حاميد اليوسفي - في يوم.. قصة قصيرة

الهاتف لا يتوقف عن الرنين . رفعت هناء السماعة
ـ صباح الخير ، خالتي عائشة .
عرفتها من الصوت ، ورقم الهاتف ، ثم أضافت بغبطة ، قبل أن تسألها :
ـ أمي وضعت مولودا صبيا .
زغردت الخالة في الهاتف ، وتابعت :
ـ مبروك يا بنتي هناء ، أصبح لك أخ ، يشد عضدك ويحميك . كيف حال أختي زهرة ؟ هل المولود في صحة جيدة ؟ سنُنهي بعض الأشغال ، ويذهب الأطفال إلى المدرسة ، ونأتي لزيارتكم .
كانت زهرة قد وضعت ولدها البكر هذا الصباح ، مع انبثاق الخيوط الأولى للشمس . هناء وقمر ازدادتا قبل طلوع الفجر .
زوجها حبيب يكاد يطير من الفرح . أخيرا استجاب الله لدعواته ، ورزقه بولي العهد . الذي سيحمل دمه ، ويحافظ على سلالته . مادام قد ازداد مع طلوع النهار ، ويوم الخميس ، فقد ذبحت الأسرة خروفا كبيرا ، واحتفت به ، وسمّته خميسا ، تيمُّنا بهذا اليوم المبارك .
استغرب الناس في البيت كيف بدأ الأطفال يكبرون بسرعة ؟! تخلّصوا من الحفّاظات ، وبلغوا الفطام ، فرموا الرضاعة ، وخرجوا يلعبون مع الأطفال .
حمل خميس حقيبته ، وذهب إلى المدرسة . تعلّم وحصل على الشهادات ، وعثر على عمل ، واشترى شقة وتزوج . حدث كل ذلك في النصف الأول من يوم الميلاد .
ثم بدأت تتوالى المشاكل . الأسعار ترتفع ، والأجر ثابت لا يتحرك . يقولون في التلفزيون بأن تحرير الأسعار ، يسمح للاقتصاد بالنمو ، ويوفر فرص الشغل ، ويرفع من مستوى المعيشة ، ويتقدم المجتمع . لكن لاشيء من ذلك يحدث . ذهبت حكومات ، وجاءت حكومات . صلى وصام واستغفر ، لكن الأسعار ظلت ترتفع أكثر ، والوضع يزداد سوءا .
رأى الباعة المتجولين يُغطّون الأحياء والشوارع ، مثل أسراب الجراد ، والهواتف النقالة ، والأقراص المهلوسة ، تغزو أبواب المدارس . والعمال يتسمّرون في الموقف حتى منتصف النهار ، ويعودون إلى بيوتهم خائبين . وشاهد بأم عينه ، النساء من كل الأعمار ، وهنّ يستعرضن أجسادهن بالملابس الداخلية ، في الصور والفيديوهات ، كما لو أنهن سيدخلن إلى الحمام . ورأى خلسة عيون الذكور ، والفقهاء ، والرواة تتلصّص عليهن أيضا ، حتى تكاد تقتحم الشاشات . وعندما فطنوا إلى وجوده ، احمرّ وجه البعض ، ومسحَ البعض لحيته ، كأنه انتهى من تناول وجبة الكسكس ، وتظاهر بلعن الشيطان ، وقال مقطّبا حاجبيه :
ـ اللهم إن هذا منكر ، لعنة الله عليهن إلى يوم الدين .
فعلوا مثل القطط ، عندما تفشل في الوصول إلى الرئة ، تقول بأنّها نَتِنَة .
رُزق بالبنت الأولى في الظهر ، سماها شمس ، فارتفعت الأسعار ، وازداد المولود الثاني في العصر ، سماه زُهر ، فارتفعت الأسعار أيضا ، والراتب ثابت لا يتزحزح .
تُوفي والداه ، وارتفعت الأسعار . شاخ خميس ، وتعب وتقوّس ظهره ، وارتفعت الأسعار . اضطرّ لاستعمال عكاز ، يستعين به على الوقوف ، والسير إلى المسجد .
كأن كل شيء حدث في يوم . سأل نفسه ، والشمس تميل نحو المغيب :
ـ ها أنت تنظر إلى وجهك في المرآة يا خميس ، وقد حفرت فيه الحياة كل هذه التجاعيد ! وماذا بعد ؟ كم ضحكت ؟ وكم بكيت ؟ كم صرخت ؟ وكم سكتّ ؟ هل تغير الحال ؟ هل عشت حقا كما أحببت ؟ أم أنك سرت في الطريق المرسوم ، والبندقية في الرأس ، تزرع الخوف في القلب ، وتُهدّد الحلم الذي تفكر فيه ؟
بعد ذلك رفع عينيه إلى السقف وأضاف :
ـ يا أ الله رفقا بعبادك ، فهل من العدل أن نُقيمَ في الجحيم مرتين ؟!؟


مراكش 03 مارس 2021


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى