محمد علي عزب - الوزن.. والموسيقى.. والاٍيقاع فى الشعر

أوجدت الذائقة الكلاسيكية نوعا من الترادف بين مصطلحات الوزن والموسيقى والاٍيقاع, ويعود ذلك اٍلى أن الاٍيقاع مصطلح مستعار من الموسيقى وهو يشير اٍلى تكرار تناوب صوتين / نغمتين فى مساحة زمنية معينة, والشعر الكلاسيكى كان جميعه شعرا صائتا, يقوم على تكرار وحدات صوتية مقننة بشكل منتظم, وأول من درس أوزان الشعر القديم هو الخليل بن أحمد الفراهيدى فى القرن الثانى الهجرى, وجمع أوزان الشعر فى خمسة عشر بحرا فى كتاب "العروض" وجاء الأخفش ليضبف لها بحرا آخر هو بحر المتدارك, هذا اٍلى جانب الالتزام بوحدة حرف الروى فى القصيدة الواحدة, ورغم خروج الموشح والزجل العامى على وحدة الوزن والقافية منذ القرن الثالث الهجرى, اٍلاّ أن وحدة الوزن والقافية كما حددها االعروض ظلت هى معيار دراسة النظم الشعرى عند العرب, واكتفوا عند الحديث عن الموشح بأنه قد يخرج على الوزن العربى ويأتى بطرق أو أوزان مخالفة للعروض, ولم تكن هناك محاولات لدراسة أوزان الموشح الخارج على النظم العروضى .
ومع حركة الحداثة الشعرية العربية وتناميها ظهرت أشكال شعرية جديدة منها ما خرج من رحم النظم الكلاسيكى اٍلى النظم الحر "قصيدة التفعيلة", ومنها قام على المزج بين التفعيلات واعتصار موسيقى اللغة والتنغيم سواءا اتفق ذلك مع العروض أم لا "قصيدة العامية وقصيدة الشعر الحر", ومنها ما فارق النظم والموسيقى الصائتة بشكل نهائى "قصيدة النثر", وأدى ذلك اٍلى مسائلة المُسَلَّمة الكلاسيكية التى صنعت نوعا من الترادف بين مصطلحات الوزن والموسيقى والاٍيقاع, وأصبح مفهوم الاٍيقاع يشير اٍلى حالة تكرار دورى وتناوب حضور العناصر المتقابلة وانتظامها فى سياق النصّ الشعرى, فهناك الاٍيقاع الموسيقى, واٍيقاع اللغة والاٍيقاع الدلالى, واٍيقاع الحالة الشعرية .
فالاٍيقاع الموسيقى أو الصوتى لم يعد ينحسر فى الوزن العروضى فقط, وانتبه النقاد المحدثين اٍلى وجود ظواهر موسيقية أخرى فى النصّ الشعرى, مثل التشاكلات الصوتية "الجناس", والجرس الموسيقى للكلمات, والطبيعة الصوتية للحروف من ناحية الهمس والجهر, وأن لكل صوت فى اللغة نغمة موسيقية خاصة تتردد بين الصعود والهبوط, وينتج التنغيم عن توالى وتناوب نغمات أصوات اللغة بين الصعود والهبوط, وقد ربط اٍبراهيم أنيس بين صعود وهبوط نغمات الصوت اللغوى وبين اكتمال المعنى من عدمه حيث قال : ( اٍذا انتهى المعنى هبط الصوت وأشْعَر بانتهائه, واٍذا كان للمعنى بقية صعد الصوت وأشْعََر السامع بوجوب انتظار باقيه )1 .
أما اٍيقاع اللغة فى الشعرفهو بتعلق بتكرار لفظ أو جملة فعلية أو اٍسمية أو شبه جملة, أو تكرار صيغة لغوية فى النصّ, وتكرار تناوب الصيغ والأساليب أو تكرار ما يتشابه أو يتباين معها هو الذى يعطى للغة الشعر طابعها الاٍيقاعى, ويميزها عن لغة النثر, وهناك الاٍيقاع الدلالى القائم على التناوب بين التشاكل الدلالى "التشابه والتماثل" والتباين "الاختلاف والتضاد" فالقصيدة ( تعتمد دلاليا على عناصر وموضوعات إما متوافقة ومنسجمة، وإما متباينة متنافرة. وهذا ما يجعل دلالة النَّص تتأرجح بين هذين المستويين أو بين خطين في مستوى واحد، ومن هنا يتولد الإيقاع الدلالي للنَّص )2, واٍيقاع الحالة الشعرية هو التناوب بين الارتخاء والتوتر وبين الثبات والتغير .
اٍن النص الشعرى مكون من شبكة من الثنئيات المتقابلة على المستوى الصوتى والتركيبى والدلالى, والاٍيقاع هو الذى يجسّد حركة حضور وتناوب تلك الثنائيات واٍقامة علاقات بينها داخل السياق الشعرى, فيما يشبه تدفق مياه الأنهار والبحار وتعاقب الليل والنهار وفصول السنة ودوران الأرض حول الشمس .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ٍبراهيم أنيس ـ موسيقى الشعر ـ مكتبة الأنجلو المصرية 1952م ـ ص 168
2ـ الطيب هلو ـ بلاغة الاٍيقاع فى قصيدة النثر ـ مطبعة الأنوار ـ وجدة ـ المغرب ط1 2010م ص71
مقتظف من االفصل الأول من كتابى النقدى "مصطلحات ومفاهيم شعرية ـ مقاربة نقدية فى مصطلحات شائعة فى الشعر العربى الحديث والمعاصر" ـ قيد الكتابة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى