عماد البريهي - جمالية الرؤيا في نص الشاعر اليمني محيي الدين جرمة المعنون بـــ (الجغرافيا درس مؤلم) مقاربة سيميائية السنية

اطلعت على نص للشاعر والكاتب اليمني /محيي الدين جرمة بعنوان ( الجغرافيا درس مؤلم ) في مجلة ( كيكا ) kikah الصادرة عن لندن المهتمة بالأدب العالمي ..، هذا النص الذي نشر في مجلة كيكا من أرقى النصوص في شاعريته ورؤياه ، حيث ينم هذا النص عن رؤيا عميقة وتمكن من القدرة على خلق الجمال الفني في عناصره وفضاءاته المفتوحة بلا حدود ، وتحمله رؤى تأويلية غير محدودة ، وخضوعه لقراءات وإسقاطات نقدية متعددة المناهج والرؤى.
الشاعر محيي جرمة :
هذا الشاعر يمني الأصل والنشأة غني عن التعريف له مشاركات أدبية ونقدية في اليمن وخارجه ، حازت تجربته على تقديرات بحصول أعماله على أبرز الجوائز العربية في الشعر ، هذا الشاعر الرؤيوي الذي ابتدأ بكتابة القصيدة العمودية مرورا بالقصائد الرومانسية والتفعيلة وصولا إلى قصيدة النثر وقصيدة الومضة ، وما يخص قصيدة النثر له بعض القصائد مكتوبة بامتياز ، ويمتلك خيالا خصبا ورؤيا عميقة ، وروح شاعرية جميلة ، لا يسعى إلى تلميع ذاته ، يكتب الشعر من أجل الشعر ، هذا الشاعر المسكون بالإنسان ، ينزوي وحيدا حاملا هم المجتمع على أكتافه ، يسعى جاهدا أن يرى وطنه خاصة والوطن العربي عامة في أرقى سلم الحداثة والتنوير والتطور والارتقاء ..
النص :
الجغرافيا درس مُؤلم
- 0
أغفو متقمصا جفن صخرةٍ
تمر شموس تحت ظلالها والمياه.
أستدرجني كشفق ٍ ما لامسته شفة .
لايد قُبلت قبلتَه.
أنشر عراءاتي فيكِ
أنتظركِ .
تمشين على حواف حُلم ٍ.
لخطواتك نكهة العنب الأسود.
يحدق بنظراتي صوف عظامكِِِ.
كحلاوة الضوء في فمي
- 9
ان مر يوم ولم اتذكركِ.
تعتذر الجهات للرياح.
شعشعانية الحشائش
وما تلامسه يد الريح
يعتب على الريح :
ان تركتني شاردا.وبعيدا.
نحوكِ أصوبني.
كأزهاركِ
تغني
فضاء
يدي .
- 8
إشتكيت مرة ً قسوة أبي
لصخرة قرب بيتنا.
- 7
لايثنيكَ صمتٌ.
عدا صخور تلوح بيد البحر.
- 6
في جنوب الجراحات
عصفورة تتورد
داخل الصمت.
شوك الأسئلة يوخز رياحا.
نوارس تنفذ
من تحت غلاف الرمل.
البلاد نحر من ظلال ترتجف
تتقلب.كأعواد ذرةٍ
تجلب دوارا.ً
عند الإفراط بأكلها.
تحت مديات من سموم.
يحدق رماد الأمل.
لوحة لماء فنان.
وجه حي.
بورتريه لحُلم.
تيمات تشاهدنا
في دواليب
من زجاج شفاف
لجناح متحف الكائنات.
الجغرافيا درس مؤلم.
"هل انتهى كل شيء"؟
ربما.
قبل
أ
ن /
بعد
ما/
ككل
شيء ٍ
في
الأشياء.
شاعر يمني
رؤيا عامة حول النص :
ونحن نلم خيوط الرؤيا نحاول الاقتراب من كنه النص وعالمه ، من زوايا متعددة ، زاوية الذات ، زاوية الموضوع ، زاوية الرؤيا ذاتها ، زاوية الاستطيقا ، ليبدو النص واضح المعالم ، كيف بك أن تلحق بشاعر وكلماته تسافر مع الريح تحملك من فضاء إلى فضاء ومن رؤيا إلى رؤيا ، هذا الشاعر الذي يتحد بالأشياء حد التماهي ، في رؤيا عميقة وحميمة للأشياء تجسد فلسفة التاو المنتشرة عند الهندوس ، إنها فلسفة حميمة في علاقتها بالوجود ، وعناصره ، نلمس روح الشاعر في كل سطر وكل عبارة ، شاعر يلتف بالأرض وصخورها ومياها وجغرافيتها وبحارها وأشجارها ... ويرتقي بروحه في سلم السماء حيث الفضاء والشمس والروح والنور والضوء والإشراق ...وغيرها من المفردات العلوية ، وحين نعتمد على الكلمات المفتاحية التي تجسد محور النص ورؤياه ننطلق من عبارتين : عبارة العنوان ( الجغرافيا درس مؤلم ) وعبارة ( البلاد نحر من ظلال ترتجف ، تنقلب كأعواد ذرة ) تلك العبارات تجسد محور دوران النص ورؤياه حول وطن الشاعر المرتجف " كأعواد ذرة " على حد تعبيره ، هذا الوطن الذي يعيش التمزق والشتات في ظل الصراعات السياسية والطائفية التي تنهش الوطن من كل زاوية ، فيبقى الشاعر يصدح بصوته ولا مجيب ، فينزوي مثخنا بجراحه وحيدا يحمل همّ وطن على ظهره ...
سيميائية العنوان :
إن العنوان بوابة النص للدخول إلى عواله ، واستشراف خباياه بصورة مصغرة تبدو مرئية من بوابته الصغيرة ، وكلما حاولنا أن نتأمل هذا العنوان نجده يفتح أمامنا أكثر من تأويل فكلمة جغرافيا تدل على بلد محدود المعالم واقع في نطاق مكاني معين ، وهي كذلك تدل على التمزق والتجزؤ وحين نقترب من هذا البلد الذي قصده الشاعر ونتفحص مكانته بين البلدان الأخرى ، يجعلنا نستكشف مكنون الشاعر حين يحملنا إلى مواطن رؤياه العميقة التي يرى من خلالها بلده ( اليمن ) هذا البلد الذي يعيش بين زوايا الصراع هذا البلد الذي يتمزق كل يوم تحت معاول الساسة والمستبدين تلك المعاول التي تنهش الوطن من كل ناحية وكل ضربة تقع على هذا البلد هي بالأصل تقع على عاتق الشاعر الذي يحمل همّ هذا البلد على أكتافه وحين نرى هذه المعاول تتهاوى فوق رأس الشاعر ندرك حينها معنى قوله : ( الجغرافيا درس مؤلم ) ،ذلك هو الألم الحقيقي حين تحمل هم وطن على ظهرك ... حين تحمل هم أمة بكاملها بهذه الهمة يبدو الشاعر كنصف نبي أثقلته هموم مجتمعه .
إن موضوع الجغرافيا هو موضوع مكان ، ونجد هذا المكان يختلط بـ " أنا " الشاعر وكينونته فنستشف العلاقة الحميمة بين المكان والشاعر ، بين الأرض والإنسان ، علاقة الجزء بالكل والابن بالأم ، هذه العلاقة الحميمة المتماسكة نرى بها أن كل ألم يصيب الوطن والبلد هو بالضرورة يصيب هذا الإنسان والشاعر خاصة ، وحصر الألم في درس الجغرافيا دون غيره يعكس تماهي الشاعر بجغرافيته وحدوده ، حيث تغيب الأنا في الموضوع ولا يبقى لها علاقة سوى الألم الذي يربطه بهذه الجغرافيا ، ويعمّق الشاعر معنى الألم حين يرتبط بالدرس حيث يتحول هذا البلد إلى مصنع آلام وأحزان ومعاناة تتكرر معنا في كل يوم ؛ أي مع كل نفس نتنفسه نستقبل ألما بعد آخر إلى ما لا نهاية .
إن الشاعر يجسد ثنائية الواقع والمتخيل في كل أجزاء النص ابتداء بالعنوان ومرورا بكل مقطع فهو حين يهبط إلى الواقع المشترك يحاول ينقل الآخر المتلقي إلى عالمه العميق الذي يراه هو ، ذلك العالم الفني الذي بناه برؤيته الشاعرية الخاصة ، فكلمتا " الجغرافيا درس" في العنوان غير شاعرية أي ليست من عالم الشاعر وحين تتضام مع كلمة " مؤلم " يختلف مدلول التركيب وتتغير العلاقة فيغدو العنوان محركا من الداخل حيث إن كلمة "مؤلم " قد أشعت في العنوان بتضامها مع الكلمات السابقة ، ذلك أن الشعر طاقة مولدة من تضام الكلمات وعلاقاتها ! فهو أشبه بشرارة اللهب المنقدحة من اصطدام حجر بحجر ، وهنا يبدو شاعرنا ذا قدرة فنية وشاعرية كبيرة في الاقتراب من روح القارئ وأخذه إلى عالمه الخاص لمشاركته رؤياه .
الرؤيا والجمال في النص :
"أغفو متقمصا جفن صخرة " هذه الصورة السريالية هي محاولة للهروب من الواقع البائس وخلق عالم سحري صلب ليقف عليه أمام عواصف الفناء ، فالصخرة رمز للصلابة والقوة ، والتحمل ، وذلك التقمص لجفن الصخرة يمنح الشاعر قوةً للمواجهة والثبات للاستمرار في الحياة ، ونجد ذلك حين تمر شموس الإشراق والفكر والتجديد والمحبة والعرفان التي ينتظرها الشاعر حين تمر تحت ظلال صخرته ، ويضفي صورة الحياة بمرور المياه ، فالماء رمز للحياة والخصوبة ومحاولة لبث الحياة وبعثها في الواقع الأليم ، إن محاولة خلق عالم حي مشرق مفعم بالجمال هو محاولة لأخذ المتلقي إلى عالمه الذي يراه وحين يؤمن هذا المتلقي بأفكار الشاعر ورؤاه يستطيع حينها أن يعيش الواقع الجميل .
وحين ننطلق مع الشاعر نجده في المقطع الأول ينشطر إلى ذات وموضوع ، ذات متوهجة تقود الموقف ، وموضوع يحاول اللحاق بها ويستدرجها " استدرجني كشفقٍ ما لامسته شفة " إن هذه الذات التي يحاول أن يستدرجها هي في الحقيقة الإنسان الآخر الذي اتحد به الشاعر وهو ذلك المخاطب الذي يحاول أن يستدرجه إلى عالمه الخاص فإذا هو كشفق يقترب من نهايته في الأفق يقترب من الموت والفناء تحت أمواج الظلام ، إن ذلك الآخر التائه والواقف على مشارف النهاية هو ذلك الإنسان اليمني ابن وطن الشاعر الذي فقد الحب والحنان في ظل الظروف القاسية " لا يد قبلت قبلته ".
وينفتح الشاعر بقلبه ورؤاه لهذا الوطن حين يقول : "انشر عراءاتي فيك" ؛ إنها محاولات متكررة في نشر الشاعر فضاءاته المفتوحة لهذا الوطن ، فقلبه يتسع للجميع ، وينتظر قدوم الوعي لتغيير الرؤى العتيقة " أنتظرك " ولكن صورة الخوف تتوقد في ذهن الشاعر حين تغدو بلده محاصرة تحت كلاليب الرؤى الضيقة الحاقدة ، فتغدو طموحاته معلقة على مشارف حلم لم يتحقق بعد ، ونجد الصور الشعرية تتلاحق في ثنايا النص مضيئة بروح الشاعر وإبداعه المتوهج ، فالخطوات لها نكهة العنب الأسود إنها مسكرة في إقبالها ، وتصوير الخطوات بأن لها نكهة يعتمد على تراسل الحواس الذي شاع عند الرمزيين ، إنها حالة نشوة وسكر تختلط فيها الأشياء ، فما تراه بعينك تشمه بأنفك ، الكل يتحد عبر المعنى هذه الرؤيا الصوفية العميقة التي يتحد فيها أجزاء العالم في وحدة كلية غير قابلة للانفصال وهي ما يعبر عنه ابن عربي بعالم الأنفاس ، حيث تغدو الفواصل مجرد وهم في رؤية الأشياء ، ويتجسد المعنى أكثر حين يغدو للضوء حلاوة في الفم " كحلاوة الضوء في فمي " فالضوء المشاهد بالعين يغدو هنا محسوسا بالذوق عبر الفم الذي يجسد حلاوته ، ذلك الضوء المشرق هو ضوء الوعي والعلم وضوء النور الروحي المشع بالمحبة في الارتقاء بالإنسان والمجتمع .
ويصحو الشاعر من هذه السكرة التي حاول أن يستدرج بها الآخر حين يغدو الوطن مشرقا ومفعما بالمحبة والوعي والسلام ، فيتوجه مرة أخرى إلى مخاطبة " الوطن " المعبر عنه بضمير المخاطبة على شاكلة قوله :
- 9
إن مر يوم ولم أتذكركِ.
تعتذر الجهات للرياح.
شعشعانية الحشائش
وما تلامسه يد الريح
يعتب على الريح :
أن تركتني شاردا وبعيدا.
نحوكِ أصوبني.
كأزهاركِ
تغني
فضاء
يدي .
اليمن هي تلك الحبيبة التي لا تفارق ذكر الشاعر وهي التي يعيش من أجلها بجسده وروحه وفكره وقلمه ، إن لم تمر على ذكراه يوم فالجهات تغدو بلا رياح مبشرة بالخير ؛ لأن صوت الشاعر هو صوت الخير في الأوطان ، وحين نلجأ إلى التـأويل نقترب من الرؤيا العميقة للنص فالرياح رمز للتغير ورمز لصوت الشاعر ولكل قلم ثائر ، إن الرياح في معناها تحمل مدلولا خصبا ، فهي في الثقافة الدينية وفي القرآن خاصة مبشرة بالخيرات وهي لواقح للأشجار من أجل الثمار ، وفي قول الشاعر : " تعتذر الجهات للرياح " نجد روح الشعر والفن تتوهج في المقطع فقد أنسن الشاعر الجهات وشخصها فكل شيء مصبوغ بالحياة ومفعم بالحركة وكل شيء مرآة لروح الشاعر الشفافة المشرقة ، فالعبارة السابقة مليئة بالإيحاءات الرمزية الخصبة المفتوحة على تأويلات متعددة ، إن هذه الجهات الأربع هي بوابة الدخول إلى فكر الإنسان ، فمنها يدخل داعي الشيطان وداعي الملك من أجل التربع على مملكة الإنسان ، وما صوت الشاعر إلا ثورة للتغيير ومحاولة للدخول إلى تغيير الوعي السائد ؛ ذلك الوعي الذي يتسم بالكراهية والفوضى والنظرة الدغمائية للأشياء ، وتلك الأصوات الواعية التي هي صورة من صور الرياح في عالم المعنى بمثابة محاولة لزعزة الأفكار وغرس رؤى جديدة ومشرقة ، تلك هي الرؤيا العميقة في سبب جمع الشاعر بين ذكراه لليمن المعبر عنها بضمير المخاطبة واقترانها بالرياح وجهاتها .
وفي المقطع الثامن يقول :
"اشتكيت مرةً قسوة أبي
لصخرة قرب بيتنا "
ففي هذا المقطع الصغير تتجلى شعرية عميقة وكثيفة ، فمن هذا الأب الذي يشكو قسوته إلى الصخرة ؟ أليست الأبوة رمزا للقوة المتسيدة والسائدة في البلد ، تلك القوة القاسية التي لا تقود الأمور بزمام الحكمة والرحمة ، والشاعر حين يشكو تلك القسوة إلى الصخرة ، يشير بأن الصخرة أرق من المشاعر القاسية لبني الإنسان ، فهي تسمع لك دون كلل وملل ، هذه هي الصخرة التي يتهمها الناس بالقسوة ، لكن شاعرنا يستبطن معناها وجوهرها الداخلي ويعبر من السطح إلى العمق ليرى الأشياء بحقيقتها ، فإذا به يتواصل مع الصخرة بتواصل حميم ويجدها تسمع له شكواه ومعاناته دون ملل ولا كلل ، إنها أسمى المعاني التي يفتقدها بنو الإنسان ، فمن الذي سيظل يهبك ذاته دون أن يضيق منك وأنت تتحدث معه في كل وقت ،والشاعر وحده من يكتشف جواهر الأشياء بحدسه ، أليس للشاعر رؤيا عميقة غير الرؤية السطحية التي عند الناس تلك هي مهمة الشاعر في الكشف عن جوهر الأشياء وعمقها الداخلي .
وفي قوله : لا يثنيك صمت ،
عدا صخور تلوح بيد البحر " هنا يلتحم الشاعر بالأشياء ويعكس عليها إحساسه ، فالصخور تحمل معاني عميقة في امتزاجها بالبحر هذه الصخور الصامتة ذائبة فيك ومصغية لك ، كل شيء يبدو مختلفا عند الشاعر ، إنها ليست فيها من الأنانية شيء حين تقف مع الصخرة وتتأملها وتتحاور معها بصمت تكتشف أن للأشياء جوهرا حيا عميقا هذه هي رؤيا الشاعر البصير ورؤيا المتصوف الخبير بأسرار الروح وحياة الموجودات ، حتى الذي نتوهم أنه جماد فهو عند الشاعر والمتصوف له حياة خاصة وكينونة لا ندركها إلا حين نقترب من جوهرها ، وهذه المسألة ذوقية تأملية لمن وقف معها لا تتأتى لأي شخص ، ويلفتنا كثيرا قول الشاعر: " عدا صخور تلوح بيد البحر" ما العلاقة بين يد البحر والصخور ؟ إن البحر رمز للمدى الذي لا ينتهي ، رمز للأبدية ، وتلك الصخور تغدو بإشاراتها متلبسة بتلك اليد البحرية الأبدية ، إن هذا البحر الذي يتحدث عنه الشاعر ليس البحر الخارجي الذي نراه بل بحر آخر كلي عميق ، بحر الوحدة الكلية للأشياء ؛ إنه بحر الوجود الذي تستند إليه الموجودات .
ينطلق الخيال الشعري في المقطع السادس من الواقع إلى بناء العالم الداخلي للشاعر ورؤياه للأشياء ، فيحملنا إلى مشاهدة الأشياء المعنوية مجسدة ، فإذا بالجراحات متعددة الجهات لها الشمال والجنوب والغرب والشرق ، وفي زاوية هذه الجراحات التي لا تنتهي يغدو الشاعر السجين الذي هو أشبه بعصفورة تتورد داخل قفص الصمت ، إنها صورة جمالية لا أبدع منها وخيال وقاد في خلق الجمال ، وفي هذه الحالة العصيبة من الصمت تبدو الأسئلة كشوك في وخزها تلك الأسئلة التي لا يجد لها الشاعر حلا ، فتبدو كالنوارس ، فكلمة نوارس معناها شوك القتاد ، ولها مدلول آخر بمعنى الطيور البحرية التي تنتمي إلى النورسيات ، وهنا لها المدلول الأول وهو الشوك التي تظهر من تحت غلاف الرمل على شاكلة قوله :
6ــ
البلاد نحر من ظلال ترتجف
تتقلب. كأعواد ذرةٍ
تجلب دوارا.ً
عند الإفراط بأكلها.
تحت مديات من سموم.
يحدق رماد الأمل.
لوحة لماء فنان.
ونشير هنا إلى ترتيب الشاعر المقاطع بالعد التنازلي من الأكبر إلى الأقل ، هذا الترتيب له دلالته عند الشاعر وهو دلالة التراجع لهذا الوطن (اليمن ) الذي يتراجع إلى الوراء مع مرور الوقت ، ويمكن أن نعطي النص أكثر من قراءات لفراغاته وسواده وبياضه ...كل ذلك يجسد إشعاع النص وامتلاءه برؤى مفتوحة لا تحصر .
تلك هي مجمل المقاربة المختصرة لهذا النص الذي لا ينتهي تأويله هذا النص الذي يتمدد معنا كلما حاولنا الوقوف معه والإمساك به .

عماد البريهي
4 /3 / 2015م / فاس ، المغرب

أحدث المراجعات

جيد أن يستند الكاتب في تحليله على نص جيد واحد للشاعر ، ولعل في هذا مصداقية أعلى من تناول عدة نصوص أو مجاميع شعرية تختلف ظروف كتابة كل منها وتتراوح شعريتها، فالشعر ليس رواية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى