مازن الحمداني - الزوجة الثالثة.. قصة قصيرة

أبو إبراهيم موظف في مديرية تابعة لأحدى الوزارات، وهو رئيس قسم، ليس في القسم تحت أمرته إلا موظفة عجوز، احيلت على التقاعد، وظل فترة وحيداً حتى جاءت فتاة عشرينية، وبيدها كتاب تعيين في قسمه بديلاً عن الموظفة المتقاعدة.
القسم مسؤول عن التدقيق في الحسابات، لهذا فعملهم دقيق، وخطير، رحب بها، وقرأ في كتاب التعيين اسمها سلوى، وبدأ يرشدها لمكتبها، ويعرفها أصول العمل، وأهميته، وليس مسموحاً قبول الهدايا، أو التستر على المخالفات المالية أو الحسابية، وكلماته الأبوية معها، أشعرتها بالاطمئنان، وكان دائماً يناديها قلبي، روحي، عزيزتي، هذه الكلمات تركت أثراً بالغاً في نفسها، وشيئاً فشيئاً تسرب حبه إلى قلبها، وصارت لا تقدر على فراقه، وتتودد إليه، وتجلب معها الطعام كل يوم، وتشركه في طعامها، فكان يقبل مرة، ويرفض مرة، في البداية كان يظنها كواحدة من بناتهِ، ولكن مع الأيام بدأت تأخذ الأمور مساراً أخر مختلفاً، عندما يخرجان بمهمة تابعة للعمل في أحدى الأقضية أو النواحي. حتى لم تحتمل كتم ما يعتلج في صدرها، وباحت به بوحاً شفيفاً، وأرادت أن ترتمي في احضانه، إلا أنه صدها بشكل لطيف، قائلاً: ابنتي لم يمض كثيراً على وفاة أبيكِ، وما تشعرين به هو حب البنت لأبيها، أنتِ رأيتِ بي الأب المفقود، والحب والحنان الأبوي، وأنا أيضاً أرى بكِ البنت المحبوبة المؤدبة.
مهما حاولت لم يكن يتجاوب معها، لهذا شعرت بالإحراج الشديد، والخيبة، تعرضت مساء ذلك اليوم لصدمة نفسية، وعصبية دخلت على أثرها للمستشفى ثلاث أيام، عندما علم بمرضها، ذهب في اليوم الثالث للمستشفى حاملاً باقة ورد، دخل عليها بابتسامة، وكلمات مسحت كل الجراح ببلسم سحري، يشفي كل داء، وجد عندها أمها امرأة عجوز، طلبت من أمها أن تسمح لها بالحديث مع مديرها على انفراد بأمور العمل، خرجت الأم مراعاة لحالتها النفسية.
أخذت سلوى يده وقبلت باطنها، قائلة: لا تقل لي إنك لا تحمل أي مشاعر لي.
- لا أدعي الرهبنة، ولستُ حجارة لا تتأثر بمشاعر فتاة، تتمتع بالجمال، والأنوثة، والرقة ولكن هناك أمور تقف حائلاً بيننا منها فارق العمر، ومتزوج اثنين وليس واحدة، وأنت ستكونين الزوجة الثالثة، ولستُ غنياً، ولا أملك غير راتب الوظيفة.
- أنا أعرف كل شيء عنك، وأنا راضية بكل هذا الوضع ولو كنت متزوجاً ثلاثة وليس اثنين فقط.
- لو تجدي شاباً يتناسب مع عمرك، وطموحكِ لكان أفضل.
- هو أفضل من وجهة نظرك لكن القلب ليس عليه سلطان، أنا أربع سنوات في الجامعة، ومعي الكثير من الشباب، يتمنون نظرة مني، لم يتحرك قلبي لأحدٍ سواك.
- غداً أريدك حاضرة للعمل، فعندنا عمل كثير.
- حسناً، أنت أفضل دواء، يشفي المريض على الفور.
- إذاً حبيبتي أراكِ غداً.
خرج وهي تقول ماذا قلت... لم يرد عليها، ومضى في طريقه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى