علاء الدين حسو - تنتهي الثورة لحظة إقامة السلطة*

بين الثائر والحاكم برزخ السلطة . عليك أن تختار إما أن تكون ثائرًا أو حاكمًا. فالثورة والحكم لا يتلقيان. هكذا في الأدب، في الفن، كذلك في الحياة.
تشي غيفارا فهم الأمر، فضل أن يبقى ثائرًا. رفض الاستمرار في المناصب بعد انتصار كوبا. انطلق إلى مكان آخر. هو يرى الثورة في القلوب لا في الشفاه. نذر نفسه لنصرة الفقراء والبائسين والمظلومين. كان يؤمن بأن النضال هو الحل الوحيد لمن يريد تحرير نفسه. شارك في العديد من الثورات ضد الاستعمار والظلم. من غواتيمالا إلى بوليفيا. ساند الجزائر وفيتنام. كان ملهمًا لكثير من الشباب الثائر. كان طريقه في البدء بالثورة من القرى لتحرير المدن منهج حياة لعمظم الثائرين في القرن العشرين. حين سقط الحكم العسكري في كوبا عام 1959، عهد إليه رفيقه كاسترو عدة مناصب رفيعة. كان رئيسًا للبنك المركزي، ومنظّمًا للميليشيات العسكريّة الثّوريّة، ومسؤولًا عن التّخطيط، ووزيراً للصّناعة. كان رافضًا لفكرة جمهوريات الموز، رافضًا أن تُكرّس دولة بكاملها لزراعة محصول واحد. بدأ يعمل على ذلك. لكنه ثائر. ترك كل ذلك، واتجه إلى بوليفيا لمحاربة الظلم هناك.
فيدل كاسترو لم يكن ثائرًا. كان معارضًا متمردًا وناجحًا في إدارة حرب العصابات مع زميله تشي. حين دخلت قواته العاصمة الكوبية هافانا- بعد هروب فولجنسيو باتيستازالديفار إثر إضراب عام وشامل- كان على رأس المقاتلين الثلاث مئة الثائر إرنستو تشي غيفارا. بدأ كاسترو يحكم ويطبق رؤيته ونظامه.
الراحل حسن الترابي كان ثائرًا. لكنه حين استلم المناصب انتهت صفة الثورية. في يونيو عام 1989، اقام حزب الترابي انقلابا عسكريًا ضد حكومة المهدي، وعين عمر حسن البشير رئيسًا لحكومة السودان وعين حسن الترابي وزيراً للخارجية السودانية. بعدها أصبح الترابي أشهر معارض للحكومة.
كذلك الراحل أبو عمار، كان ثأئرًا، مناضلًا، فالمسدس لا يفارق خصره، وأجاب عن سؤال طرحه صفحي تركي قدير في مقابلة تلفزيونية معه بعد لقاء الزعيم الفلسطيني بالرئيس التركي الراحل تورغت أوزال: كيف دخلت عليه والمسدس على خصرك؟ قال الراحل عرفات: هو قطعة مني. وحين رغب الصحفي مشاهدة المسدس رفض أبو عمار الطلب بلباقة ثائر" أسف لا استطيع، أنا ثائر، المسدس لا أخرجه إلا للاطلاق". لكنه بعد اتفاقات أوسلو لم يعد ثائرًا، انصرف لإدارة ما مُنح له، انشغل في صراعات أخرى، تحديات أخرى.
أما الأبطال الشعبيون، تختلط الاسطورة بالواقع، فيمجدها الأدب والفن. هكذا كان روبن هود. كان ثأثرا ومتمردًا. وهكذا كان المطاريد مثل أدهم الشرقاوي في مصر. وهكذا كان محمد النحيل، بطل رواية يشار كمال الشهيرة، باسم محمد النحيل، فهو سيرة أدبية لقاطع طريق محبوب، ينصر الفقير والمظلوم ، يقتل الاقطاعي والطغاة، مثله مثل الفراري (أبو علي) بطل فيلم الفهد.
الثورة تعني التمرد على نظام سيء غير قابل للاصلاح. والمعارضة تعني رغبة في استلام السلطة وليس شرطًا تغير النظام بشكل جوهري. لذلك لا يمكن الجمع بين الثورة والسلطة. لا يمكن أن يكون المرء متمردًا على الظلم ويكون - بذات الوقت - المساعد الذي يحاول القبض على المتمرد. هذا هو المستحيل. فالضدان لا يلتقيان. بينهما برزخ السلطة.
تنتهي الثورة لحظة إقامة السلطة . ولا يمكن إقامةن ظام في بلد ما وهي في حالة ثورة، لذلك الثورة السورية مستمرة طالما هناك سلطة غير عادلة.
علاء الدين حسو

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى