د. خالد محمد عبدالغني - كورونا من المعاناة إلى النفع الشخصي والعام

ينظر علم النفس لكورونا من اتجاهات ثلاثة: أولها مجال علم النفس الإكلينيكي إذ يري في كورونا مثيرا مزعجا أخرج ما في نفوس البشر من مكنونات سيئة كالقلق والاكتئاب والفزع والخوف المرضي وأعراض مرضية نفسجسمية وكوابيس وأحلام مزعجة واضطرابات في النوم كثيرة أشهرها الأرق وفرط النوم كاستجابة للخوف والفزع والهلع من الإصابة بالفيروس. كما أظهر الجشع المادي لدى التجار والمحتكرين للسلع والأدوية والمستلزمات الطبية وراغبي الثراء السريع. وثانيها هو علم النفس الايجابي الذي يعظم مفاهيم القوى الايجابية لمواجهة كورونا مستعينا بمفاهيم الصحة النفسية والأمل والتفاؤل وحسن الاعتقاد بالله وطيب الظن به وحسن التوكل عليه . والتمسك بحب الحياة وعدم متابعة الأحداث المزعجة. والتحلي بالصبر والصمود والتجلد في مواجهة الشدائد وبناء جسور من الثقة في حسن الغد والمستقبل والقدرة على تخطي الأزمة. وظهور الجوانب الطيبة من تعاطف وأعمال خير ومساندة ودعم المرضى والمحتاجين واستكشاف جوانب القوة والضعف في الإنسان والمجتمعات والأنظمة الصحية ومستويات الوعي ومدى التمرد أو الانصياع للإجراءات الاحترازية الوقائية وانعكاساتها السلوكية علي أفراد المجتمع والأسرة والاقتصاد وطرق التعلم عن بعد واكتشاف مهن جديدة وانحسار مهن قديمة وزيادة معدلات البطالة في عديد من المهن. وثالثا علم النفس الإبداعي الذي يفسر لنا حالة الوحدة والعزلة ومخاوف وقلق الموت التي من الممكن أن يصاب بها المبدع نفسه أو أن يصاب بها أحد أقاربه وأصدقائه أو معارفه ومن ثم فان فيروس كورونا سوف يجعل المبدعين منشغلون بإنتاج أدب ما بعد كورونا مثلما حدث مع أدب الحروب والكوارث الكبرى كالزلازل والبراكين والفيضانات المدمرة لمساحات كبيرة من الأراضي والبشر أو انتشار الأوبئة الكبرى أيضا أو أدب السجون وبالتالي فسوف يصبح لديهم مع اختلاف أنواع الإبداع الفني أو الأدبي موضوعات تصلح مجالات إبداعية جديدة يختلط فيها ويندمج بداخلها ما هو ذاتي متعلق بنفس المبدع مع ما هو موضوعي مرتبط بالمجتمع وقضاياه ومشكلاته وأزماته فمثلا سوف تكون حالات الانتحار التي واكبت كورونا وحالات الموت من أعضاء الفريق الطبي وموت الأطفال وموت المسنين الموجودين في دور رعاية المسنين وأزمات اختراع دواء أو مصل للوقاية من كورنا والعلاقات الدولية والمساعدات والمواقف المنحازة مع أو ضد منظمة الصحة العالمية والصين والدول الكبرى في العالم موضوعات للإبداع.
والحق أن مستقبل الإنسان غامض في ظل سطوة هذا الفيروس وما تحمله لنا الأيام القادمة خاصة في ظل التأكيد علي وجود موجات قادمة من انتشاره وإصابته لملايين جديدة من البشر وما سيحدثه من أضرار وأثار سلبية علي الإنسان والبيئة معا.
وكتاب :"بركات كورونا" للأستاذ أحمد حمدي رفاعي محاولة لرصد بعض الهموم الإنسانية العامة التي يعيشها الإنسان المعاصر وخاصة في ابتعاده المباشر أو غير المباشر عن القيم الكبرى "الحب والخير والجمال" وابتعاده أيضا عن التمسك بالقيم الأخلاقية السلوكية التي أمرنا بها الله تعالى ، وقد جاءت تلك المفاهيم في قالب إبداعي يجمع ما بين الأدب والفكر في تداخل رائع وجميل حتى أنك بعد القراءة لا تستطيع التعرف بسهولة ويسر هل ما قرأته للتو "إبداع أدبي خالص أم قضية فكرية معرفية وعقلية خالصة " وتظل تلك الحيرة معك حتى تنتهي من الكتاب لتكتشف أنك عشت وقتا طيبا وممتعا مع كاتب تأخر كثيرا في نشر أفكاره والتعبير عن موهبته، وربما ستصيبك الدهشة حين تعرف أن الذي بين يديك هو كتابه"الأول" وقد تصيبك الدهشة من هذا العنوان الصادم، فبالرغم مما تعانيه البشرية من ويلات كورونا حيث جعلتنا "كورونا" جميعا - البشرية كلها - على مقربة من مشاعر الموت والاحتضار في زمن واحد سواء لأقاربنا أو أصدقائنا وكل من شُفي منها يؤكد في شهادته أنه رأى الموت بعينيه ومن ثم فهو عائد للحياة ومن هنا وهذه الخبر ة القريبة من الموت ولعل الأبحاث والتوقعات تشير إلى أن حوالي ثلاثة ملايين من البشر سوف يموتون بسبب كورونا وأن أكثر من ربع العالم سوف يعاني البطالة وعدم القدرة على العمل أو انخفاض مستويات الدخل الاقتصادي وتوقف عجلة الإنتاج عالميا تقريبا وشيوع الكساد التجاري والصناعي والزراعي، أقول برغم ذلك كله والذي يراه العالم وبالطبع يراه مؤلفنا الأستاذ أحمد إلا أنه يرى في كورونا بركات وعندما تأملت ذلك العنوان ظننت أن مكاسب وبركات كورونا سوف تكون عامة من قبيل التماسك الأسري والجلوس في البيت لفترات طويلة مع الأبناء والوالدين وممارسة الأنشطة الأسرية المختلفة أو اهتمام بالآخرين والسؤال عنهم أو رقة في المشاعر خاصة مع سيطرة الحياة المادية على الإنسان المعاصر فأصبح جافا خشنا في مشاعره وسلوكه، إلا أني تيقنت أن بركات كورونا بالنسبة للمؤلف تمثلت أنه في حالة العزلة التي فرضتها الموجه الأولى السابقة خلال الشهور الأولى من عام 2020 قد تنبه لنفسه وذاته وأخذ في الكتابة عبر الفيسبوك فإذا بالذي كتبه يعد نوعا من الأدب صحيح أنه ليس أدبا خالصا ، وليس في الآن نفسه فكرا خالصا ولكنه الأدب المشبع بالقضايا الفكرية والايدولوجيا العامة التي يؤمن بها المؤلف ويدافع عنها سواء ما يتعلق بالله والوطن والحبيبة والإنسانية كلها ، ولذلك سوف تطالع نصوصا شعرية ومقالات فكرية وحوارات داخلية بينه وبين ذاته ومسرحية هى لب العمل تدور حول الأبعاد السياسية والاقتصادية لكورونا والإجابة عن الدوافع الأساسية التي جعلتها مؤرقة للعالم كله وموقف مصر منها وكيف تواجهه وتقضي على ذلك الفيروس اللعين، أحمد حمدي رفاعي ليس كاتبا بعيدا عني بل هو صديق وصحيح أن علاقتنا بدأت منذ سنوات قليلة ولكنها أصبحت صداقة عميقة أكدت أركانها تلك المناقشات الدائمة التي أحدثتها أحداث يناير وأحدث يونيه من عامي 2011 و 2013 وكلها بالطبع كانت مناقشات سياسية وجغرافية وفلسفية فهو يأسرك بحديثه حول تخصصه الأصلي وهو الجغرافيا حيث تخرج في آداب عين شمس محملا بتوجهات وأفكار كثيرة ولكن عمله في وزارة التربية والتعليم كأخصائي مكتبة وفر له الفرصة للقراءة والاطلاع والتأمل بشكل واسع، لا أحب أن أطيل في جوانب شخصيته ولكنك سوف تعرفها كاملة ومفصلة من خلال ذلك الكتاب، ولكني أؤكد لك عزيزي القارئ أني أحبه إنسانا وصديقا وكاتبا أتمنى له السرور والاستمرار في الكتابة ، وأتركك مع صفحات كتابه لتكتشف هل كانت لكورونا بركات ؟.


د. خالد محمد عبدالغني



1616095540474.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى