حاميد اليوسفي - الفيروس في العقول.. قصة قصيرة

بعد عودة احميدة من السوق نزع حذاءه ، وقبل أن يجلس في الصالون مع ابنه سعيد ، غسل يديه بالصابون . قبّله وخاطبه بنبرة حزينة :
ـ مشينا فيها أوليدي ، خرجو على البلاد ، لا صحة لا تعليم .
أجابته فاطمة من المطبخ :
ـ الطفل ما يزال صغيرا عن فهم هذا الكلام الكبير !..
ابتسم سعيد ، وبدأ يبحث عن هاتف والده .
سألته فاطمة :
ـ هل أديت الصلاة في المسجد ؟
أجابها وهو يحك لحيته :
ـ إذا أردت الحقيقة لا ، صليت في الحديقة بمفردي . خفت أن أنقل لكم العدوى ، لا قدر الله .
ردت عليه بهدوء :
ـ إن رحمة الله واسعة ، وهو يتقبل دعوات وصلوات عباده الفردية في الفترات الاستثنائية . والله لا يريد لنا إلا الخير ، وما فعلت فيه خير .
ثم سألته مرة أخرى :
ـ ماذا يقول الناس عن كورونا في الخارج ؟
رد عليها وهو يمسح الهاتف بقطعة من ورق كلينيكس ، قبل أن يمده لسعيد :
ـ الأقوال متضاربة . ربما المسئولون لا يقولون كل شيء ، وثقة الناس متذبذبة .
قالوا بأننا لا زلنا في مرحلة البداية . وكل الحالات التي عثروا عليها قادمة من الخارج . وأكدوا بأن الوضعية لحد الساعة متحكم فيها .
مسحت يديها بالمنشفة ، وجلست على كرسي بجانب الباب ، وقالت بصوت حاد :
ـ وما دام الأمر كذلك لماذا تركوا النار تشتعل في الأسعار ؟ كل شيء زادوا في سعره ! أما الخضر فعملوا لها أجنحة ، وطارت إلى السماء ! كان الله في عون الضعفاء ، ومحدودي الدخل مثلنا !
حاول احميدة أن يوضح لها أكثر :
ـ اسمعي يا فاطمة الناس الذين يملكون فائضا من المال ، ويعتقدون بأنهم يفهمون أكثر من غيرهم ، مثلهم مثل كورونا يراهنون على أن نصف الشهر القادم سيكون صعبا . ولهذا تهافتوا قبل غيرهم على شراء مواد التنظيف والغذاء والخضر ، قبل أن يصبح الحصول عليها من سابع المستحيلات .
ـ والفقراء وذوو الدخل المحدود مثلنا الذين لا ينهون الشهر إلا (بالغوات) و(الكريدي) ماذا يفعلون ؟! هل يحملون العصي والسيوف ، وينزلون إلى الأسواق الكبرى ، ليأخذوا حقهم بأذرعهم ؟
ـ لا يا فاطمة . في ايطاليا حدثت أشياء عجيبة . كورونا ضرب بكل قوته وأجبر الناس على المكوث في بيوتهم للحد من حدة انتشار الفيروس . الشرطة تراقب الوضع . الأطباء يشتغلون ليل نهار . الحكومة تكفلت بمصاريف الماء والكهرباء وتزويد المنازل بالطعام . الأثرياء والأغنياء يتبرعون ، والناس تساعد بعضها البعض . رأيتهم في فيديو يقفون على الشرفات مع أبنائهم وجيرانهم ، يضربون على الطناجر ، يغنون للحياة ، ويرددون نشيدهم الوطني بشكل جماعي . والله أحسست كأني واحد منهم ، لولا أن أيقظني هؤلاء المجرمون تجار الأزمات من سهوي . لو كنت أملك سلطة لجمعتهم في مخيم وأطلقت عليهم كلاب كورونا .
قالت فاطمة وهي تتحسر :
ـ وهل تعتقد أن المقدمين والشيوخ والقوات المساعدة ، ستتعامل مع السكان مثل السلطات في إيطاليا ؟
تلك ايطاليا يا احميدة ! ايطاليا الحضارة والتاريخ بالأمس . ايطاليا التقدم والازدهار والديمقراطية اليوم . ابتعدوا عنا بقرون طويلة . الفيروسات التي تسكن العقول أخطر بعشرات المرات من كورونا . إذا كان كورونا عقابا من الله ، فنحن وفقهاؤنا وحكامنا أولى به من غيرنا . أنظر إلى النجوم اليوم الذين حطموا كل الأرقام القياسية في اللايفات : نيبا ، الميلودي ، الطراكس ، شيوخ الفتنة ، الرقاة ، حمزة مون بيبي ، باطما ، لمجرد ، تسونامي ...
الله يرحمك يا ابن البناء وابن رشد وابن عربي وابن طفيل وابن خلدون !
رفعت فاطمة يدها وتضرعت إلى السماء بصوت رخيم :
ـ يا ابن خلدون تعالى أنظر كيف لفظنا التاريخ ، واقرأ طالعنا من جديد ؟


مراكش 16 مارس 2020

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى