د. خالد محمد عبدالغني - أركان الإسلام والأحداث الكونية.. بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج -

في دلالة الفروض الخمسة في الإسلام يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "بني الإسلام على خمس شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت "(رواه الترمذي). وإذا ما نظرنا لفروض الإسلام الخمسة وجدناها جاءت لتخليد أحداث تاريخية كبرى في مسيرة الإنسانية أو مسيرة الإسلام باعتباره دين الله الذي ارتضاه لعباده منذ آدم إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ " سورة آل عمران أية 19) وعلى ذلك نجد الشهادتين اللتين يدخل بهما الإنسان إلى الإسلام فيهما الإقرار بوحدانية الله ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم ووحدانية الله هي القضية المركزية الكبرى بل والأولى في دين الله منذ آدم حتى خاتم الأنبياء والمرسلين ولذلك فجزاء من قال لا إله إلا الله كان الجنة لعظم الإقرار بالوحدانية وجاءت سورة الإخلاص لتؤكد ذلك في قوله تعالى "قل هو الله أحد".
وجاء الصيام لتخليد ذكرى نزول الوحي – القرءان الكريم – وكأننا نتقرب إلى الله ونشكره علي نزول القرءان بصيام رمضان " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (سورة البقرة: 185 ). وجاءت خير ليالي شهر رمضان هي تلك الليلة التي نزل فيها القرءان فسميت ليلة القدر وفيها يقول تعالى " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}[سورة القدر].. لتكون احتفال كوني من الملائكة ومعهم الروح – أمين الوحي جبريل عليه السلام – ليتدارسوا القرءان وليحتفلوا بذكرى تلك الليلة وكأن وحي الله إلى الأرض لم ينقطع بخلود النبي الأعظم إلى الرفيق الأعلى ولكنه مستمر بشكل رمزي أيضا.
وجاءت الصلاة لتخليد حادث كوني آخر عظيم المكانة في التاريخ الإنساني وهو الإسراء من مكة إلى المسجد الأقصى ثم المعراج إلى السماوات العلى " ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ سورة الإسراء: أية 1) وفيها فرض الله تعالى الصلاة في هذا الموقف المهيب الجليل .
وكانت الزكاة من أجل أن استقرار المجتمع والدعوة إلى الإسلام فليست الزكاة أن تتخلص منها ومنحها لأول طارق علي بابك ولكنها مؤسسة كبرى تضم المسلمين في كل أنحاء العالم جميعا لكي تنفق أموال الزكاة في كل ما يجعل حياة المسلم طيبة وجميلة وكل من يعيش معه في المجتمع أيضا وجوهرها التخلص من شح النفس واستبقاء المال عند الله لأنه تعالى صاحب المال والحياة "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"(سورة النور:آية 56).
وجاء الحج تخليدا لذكرى حادث الفداء والتضحية الأعظم حين استجاب أبو الأنبياء إبراهيم لأمر الله تعالى بذبح ابنه إسماعيل وطاعة الابن واستجابته لطلب أبيه ومن هنا خلد الإسلام هذا الحدث إلى جانب حادث بناء الكعبة فكانت عبادة الحج وما فيها من جزاء كبير "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وكان الصوم كبير الجزاء أيضا وكذلك الصلاة التي عدت الحد الفاصل الذي يربط المسلم بالإسلام وطبعا لا نود الزيادة ولا الإطالة بذكر الكثير من الاستشهاد فهي معلومة جيدا لدى القارئ الكريم ولكن يكفينا الإشارة إلى تلك الرؤية لدلالة الفروض في الإسلام وبالتالي ندعو لكثير من التأمل والتدبر في كل العبادات والفروض الكثيرة الأخرى كطلب العلم والتقدم في ميادين الحياة والجهاد في تهذيب النفس وتربية الأبناء وإشاعة الخلق القويم في المجتمع ....الخ.


د. خالد محمد عبدالغني



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى