محمد دياب - قارورة عطر

عصامية:
خالد عبد الغنى اسمٌ جديرٌ بالاحترامِ ، وعنْ مؤلفاتهِ أعرفُ أن «أولَ كتابٍ نشرهُ كانَ فى عام : 2006م بعنوانِ «التحليل النفسى والأدب» تناولَ فيهِ «الحرافيش» وروايةَ «أُديب» لــ «طه حسين» وديوانَ «أناشيد مبللة بالحزن» للشاعرِ السورىِّ «عيسى الشيخ حسن» وبعدَ عدةِ شهورٍ عقدَ عنهُ حلقةً فى إذاعةِ «مونتكارلوا الدولية» معَ الإذاعىِّ «فايز مقدسى» فى برنامج «أفكار» مما جعلَ الطبعةَ «الأولى» تنفدُ سريعًا ، وكانَ ذلكَ مشجعًا لإعدادِ كتابٍ عنْ «نجيب محفوظ» نشرهُ «المجلس الأعلى للثقافة» بالقاهرةِ ، ونظرًا لنفادِ الكميةِ أضافَ إليهِ موضوعاتٍ أخرى ، ونشرهُ مرةً ثانيةً ، وثالثةً ، وأعادَ طباعةَ «التحليل النفسى للأدب» بعدَ إضافةِ عددٍ من الأدباءِ إليهِ ، وفى الوقتِ نفسهِ ينشرُ فى «علم النفس الإكلينيكى» و«القياس النفسى» ويشاركُ فى «المؤتمرات الدولية المختلفة» لتصلَ مؤلفاتهُ إلى «أربع وعشرين» كتابًا منشورة فى مختلفِ الدولِ العربية» (1).
هناك سؤال يلح علىّ : ما الذى جاء بك إلى النقد؟.
يجيبُ «خالد» قائلاً فى حوارٍ لهُ: «كانت التنشئةُ فى مرحلةِ الطفولةِ المبكرةِ قد اتجهتْ لحفظِ «القرآن» الكريمِ فى «كتَّابِ القريةِ» ومنْ ثمَّ كانتْ مهاراتُ القراءةِ ، والكتابةِ ، والرسمِ مما اتقنتها مبكرًا جدًا ، وذلكَ بفضلِ تشجيعِ الأبِ ، ولهذا : كانَ من اليسيرِ دراسة الخطِّ العربىِّ بمدرسةِ : «خليل أغا» بالقاهرةِ ، وهى المدرسةُ الأولى فى «مصر» والالتحاق بكليةِ الدعوةِ جامعةِ : «الأزهر» بعدِ الانتهاءِ منْ ليسانس «علم النفس» بكليةِ : «الآداب» والفوزِ بجوائز فى «الفن التشكيلى» والإبداعىِّ ، والفكرىِّ ، والثقافىِّ طوالَ المراحلِ الدراسية» (2).

بداية:
وعنْ بدايتهِ يحدثنا «خالد عبد الغنى» الطفلِ حاكيًا :و«عندما تفتحَ ذهنى كانتْ أولى محاولاتِ التعبيرِ الأدبىِّ فى الصفِّ «الخامس» الابتدائىِّ ، واستمرتْ المحاولاتُ حتى كانتْ أولُ قصيدةٍ منشورةٍ بصحيفةِ «الحقيقة» القاهرية عام : 1986م ، وكتابة عدة مجموعاتٍ قصصيةٍ أبرزها : «سندريلا 96» و«أمير بلا حذاء» ومجموعات نصوصٍ «وجه واحد للقمر هو أنت» و«وحى التجلى» و«عروس البحر لا تدخل الجنة» منْ هنا يتضحُ أنَّ علاقتى بالدينِ ، والأدبِ ، والفنِّ قديمةٌ ، وما إنْ درستُ «علم النفس» إلا وكانَ فى مخيلتى الربط بينَ عوالم الأدبِ ، والفنِّ بـ «علم النفس» وكانَ من ضمنِ اهتمامى إلى جانبِ «علم النفس الإكلينيكى» و«القياس النفسى» و«الأمراض النفسية» الكتابة فى الأدبِ ، وللحقِّ أنَّ هذا التوجهَ كانَ منْ حسناتِ صداقتى للشاعرِ السورى الكبير «عيسى الشيخ حسن» أثناءَ عملى بالخليجِ العربى» (3).

الدراسة النفسية للأدب
ثمَّ يحكى لنا عنْ دراستهِ «الأكاديمية» لنفاجأ بأنَّ دراستهُ لم يكنْ بها أىّ مقررٍ يدورُ حولَ دراستهِ النفسيةِ للأدبِ قائلاً :ولكن دراستى «الأكاديمية» فى «علم النفس» لم يكنْ بها أيةَ مقررٍ يدورُ حولَ الدراسةِ النفسيةِ للأدبِ ، ولمْ تكنْ هناكَ أدنى صلةٍ لرسالتىّ : «الماجستير» و«الدكتوراه» بالأدبِ - أيضًا - ومنْ عادتى أنى لا أطلعُ أحدًا على أفكارِ البحوثِ ، والدراساتِ ، ولا أستشيرُ أحدًا فى منهجها ، ولا كيفية معالجتها ؛ فكلُّ ما أصدرتُ منْ بحوثٍ ، ومؤلفاتٍ لهىَ منْ فكرى الخالصِ دونَ تدخلٍ ، أو إشارةٍ منْ أحدٍ ، وأستغربُ حينَ أعرفُ أنَّ الباحثينَ يعرضونَ بحوثهم على الأساتذةِ أثناءَ إعدادها ، ومناقشتها معهم ؛ لتصويبها قبلَ الدفعِ بها للنشرِ ، وهنا لا يمكنُ أنْ نعدَّ تلكَ الجهودِ خالصها لأصحابها ، وللأسفِ إنهم كثر» (4).

الدراسات النقدية تكتب بطرق جافة
ثم يكملُ حديثهُ عن طريقةِ كتابةِ الدراساتِ النقديةِ قائلاً : «ولما كانت الدراساتُ النقديةُ فى معظمِها تكتبُ بطرقةٍ جافةٍ ، ومعقدةٍ ، خذْ أمثلةً مما يسمى بـ : «النقد الأسلوبى» أو «البنيوى» أو «التفكيكى» أوْ ما يشابههُ ، لا يمكنُ فهمهُ ، وكنتُ أتصورُ أنى وحدى منْ عانى صعوبةَ الفهمِ ؛ فإذا بالناقدِ الكبيرِ «د. عبدالعزيز حمودة» يصدرُ كتابينِ : «المرايا المقعرة» و«المرايا المحدبة» يؤكدُ ما كنتُ أظنهُ ، وخذْ – أيضًا - أغلبَ ما يكتبُ فى نقدِ روايةٍ ما ، وضعهُ على روايةٍ أخرى ، ستجدُ الكلامَ ينطبقُ عليها - تمامًا - وكأننا أمامَ مجموعةٍ من المفرداتِ تصلحُ لوصفِ كلِّ الأعمالِ الأدبيةِ ، وأحيانًا كلّ الأدباءِ ، وذلكَ يذكرنى بما تقومُ بهِ ضارباتُ الودعِ حينَ يقلنَ لكلِّ شابٍ :
«هناكَ بنتٌ تحبكَ وأنتَ مشغولٌ بها / وأمامكَ طريقٌ طويلٌ ، وهناكَ أناسٌ تريدُ أن تضرك».كما أنَّ هناكَ معركةً خلافيةً كانتْ بينى وبينَ الناقدِ الراحلِ «عبدالرحمن أبو عوف» إذْ كانَ قدْ طالبنى بأنْ أكتبَ النقدَ «الإنطباعى» وهذا ما كنتُ أرفضهُ ، وسأظلُّ ؛ فحرصى دائمًا كانَ على تقديمِ دراساتٍ «نفسية» بلغةٍ يسيرةٍ لا تستعلى على المتلقى ، ولا تسطحُ المعارفَ العلمية« (5).

إثبات الذات العلمية
وفى هذا الزمنِ المضطربِ عسيرٌ على الإنسانِ إثبات ذاته العلميةِ ، أو الأدبيةِ بينَ كلِّ هذا الضجيجِ الذى يسببُ الأذى النفسىِّ ، والروحىِّ للإنسانِ حينما يكونُ صاحبَ رسالةٍ علميةٍ ، ولكنَّ «د. خالد عبد الغنى» استطاعَ أنْ يحفرَ اسمهُ بجدارةٍ فى سماءِ «علم النفسِ» منْ خلالِ أبحاثهِ الكثيرة والمتنوعة ، وهذا الكتاب ميسرٌ فى تناولهِ ، مشرقٌ فى فصولهِ المتنوعةِ ، مضئٌ فى أبوابهِ القصيرةِ ، محملٌ بأغصانِ الراويةِ الحديثةِ ، وأوراقِ الشعرِ التفعيلىِّ الموقَّعِ ، والحداثىِّ المنثورِ ، وثمارِ القصصِ الأدبيةِ المحملةِ بسماتٍ نفسيةٍ معقدةٍ فى بعضها ، وجلوسهِ معَ الروايةِ فترةً تمتدُّ ، وتطولُ حسبَ اتقانِ العملِ الروائىِّ فى مقعدها الوثيرِ.

من ذاتٍ لذات ومن موضوع لموضوع
والروايةُ لها أكثرُ منْ نافذةٍ عالميةٍ ، سواءٌ : تقديمها عبرَ الإذاعةِ ، أوْ الشاشاتِ المصريةِ والعربيةِ ، أوْ العرضِ السينمائىِّ ، أوْ إتاحة عرضها على مسارح العالمِ ، وأشجارِ الروايةِ المطولةِ ، يدخلُ إليها «د. خالد عبد الغنى» وهوَ يرتدى قميصَ «علمِ التحليلِ النفسىِّ» ولا يخلعهُ سائرًا كالبرقِ - بسرعةٍ مدهشةٍ دونَ توقفٍ - متنقلاً منْ ذاتٍ لذاتٍ فى الروايةِ ، ومنْ ذاتٍ لذاتٍ أخرى فى الشعرِ بأنواعهِ المختلفةِ ، ومنْ موضوعٍ لموضوعٍ بينَ الكتاباتِ الأدبيةِ المختلفةِ فى رشاقةِ «لاعبِ الباليهِ» الذى يتحركُ كثيرًا ، ولا يتكلمُ لتعطى حكمكَ - فى النهايةِ - عليهِ ، وعلى حركاتهِ المرسومةِ على خشبةِ الورقةِ بخفةٍ تصلُ حدَّ الطيرانِ ، نظرًا لسرعةِ المقالاتِ وعمقِها منْ ناحيةٍ ، وقصرها منْ ناحيةٍ ثانيةٍ ، وتركيزها التحليلىِّ فى دهاليز النفسِ المعتمةِ منْ ناحيةٍ ثالثةٍ أخرى ، والتصاقها بالعملِ الذى يكتبُ عنه.

هذا الكتاب قارورة عطر
وفى أحدِ الحواراتِ «سئلَ الشاعرُ الكبيرُ «أدونيس» هلْ تعودُ إلى فعلِ العلاقةِ بينَ الذاتِ والموضوعِ؟.
فأجابَ : تعودُ إلى وعى الخارجِ ، أىّ : أهميةِ الآخر بالنسبةِ إلى الذات ، والطاقةِ على موضعةِ عالمهِ الداخلىّ ، وتذويبِ الخارجِ فيهِ ، وهذا يعودُ مداهُ إلى الذاتِ وقدرتها ، لذلكَ : تجدُ شعراءَ تحتَ الشعرِ ، أوْ قبله ، أىّ : يمتصهم العالمُ الخارجىُّ ، وآخرينَ يمتصونَ العالمَ الخارجىَّ ، ويكونونَ بعدَ الشعرِ ، وبهذا المعنى لا يمكنُ أنْ نقولَ : إنَّ هناكَ شعراءَ ، أىّ : إنَّ هناكَ شاعرًا ، ومريدين ، والشعرُ لذلكَ لا يدرسُ إلاَّ منْ خلالِ شاعرٍ معينٍ»(6).
هذا الكتابُ الذى يبنَ راحتيك عبارةٌ عنْ : قارورةٍ منْ عطرِ النفسِ التحليلىِّ ، أوْ زجاجةٍ منْ عطرِ النفسِ «الإكلينيكىّ» إلاَّ رشاتينِ اثنتينِ لمْ يقمْ «د. خالد عبد الغنى» برشهما على القراءِ فى هذا الكتابِ ، ولكنْ قامَ برشهما «محمود مهدى محمد الشريف» على «د. خالد عبد الغنى» حينَ تحدثَ عنْ ديوانهِ «من وحى التجلى».
ويتخللُ هذا الكتاب السهل رشاتٌ منْ «علمِ النفسِ التحليلىِ» بشكلٍ سريعٍ ، وفائقٍ فى السرعةِ ، ميسرٍ أشدّ اليسرِ ، وفى هذهِ المقدمةِ وضعتُ على يدى بعضِ ما وردَ منْ مقولاتٍ تحليليةٍ للـ «د. خالد عبد الغنى» كأنَّ هذهِ «المقدمة» قارورة منْ عطرِ النفسِ التحليلىِّ تعطرُ بها قراءتكَ منْ حينٍ إلى حينٍ ، أوْ ترشُّها على ثيابكَ الثقافىِّ حينَ تخرجُ للحديثِ إلى بعضِ الندواتِ المهمةِ ، أو المهرجاناتِ التى تقامُ ، أو الاحتفالاتِ العامةِ ، أو بعضِ الأحاديثِ فى بعضِ المنتدياتِ الأدبيةِ ، والثقافيةِ ، والعلميةِ ، أو تعودُ إليها عندَ الحاجةِ ؛ لأنَّ النفسَ واحدةٌ ، سواءٌ : كانتْ مبدعةً ، أوْ غير مبدعةٍ ؛ فأنتَ بحاجةٍ أنْ تلمَّ بهذهِ اللمحاتِ التحليليةِ ؛ لأنها لا تخصُّ الأدبَ ، والعلمَ فحسب ؛ بلْ لأنهُ لاغنىً عنها فى أمورِ الحياةِ بصفةٍ عامة.
هذهِ الصفحات ثمرة قراءة متواصلة
هذهِ الصفحات ثمرةُ قراءةٍ متواصلةٍ يكتبُها « خالد عبد الغنى» بروحٍ المتخصصِ الأكاديمىِّ ؛ فيرشُّ على دراساتهِ ، أو مقالاتهِ فى هذهِ السطورِ عطرًا منْ «علمِ النفسِ» يشمهُ القارئُ منْ أول ورقةٍ فى بدايةِ الكتابِ حتى آخر ورقةٍ فيهِ ، ولا تنتهى رائحةُ العطرِ كلما تصفحتَ أوراقَ هذا الكتابِ ؛ لأنهُ - بجوارِ مسحتهِ الأدبيةِ - عملَ على تضفيرِ اللغةِ النقديةِ بشىءٍ من السهولةِ الممتعةِ ، وشىءٍ من الثقافةِ المشرقةِ ، وشىءٍ من عبقِ النفسِ.

نتاج غزير
كتاباتُ « خالد عبد الغنى» كتاباتٌ سلسةٌ ، ونتاجهُ العلمىّ ، والأدبىِّ وافرٌ - على الرغمِ من عمرهِ الصغيرِ - فهوَ متنوعٌ فى حدائق المعرفةِ الملونةِ ، ونتاجه غزيرٌ - إلى حدٍّ كبيرٍ – إذا قسناهُ بمرحلتهِ العمريةِ ؛ فهوَ دؤبٌ على عناقِ الورقةِ ، وتقبيلِ السطورِ ، وملتزمٌ بمصاحبةِ القلمِ فى أىِّ مكانٍ يسيرُ فيهِ ، ومشغولٌ دائمًا بعملِ كتابٍ جديد طوالَ الوقتِ.
لنْ أحدثكَ عنْ نتاجهِ العلمىِّ المثمرِ، أو الأدبىِّ المنوعِ فى تشجيرهِ أرضَ الآخرينَ من الأدباءِ ، والعلماءِ ، والكتابِ الأعلامِ حتى صارتْ خضراءَ بما يسقيها منْ مدادهِ النفسىِّ ، أوْ أبحاثهِ المتنوعةِ ، أوْ مقالاتهِ الكثيرةِ ، أوْ عروضِ الكتبِ التى تجاوزت المائةَ كتابٍ ، ولكنى سأحيلكَ إلى سيرتهِ الذاتيةِ المنشورةِ فى نهايةِ هذا الكتابِ ؛ لتعلمَ صدقَ قولى عنهُ : إنهُ «نحلةٌ» فى المنحلِ العلمىِّ الرصينِ ، والأدبىِّ المشعِ ، لا يكفُّ عنْ منحِنا العسلَ المعرفىِّ فنشربهُ ؛ لأنَّ فيهِ شفاءٌ للنفسِ منْ شجنِ الزمنِ ، وضغوطِ الحياةِ القلقةِ ، وتشتتِ الحياةِ الثقافيةِ ، وتلوثِ الحياةِ الأدبيةِ بشكلٍ عامٍ.

الشعر مملكةٌ خاصة
و«كتاب الذات والموضوع» الذى بينَ يديك ، وتتصفحهُ بأصابعكَ الآنَ ، هوَ رحلةٌ سريعةٌ بينَ : الشعرِ القديمِ الذى أضحى تراثًا الذى يمثلهُ «المتنبى» ولكنهُ حاضرٌ بيننا كأنهُ نتاج هذهِ اللحظةِ ، والتفعيلىِّ الحديثِ الذى يضئ كوامنَ النفسِ ، ويستمدُّ إيقاعهُ إيقاعًا حداثيًا ، ثم يثلثُ بالحداثةِ النثريةِ ، وبينَ عبيرِ القصةِ القصيرةِ التى تتهمُ بأنها انتهى عصرها ، كما اتهمَ الشعرُ - منْ قبلُ ولا يزالُ - بأنهُ انتهى زمنُ الشعرِ ، وهذا لنْ يحدثَ ؛ فالشعرُ مملكةٌ خاصة لا يستطيعُ أحدٌ أن يهزمها ، أوْ أنْ يهزها ، أوْ ينالَ منها ، أوْ يطمسها ، مملكةُ الشعرِ لا تسقطُ ، ولنْ تسقطَ على الرغمِ من التدنى الإبداعىِّ الموجود على الساحةِ العربيةِ الشعريةِ إلا منْ رحمَ ربى ؛ فالمسألةُ ليستْ حربًا ، إنها تجاورُ الأنواعِ الأدبيةِ معَ احتفاظٍ كلّ لونٍ بشخصيتهِ حتى وإنْ تداخلت الأنواعُ الفنيةُ ، والأدبيةُ بشكلٍ مستمرٍ ، تلكَ سنةُ الإبداعِ كى يبقى متوهجًا فى سماءِ الزمن.
أول الدراسات النفسية فى الشعر
يقدمُ لنا مستعرضًا خالد عبد الغنى» كتابَ : «الأسس النفسية فى الإبداع الفنى» الشعر خاصة للـ «د. مصطفى سويف» قائلاً :
ومنْ «أول الدراساتِ النفسيةِ فى الشعرِ كانتْ هذهِ الدراسة التى وقعتْ فى «348 صفحة» من القطعِ الكبيرِ ، وكانتْ - فى الأصلِ - أطروحةً جامعية نالَ عنها صاحبها درجةَ «الماجستير» فى «علم النفس» منْ جامعة : «فؤاد الأول» القاهرة الآن ، بإشرافِ : «يوسف مراد» ويتضمنُ الكتابُ مقدمةً بقلم : «يوسف مراد» يقولُ فى مطلعِها:
إنَّ «من الاتفاقاتِ الغريبةِ التى تسترعى الانتباهَ منْ وجهةِ نظرِ مؤرخِ العلومِ الانسانيةِ أنْ تكونَ الأحكامُ الجماليةُ من الموضوعاتِ الأولى التى تناولها التجريبُ فى العهدِ الأولِ منْ نشأةِ «علم النفس التجريبى» قبلَ أنْ ينشىءَ «فونت» أولَ معملٍ «سيكولوجى» فى «ليبزج» عام : 1879م ، كانَ «فخنر» قدْ بدأ بحوثهُ فى صلةِ التنبيهِ بالإحساسِ ، ونشرَ كتابهُ فى «السيكو فيزيقا» عام : 1860م ، كما يعدُّ أول منْ وضعَ أسسَ «علم الجمال التجريبى» وقدْ نشرَ نتائجهُ فيما بين عامىّ : 1871 – 1876م».
كما «يحتوى الكتابُ على «تمهيد» يبينُ فيهِ «المؤلف» المبرراتِ العامة لاجراءِ بحثهِ ، وميدانهِ ، وأهميتهِ مقررًا أنَّ ميدانَ بحثهِ هوَ الشعرُ دونَ الفنونِ عامة ، وذلكَ درءًا للتشتتِ ، ونتيجة للتراكمِ فى التراثِ الشعرىِّ لدى العرب» ثم يكملُ لنا بقيةَ أبوابِ الكتابِ ، وفصولهِ الجميلةِ حتى النهاية.
.
التناص عند الشاعر المصرى «محمود حسن إسماعيل» وحريق المسجد الأقصى

ويعرض – فى سرعةٍ - المؤلف » التناصَّ عندَ بعضِ الشعراءِ نختارُ بعضًا منهم مثلاً الشاعر «محمود حسن إسماعيل» حينَ يتحدثُ عن «القدس» فيقولُ حولَ حريقِ المسجدِ «الأقصى» حيثُ تشيرُ كلماته : «استباحوا حماهُ وعاقبهم بأسه مرتين» إلى قوله – تعالى - : ﴿وقضينا إلى بنى إسرائيل لتفسدن فى الأرض مرتين﴾ (7). يقول الشاعر :
هنا اللهُ كيفَ استباحوا حماهُ ؟
وجاروا على حرمِ القبلتينْ
وكيف وقد حاربوه جهارا ؟
وعاقبهم بأسهُ مرتينْ
يعودون كل الخطايا خطاهم
وكل الخنا مترعٌ فى اليدينْ (8).
«محمود درويش» وتكثير النسل من الأرض / الحقل / الأرحام
ولدَى الشاعرِ الفلسطينىِّ الكبيرِ «محمود درويش» يدخلُ النصُّ القرآنىُّ فى بنيةِ القصيدةِ متفاعلاً مع نسيجها اللغوىِّ ؛ فيزيدُ منْ إيحائها ، ويفكُّ بعضًا منْ رموزها المستغلقةِ ؛ فنراهُ يستخدمُ النصَّ القرآنىَّ استخدامًا جزئيًا يسيرًا دليلاً على تكثيرِ النسلِ من الأرضِ / الحقلِ / الأرحامِ التى تأتى حاملة النصر ، أو الشهادة ؛ فإنْ راحتْ جثةُ الشاعرِ / الشهيدِ ؛ فهى حبةٌ واحدةٌ ، ولكنْ أنبتتْ سبعَ سنابل ، فى كلِّ سنبلةٍ / فى كلِّ رحمٍ ألفُ سنبلةٍ ستولدُ ، فالميلادُ والموتُ ديمومة قائمةٌ ما دامت الأرضُ ، فكلما أخذوا سنبلةً شهيدةً ، أنبتت الأرحامُ / الحقولُ ألفَ سنبلةٍ ، يقولُ «درويش» صاحبُ الحبةِ التى فى جثتهِ متكلمًا:
وفى جثتى حبةٌ
أنبتت للسنابلِ سبعَ سنابل
فى كلِّ سنبلةٍ
ألفُ سنبلةٍ (9).
وهنا يتمثلُ الأيةَ الكريمةَ : ﴿مثلُ الذينَ ينفقونَ أموالهم فى سبيلِ اللهِ كمثلِ حبةٍ أنبتتْ سبعَ سنابل فى كلِّ سنبلةٍ مئةُ حبةٍ ﴾ (10). وهذا التناصُّ يخدمُ فكرةَ أنَّ جثةَ الشهيدِ الذى ينفقُ روحهُ فى سبيلِ اللهِ ، والوطن يتشابهُ معَ الإنفاقِ فى سبيلِ اللهِ كما جاءَ فى الآيةِ الكريمةِ.
التناص المقلوب عند الشاعر «مهدى بندق» :
يجىءُ التناصُّ عندَ الشاعرِ الكبيرِ «مهدى بندق» تناصًا مختلفًا حيثُ يشيرُ إلى موقفِ وضعِ المصحفِ فوقَ الأسنةِ ، ثم يعرجُ للحديثِ النبوىِّ الشريفِ ؛ ليعكسَ معناهُ لعدمِ الحسمِ ؛ فلا نملكُ معهُ إلأ أنْ نؤيدَ نظرتهُ فى الأمورِ التى يجبُ أنْ نتخذَ فيها موقفًا ، وألاَّ نتركَ الموقفَ معلقًا ؛ ففى الحربِ مثلاً النصرُ ، أو الهزيمة ، أو السلام ، أما حالة اللاسلم ، واللا حرب ؛ فإنها تفتحُ كلَّ التوقعاتِ الممكنةِ ؛ لأنها اختارتْ كلَّ الاحتمالاتِ الواردةِ ، كلَّ الحلولِ المتوقعةِ ، وغير المتوقعةِ ، ولمْ تخترْ حلاً واحدًا ؛ لينتهى الأمرُ ، لذا : يصبحُ وسطُ الأمورِ شرًا مفتوحًا غير محددٍ لعدمِ وجودِ الحدِّ الفاصلِ بينَ اتخاذِ القرارِ / الفعلِ ، أو عدمِ اتخاذِ القرارِ / اللافعلِ ، يكتبُ الشاعرُ الذى تبينَ فى محنتهِ شرَّ الأمورِ معلنًا موقفهُ ، ومؤكدًا لهُ قائلاً:
لمْ أضعْ مصحفًا فوقَ رمحى الدمشقىِّ قطْ
غيرَ أنَّ الزمانَ اللئيم
الذى دارَ ثم بشحمِ اليمين اختلطْ
وأنا قد تبينتُ فى محنتى
أنَّ شرَّ الأمورِ الوسطْ (11)

صور التوحد بالأنبياء
1- «بدر شاكر السياب»
ومن الصورِ الرائجةِ صورة «المسيح» الذى يعدُّ رمزًا للفداءِ ، ولقدْ وردتْ عندَ الشاعر العراقى «بدر شاكر السياب» فى ديوانِ «أنشودة المطر» قصيدةٌ بعنوانِ : «المسيح بعد الصلب» حوالى أربع وعشرينَ مرةً ، حتى لكأنكَ تظنُّ أنَّ «السياب» شاعرٌ مسيحىٌّ فيقول :
بينَ القرى المتهيباتِ خطاىَ والمدنُ الغريبهْ
غنيتُ تربتكِ الحبيبهْ
فأنا «المسيحُ» يجرُّ فى المنفى صليبهْ (12).
.
2- «عبد الوهاب البياتى»
.
ومنْ صورِ التوحدِ بالأنبياءِ عندَ «البياتى» صورة «المسيح» موجودة فى شعرهِ فى قصيدةِ : «أغنية إلى يافا» فشعب «يافا» أوْ شعب «فلسطين» هو «المسيح» الجديد ، والفادى الذى ضحى بنفسهِ منْ أجلِ يقظةِ الوطنِ العربىِّ كلهِ ؛ فصلب على الحدودِ ، ومزقتهُ الخناجرُ، والشاعرُ العراقىُّ الكبيرُ «البياتى» لا يخدِّمُ هذا الكلامَ على سبيلِ المعتقدِ ، أو العقيدةِ ، ولكنهُ يأخذُ هذهِ الروحَ الشائعةَ لدى أهلِ هذا المعتقدِ ؛ ليعبرَ بها عن الشعبِ الذى يدافعُ نيابةً عن الأمةِ كلها ، ويتحملُ الألمَ وحدهُ دونَ أىِّ تدخلٍ بالسلاحِ ، والجندِ منْ الذينَ يدافعُ عنهم ، مما يعنى : أنهم يأخذونَ مكانهم فى صفِّ المشاهدينَ ، يقولُ الشاعرُ باكيًا منْ عارهِ / عارنا قائلاً :
«يافا» يسوعكِ فى القيود
عارٍ تمزقة الخناجرُ عبرَ صلبانِ الحدود
وعلى قبابكِ غيمةٌ تبكى وخفاشٌ يطير
قالوا : تمتعْ منْ شميمِ عرار «نجدٍ» يارفيق
فبكيتُ منْ عارى فما بعدَ العشيةِ منْ عرار (13).

3- الشاعر الأردنى «موسى حوامده»
ومنْ صورِ التوحدِ بالأنبياءِ هذا التناصّ معَ النبى «موسى - عليهِ السلام - » يخدِّمُ هنا قضيةَ التحررِ من الاحتلالِ «الإسرائيلى» فالشاعرُ الأردنىُّ «موسى حوامدة» منْ أصلٍ «فلسطينى» ولا يخفى أنَّ شخصيةَ النبىِّ «موسى» قدْ عانتْ منْ صلفِ بنى «إسرائيل» وغلوهم الكثير والكثير ، والشاعرُ لابدَّ أنهُ ، وأسرتهُ ، وقومهُ قدْ عانوا من «الإسرائيلين» الجددِ الحرب والموت والتشريد ، ومن ثم ؛ فإن هذا التوحدَ يخدمُ البناءَ النفسىَّ للشاعرِ فى قضيةِ قومهِ الوطنيةِ ، ولِمَ لا ؟. واسمهُ – أيضا - موسى؟. وفى ديوانه «شجرى أعلى» نطالع قصيدة «مآرب أخرى» يقول فيها :
أعطانى سحر الكلمات وكلمنى تكليمًا
يا الله : هلْ يلقى عبدك «موسى» فى الناسِ نبوتهُ وعصاه ؟
بيضاءُ يدِى والطيرُ طيور
سأشقُّ البحرَ وأرفعُ عنْ كلِّ الناسِ الجور
«هارونُ» أخى والشعرُ شقيقى الأوفى (14).
فتح نوافذ المقاومة
وهكذا فتحَ الكاتبُ «د. خالد عبد الغنى» عارضًا نوافذ المقاومةِ المفتوحةِ ، وتجسيدِ البطولةِ الساطعةِ حينَ تحدثَ عن «التناص» عندَ الشاعرِ الفلسطينىّ العملاق «محمود درويش» وحينَ يعرضُ كتابىّ : «المقاومة والبطولة فى الشعر العربى» للواءِ الشعرِ والنقدِ «د . حسن فتح الباب» وكتاب «الأدب الفلسطينىّ المقاوم» للأديبِ الفلسطينىّ «غسان كنفانى».
المقاومة والفروسية والجهاد فى الشعر قبل الإسلام وبعده
ولقدْ بدأَ المؤلفُ «د. حسن فتح الباب» كتابهُ «بشعرِ المقاومةِ ، والفروسيةِ ، والجهادِ فى الشعرِ «قبل الإسلام» كما تجلى فى شعرِ «عنترة بن شداد» بوصفهِ فارس الشعراءِ ، والعشاقِ فى آنٍ معًا ، ثمَّ عرضَ مفهومَ المقاومةِ ، والجهادِ فى «الإسلام» كما جاء فى القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، والحديث الشريف ، وبيَّن مكانةَ شعرِ المقاومةِ فى القرآنِ والسنةِ ، وأفردَ فصولاً لشعراءِ الرسالةِ الإسلاميةِ ، ومنهم :
«حسان بن ثابت الأنصارى» وشاعرىّ الدعوةِ الإسلاميةِ : «كعب بن زهير» و«كعب بن مالك» كما عرضَ «المؤلف» شعرَ المقاومةِ والبطولةِ فى عهدِ «الخلفاء الراشدين» وعصرِ «بنى أمية» مثل «مالك بن الريب التميمى» فى مرثيةٍ بطوليةٍ لنفسهِ ، و«قطرى بن الفجاءة» شاعر الحماسةِ ، ومرثية «أبى الحسن الأنبارى» لشهيد من أحفاد «الحسين بن على» وقدمَ فصلاً حولَ شعرِ المقاومةِ فى العصرِ «العباسى» كما ظهرَ عندَ «بشار بن برد» و«المتنبى» و«أبى فراس الحمدانى» و«أبي تمام».

المقاومة فى العصر الحديث
كما طافَ الكاتبُ «خالد عبد الغنى» فى عرضهِ لكتابِ لواء الشعرِ والنقدِ «حسن فتح الباب» حيثُ «تناولَ المقاومةَ والبطولةَ فى العصرِ الحديثِ متمثلةً فى ربِّ السيفِ والقلمِ «محمود سامى البارودى» والحماسةَ لدى أمير الشعراءِ «أحمد شوقى» والتحريض على مقاومةِ الاحتلالِ «الإنجليزى» لمصرَ لدى شاعرِ النيلِ «حافظ إبراهيم» ثمَّ يتناولَ المؤلفُ «د. حسن فتح الباب» شعرَ المأساةَ والمقاومةَ فى محنةِ «البوسنة والهرسك» بعرضِ مشاهد دراميةٍ حدثتْ لشعبِ «البوسنة والهرسك» مثلَ : الاغتصابِ ، والقتلِ ، والصلبِ ، والشنقِ ، والحصارِ الاقتصادىِّ ، والطبىِّ ، والتجويعِ الذى ضربَ على الأطفالِ هناك».
القضية الفلسطينية تحتاج لكل أنواع المقاومة
وينثر «خالد عبد الغنى» الأدبَ الفلسطينىَّ المقاومَ عندَ «غسان كنفانى» حيثُ يقدمُ لنا عرضًا موجزًا محملاً بجذورِ القضيةِ ؛ فيعرضُ الكاتب الفلسطينىّ «غسان كنفانى» في كتابهِ «الأدب الفلسطينى المقاوم» فى الأبوابِ الثلاثةِ من هذهِ الدراسةِ التحليليةِ - التى كانت أولَ دراسةٍ معمقةٍ تظهرُ فى المكتبةِ العربيةِ عنْ هذا الموضوعِ المهمِّ - الوضعِ الثقافىِّ لعربِ «فلسطين» المحتلةِ ، والأوضاعِ البالغةِ القسوةِ التى عاشها الأدبُ الفلسطينىُّ المقاومُ منذ عام : 1948م حتى عام : 1968م.
الأديب الفلسطينى يناضل بقلمه
ثم يبنُ لنا نضالَ الأديبِ الفلسطينىّ بسلاحِ خاصٍ جدًا ، هوَ سلاحُ الحبرِ ، والورقةِ / القلم ، وكأنهُ القوسُ والسهمُ ، أو الدرعُ والسيفُ ، أو المسدسُ والرصاصةُ ، أو الطائرةُ والقنابلُ ، أو المدفعُ والقنبلةُ ، أو المدرعةُ والدبابةُ ، وهكذا ، قائلاً:
لقدْ «أصبحَ الأديبُ الفلسطينىُّ فى ظلِّ ظروفِ الاحتلالِ مناضلاً بقلمهِ وفكرهِ ؛ فالقضيةُ الفلسطينيةُ تحتاجُ لكلِّ أنواعِ المقاومةِ ، وهذا النضال الأدبىّ نجحَ بجدارةٍ فى إقلاقِ «إسرائيل» وإزعاجها ؛ فجعلتْ أدباءَ المقاومةِ فى قائمتها السوداءِ ، ويتناولُ «القسم الأول» من الكتابِ ظروفَ عربِ «إسرائيل» ثقافيًا فى ظلِّ الإستراتيجيةِ الممنهجةِ لـ «إسرائيل» للقضاءِ على هذهِ الثقافةِ و«القسم الثانى» تكلمَ فيهِ «المؤلفُ» عنْ أبعادِ أدبِ المقاومةِ الفلسطينيةِ ومواقفها ، و«القسم الثالث» عرضَ فيهِ «غسان كنفانى» لمجموعةٍ من أشعارِ المقاومةِ ، ونماذج من قصةٍ قصيرةٍ ، ومسرحيةٍ لمجموعةٍ من الأدباءِ الفلسطينين».

المقاومة المسلحة
ويستعرض لنا «د. خالد عبد الغنى» من حيثُ الموضوعِ بعضَ أنواعِ المقاومةِ المسلحةِ ، والشكلِ الثقافىِّ لها قائلاً :
إنَّ «المقاومةَ المسلحةَ ليستْ قشرةً ، بلْ هى ثمرةٌ لشجرةٍ طيبةٍ ضاربةٍ جذورها عميقًا فى الأرضِ ، وإذا كانَ التحريرُ ينبعُ من فوهةِ البندقيةِ ، فإنَّ البندقيةَ ذاتها تنبعُ منْ إرادةِ التحريرِ، وإرادةِ التحريرِ ليستْ سوى النتاجِ الطبيعىِّ والمنطقىِّ والحتمىِّ للمقاومةِ بمعناها الواسعِ ، المقاومة على صعيدِ الرفضِ ، وعلى صعيدِ التمسكِ الصلبِ بالجذورِ والمواقفِ ، ومثلِ هذا النوعِ من المقاومةِ يتخذُ شكلهُ الرائد فى العملِ السياسىِّ ، والعملِ الثقافىِّ ، و يشكلُ هذانِ العملانِ المترافقانِ اللذانِ يكملُ واحدهما الآخر الأرض الخصبة التى تستولدُ المقاومةَ المسلحةَ ، وتحضنها ، وتضمنُ استمرارَ مسيرتها ، وتحيطها بالضمانات».

الشكل الثقافى للمقاومة
وكذلكَ «فإنَّ الشكلَ الثقافىَّ فى المقاومةِ يطرحُ أهميةً قصوى ليستْ أبدًا أقل قيمة من المقاومةِ المسلحةِ ذاتها ، وبالتالى : فإن رصدها ، واستقصاءها ، وكشف أعماقها ، تظل ضرورةً - لا غنىً عنها - لفهم الأرضِ التى ترتكزُ عليها بنادقُ الكفاحِ المسلح».
لم تنتهِ قارورة العطر النفسى
لم تنتهِ قارورةُ العطرِ النفسىِّ ، ولا شلالُ القراءةِ النفسيةِ ، لم تزلْ زجاجاتُ العبيرِ النفسىِّ مليئةً ، لمْ تفرغ بعدُ ، والمبدعُ القديرُ وحدهُ القادرُ على صيدِ هذا الشذى التحليلىِّ ؛ لينامَ فى شِباكِ ملابسهِ المطرزةِ بـ : اللغةِ العاليةِ ، والصورةِ السحابِ ، والجمالِ المخيفِ بأعمالهِ الفريدةِ المتفردةِ فى شكلِها ، ومضمونِها ، ولغتِها ، والذين يستحقونَ أنْ نسكبَ عليهم رائحةَ المسكِ هم المبدعونَ الخلاقون الذين لا يمشونَ على طريقِ أحدٍ ، ولا يشبهون أحدًا ، ولا يكتبونَ مثلَ أحدٍ ، ويخلقونَ عالمهم السماوىّ والأرضىّ بشكلٍ يشبهم وحدهم ، إنَّ قدمَ المبدعِ حينَ تسيرُ علينا أنْ نتبعها ؛ فربما اكتشفتْ آثارًا جديدةً ، أوْ داستْ فوقَ كنزٍ مدفونٍ فأزاحتْ عنهُ غبارَ الزمنِ ، أوْ تكون قدْ وصلتْ إلى عالمٍ لم يسبقْ أحدٌ أنْ سمعَ عنهُ ، لهذا : نظفوا ملابسكم جيدًا ، واستقبلوا أمطارًا من عواصف القراءاتِ النفسِ نقدية.



المراجع:
1- جريدة : «الدستور العراقية» الاثنين الموافق 5 من مارس 2018م شكرا جزيلا الجريدة الغراء ، والأديب العراقى الكبير الأستاذ : «على لفته سعيد».
2- المرجع السابق.
3- السابق.
4- نفسه.
5- نفسه.
6- أدونيس - الحوارات الكامة – الجزء الأول - 1960- - 1980- ص 78 – أعدها للنشر أسامة إسبر الطبعة الثانية 2010م – بدايات للنشر والتوزيع – دمشق – ص ب 30833
7- قرآن كريم - سورة : «الإسراء» الآية رقم : 4
8- «محمود حسن إسماعيل» :الأعمال الكاملة- القاهرة- الهيئة المصرية العامة للكتاب 2005م.
9- «محمود درويش» الأعمال الكاملة.
10- قرآن كريم - سورة : «البقرة» آية رقم : 261
12- حصان على صهوة رجل «مهدى بندق» القاهرة - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1992م.
13- ديوان : «أنشودة المطر» شعر: «بدر شاكر السياب» قصيدة : «المسيح بعد الصلب».
13- «عبد الوهاب البياتى» قصيدة : «أغنية إلى يافا».
14- ديوان : «شجرى أعلى» للشاعر : «موسى حوامده» قصيدة : «مآرب أخرى».





1615719418354.png


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى