د. محمد سعيد شحاتة - حلم قديم

روحٌ مبعثرةٌ وأوراقٌ قديمةْ
وحكايةٌ ملغومةٌ
وسرابُ أيامٍ
وأسئلةٌ يراقصُها خيالٌ جامحٌ
ويشاكسُ الظلُّ المراوغُ أعينًا
نسجتْ أديمَهْ
طيفٌ ووردٌ يابسٌ في دفترٍ
يجترُّ تاريخَ المحاريبِ التي صَدِئَتْ
ومقصلةٌ تميدُ على جوانبها الأماني
عمرٌ تسرَّبَ
أعينٌ مصلوبةٌ ما بين أسئلة وأفئدة تعاني
يا أيها الآتي على خيل الخيال
وفي يديك مباخرُ التاريخ
فوق شفاه ليلك أغنيةْ
تجتاز أودية الأساطير المقيمة
تعبر الوديان والأشلاء
بين عيون خيلك أحجيةْ
خيلٌ سنابكُها مُدىً
ولحونُ حاديها عقيمةْ
يا أيها الآتي من المدنِ العقيمةْ
مذبوحةٌ أحلامُنا
وعلى جوانبها الدمُ
يا أيها الآتي على خيل الخيال
وفي يديه مشاعلٌ
ومباخر التاريخ حولك حُوَّمُ
زنزانة تلك الليالي الحالمات
وما تسرَّب من ضياء في الشعاب
وما تناثر من بقايا في الدروب
زنزانةٌ تلك الصباحاتُ التي تهبُ القلوبَ رحيقَها
لم تألف الحلمَ القلوب
زنزانةٌ تلك الغواياتُ التي تهبُ الصحاري ألحنًا سكرى
وفي أحشائها ذئبٌ يجوس
يا أيها الآتي على خيلٍ توشَّحُ بالتروس
كم لملمت عيناي صورتك البهية في الليالي الظامئة
خبَّأتها بين الحنايا زهرة الأوركيد
نهرًا في صحاري الحلم
أغنية لشطآن الغريب وأمنيات مرجأة
لكنَّ صورتك البهية في فيافي الدرب أشعلت الحريق
وغادرت شطآن من عشقوا اللحون
وعُلِّقت أحلامُهم فوق المقاصل
تستجير من الأسنة والأعنَّة
والسهام الصابئةْ
أحصي المرايا والشظايا
والحناجر والخناجر
والمنابر والمعابر
والعيون المطفأة
*
زبدٌ ... زبدْ
زَبَدٌ على سطح الحياةِ حياتُنا
ورحيقُها وهمٌ وأحلامٌ سقيمةْ
تجترُّ أقمارًا مضتْ
ما بين أشلاءِ التواريخِ العقيمةِ
والسيوفِ المشرئبَّةِ للدماءِ
وأنفسٍ حيرى
خناجرُها اللقيطةُ تستبيحُ دماءنا
تُحْصِي ملامِحَنا مراياها الذميمةْ
هذي تضاريس النفوسِ تئنُّ
مَنْ يقوى على الإبحارِ بين مسالكِ الدمِ
مَنْ يراوغُ حيَّةً رصدتْ ملامِحَ عمرنا
وتمدَّدت بين الزوايا
لا يقرُّ قرارُها
وتجيدُ ترتيبَ المرايا
لا يفرُّ أسيرُها
تُحْصِي على الروح الخفايا
والحريق بشيرُها
من ذا يراوغُ ؟!
ذلك التاريخُ مخبوءٌ بأنسجةِ النفوس
ظلٌّ لحاشيةِ المواكب
أو مُدَىً لخيولِ مَنْ نسجوا تضاريسَ الضفافِ
ومَنْ تجلّوا في الدروبِ سرابَ أحلامٍ
وكنا في الروابي كالشموس
كيف الخلاصُ
وقد تبعثرت الملامحُ بين آلاف التروس
زبدٌ .. زبدْ
تلك التضاريسُ التي ارتسمتْ على كل الضفافِ
وزيَّنتْ وجهًا
زَبَدْ
تلك الشموسُ تضيءُ ألحننا
زَبَدْ
هذي المواكبُ والسنابكُ
والأسنَّةُ والأعنَّةُ
والمنابرُ والمعابرُ
والطقوسُ الباكيات على أمانينا
زَبَدْ
يا العامريُّ !
تجوبُ أوديةً
وفي عينيكَ أوصافُ الألى وهبوكَ دمعَ القلبِ
تُحْصي رملَ صحراء الألى نصبوا فخاخًا في الدروب
نسجوا بيوتَ العنكبوتِ على ضفافِ الروحِ
واستلقوا على الشطآن شمسًا لا تغيب
يا العامريّ !!
تعتزُّ بالأشعار والشعراء قد نسجوا المدائحَ والملامحَ
والطقوس المخمليَّةْ
قالوا: انتبهْ
هذا هو الحبُّ المُخَلَّدُ
والخلودُ على ملامحه السنا
نمضى إلى النطعِ الذي نصبوه
نستدعى الرماحَ السمهريَّةْ
وأنا وقلبي والفراغ أراوغُ الجلاَّدَ والألفاظَ
كي أنجو من السوطِ العصيِّ
ومن سياطِ الأبجديَّةْ
"فيسمع منيَ سجعَ الحمام
وأسمعُ منه زئير الأسدْ"
يا العامريّ !!
هل أنقذتْ أشعارُكَ السكرى ملامِحَنا من الجدريِّ ؟!
نسجتْ أغانيكَ الطريقَ لبائسٍ في التيهِ
لا ظلٌّ ولا ماءٌ وفي عينيه حيرةُ سائلٍ
لم يقوَ من قهرٍ على صوْغِ السؤال ؟!!
لا يبتغي غير الطريق إلى شفا الماءِ الزلال
كيف الخلاصُ
وقد تبعثرت الملامحُ بين رمحٍ من جنوبٍ
أو شمال
زَبَدٌ .. زَبَدْ
*
يا العامريّ !!
ما بال قلبكِ لا يجيدُ سوى الظلال
وكبحِ أسئلة الخيال؟!
في الأفق أغنيةٌ
يعانق لحنُها القلبَ الممدَّدَ بين أضراس السنين
عينان وامرأة يراوغ طيفُها عمرًا تسرَّب
في سراديب الحنين
تحصي تضاريس الملامح في القصائد والمواكب
وانشطارات الجسور
وفي مرايا العابرين
عينان وامرأة تقيم على ضفاف الحلم
حانية كما الأحلام في عينيْ صغيرٍ
كالعذارى الحالمة
تمحو ظلال التيه من دربٍ تحاصره المقاصل
والليالي الآثمة
ما بال قلبكِ لا يجيد سوى الظلالِ
وكبحِ أسئلة الخيال ؟!
*
روحٌ مبعثرةٌ وأوراقٌ قديمةْ
وحكايةٌ ملغومةٌ
وسرابُ أيامٍ
وأسئلةٌ يراقصُها خيالٌ جامحٌ
ويشاكسُ الظلُّ المراوغُ أعينًا
نسجتْ أديمَهْ

د. محمد سعيد شحاتة


_________________
- ديوان: أن تحب جميلة







تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى