د. سيد شعبان - طه حسين!

ما تزال سيرته كما سردها في كتابه الأيام تمثل لي زادا أدبيا ومستوى راقيا من البيان، استطاع أن بمسك بالحكي حتى تظنه يبصر موضع الحرف في تشكيل لوحة متحركة، تمتاز لغته بالتقصي والموسيقى الداخلية التي تجذبك إلى عالمه، معاركه التي كانت حراكا في ماء الثقافة والفكر اللذين استبد بهما الجمود والتقليد؛ لا تدخل إلى عالمه من باب الرافعي أو الشيخ محمود شاكر أعلم أنهما أوسعاه نقدا؛ ذهبا بآرائه كل طريق؛ لم يظهرا محمدة له؛ وما كان هذا هو النقد.
دع له فسحة من مطالعاتك، ستجد الرجل متوافقا مع منهجه، منتميا لأدبه لا يصادر على قارئه، صدتني عنه وعن عالم نجيب محفوظ شواغل ومحاذير لم تكن غير تعلة اليأس وخوف الفهم؛ ما على المرء أن يناقش مقولاته ويتعظ مما أرهق به السنين التي أثقلت كاهله، في أمتنا قمم ووهاد نصنفها تبعا لأهوائنا، ولست إلا معتذرا لعميد الأدب العربي؛ بعض انصراف، وفي الاعتذار بقية صحبة واحتواء محبة، أرأيتم كيف أثار قضية الانتحال في الشعر الجاهلي؟
له مقولاته ولمن نقده مقولاتهم والذي انتفع بكليهما هو القارئ العربي فجاء النقاش عاصفا تارة ولكنه لن يفتر بعد؛ طه حسين أراد أن يثير حراكا فتم له ما أراد؛ لننظر إلى الرجل في ضوء معطيات التاريخ الأدبي والفكري!
لقد كان عصره موطن النابهين الذين أشادوا نهضة أدبية ما تزال آثارها شاخصة في ميادين الشعر والسرد والتحقيق والتأليف، بآخرة منه كان أمير الشعراء وحافظ إبراهيم والمنفلوطي والرافعي وحسين هيكل باشا، وخليل مطران، والصيرفي، وعزيز أباظة، والعقاد، لقد ازدهى العصر بأعلامه، وإن كان طه بصيرا فما أعجزته نفسه ولا قصرت به مطامحه أن يظهر ريادته أو يثير غبارا من أثره معارك وتآليف بل نظيرها.
أعلى