محمد علي أبوروف - اول جبلية فى الاسلام

كلّما عدت الى قراءة أخبار عائشة بنت طلحة (توفيت عام 110 هـ ودفنت في المدينة المنورة)، في كتب "الأغاني" للاصفهاني، و"العقد الفريد" لابن عبد ربه، و"سير أعلام النبلاء" لشمس الدين الذهبي، و"نهاية الأرب في فنون الأدب" للنويري، و"صحيح" البخاري، سحرتني بجمالها المتخيل وأغوتني بأخبارها "الاستثنائية" و"الصادمة" و"المشرقطة" و"السوقية" والاريستوقراطية. كانت إحدى "سيدات" عصرها، تقرأ الشعر وتتذوقه وترويه وتحبّه على لسان عمر بن أبي ربيعة، ولها مجلس أو "ندوة" أدبية يُدعى إليها الشعراء وسادة القوم،
قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء": "كانت عائشة أجمل نساء زمانها وأرأسهن، وحديثها مخرّج في الصحاح". وهي "امرأة جليلة" بحسب أبي زُرعة الدمشقي، وسليلة بيت كبير القدر في عصر النبوة، و"قد حباها الله جمالاً باهراً، كأنها هي إحدى حور الجنة في هذه الدنيا"، بحسب كتاب "نساء من عصر التابعين". أبوها طلحة بن عبيد الله التيمي القرشي، أحد كبار الصحابة ومن "العشرة الأوائل المبشرين بالجنة"، وأمّها أمّ كلثوم، بنت الخليفة أبي بكر الصديق، وكانت أشبه الناس بخالتها عائشة زوجة النبي وأحبّهم إليها وأطبعهم على علمها وأدبها، فقد تتلمذت عليها، وروت عنها الحديث النبوي.
عادة بالرجال.
لم تكن عائشة بنت طلحة مجرد امرأة جميلة فحسب بل كانت حافظة للقرآن فقيهة، يتحدث الناس عن فضلها وأدبها، فقد كانت ذات دراية بأخبار العرب وأشعارهم وآدابهم. وكانت لها علاقات أدبية ومراسلات ومكاتبات مع الأدباء الشبان والشيوخ. لا توضح لنا كتب الأدب هذا الجانب من حياتها، وهي للأسف كتب قليلة إذ ان الجانب الديني طغى على اهتمام الموثقين، بعكس ما نجده عن توثيق نشاطها الديني في بعض كتب الحديث وتراجم الرواة من نصوص نقلت لنا شيئا من كلامها هي عن هذا الجانب من حياتها. ففي كتاب "الأدب المفرد" للإمام البخاري يقول ما نصّه: "باب الكتابة إلى النساء وجوابهنّ عن عائشة بنت طلحة قالت: قلتُ لعائشة ــ وأنا في حِجْرها ــ وكان الناس يأتونها من كل مِصر، فكان الشيوخ ين يقصدونني مرة بعد اخرى] لمكاني منها، وكان الشباب يتأخَّوني [أي يتحرّونني ويقصدونني] فيهدون إليَّ ويكتبون إليَّ من الأمصار. فأقول لعائشة: يا خالة، هذا كتاب فلان وهديته، فتقول لي عائشة: أي بُنيَّة، فأجيبيه وأثيبيه، فإن لم يكن عندكِ ثواب أعطيتكِ، قالت فتعطيني" (صحيح الأدب المفرد، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني).
لعائشة محاورات مشهورة مع شعراء عصرها، موجود بعضها في كتابي "الأغاني" و"العقد الفريد". ولم يكن الشاعر يجد حرجاً ان يعلن لها عن اقواله ومشاعره وإعجابه في وسط مجتمع بدوي (مع أن الكثير من النساء منعن من زواج شاعر تشبب بهن)، ففي إحدى القصص بين عائشة بنت طلحة وعمر بن أبي ربيعة نجد أن اعتراضها على كلامه لم يتجاوز وصفه بالفاسق، إذا انها وافقت على سماعه، حيث يذكر الاصفهاني ان عمر لقي عائشة بمكة وهي تسير على بغلة لها، فقال لها: قفي حتى أسمعك ما قلت فيك، قالت: أوقد قلت يا فاسق؟ قال: نعم، فوقفت فأنشدها:
يا ربةَ البغلةِ الشهباءِ، هلْ لكمُ
أن ترحمي عمراً، لا ترهقي حرجا

قالت:
بدائكَ متْ أو عشْ تعالجه،
فَمَا نَرَى لَكَ، فيما عِنْدَنا، فَرَجَا
قد كنتَ حملتني غيظاً أعالجه،
فَإنْ تُقِدْني فَقَدْ عَنَّيْتَني حِجَجَا (الأغاني)




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى