حميد العنبر الخويلدي - قصة كائن محيّر .. نقد اعتباري مقابل المبدعُ موعودٌ منتظَرٌ تسكنه المناطرة ويسكنه الترقّب

كائن مُحَيِّر ) قصة للكاتبة الادبية المعروفة هدي احمد حجاجي من مصر

«زواج نورهان حسم الأمر، وجعلنى أقدم على قرار الطلاق بسهولة.
أخيرا، وبعد ثمانية عشر عاما يمكننى أن أنعتق. أن أتنفس بحرية. أن أتحرر من هيلمانك وسلطانك.
لم يكن بوسعى أن أرفضك حين تقدمت طالبا يدى. طبيب شاب لا غبار عليه. لم أكن أستطيع أن أقول إننى أريد أن أتم تعليمى وأحقق ذاتى. بعدها تحركت نورهان فىأحشائى. مسؤولية البيت لم تكن ثقيلة. زوجى يوفر لنا كل شىء: الخادم والطاهى والسائق.. لا شىءيشغلنى إلا ابنتى. فى البدء كنت أقدر له إحساسه بالمسؤولية فهو الذى يمسك زمام الأمور. نزهة الصيف هو الذى يقررها.. مدرسة ابنتنا.. كنت فى البداية أقدر له هذه التصرفات. لكننى بمرور الوقت أصبحت أضيق بحياتى. لقد تحولت إلى تابع له، كيان لا يمكنه التصرف بمعزل عنه.
من أجل نورهان تحملت كل شىء. هى المجال الوحيد الذى جعلنى أشعر أن حياتى لم تضع هباء. لا أنكر أننى حزنت لقرار زواجها المبكر. أردت أن أجنبها مرارة تجربتى. أردت أن تتم تعليمها وتختبر الحياة قبل أن تلقى بنفسها فى دوامة الزواج والأبناء. لكنها صممت. وهكذا ذهبت. وهكذا انتزعت الطلاق بعد ذهابها. صممت على النجاح. ومكتب الديكور الذى افتتحته بدأ يعمل بشكل يدعو للتفاؤل.
■ ■ ■
قابلته حين أقمت فى أحد الفنادق. شعرت به يحاول جذب انتباهى. جاءنى وبكل جرأة يطلب مشاركتىفى مائدة الغداء. أحرجنى فلم أستطع الرفض. بعدها انكسر الحاجز. لم نعد نفترق سوى ساعة النوم فقط.
انبهرت بشخصيته. كان بالضبط كما أريد. فشل زواجه لأن زوجته كانت تريد أن تصبح نسخة منه. يا لسعادتى. أخيرا وجدت الرجل الذى لن يجعلنى مجرد تابعة له. ولأن أعمالنا متقاربة فقد ساعد هذا على كثرة لقاءاتنا، فهو مهندس وأنا فى مجال الديكور. كل منا يكمل الآخر. أسعدنى أنه لا يحاول أن يجعل منى شخصية مكررة منه، إنه يتركنى أقود سيارته وهو يجلس بجانبى. قررنا الارتباط. كنت منهمكة فى إعداد عش الزوجية الذى وقع على عبئها بالكامل. حتى اختيار الأثاث تركه لذوقى. كنت سعيدة بأسلوبه معه، حتى حدث ذلك الموقف التالى:
■ ■ ■
عندما حضر من عمله وما زال العمال ينهون أعمالهم وقتها تضايق بشدة لأنه يريد أن يرتاح. انتابنى القلق للحظات. لماذا يثور وهو لن يفعل أكثر من أن يذهب إلى حجرته ويغلق بابها؟ فهل هو مرهق حقا أم أنانى؟
الأقدار رتبت الإجابة. احتاج العامل بعض المواد التى لا بد من إحضارها فى السيارة. رفض أن يصحبه وأصر أن أذهب أنا! لحظتها راجعت فىعقلى كل تصرفاته. هل اندفعت فىتقديرى له؟ هل كان يستغل نشاطى لصالح أنانية؟ هل يريد أن يتزوج امرأة يحملها كل الأعباء ليتفرع لعمله وراحته؟
أهذا الذى تركت زوجى السابق لأجله؟ أتذكر الآن أنه كان يحثنى على استكمال تعليمى. أتذكر أنه كان يحاول أن يرعى نورهان، وأن يحضر لها مربية ولكننى رفضت.
هو لم يجعلنى تابعة له ولكننى أردت هذا.،،،
■ ■ ■
أسبوع كامل وأنا أتصرف كالمراهقين. أدور حول بيتى القديم بسيارته. أدير رقم الهاتف فيجيبنى صوته ولا أرد. أستعيد حياتى القديمة معه. كم كان رجلا رائعا. كيف أضعته من يدى.
كالعادة أدير رقم الهاتف، لكن صوته يأتينى هذه المرة محملا بالحنين: «وحشتينى يا مجنونة».

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

قصة ،،/كائن محيّر /،، ،،،،،،،،،،نقد اعتباري مقابل

(( المبدعُ موعودٌ منتظَرٌ،،
تسكنه المناطرة ويسكنه الترقّب ))

لو تأمّلنا أيَّ قصّة او روايةٍ وحتى المُقامَة كفن مختلق واي عمل آخر من الفنون ، نجدها كُتِبَتْ مرتين ، المرة الاولى
كتبها قلمُ الوجود وشكّلها تصويراً وتعبيراً مادّييْن، عبر افرادها وعناصر خلقها وموضوعتها وفق ضرورة الحال والمآل يوم ذاك وما خطر ،، هذا لو اردنا الواقعي الموثوق به بعيداً عن مدارس الخيال وتسخيرها اللفظي وبناته ،ولأنْ ذلك المتمثّل سلوكاً دِثارًا بكمّه ونوعه ، مختزناً بخانات ورفوف الوقت والمكان وبمثل مااقترن بمسمّياته وعناوينه في الطبيعة حتى يظهر للعرض ،،
لايستطيع ايُّ احد ان يراه او يعثر عليه ، ينفيه او يمحوه ولا حتى ان يضيف عليه ولا يزيد او ينقص ، انما هي صورة ثَبُتَتْ ، ونقصد القصة اوالرواية انطبعت ودخلت طور نشورها الاول كتابةً وظفراً في الكوني ،، الى ان تنتظر طور نشورها الثاني وهنا الاساس واصل البعث والباعث ،هنا الولادة الحقيقية بعد الولادة البكر تلك وهذا دور يقوم به المبدع للشي المحدث كتابةً اخرى ابداعية،
وهكذا هم افراد النص في المقطع الاول كيف تَحرّكوا وكيف طبعوا بصماتهم المادية على سبورة الواقع ، هذا اولا الطبع واول المناطرة والترقب مع الكاتبة هدى ،،،
امها التي تروي ، او قل بطلة القصة ، والشاب الطبيب ذو المستوى الاكاديمي المميز ،، والذي عقد عليها وتزوجها وباتت حليلته ،، واذا بها تخبره انّ ثالثاً مقبل في احشائها ،، هذا في الواقع ،،يعتبر اول نشور مادي دفعت به الضرورات ، واذا بها نورهان والتي اعطت زخّةً للمشهد ،
وعلى موعد جميل من المخاطرة الحسية والتي حازت على محرضها الداخلي وقد يكون خارجياً
كما هو موعود بالربط الضمني ، حيث تكرار الحدث بلَمّه وجمعه من جيوب الوجود وهنا الضربة المنتظرَة من قبل الفنان ،،،وكما ذكرنا اعلاه ان كل عمل قصصي كتب مرتين وبيّنّا عن الاولى ، وهذا تبيان المرة الثانية
لكتابته ،بأنْ ياتي المُنْتَظَر وهو المبدع الفنان الموعود والواعد بهَدْي الاشياء الى منصّاتها ايّ الاشياءالمسندة لان تكون وتاخذ دوراً في صنع الحياة الموجبة حياة الخلود في اوراق البهاء الاعتباري ،، ليُصَيّرَ النص ثانيةً ويدفع به نحو نشور اصيل ، لاشكّ فيه ولاتثريب ، فيكشف عنها غبار الصمت والسبات ، واذا بها حياة جديدة اخرى تعتبر معطىً ملهماً ننتظره ،،
وعلى سبيل المثال نذكر ان روايتي البؤساء لفكتور هيجو ، ورواية اولاد حارتنا لنجيب محفوظ ،كانتا قد دخلت نشورها لمرتين ،النشور الاول في آباط الوجود اذ مثّلها افراد على غِرِّ عادتهم ،ودون قصد منهم انما هو على طريقة ،،( واسعَوا في مناكبها ) وكيفية تَحرّكهم بزمكانهم يحركهم القدري حتماً، وهو يعلم يقيناً من انْ ظاهرةً ستُحْدَث آجلاً اذ يأتي الدورُ المُوجِب للنشأة الجمالية وقد يأتي حتى ولو لالف سنة تُنْتَظَر او مادامت وحدة الوجود في بقائها ،
وجِيء بها في نشورها الثاني وهو بعثها الاصل، ومن هنا تبزغ استنارة الذات المبدعة ، لتأخذ دورَها الباعثَ في
جني جماليات السلوك الخام او السلوك الممسرح والذي كما ذكرنا مُثّل على ظهرها وفق مراحلها
العفوية ومراحلها المنظّمة ،،
ويتجلى لنا ومن خلال هذا المنظور البسيط ،ان كل الابداع الفني عامةً مُبْتَدَعَهُ الذي أُنجِزَ وظهر في العرض ، او مُلْتَحِقَهُ المستتر في جيوب الوقت ريثما يظهر ، هو طيف نظيف عابر من شمس المناطرة والترقّب بين الناص والمنصوص المحدث في حينه او غير حينه حتى لو امتد الزمن وبقى غائباً او ظهر ، ولعل المُتَأمَّل الابدي والمرتقب هذا في حججنا ونهوجنا اليقينية منها طبعاً ولا مستغرب هناك ، انما نستدرك هنا وبايمان قاطع ، على الفكرة التاريخية ، ونقول انّ كلَّ مبدعٍ موعودٌ ، في حقيقة وجوده، وفي نفس الوقت منتظِرٌ ومنتَظَرٌ في ذاته وارتباطاته ، وكذلك بحدود
تجلياته ليس إلْا ، وحسب معيارية طاقاته وصنوفها في مستويات الذروة والاعتبار ،،،
فهو موعودٌ بالنص لو كان النص هذا يحمل بُعْدَه الرساليَّ للارض والناس مثلاً ، وكما وردت الصحف والكتب السماوية المعتبرة فضلاً عن دور مرسليها بها ،وهذا اجراء غيبي طبعاً ، سيما وهو من اشارات النهج الذي سرنا عليه في فهم طريقة اصحابنا في الحقيقة والمكاشفة فالانبياء وكتبهم السماوية مثلا ، كانوا في وحدة ترقب ومناظرة مع النصوص حتى جاء موعد بزوغ الدعوة، واعلان الاعجاز الاقناعي ، هذا من جانب ،، ومن جانب آخر في مستوى الابداع الفني ، فالعظيم السَّيّاب كان موعوداً بانتاج وابتكار حداثة الشعر الحر ومدرسته العظيمة ، كمنعطف جديد يخدم غرض الادب العربي ومصنّفاته ،بهذي المرحلة المعاصرة وهنا ضرورة قدر مؤجلة حتى حان وقتها فتفعّلتْ ،،وكان مُنتَظَرا بها ولها في نفس الوقت من قِبَل ذات النتاج والفعل ، ومن قِبَل امة بذاتها وتاريخها واجيالها ،، وكلُّ فنان عظيم مشمول بالفكرة هذي وبالناموس التنظيري الذي نطرح ، منهم مَنْ سبقَ وتحقق ، ومنهم القادم والمنتظر كذلك ليتحقق ،،
هكذا نفهم في الكيفيّات دينامياً وجدلياً،،
قصة (كائن محير) حكمتْ حالها باحكام من هذا النمط النهجوي التكويني ،ففي بعدها المادي تكشف لنا عن أنّ افراداً مروا من هنا ، ومثّلوا سلوكهم المثالي اذ تركوه مودعاً في جيوب الوجود ،
ومضوا ، ولانستطيع ان نحكم ايْنيّاتهم المكانية ، انما هي التائهة المفتوحة المصاريع ، حيث الكاتبة /هدى/ لم تحدد خريطة المكان بموقع ولاعنوان ولاحتى بزمن تاريخي معين ، قد تستطيع خلاله تأشير هذي الحيثية ، وهذا قد كان مقصودا من قبل المبدع ، استمكن حال قصته وهو يلُمُّ شتاتها
فغضَْ نظره عن تعيين اتجاهات جغرافيا الفني ، وترك الحبل على القارب سائباً ، اعجبه ان تكون للريح والشراع حكايةً وصحبة ،،
او نؤشر على الكاتب عيباً ، فلعل كل عمل فني بديع لابد من هوية مكث وارتباط ، كي نعرف المزاجية والقيم الموروثة المحيطة ، لتتخالط التجليات المساهمة بين المحدث الجديد والمُذْخَر
الذي ينتظِره ردحاً ، وكما في منظورنا النقدي اعلاه ، النص بين موعوده ومنتظره ،،
هكذا هي المودعات والمحدثات في مراحل تصيّراتها وتصويراتها،
فالاديبةُ القاصّةُ لو ارخينا مصراع المبادرة التطبيقي لقصتها وعلى هذي الامثولة ، لقلنا انها كانت ونتاجها مترابطة برباط المناطرة والترقب ، النتاج يتنطّر مبدعَهُ فيراه، حتى ولو كان شتاتاً انما له ماهية كلية تبصر ، والناصُّ المبدع كذلك في وحدة ترقّبٍ مع نتاجه حتى ولو لم يحن وقته ،،كل نتاجات المبدع المحسوبة على وقته النظيف ، هي محمولةمعه كلٌّ بطبيعتها حيث التنزيل والتقسيط ، في هبوطها للصيرورة ،،
السيدة هدى انتجت كثيرا قبل ،وانتجت هذي القصة / كائن محير / وستنتج بعدها ما استدام مكانها اكيد ، كلُّ هذا الموجود هو مترابط معها كترابط العنقود للشجرة ، وحسب موسمه وظرفه ونكهته ومزاجه ،،حتى تتنزل المنصوصات تباعاً ،،
نثبت انَّ وحدةً من الترقّب والمناطرة بين ابداعات المبدع وذاته ،، مترابطة كترابط حلقات السلسلة الذهبية باتقان لاينفك ريثما يأت دوره ، ولعل المبدع دائماً وابداً يهجس محمولاته
التي في كنفه ماظهر منها وما بطن ، فهي محط أُنْسِه ومحط كماله الجمالي الفني ،
بل هي معدل طاقته الدافعة والتي تحثه وتتحرك به ،،
حتى تنفذ الشرارة والاستنارة ، عندها يصبح خاليا وفاضه ، ولايشتعل أُجاقه ،، ويتحول الى انسان يختلف عن مبدعه ، انسان من العوام ،،

الناقد الاعتباري
حميد العنبر الخويلدي ،،،،،،،،العراق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى