محمد عبد الولي - ليته لم يعد

ترددت الصرخات من جانب الجبل .. ولم يكن في القريه سوى أطفال ونساء مسنات أما .. الرجال والنساء القادرون علي العمل فكانوا في الحقول , وردد الصدى أصوات مبهمه .. ومن الوادي كان رجال يحملون نعشاً تمدد عليه شبح إنسان .. لم يكن قد مات بعد .
القريه تحتويها شمس كئيبة .. ورج تصر والأرض ظمأى تنتظر المطر والسماء لاتنذر بشئ .. العام عام آخر من القحط .. تهز العجائز رؤوسهن .
_ لم أر اشد من هذه الأعوام .
_ كانت أيامنا ايام خير .
_ وتهمس نساء .
_ لقد هاجر الرجال


وكانوا يعودون , ولكن علي أكتاف رجال آخرين .. الأن النعش يزحف في عوارض الجبل ببطء.. العرق يتصبب من وجوه الرجال .. وكانت أصوات لاتزال تسمع .. قالت احداهن :
_ هل تسمعون الصوت ...


ولم يحمل الهواء سوى مقاطع مبهمة , العرق لايشبع عطش الأرض , ولكن الرجال يتميزون بإصرار في منح الأرض اليابسة مزيداً من عرقهم .

وردد الجبل الصدى ..
_ أوه .. أواه .


كان المنزل مغلقاً حتى الطفلين كانا مع امهما في الأرض اليابسه. كانوا ثلاثه .. أماً وطفلين أرهقهم العمل .. جلست لتمسح عرق جبينها وشرب الطفلان ماء .

وصل سمعهم الندا .....
_ هل عاد ....
صاح الطفلان :
إنه أبونا .. يقولون إنه أبونا في الطريق إلى القريه .
ركض الأطفال نحو الجبل .
وجمعت المرآه أشياءها القليلة وعادت لتستقبل زوجها العائد في أعماقها ضربات سرور .


لقد عاد أخيراً في رحلة استمرت أعواماً لم تعد تذكرها .. إنها بعمر صغيرها الذي راح يركض نحو الجبل لايعرف حتي شكل ابيه .
حملق الأطفال في الرجال القادمين كانوا يسبحون في عرقهم , وسمعوا صوت أنين خافت من علي النعش .

سأل الصغير بقلق .
_ من هو أبونا ؟_


كان الكبير حائراً , إنه لايتذكر وجه أبيه فقد غاب عنه ذلك الوجه منذ أن انعطف قبل سنوات من إحدى منحدرات الجبل وكان أخوه لايزال قابعاً في بطن أمه .


نظر الرجال بصمت إلى الأطفال وتجمعت النسوه فوق منازل القريه .
وحمل النسيم أصوات نساء .
_ لقد عاد .
_ يقولون إنه مريض .
إنه محمول علي جنازة ._
_ لقد أصابه شيطان البحر

كانت توقد المدفأة وتعد بقلب راجف قهوة للرجل القادم . نظرت إلي نفسها صدفة في مرآه محطمة .. كانت خائفه لقد عجزت ولم تشعر .. بدأ من فوق دارها خيط من الدخان ستعد له عشاء دافئاً . ذهبت تجري إلى ديمتها.. أخرجت من تحت سريرها الخشبي القديم وعاء أسود , احتفظت فيه بكل ماجمعت من السمن .. حرمت نفسها وطفليها للعائد الذي اقترب موعد وصوله .

كان الأطفال يتهامسون .
_ لماذا هو علي النعش ؟
_ أجاب الكبير .
_ لأنه متعب..

سمعت أصوات رجال علي السلم .
_ أحمل من تحت .
_ بهدوء .
_ لاتجعله يهتز ...
لعلهم يحملون أشياءه التي أتي بها معه
وسمعت صوت طفليها من خلفها.
_ إنه مريض .. إنه محمول علي جنازة .
لم تشعر بأن يدها كانت تلمس ناراً تجمدت عيونها علي الظلام , وفي أعماقها كان يتفجر شئ غامض .. مخيف لاتعرفه .
صوت الرجال لايزال علي الدرج المظلمة .
_ أين نضعه ؟
_ هناك في غرفة النوم .
_ لا .. لا .. الأفضل في الفرش .
_ هناك هواء أكثر .
وصاح أحدهم .
_ أين أنت يازوجة ؟

لم تكن هناك .. أحقاً إنه لم يعد ... أحقاً أن مايحدث هنالك تحت هو شئ واقعي .

غاب كل شئ عنها .. حتى عيون طفليها الفضوليين .. عاد الرجال لإلى القرية وكانت النساء يتحدثن عن أزمه القرية .
_ ماذا ستصنع الآن زوجته ؟
_ لعلها ستعتني بزوجها .
يقولون إنه لا يملك شيئاً _ ..
لقد سرق الأطباء كل نقوده _.
همست عجوز :
_ لقد سحرته امرأة في المدينة .


نظرت إلى الزاوية حيث ممدود , كان عظمياً أسمر , لاشئ من ذلك الرجل
عيناه فقط تدلان علي أن الوجه له .
حملق الأطفال في الجسد الممدود ..
لم يتخيل الصغير ان هذا أبوه .. لقد رسم له في اعماقه صورة أخرى عملاقة قوية , عاطفية كان كالأغنيه التى كانت أمه ترددها وهي تطحن مساء حبوب الشعير .


أما الكبير فلم يكن يعرف ماذا يفعل .. ظل مبهوراً ساعات , أبوه الذي قبله لم يكن هو هذا الممدود هنا , لعل الرجال في الوادي أخطؤوا ونقلوا إليهم شخصاً آخر . ولكن أمه صامتة لاتتحدث أنها تنظر إليه لعلها لم تتبين الخطاء ..
..
_أماه .. إنه .. ليس .
وقاطعه صوت أنين .
_ أريد ماء .. ماء .. ماء
جرت الأم إلى زير الماء .. اقترب الطفلان من الجسد .
حتي العيون أغمضت ....
لم تترك الأم مكاناً لولي إلازارته, ولا سيداً إلانذرت له , ولا مسجداً إلا وأعطت من يقرأ فيه القرآن , حبوباً وسمناً ولبناً . ولكنه ظل علي السرير , لاتتحرك عيناه تزوجت بالسقف , ورأسه لاتتحرك ولكنه لم يمت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى