حميد العنبر الخويلدي - النص اقوى وابلغ من منتجه المبدع..

فوق أرصفة الرحيل للشاعر عصام سامي ناجي من مصر


يا سادتي قد سلّموا
تيجان عزتِنا..
لكلِ سفاحٍ دخيلْ
قد سلّموه صهيلَ دجلةَ
لم يعد في النهرِ لا ماءٌ
ولا صبحٌ
ولا قـدْحٌ
وأصداءُ الصهيل.
لكنهم قد زوّروا التاريخَ
واغتالوا النخيلْ
وتنازعوا الوطنَ المُسَجّى
فوق آلاف المآسي
ودِما هابيلُ تنزفُ
والحقيقةُ لا ترى شمسًا
ولا تدري إلى أين السبيلْ
صادروا صوت المآذنِ
أطلقوا الأشباح تعوي
في ليالي الظلم
والقهر الطويلْ
استباحوا بذرة الحُلمِ المسافرِ
في بقايا الروحِ
فوق أرصفةِ الرحيلْ
بل تـوّجوا الجلاد حتى
يستبيح كرامتي
ويمزّق الحلم النبيلْ
شربوا الدماءَ كأنها
نخب انتصارٍ
فوق خارطتي
على جسمي الهزيلْ
فنسيتُ بعض ملامحي
مُذ تاه من وطني الدليلْ

*
يا سادتي صرنا سبايا
لقمة الخبزِ التي..
لا لم تعد وقت المجاعةِ قائمهْ
لم يبق طيرٌ في
المدينة كي يغـرّدَ
والحقيقةُ مؤلمهْ.
وحينما جاء الربيعُ
وصارت الأوطانُ حُبلى
بالشروقِ
وبالبروقِ
وبالتهاني
والأماني المُمكنهْ
فرعونُ قال بأنها أضغاثُ أحلامٍ
وحملٌ كاذبٌ
في هذه الأرضِ التي أضحت من الآنَ
بلادًا آثمهْ
وتسابق الكهّانُ
في التضليل والتنظيرِ
كي نبقى هنالكَ
في المذلة
والعصور المُعتمهْ
الأفقُ يبكي
والسماءُ غائمهْ
أقدامنا تسأل وتسألُ نفسها:
أين الطريقُ …؟
وأين أين معالمه
هل أدمنت أرواحنا
هذى المآسي
بعد أن أضحت مواجعنا
– محابرَ –
للكتابةِ مُلهِمهْ

*
يا سادتي لم يبق
في الأفقِ الكئيبِ
سوى (الكتابِ)
وبعض طلقاتِ
وكلِّ البندقيهْ.
طفلٌ يفتشُ في الدروبِ
عن الهويّهْ
وطغاةُ قومي مزّقوا في كل دربٍ كل أوراقِ القضيهْ
سقطت عواصُمنا الأبيّهْ
ومشانقُ الأوطانِ..
ما عادت تفـرّقُ بين (جاني) أو ضحيهْ
نحن الذين تأرجحوا
بين التسرّع والرويّهْ
لم نرجعِ المجد التليد لأمتي
بل وارتضينا بالدنيّهْ

**
ياسادتى …
ويظلُ ينتفضُ السؤالْ
ما عاد للقلبِ احتمالْ
مُذ سلسلونا بالمآسي..
أربكونا بالجدالْ
وقد اختفوا عند المعارك والنزال!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

النص اقوى وابلغ من منتجه المبدع
======================

النص لسانُ حالٍ ناطقٍ حتماً، يحكي معك ، يوشي لك ، حتى قد يمسي شريكاً لك ، او رفيق درب
يعطيك السرَّ والمخفيَّ المهمَّ، وفي لحظة التلقّي الصادقةِانت قرينٌ له ، او معادل اعتباري ولكن على قدر مستوى مؤهلاتك،، فلعله -ونعني النتاج -عبقري فيكون اعمق منك واخصب رؤىً وهذا تميّز نادر ، او تكون بمستواه وهنا الاغلب العام ، او دون الاعتبار المعنوي وهنا تقع تحت طاولة عبء النص ،،
وهم بالقياس كثار ،،
امّا نحن فنبحث عن المتعالي في الفن ، في قدرته وقيمته الجمالية لنوفر على وقتنا من البهاء ماينفع ويرفع الدرجة ،، والمتعالي هذا وبمثل ماشخّصنا عبقريته او درجة اعتباره ولو بدرجة اعتبار بنّاء على اقلّ مستوى ،، وهذا مقبول بمبالغةٍ تامةِ الاصل والنسخ ، وهنا حد المفاضلة الوجوب لابد ،
و كما أنّ النصَّ اعلى وعياً وابلغ صورةً واستدامةً من منتجه او مبدعه، هكذا نرى وحسب منهج اصحابنا الاعتباريين ، نعرضها من باب انها عقدةٌ تفجيريةٌ امام الباحثين ، ولأنّها ليس درسنا الان ، انما لنا منها مايسند مادتنا من تضامين فكرية ورفد اشارة ،، فقصيدة (انشودة المطر عند العظيم السّياب بدر ،، ). ( وقصيدة الصقر عند الكبير ادونيس علي احمد سعيد ،، ) كلتاهما نزلتا بمستوى بلوغ اعلى طبيعةً وتكويناً من مستوى بلوغ شعور وحس المُبْدعَيْن المحدّد اصلاً بالكينونة العمرية المحصورة بين لازمتي الميلاد والموت ، بل اكثر سعةً جداً باعتبار النتاج باقياً مادام وجود ومادامت حياة،،
و متأتٍ من سببين على حدِّ ما نرى،،
الاول -ان الوجود بوحدة شهوده ومشهوده ، ادلَّ واكثر تركيزاً وكثافةً نوعيةً ذات سعة ومداليل في الجمال المحسوب والمقاس بمعيارية اكثر حبكةً وفطنةً كونيتين من هيولى فردية تغلّفها شخصانيةٌ
محدودةُ الاحاسيسِ ترجع للمبدع الآدمي ذاته ، مضافاً هو نفسه على الوجود ذاته لحظة الخلق الابداعي الخاصة وعمومها ،،
والثاني- انّ صيرورة الذات التكوينية لدى الشاعرين مرت وتمر بادوار استحالة ونضج تدرُّجية وهنا
نلاحظ تسلسل اكتمال درجية الهيكل والطينة عندهما اعني السياب وادونيس ، اي قوام وعي الشاعرين ، ومستوى تجربتهما ونضجها واستيعاب مآلاتها التصيرية الفاعلة ،،. فمثلاً انتج بدر انشودة المطر وهو في تدرّج غير مكتمل مثلاً لتمام الصورة البلوغية فيه ، او انه لم يصل لكمال مقامات التجريبية عنده وقتها ،، وكذلك عند علي احمد سعيد رغم انه كان في الصقر قاطعاً اشواطاً من البلوغ الفلسفي الشعري مثلاً في صنعة الصيغ المتقدمة في النص ، ومع ذاك فهو يحمل نوعاً من القصور الحتمي امام عنف الوجود وابعاد عمقه وسعته اللامتناهية وأَجْرامه ونظامه التكويني المحض ،،
وما ذِكْرُنا لهما الا حبّاً وتقديراً فهما القمّتان العاليتان في ادب الامة لحد الان ،،رحم اللهُ مَن رحل الى نعيم الرب وحفظ مَنْ بقى ،،
ولربّما سأل سائل او شكْكَ ، كيف انَّ نتاج الشاعر اكبر منه واعمق ،،،،؟
نقول ان البطل الفلاني ولدتْه امُّهُ فلانة الاعتيادية البسيطة ، كبر وتدرج واصبح بطلاً ،فيا ترى من اجدر في الحياة ، سيما وهو نتاجُ أُمِّه التي ولدتْه ، فهل يكون البطل ،ام والدته ،، البستان الوارف بنخله واشجاره ، انتجته ارضه التي انغرس فيها ،،فايهما اجدر ،، البستان ام ارضه ،،
والغيمة والمطر الهاطل منها ،، هي تبددت وهو المتحوّل الى معان من الحياة اخرى ،،
كل هذا والامثال تطول وتعرض كدليل على نتاج المبدع ابلغ منه ،، اديسون رجل اكتشف الكهرباء ،،
اينشتاين ونيوتن ،،املي هذي للتذكرة والاثبات،، ابن رشد والفارابي ،،نتاجاتهم ابلغ منهما ،، وعلى اقل تقدير ، انها باقية الى الان معنا تتفاعل ولازالت وتبقى ، وهذا يخص الموجود الكلي ،،
المعمارية زها حديد رحمها الله توقفت عند حدٍّ من الوقت بينما نتاجاتها لم تتوقف لازالت وتستمر ،، المرحوم طه حسين حيٌّ بنصوصه ،، ولكنه مات وانصرم وقته ،، والرئيس المرحوم جمال عبد الناصر ، وكلُّ المبدعين الاحرار في سِفْر الامة وتاريخها المجيد ،،
كلُّ هذا المنظور ، ادلى به نتاج /فوق ارصفة الرحيل / للشاعر عصام سامي ناجي
حين قاربْنا مستوى بلوغ البنية النصْية ، عندما تلقيناها اطلاعاً ومكاشفةً ، وكأنّه اوحى للنقد فينا بمعرفة منه ، بأنّه ابلغ وامكن في الامكان من مبدعه ، لذا اخذنا الحال بالفكرة والنظرة ان نتابع ذلك ، ومن خلال املاءات تناصّيّة فيها جيوب عمق مملوءة ومتوافرة بالنضج علينا ،،
اذ تحمل خصائص الرؤيا التي نشير ،،
ولو اشرنا فهي تركيز اختيارية المبدع على عَرْضِ موضوع النص عـرْضاً استطرادياً جدلياً ، اختصر به وركّز على عامل قضية تاريخية مرَّ بها وطن احتلَّ عنوةً ، وبيان مستوى تأثير المُلِمّات على مناحي مقدْراته الحضارية ، وتخريب صلاح المعادلة الكونية فيه ، ومدى تاسّيه اي المبدع على هذا التجني والجريمة المقصودة ،خاصةً على بلدنا دون سواه ، وتخريبه رغما من قبل الكيانات العالمية الامبريالزمية ، رغماً وغيلةً ،،
مما اثّر على سيرة التوجّه التاريخي والحضاري والثقافي فية ،،وكسر شوكة الجيل بهذا التشتت والتردي المقيت ، ،،،
( ياسادتي قد سلّموا تيجان عزتنا ،،لكلِّ سفّاح دخيل ، قد سلّموه صهيل دجلة ،
لم يعد في النهر ، لاماء
ولاصبح ولاقدح واصداء الصهيل ،،
لكنّهم قد زوروا التاريخ واغتالوا النخيل ،،)
هذي مأساة شعب وقضية قائمة ومناضلَة لم تنته عند حد وحصر ،، انما يتراءى لنا انَّ خبثاً من
الاستبداد مدَّ يدَهُ ليهيمن بالكامل على كل مناحي المكان ووحدات الزمان المرتبطة به ،،هنا الشاعر ناقش امراً مهماً بحجم منوال الجهاد والتشخيص الحق ،،
فصّل في ابياته من خلال الصور التي رسمها على بوابات ومداخل تاريخ يعيه بمثل ما يفقهه ،
هذا بُعْدٌ جدليٌّ ممتد مع الموجود الواقعي مادمنا ودام الحدث ، اشتمل عليه النتاج كعامل من عوامل كثافته ، والجاعلة له انه اكثر مستوى بلوغ من دورة حياةفنان ، انتج هذاالنص ، وهذا جزء من ارادة وقوة النص ،، ومثل مافي النص هنا يتطابق مع المنظور الفكري الذي طرحنا ،، ونعني به النص اقوى وابلغ من منتجه الفنان ،،
هذي عملية جدلية موجودة منذ بزوغ فجر الامم ولم تنته الى الان ولاينقطع لها اثر ،،صراع وحروب وغزو ، وكما عوّدتْنا الملاحم والتوثيقات حول هذا ،، وقد يستخف فرد ما ويقول ماعلاقة النص بهذا ،، لا انما نقول له علاقة جوهرية فاعلة ،، الامة ايُّ امةٍ بمبدعيها بنتاجاتهم وما تركوا من موروث ،، هم في الفناء الان مَن سبق منهم ونصوصهم في البقاء فاعلة ،وبتراكم نوعي وكثافة فعل حركية ،،بعضها يشدُّ بعضا ويترابط معه ،، حتى ولو كان النتاج من المستوى البنّاء او دونه ،،ناهيك عن النص المتعالي الاعتبار ،، وهذي تقسيمات منهجنا ،، نص متعالي الاعتبار حد الذروة ،، نص متعالي في اعتباره ،، نص
بنّاء ،ونص دونه، وحتى نصوص الرثاثة ،،قد تدخل في قوة وحدة الحال الموجود ،، فالمبدعون هم معادل اممهم، او هم المعيارية التي توزن بها الامة ،،
ياسادتي،، صرنا سبايا ،،
( لقمة الخبز التي ،لا لم تعد وقت المجاعة قاىئمة ،،
لم يبق طير في المدينة كي يغرد
والحقيقة مؤلمة ،،)
هذا التناغم الاستعراضي لنشر قضية شعب جوعان ومستهلك ، تصوّرها الشاعر عصام سامي ، وصوّرها
الى بُنى ومركبات فكر لاينتهي ،،ابدا مهما تهافت الزمن هي تحيي الاثر عند مراس تعبئتها في ظرف ثانٍ مثلا ،، لو صح وانتهى بها الامر للمعالجة وصلاح شأن ،، انما هي باقية كقوة تستنفر متى اراد جيل تحريكها ،،وحسب عقد تفجيرها وطاقة نشوبها ،،
وهذا حبل من مسد ممتد نعتبره قائماً مهما طال وقت وتحرك دهر ،،،وكماهي قوة نتاج مستدامة ، نبرهن بها تفسيرياً عن روح النص /فوق ارصفة الرحيل/
( ياسادتي،، لم يبق في الافق الكئيب
سوى الكتاب،،وبعضطلقاتٍ وكلِّ البندقية ،،)
وكمثل هذايستدرك الفنان به علينا ،، ان لابد من منفرج ، وان لابد لليل ان ينجلي ،، وللظلمة من زوال
والمفتاح دائماً بايدي اهل الارض والنضال ،،وكما نرى اليوم كيف المعادلة تجري بابعادها الفكرية وبالذات عندنا ،، نقول لهم انتم واهمون ، فهي لنا ولابد من مغادرة لكم مهما تاخرتم ،، فنحن ذوو نظرة وفكرة ونعرف الى اي مستوى تُؤشّر المقاييس ،،
النص اكاديمياً ذو حرفة وصنعة متقدمة ، بالفاظه واسلوبياته ، تصويره وتعبيره ،، استعاراته ومجازاته
تراكباته وتوالد مضامينه ،،هو اقرب الى روح تجربة شعر السبعينيات ، منظم رصين ، غنائيته عالية ،، غايته الفكرية بليغة ،،يعتبر الشاعر عصام من شعراء مدرسة الالتزام والمنهجة الثورية،،


الناقد الاعتباري
ا٠حميد العنبر الخويلدي ،،،،،، العراق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى