحاكم على محك المساواة العادلة، إذ يقول: (جمال السياسة العدل)، وجعل الامام العدل من واجبات الحكومة إذ يقول لواليه مالك الاشتر: (الواجــب عليك ان تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة او سنة فاضلــة او أثـر عــن نبينــا او فـريضة في كتاب).
فرفض الجور والظلم والتأكيد على المساواة والعدالة فضلاً عن بعدهما المعنوي والمجتمعي، فان لهما بعداً سياسياً مادياً عند الامام وذلك بتحقيق الاستقرار، اذ يقول: (ثبات الدولة بإقامة سنن العدل)، (وبالعدل تصلح الرعية). فالإمام علي دعا مالك الاشتر الى اقامة العدل وتطبيقه على الصديق والعدو، كونه الغاية والهدف حتى تعم العدالة والمساواة بين الناس، كما أكد عليه ضرورة اختيار اناس لإدارة شؤون البلاد تتوفر فيهم الخصال الحميدة.
وهنا نجد الامام يؤكد على حق التقاضي كضرورة وحق مهم من حقوق الانسان، وحمل الحاكم الشرعي مسؤولية صيانة ذلك الحق بكل تفرعاته ومتطلباته المادية والمعنوية تحقيقاً لمبدأ العدالة والمساواة بين افراد المجتمع، كون القضـــاء العـــادل عند الامام هو الاداة الانجع لمنع الظلـم وتحقيـق العـدل إذ يقــول عليـه: (داووا الجور بالعدل)، كما اكد على ضرورة اختيار من تتوفر فيهم صفات العلم والعدالة والنزاهة والحيادية لتولي وظيفة القضاء إذ يقول الامام لواليه الاشتر: (اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الامور ولا تحكمه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة… أصبرهم على تكشف الامور وأصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستمليه إغراء، واولئك قليل).
ثالثاً: المشاركة السياسية وحق المعارضة
يُعد الامام علي من السباقين في منح الامة حقها في المشاركة السياسية، إذ يقر الامام بان السلطة هي من حق الشعب، قائلاً: (ان هذا أمركم ليس لاحد فيه حق إلا من أمرتم)، وهذا يعني ان المنهج الفكري والاداء السياسي يجب ان ينبع من الامة وليس حكراً على فرد او طبقة خاصة، ومن حق الامة اختيار حاكمها وولاتها، وذهب الامام الى اثبات شرعية الحاكم من خلال الاعتماد على رضا الناس الذي انعكس آنذاك في نظام البيعة كأسلوب للتعبير عن الارادة الشعبية لاسيما مع ضمان الحرية لتلك البيعة.
وقد كان فكر الامام فكراً منفتحاً عندما منح المرأة دوراً سياسياً بتأكيده على مشاركتها في المعارضة السياسية وفي الجهد العسكري والاعلامي كما في حروب الامام، وحق التعبير عن الرأي من خلال نظام التصويت المتبع في وقتنا الحاضر، وضرورة توعية المرأة سياسياً.
ولا شك فان إيمان الامام علي بحق المرأة في المشاركة السياسية اظهر للامة انموذج السيدة زينب بنت علي بن ابي طالب رضي الله عنهما، التي تمكنت من الدفاع عن فلسفة ثورة الحسين بعد استشهاده، ومن ثم القيام بهجوم فكري على قاتليه مما ادى الى انضاج روح الثورة في الامة الاسلامية سواء على الصعيدين النظري او العملي.
فضلاً عن ذلك، فقد ذهب الامام علي الى ترسيخ مبدأ شرعية المعارضة في بادرة ربما لم تصل اليها المجتمعات والمفكرين حتى وقتنا الحاضر، من خلال فهمه العميق لأهمية المعارضة ودورها المهم في العملية السياسية كأداة لتقييم وتقويم وتغيير السلطة الحاكمة.
واذا كان الامام قد رفع راية المعارضة السياسية بشكلها السلمي، وعدها جزءاً حيوياً من حقوق المعارضة ولابد من الاعتراف بها، فانه وضع بعض الضوابط والمحددات على استخدام هذا الحق الشرعي والذي يستند الى مبدأ (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)، لعل اهمها: المساس بالشريعة الاسلامية. استبداد وظلم الحاكم. الضعف السياسي والاداري. سرقة اموال المسلمين واشاعة الفقر بين الناس.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى