مجدي السيمت - وفاء

هل أحببت إحداهن ؟
قاطعته بسؤالي لأننا جيل لا نصبر على التفاصيل
كنت جالساً مع عم عبدالكريم أمام داره التي أمر بها عند ذهابي للعمل يومياً، وصادف أن وجدته يشرب الشاي وجواره كرسي فارغ كعادته.
هو يحب شراب الشاي أمام داره كل صباح ويضع كرسياً فارغاً قربه دائماً
دعاني لمشاركته مزاجه؛ كنت في انتظار الترحيل الذي يتأخر عادةً في فصل الخريف لوعورة الطريق ففضلت أن أستمتع بحديثه وحكاويه
كان يروي لي قصصه في الحياة، فثمانون عاماً لا بد أن تكون مليئة بحوادث ومواقف عجيبة
كان يحكي لي عن غرامياته وشقاوته التي عاشها عندما كان في مثل عمري
قال لي : ماذا تقصد؟؟؟
بدا وكأن سؤالي جعله يتذكر شيئاً عميقاً أخفاه بابتسامة واسعة
وحين سألني بدا لي كمن أراد أن يتأكد إن كان سؤالي محدداً أم عابراً؛ ولكني رددت عليه بابتسامة وديعة، لأحثه على الحديث، فواصل حديثه محافظاً على ابتسامته الوسيمة:
لقد أحببتهن كلهن، لا أذكر أني كنت مجبراً على إحداهن.
قلت له: لا بد أن هناك واحدة وصلت إلى أعماق قلبك .. واحدة تجد نفسك مجبراً على التفكير بها .. مجبراً على البحث عن أشياء تذكرك بها .. أخبرني يا عمي فأنا أحب حديثك عن هذه الأشياء.
أطرق راسه سكوتاً لفترة ليست بالقصيرة ولم أرد أن أقطع صمته، تركته يستجمع ذكرياته التي أخفاها في قصص مختلفه حتى لا تظهر تلك القاتلة، وحين بدأ بالحديث بدا لي وكأن شخصا آخر يتحدث؛ شخص أكثر شباباً وألماً
أقسم لكم أن عينيه أصبحتا أكثر بريقاً
قال لي دون أن ينظر إليّ:
النعمة بت حاج أحمد
اتسعت عيناي وألجمت الدهشة لساني:
حاجة النعمة أم عبدالـ.....
ولم أستطع أن أنطق الاسم
فعبدالكريم الصائغ كاسمه ويسكن على بعد ثلاثة منازل من مجلسنا وكانت والدته الحاجة النعمة امرأة صبوحاً، ربت أبناءها بكل تجرد وعلمتهم وزوجتهم
كانت تسكن مع ابنها قبل وفاتها
هو أحد أغنياء الحي رجل آتاه الله المال والعز وكان بينه وبين محدثي مودة
وعندما يتقابلان كان ابن الصائغ ينادي عم عبدالكريم دائماً بـ(سيد الإسم)
كنا نحن نقابل حاجة النعمة وهي تذهب لتحضر الخضار واللحمة من جزار الحى
امرأة لا تخلو من الجمال والوقار رغم سنينها الستين
قلت له بحزن مستفسراً لأني تذكرتها بعد هذه المدة الطويلة:
حاجة النعمة التي توفيت قبل خمس سنين
رد على بابتسامة كأنه يحدث طفلاً صغيراً:
هذا صحيح .. ولكنها لا تزال تمر كل يوم في مثل هذا الوقت لتحضر الخضار
ولا زالت تبتسم لي عند مرورها بجانبي كل يوم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى