رسالة من ريلكه إلى لو اندرياس- سالومي

سان بطرسبرغ، 1900
صباح السبت
استلمت رسالتك، رسالتك العزيزة التي تجعلني أستحسن كل كلمة فيها، تلك التي تمسني كما لو أنها الموجة، شديدة القوة ومندفعة، تلك التي تحيط بي كما الحدائق والأبنية تطاول السماوات من حولي، تلك التي تجعلني قادراً وسعيداً كي أقول لك كم كافحت بحماقة في رسالتي الصعبة الأخيرة: ذلك أني أتشوق إليك وهذا ما كان مفزعاً إلى حد لا يمكن وصفه أن أحيا هذه الأيام بدون أية أخبار، بعد ذلك الوداع الغير متوقع و السريع ومن بين انطباعات تكاد تكون عدائية عن هذه المدينة الصعبة، التي لا يمكنك فيها أن تتكلمي إلي في نأيكِ عبر أي شيء على الإطلاق. حتى وصل الأمر إلى تلك الرسالة القبيحة التي أمكنني الآن بشق الأنفس أن أخرجها من العزلة، من الغربة والوحدة غير المحتملة لتجاربي ولم يكن سوى التسرع، الارتباك والحيرة، شيء ما لا بد أن يكون غريباً عليك في الجمال الذي أحاطت حياتك نفسها به من فورها ثانية تحت الظروف الجديدة.
الآن أستطيع بصعوبة تحمل ذلك في الأغنية الرائعة بالقرب منك، التي تجدين فيها ثانية أصوات أطفال صغار، صوتي لابد أن يكون الغريب، الصوت التافه الوحيد، صوت العالم من بين تلك الكلمات المقدسة وهدأة تلك الأيام التي حيكت بالقرب منك. ألم تكن كذلك؟ أخشى أنها لابد كانت كذلك. ما علي أن أفعل؟ هل أستطيع أن أتخلص من الرسالة الأخرى مع هذه؟ في هذه الرسالة صدى كلماتك، الأخرى بنيت على بعدك، والتي لم أتعلم منها شيئاً، والآن كوني أعلمتُ بأنه لم يعد لديها الحق في الوجود …لكن لها، أليس كذلك؟
هل ستقولين لي كلمة ؟ أنه على الرغم من ذلك، كل شيء كما تكتبين، ما من سنجاب مات منه ولا شيء، لا شيء اكفهرتحته أو حتى بقي ظل من خلفه.
تعلمين، كثيراً ما أخبرتك عن سناجبي التي ربيتها في ايطاليا، عندما كنت طفلاً، ومن أجلها اشتريت أصفاداً طويلة، طويلة جداً وبهذا لا يمكن أن تحد حريتهم إلا في قمم الأشجار العالية. كان بالتأكيد خطأ كبيراً فرض النفس كلياً كمتسلط على حيواتهم الخفيفة ( عندما أصبحوا كباراً، هذا ما حصل، لم يعودوا بحاجة إلي) لكنه كان أيضاً بعض من رغبتهم في تصفية الحساب معي، لأنهم كثيراً ما قدموا راكضين من خلفي، لذا أحيانا بدا لي كما لو أنهم أرادوا قيداً.
كم سيفتقدوك، الحيوانات الصغيرة اللطيفة! وسوف يكونون ناضجين بما يكفي ليمضوا بدونك نحو الغابة والعالم؟ عاليا في تنّوب رونياك سوف تخطر طفولتهم في بالهم أحياناً، وعلى ذلك الغصن الذي لا يزال يهتز من ثقل الوثبة، ستفكرين بهم. وبالرغم من أنهم فقط ثلاثة سناجب صغيرة، الذين لا تتسع عيونهم الصغيرة لكِ، لا زالت بعض الأمكنة فيهم كبيرة جداً حتى يمكنك أن تكوني في حيواتهم. أيتها العزيزة .
عودي قريباً، عودي في أسرع وقت يمكنك تركهم فيه. قوديهم إلى الغابة، أخبريهم بصوتك كم أن هذا جميل، وسوف يكونون أسعد سناجب صغيرة و أجمل غابة على الإطلاق.
نعم، رجاءً، كوني هنا الأحد! لن تصدقي كم يمكن للأيام أن تكون طويلة في بطرسبورغ .وعند ذلك لن نشعر بها كثيراً. الحياة هنا تواصل جريانها، حيث المعاناة في كل الاتجاهات . الواحد يمشي، يمشي، ينطلق، ينطلق، وكلما وصل المرء إلى الانطباع الأول يكون ذلك من ضجره هو. لأضف على هذا، المرء يكاد دائماً أن يقوم بأطول النزهات من أجل لا شيء. ومع ذلك أنا الآن أعلم هذا إلى حد بعيد، بأننا لا يزال لدينا بعض أشياء جميلة لنراها عندما تأتين. بأية حال وخلال أسبوعين كل شيء فكرت به انتهى مع: عندما تأتين.-
ليل الأربعاء المقمر حتى الخميس أحب أيضاً. ذهبت على طول نهر النيفا في وقت متأخر جداً، بالقرب من مكاني المفضل، عبر شارع كاتدرائية القديس اسحق، حيث المدينة هي الأبسط والأروع. هناك أنا أيضاً( وحقاً بشكل غير متوقع تماماً) شعرت بالسلام، بالسعادة، وبالتقوى، كما الآن منذ أن استلمت رسالتك. أسرعت في إرسال هذه السطور لأنك أرسلتها لي الاثنين( وسوف ترسلين بكل تأكيد لي كلمة واحدة أو اثنتين مع أخيك؟ فقط بضع كلمات، سوف أفهمها كلها!) هي إجابة مسبقة على هذا. إجابة على السؤال الوحيد: هل أنت سعيد؟ أنا كذلك، بالرغم من كل ما يزعجني، سعيد بشكل أساسي جداً، وكله ثقة، بشكل لا يقهر. وشكراً لك على ذلك. تعالي قريباً!…
ت:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
لو اندرياس سالومي 1861-1937، المولودة في روسيا، كاتبة، اشتهرت بدورها في حياة نيتشه قبل وقت طويل من لقائها ريلكه في ميونخ حيث أصبحت صديقته الأقرب مدى الحياة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى