سمير عباس - سيميائيات "الكوانتم"

توضيح :
الكوانتم quantum تعني الجسيمات الدقيقة مثل الإلكترونات، أشار هايزنبرغ إلى أن الإلكترون بسبب سرعة حركته التي تفوق سرعة الضوء يكسر قواعد الفيزياء القديمة التي تقول إجمالا أن المتحرك في لحظة معينة موجود بالضرورة في مكان واحد معين، أما الإلكترون فهو في أية لحظة معينة يتعذر تحديد موقعه بسبب من سرعته الفائقة، بعبارة أخرى أن الألكترون في لحظة معينة موجود في كل مكان من جسم الكرة التي تحيط بنواة الذرة و هو أيضا غير موجود في أي مكان في الوقت نفسه من هذه الكرة.
إذن نكون في حالة الجسيمات الدقيقة أمام وضع يفرض علينا التعامل بمنطق جديد هو منطق الاحتمالات العديدة المتزامنة أي التي نتوقع إمكانيتها في الوقت نفسه ، و هذا المنطق الجديد هو منطق يختلف عن المنطق الأرسطي الذي يقول بالثنائيات و يرفض الثالث المرفوع ، و لهذا فسيميائيات الكوانتم أقرب إلى شكل جديد للمنطق الذي نفكر به
و بعد عام من التفكير في قضية العلامات غير المستقرة محاولة للحاق بركب أستاذي محمد عبد الحميد المالكي مدير مختبر بنغازي للسيميائيات و تحليل الخطاب في سيميائيات الكوانتم، توصلت إلى بعض من الإشارات التي أراها مهمة و أقترحها هنا من أجل بحث جماعي، تقوم سيميائيات الكوانتم على مفاهيم التزامن و التشابك ( الترابط الشبكي)، لهذا أحاول بدء البحث من التساؤل عن كيفية عمل الأنساق المتزامنة ، و هي الأنساق التي تحظى بتحفز كلي متزامن لمجموع العلاقات القائمة بين عناصرها، أي مجموع العلاقات القائمة بين عناصر النسق من وجهة نظر تزامنية، و التي يمكن تسميتها بالسميوز النسقي
شفافية العلامة
أثار رولان بارت في كتابة ميتولوجيات مفهوما محوريا في السميائيات و هو شفافية العلامة، و هو يعني استقرار العلاقة بين الدال و الملول ، و هذا الاستقرار هو الذي يتيح عملية التدليل و التواصل بشكل عام، و هذا يعني أن السيميائيات في هذا العصر كانت قائمة على مفهوم العلامات المستقرة، و لكن سيميائيات الكوانتم فيما يبدو لا تعتمد هذا التصور ، و هذا ما جعلني أفكر في العلامات غير المستقرة، حيث الدال يحيل على كل شيء و لا شيء في الآن نفسه، و هذا الفهم يدعو إلى تصور سميوز نسقي، حيث كل دال يحفز مجمل العلاقات في النسق تزامنيا
السميوز النسقي
مفهومي عن السميوز النسقي مفهوم معمم تجريدي أعتقد أنه غير بعيد عن أن يكون واقعيا، فإذا ما نظر إلى السميوز على أنه تداع حر للعلاقات، أمكن هذا النظر من تصور للنسق في كليته ، هذه التصور الكلي يمت بصلة وثيقة لفهم النسق وفق تزامنيته و أيضا في تشابكه entanglement ، فهو يسمح بتصور ذاكرة نسقية كلية تأخذ شكل الحمض النووي الكلي ADN على مستوى كل عنصر مفرد على حدة، و ربما جعلنا هذا التصور للسميوز النسقي قريبين من نحو سيميائيات الكوانتم العامة، و بالنسبة للسنن أي تواصل الأنساق كما يبدو أنه مميز للفكر الحي خاصة منه البشري، هذا التواصل النسقي على المستويين العمودي و الأفقي يعطي وفق منظور السميوز النسقي رؤية ممكنة لمفهوم نسق الأنساق الذي يشكل هذا الفكر الحي، و باعتبار الدينامية الكامنة لنسق الأنساق، فإن فعل الفكر الحي الفردي المتجلي في تشكيلة نسقية معينة هو نتاج لعمل نسق الأنساق على المستوى الفردي الخاص، فهذه التشكيلة النسقية تحفز ظهور صورة عنها لدى المتلقي وفق عمل نسق الأنساق على مستواه، و كلما كانت هذه التشكيلة النسقية المرسلة أقرب إلى كونها جديدة مبتكرة كلما تحفزت أنساق المتلقي لمقاربتها باتجاه أصالة الدينامية الكامنة لنسق الأنساق، و من هنا يبدو أن مفهوم التحفيز وثيق الصلة بتواصل الأنساق لدى الفكر الحي، و على العكس من ذلك فإن مفهوم التحفيز مهم للفكر الآلي أحادي النسق، فالتشكيلة النسقية المرسلة للفكر الآلي تحفز سميوزا نسقيا جزئيا على مستوى هذا الفكر يتيح له مزيدا من الإمكانية لتصنيع تشكيلات نسقية مقبولة لدى الفكر الحي أي منسجمة مع نسق الأنساق، و كلما توالت التشكيلات النسقية المرسلة من الفكر الحي إلى الفكر الآلي كلما كانت قدرة الفكر الآلي أكبر على توليد تشكيلات نسقية أكثر انسجاما، و هذا في حدود الإمكانيات النسقية المتاحة صناعيا، و ربما هذا يفسر بشكل أوضح مفهومي عن كمبيوتر الكوانتم الذي يتعلم و يتفاعل مع الفكر الحي على الرغم من كونه أحادي النسق مقارنة مع الفكر الحي متعدد الأنساق
كمبيوتر الكوانتم
لدى تلقي الفكر الآلي العامل وفق السميوز النسقي أحادي النسق لتشكيلة نسقية من قبل المرسل، فإن هذا الفكر الآلي الذي لا يفكر يقوم تحت تحفيز المرسلة بإعطاء التشكيلة النسقية المبتكرة الأقرب إلى التشكيلة النسقية المرسلة إليه بشكل آلي تخضع سرعته إلى الإمكانات النسقية الصناعية المتوفرة لديه، فهو بهذا في منزلة بين التقليد و الابتكار، أي أنه دائما يتقدمنا بخطوة في إمكانات التفكير، و لا نتجنى عليه بالقول إنه يتحدى الفكر البشري كما لا نثني عليه بالقول إنه يتقرب إلينا بشكل أكبر مما نتقرب نحن إليه، و ربما نكون موضوعيين حين نقول إنه يعطي شكلا ممتازا للتفاعل، فهو يطور الفكر البشري سواء كان طيبا أو شريرا دون أن يشعر ، و هذا لأنه أحادي النسق في الحين الذي تحتاج أحكام القيمة إلى أنساق متواصلة أي أسنن ( جمع سنن)، و هذا التفاعل الذي يتميز به كمبيوتر الكوانتم، هو خطوة رهيبة في طريق تطور البشرية.
التحفيز motivation
تقوم السيميائيات على علاقات بين الدوال و المدلولات كما نقل إلينا عن دي سوسير، و يبدو أن الدال يمتاز بطبيعته على قدرة تحفيزية تجعل المتلقي يتصور مدلولا معينا، و كما مر سابقا مع كمبيوتر الكوانتم، فإن سيميائيات الكوانتم تبقى مرتبطة بمفهوم التحفيز الذي يبدو أنه محوري في السيميائيات الحديثة على الرغم من تخلصها من مفهوم استقرار العلامة لصالح اللا استقرار، و يبدو أيضا أن مفهوم التحفيز محوري أيضا في العلوم المعرفية cognitives ، و بافتراض سنن معرفي يصل نسق اللذة / الألم بنسق المعرفة/ الجهل ، يمكن تصور تحفيز معرفي يشعر فيه الكائن البشري بارتياح أكبر كلما ازداد معرفة ( المعرفة هنا بمعنى تزايد النسقية أي تزايد القدرة على التفكير)، و يتضح هذا في ظاهرة الدفء و الارتياح الداخلي المرافق لحدوث الحدس المعرفي، و ربما كان مجال التصوف مزودا بعبارت توحي بهذا الدفء المعرفي من مثل بحار الأنوار و الإشراقات ، و ربما كان هذا مسوغا لعبارة أكاديمية من مثل انفتاح النص الصوفي على مناهج النقد الحديثة.
لفكر الآلي
إذا سلمنا بأن الفكر الآلي أحادي النسق على العكس من الفكر الحي متعدد الأنساق، فيبدو أن كمبيوتر الكوانتم ناجع مبدئيا فقط في التعامل مع العلوم النسقية أي أحادية النسق كالرياضيات، و عندما يتلقى الكمبيوتر هذا تشكيلة نسقية في مدخلاته فإنه يعطي في المخرجات التشكيلة النسقية المبتكرة الأقرب إلى التشكيلة المدخلة، فإذا أدخلت التشكيلة النسقية الناتجة ثانية في المدخلات فإنه يعطي تشكيلة نسقية ثالثة مبتكرة هي بدورها الأقرب إلى التشكيلة النسقية الثانية، و هكذا دواليك، فكمبيوتر الكوانتم يقوم بتحوير التشكيلات النسقية المدخلة إليه بابتكار علاقات نسقية جديدة ، و هذا التحوير هو في واقع الأمر تأويل ، و لكنه تأويل مجاوز يختلف عن التأويل البشري المقارب للظواهر، و هذا الأمر يستوجب من الكائن البشري الذي يتواصل مع كمبيوتر الكوانتم تطوير منظومته الرمزية حتى يتمكن من ملاحظة التأويل الآلي في شاشة المخرجات، فالكائن البشري قد لا يتمكن من مجاراة الفكر الآلي دون تطوير منظومته الرمزية الخاصة بنسق تشكيلته النسقية المدخلة و المؤولة فيما بعد، لهذا ربما كان يقول كاسيرر أن الإنسان كائن رمزي ، و كان بيرس يؤكد أهمية الاستعانة بالرسوم البيانية في تمثيل الأفكار، فالإنسان وفق هذا التصور عاجز عن التفكير دون تعدد في أنساق فكره، فهو يفكر مستعينا بالتواصل بين الأنساق أي بالأسنن ( جمع سنن)، و هذا الأمر برمته يقوي من فرضية عد السيميائيات كعلم للعلامات علما أساسيا بين العلوم بما فيها فلسفة العلوم، كما يظهر أهمية الترميز في العملية التعليمية بدءا من أطوارها الأولى ، هذا الترميز يعني بشكل عام ملاحظة الظواهر على اختلافها في تأثيرها المتبادل.
التأويل
أشار أمبرتو إيكو في كتابه الرائع السيميائية و فلسفة اللغة إلى عمل فرديناند دو سوسير على الجناس التصحيفي anagrames ، و ربما بدا من السذاجة رد النصوص الإبداعية إلى نصوص سابقة عليها عبر اللعب بالحروف، لكن فرديناند دوسوسير كان على درجة عالية فيما يبدو من التماهي باللغة و الكلمات و الحروف جعلته ينحو هذا النحو الغريب، فإيمانه الكبير بإمكانات النسق أيا كان و النسق اللغوي على وجه خاص جعله يبحث بجد و مثابرة عما يقدمه النسق من هبات، و ربما دفعه الشعور بإمكانات النسق المهولة إلى أخذ وجهة أخرى لدراسة اللسان، و قد وفق أيما توفيق في وجهته الجديدة أي السيميائيات، علم التواصل بين الأنساق، بعد اللسان منظومة سيميائية بامتياز ، فكان عمله على اللسانيات مشروعا عاما لدراسة السيميائيات.
و إذا كان عمل الفكر الآلي بوساطة السميوز النسقي تأويلا مجاوزا مستمرا، فإن استمراريته محدودة دون شك، لأن النسقية الصناعية تظل دائما قاصرة عن استنفاد إمكانات النسق، لكن نتاج الفكر الآلي المجاوز هو محفز لعمل الفكر البشري متعدد الأنساق الذي يطور منظومته الرمزية لمجاراة الفكر الآلي الذي يظل معزولا دون هذه المجاراة البشرية، لكن عمل الفكر البشري على أنساق عدة يجعل مقاربة الفكر الآلي مفتوحة على وجهات شتى، فمقاربة الرياضي غير مقاربة الفيزيائي و كلاهما مختلفتان عن مقاربة المعماري، و يتوجب دائما ردم الهوة بين المقاربات المتعددة في سبيل إثراء الفكر البشري.
أشار جاكبسون بدقة شديدة إلى مفهوم اكتشاف السنن decryptage و هي مرحلة سابقة بطبيعتها عن فك السنن decodage ، فاكتشاف السنن شبيه بمعرفة اللغة التي يتكلم بها محاوري و هو ضروري للتواصل في انتظار تحقق المرحلة التالية و هي فك السنن أي التحكم في اللسان الهدف.و تمكن ملاحظة أهمية هذا المفهوم في ظواهر عديدة نعرفها في حياتنا، فكثيرون منا يتساءل عما يتعلق الأمر لدى الاستماع لسمفونية خالدة لباخ أو موزارت، أو لوحة تشكيلية لبيكاسو، إذ يبدو لي أن الأمر يتعلق دائما بسنن معين أي بتواصل بين نسقين اثنين.
و في هذه الوجهة من التفكير يظهر جليا أن قضية التأويل كما شكلها غادامير في إطار مفهوم الانسجام الذي يعطي حدا أقصى للموضوعية، أي للتواضع البشري، و بما سماه أمبرتو إيكو بالتأويلات المقبولة، هذا التأويل في حقيقته يتكامل مع تفكيكية ديريدا في تأويلاتها اللانهائية و انزياحاتها التأويلية في كل اتجاه، هذا إذا ما نظر إلى الظاهرة المؤولة جزءا من نسق معقد مهول يصعب على الفكر البشري ملاحظة انسجامه إن لم نقل يستحيل ذلك.
سق الأنساق
أتصور تجريدا من وجهة نظر التحفيز السيميائي أن كل الأنساق متواصلة فيما بينها، يربطها سميوز نسقي سنني، و كل عنصر من أي نسق كان يمثل ذاكرة كلية لنسق الأنساق وفق آلية عمل هذا السميوز ، و كل التشكيلات النسقية تقابلها تشكيلات موازية في الأنساق الأخرى، هو بتعبير بسيط كيان تصوري كامل مثالي سابق عن التفكير البشري.هو عالم من طبيعة سيميائية.
و مع كمبيوتر الكوانتم تجلت ضرورة مجاراة الفهم البشري للتأويل الآلي المجاوز للتشكيلات النسقية الواردة في مدخلاته، بمعنى ضرورة تطوير النظام الرمزي البشري في سبيل التمكن من ملاحظة آثار التأويل الآلي، و إذا سلمنا من وجهة معرفية بوجود سميوز نسقي سنني في الفكر البشري، فيجب أن نلاحظ أن هذا الفكر في حالة تطور أي تعلم مستمر، فقد يستوجب تطوير المنظومة الرمزية البشرية إثراء نسق معين بعناصر جديدة كانت خافية عنه، و هذا الإثراء النسقي البشري يسير في طريق تكوين علاقات نسقية موازية للعلاقات النسقية في التشكلية النسقية المؤولة آليا فيتمكن بهذا تطوير المنظومة الرمزية البشرية. لكن من المجدي التفكير هنا أن الفكر البشري انطلاقا من هذه النقطة قد يتمكن من تأويل التشكيلة النسقية المؤولة آليا بدوره تأويلا مجاوزا ما يمكنه من التطور بشكل ملحوظ.
و تقوم فرضية التأويل المقارب على القبول بعدم تحكم المؤول في سنن الرسالة، فهو يحاول فك هذا السنن ، بينما تقوم فرضية التأويل المجاوز على التحكم في سنن الرسالة. و هذا التمييز ربما يدفع إلى التفكير إلى نوع من العمل الذهني البشري الدائم على التأويل المجاوز للظواهر، حيث يفيد إثراء نسق من الأنساق الفكرية البشرية في دفع هذا التأويل المجاوز قدما في حدود التمكن من ربطه بروابط سننية بنسق آخر أو أكثر، فيكون التأويل المجاوز البشري رهنا بإثراء أنساقه الذهنية في حيز الوعي، و تظهر هنا جليا أهمية دراسة الأنساق
لكوانتم و الوعي
كثيرا ما تعني سيميائيات الكوانتم لدى بعض من الناس معنى الجنون، فعندما تقول إن الدال يحيل على كل شيء و لا شيء في الوقت ذاته بدا لهم هذا المعنى عين الجنون، فهل يعتبر هذا النوع من الجنون على الأقل أكثر تطورا من الوعي السليم، و أن على الوعي السليم أن يتطور إلى درجة الجنون حتى يتمثل سيميائيات الكوانتم؟
في هذه النقطة يظهر جليا التساؤل عن أمكانية أن يطفو التفكير بالكوانتم إلى ساحة الوعي إذا ما افترض أنه مسلم به في اللاوعي، بعبارة أخرى نتساءل ما هي حدود أو إمكانيات التواصل ضمن سيميائيات الكوانتم؟ و يبدو سؤالا وجيها تخدم الإجابة عنه استمرارية البحث في هذا الموضوع.
التعرف النسقي
عندما نسمع كلمة مثل ( شجرة) يفيدنا سنن التعرف كما أشار إليه أمبرتو إيكو في التعرف إلى هذا الدال على أنه عنصر مفرد ضمن سنن الأعداد الطبيعية يفيد بوجود دال أشجار مثلا، و في الواقع فإن الدال ( شجرة) هو تشكيلة نسقية لغوية تقابلها في الوعي تشكيلة نسقية شكلية ( خطوط) و أخرى لونية و هكذا، فالوعي البشري ربما هو غير قادر على تمثل عنصر ذري، عملية التواصل تبدو هكذا معتمدة على أنساق جزئية، و تظهر عمليات التعرف الآلية على الأشكال و الأصوات التي توصلت إليها التكنولوجيا حاليا هذا المظهر من التعرف، فالجوكندا هي تشكيلة نسقية لغوية تحيل على تشكيلة نسقية لونية معروفة، و يبدو هنا أن التعرف النسقي كما نتصوره مختلف عن آلية التعرف الجشتالطية، على الرغم من أنه متعارف على الاعتماد عليه في علم النفس العيادي عبر بقع الحبر الظاهرة على بطاقات تعرض على المريض في سبيل تقويم الشخصية.
ربما كان من الطريف اللجوء إلى مفهوم التعرف النسقي لمقاربة أمكانية التواصل بوساطة سيميائيات الكوانتم، لكن هذا المفهوم لا يفتقر إلى الجدوى في سبيل هذه المقاربة.
لأنساق التحفيزية
طالما أن سيميائيات الكوانتم تتجاوز مفهوم الشفافية الذي تعتمد عليه السيميائيات الكلاسيكية، ربما توجب التوسل بمفهوم التحفيز الذي تشترك فيه السيميائيتان، و هذا في سبيل بحث إمكانيات و حدود التواصل عبر سيميائيات الكوانتم، و يبدو أن مفهوم التعرف النسقي لا يفتقر إلى العلاقة بالتحفيز، فالأنساق الجزئية التي عرفناها سابقا كدوال، هذه الأنساق الجزئية تحفز آلية التعرف لدى المتلقي، و بما أن التعرف النسقي هذا مقبول جدا في حدود السيميائيات الكلاسيكية، فإن سؤالا يتبادر إلى الذهن، و هو لم يقتصر التحفيز هنا على أنساق جزئية فقط بدل أنساق كاملة، و هذه هي نقطة الولوج إلى حدود سيميائيات الكوانتم، إذ يبدو أن هذه الأخيرة تقبل مفهوم التعرف النسقي الكلي، بمعنى افتراض وجود نسق تحفيزي أي نسق يحفز في كليته آلية التعرف لدى المتلقي، و يجدر بنا التساؤل هنا إن كانت الأنساق العادية التي نتعرف إليها جزئيا قابلة لتحفيز تلقينا في كليتها، أم أن الأنساق التحفيزية محصورة فقط في نسق واحد أو أكثر ضمن مجموعة أنساق بعينها؟
التحفيز و التعرف
هذه الثنائية المفهومية المتمثلة في التحفيز و التعرف تبدو مألوفة في الدراسات البيولوجة، يخترق عنصر دخيل حيز الدفاع المناعي الحي فيحفزه لسلوك سلوك مضاد معين ينتهي بالتهام العنصر الدخيل و تمثله في سبيل التعرف إليه لاحقا.
هكذا يبدو أننا ضمن سيميائيات الكوانتم، يقوم النسق المحفز بتحفيز التلقي بوساطة عنصر واحد فحسب أو مجموعة عناصر بعينها منه، و يتم التحفيز بتنشيط نسق كامل واحد على الأقل لدى المتلقي، يتمثل المتلقي النسق التحفيزي في كليته عبر آلية سننية تشبه التراكب البيولوجي لدى تشكيل الأجسام المضادة، و يتمكن المتلقي فيما بعد بالتعرف على النسق المحفز في كليته.
النسق التحفيزي و الفهم
يبدو أننا الآن أمام آلية جديدة للفهم تختلف عن الفهم القديم التراكمي، فهو فهم جديد متزامن أي تمثل ، يتمكن المتلقي من التعلم في هذا العالم الجديد عن طريق التحفيز النسقي، و يبدو أن هذا التعلم الجديد فريد من نوعه على الرغم من تحققه سابقا فعليا، يقول أحد علماء فيزياء الكوانتم أننا لن نبقى كما كنا بعد فهم الكوانتم، فهذا يعني تطويرا للتلقي البشري يتجاوز الفهم القديم و لا يلغيه، تخبرنا التجارب الروحية في العالم عن تطور كبير في الفهم نعجز عن تمثله، كما هو الحال في التجارب الصوفية أو ربما بعض من حالات الأدب السريالي، نحن نبقى دائما ضمن أطر سلامة الفهم، و ليس كما فسر بعض من المفكرين ظاهرة الجنون الهذياني بالحياة في نسخة مختلفة عن الواقع المعيش، و لكن يبدو أن البحث في سيميائيات الكوانتم قد صار إلى هنا مشوقا كقصة حبة الفاصوليا العجيبة التي نغرسها فنحصل في الغد على شجرة عالية تخترق السحاب نحو عالم عجيب.
لشغف و الإبداع
يدفع الإعجاب المتكرر بتشكيلات نسقية متجانسة أي تنتمي للنسق ذاته إلى تولد شغف بهذا النسق يشكل بدوره دافعا لتتبع التشكيلات النسقية الأخرى المنضوية ضمنه، و مع مرور الزمن يشكل مجموع التشكيلات النسقية المتجانسة موضوع الشغف بخلق نوع من الضغط الفكري ينتهي في حالات كثيرة بتشكل ظاهرة الإبداع بخلق تشكيلات نسقية جديدة من هذا النسق، يحدث الإبداع بشكل عام تحت وطأة حالات شعورية استثنائية ندعوها بالإلهام، و يبدو أن ما يحدث أثناء هذه اللحظات الإلهامية هو انبجاس فيضاني شعوري للتحفيز النسقي الكلي الذي يسمح بإدراك علاقات نسقية جديدة غير مألوفة، و طبعا فالمعروف أن هذه الحالات من الإلهام صحية جدا و لا تتسبب في أذى للفكر السليم، بالعكس من هذا فهي تطوره بشكل يعطيه القدرة أكثر على الفهم الواعي، يظهر الآن أن سيميائيات الكوانتم تقارب بشكل مقبول ظاهرة الإبداع، و لكن طالما أن المبدعين في المجتمعات قلة في العادة فإننا نشعر بالتوجس من عدم إمكانية تحقيق تواصل عبر سيميائيات الكوانتم بين كل فئات المجتمع لتظهر نخبة خاصة ندعوها بمجتمع الكوانتم ضمن المجتمع ككل، و لكن التاريخ يخبرنا عن سياقات تاريخية حفلت بظهور حالات كثيرة نسبيا من المبدعين، فهل نتساءل بدورنا عن السياق الأمثل لحضانة مشروع سيميائيات الكوانتم الاجتماعي، و نتساءل هنا إن كان سياقا فكريا جماليا يحتفي باللامألوف و غير العادي خارج بديهيات أرسطية كالهوية و الثالث المرفوع؟
كيف يمكن تأليف سياق من هذا النوع يسمح لنا بتكوين نخبة الكوانتم و ربما إن كنا محظوظين بتكوين مجتمع الإبداع أي مجتمع الكوانتم المتطور ذهنيا؟ تبدو هذه التساؤلات و كأنها عود على بدء لبداية هذا البحث في انتظار تشكيل الأسئلة المناسبة في هذه المرحلة منه، و مع هذا فهي توسع من فكرتنا عن الكوانتم بعض الشي
انفتاح النسق
يبدو أن اقتصار التعرف النسقي البشري العادي على أجزاء معزولة من النسق يوحي بانغلاق النسق أمام التعرف النسقي الكلي و انسداد سبيل التحفيز النسقي ، و هذا الانغلاق ربما كان داعيا للتساؤل حول آليته، فالتعرف على آلية الانغلاق النسقي قد يساعد في التمكن من تحقيق انفتاحه ، و من ثمة إمكانية توسيع رقعة التعرف النسقي تدريجيا أو بشكل شبه كامل فوريا.
إن اعتماد الفكر البشري على التواصل بين الأنساق، و الذي هو في واقع الأمر تواصل بين أجزاء معزولة من الأنساق، هذا النوع من الفكر يعطي الانطباع بالاكتفاء و يقف بذلك حاجزا أمام التفكير في الخروج من الحدود النسقية المغلقة التي يمكنه التفكير ضمنها من تحقيق نوع من القناعة بعدم وجود سبل أخرى للتفكير و تلقي المعرفة، خاصة و أن هذا الفكر غير قادر على الاشتغال ضمن نسق واحد فحسب.
و مما سبق رأينا أن التواصل مع الفكر الآلي وحيد النسق ممثلا في كمبيوتر الكوانتم يستدعي تطوير المنظومة الرمزية البشرية، إضافة إلى تعرضنا لذكر سياقات تاريخية عرفت تطورا كبيرا في ظهور الإبداع البشري، هذا الإبداع الذي يمثل حالات للإلهام التي فكرنا بأنها انبجاس فيضاني للتحفيز النسقي الكلي، حيث يعرف الإبداع بتطور المنظومة الرمزية البشرية.
و إلى هنا يبدو أن سبيل تحقيق الانفتاح النسقي يكمن في تطوير المنظومة الرمزية البشرية ، ما يعني تطوير التواصل النسقي الذي يفكر ضمنه البشر قدما إلى حدود بعيدة، و ربما كان سبيل تطوير هذه المنظومة الرمزية البشرية يعتمد على التأويل، فالتأويل فوق كونه وسيلة مثالية لمجاراة الفكر الآلي بما يتيح التواصل معه، فهو في الوقت عينه سبيل كفيلة بمقاربة الظواهر الإبداعية البشرية بطرق موضوعية خاضعة للملاحظة تسمح بفك سنن هذه الإبداعات، ما يسمح بالاقتراب أكثر و أكثر من طريقة تفكير المبدعين التي رأينا أنها الأقرب إلى التفكير و التواصل ضمن حدود سيميائيات الكوانتم
تسريع الانفتاح النسقي
يبدو أن الاعتماد على تطوير المنظومة الرمزية البشرية بوساطة التأويل و خاصة ما تعلق بتأويل الأعمال الإبداعية أو محاولة مجاراة الفكر الآلي بالتأويل أيضا، هذا الأمر يبدو في حاجة إلى زمن طويل كما عرف ذلك تاريخيا على الأقل منذ أولى محاولات التأويل المنظمة، و حتى لدى تحققه فيبدو أنه سيكون مقتصرا على ثلة من المؤولين فقط، و هكذا فالانفتاح النسقي يفتقر حاليا إلى السرعة في سبيل الوصول إلى حالة التواصل وفق سيميائيات الكوانتم، و من جهة أخرى نلاحظ مساهمة التعليم في تحقيق انفتاح نسقي مقبول نسبيا في طريق الانفتاح النسقي الكلي، و لكنه يظل غير كاف واقعيا حتى الآن في تحقيقه بشكل كاف، حيث تبقى نسبة المبدعين في أوساط المتعلمين قلة صغيرة مقارنة بالكم الهائل للمتعلمين في شتى الأنساق اللغوية أو الرياضية أو غيرها.
البوابة النسقية
تظهر حالات الشغف الكثيرة بالنسق إضافة إلى الكم الهائل من المتعلمين افتقارا كبيرا للانفتاح النسقي على الرغم من متابعتها تشكيلات نسقية كثيرة نسبيا، فإدمان مطالعة الأعمال الإبداعية على سبيل المثال يوضح أن المدمنين على متابعة هذه الأعمال نادرا ما يكونون مبدعين هم في ذاتهم، و هذا الأمر ربما يشير إلى وجود مناطق نسقية تمكن من تحقيق الانفتاح النسقي دون غيرها، نسميها هنا بوابات نسقية دون أن نحدد ما إذا كانت واحدة في كل نسق مفرد أو أكثر من بوابة واحدة، و إذا ما تأكد مستقبلا أنها بوابة واحدة لكل نسق فيبدو مناسبا تسميتها بسرة النسق في دلالة على كونها نقطة نمو النسق و تشعبه، و بالمقابل تكون للنسق عيون يتمكن الأشخاص الذين يتحقق لديهم الإلمام بهذه السرة النسقية و بالتالي الانفتاح النسقي الكلي، يتمكن هؤلاء من الرؤية بعيون النسق، بمعنى وفق علاقاته الداخلية، و تلاحظ هذه الحالة في المبدعين الموسقيين الذين تكون لهم أذن موسيقية أو المبدعين في الرسم الذين يمتلكون عيون رسامين تشكيليين، بعبارة أخرى تمثل هذه العيون حس التذوق لنسق من الأنساق.
و يمكن تشبيه هذه البوابات النسقية بالبوابات المتخيلة في الفكر البشري مثل بوابات الزمن، أو البوابات الحلزونية بين العوالم الفضائية، و هذه مناسبة تدعو إلى الإشارة إلى أن التفكير في سيميائيات الكوانتم يثير في الذهن أشكالا معروفة تاريخيا للتفكير مثل ألبرت أينشتاين أو هايزنبرغ اللذان يعدان آباء لنظرية الكوانتم في الفيزياء، فنظرية المرجع التي يثيرها أينشتاين لملاحظة وجهات النظر المختلفة أو الحقيقة النسبية مثلا بالنسبة لسرعة المتحرك مقارنة بملاحظين اثنين في مكانين مختلفين، هذه النظرية مثلا تمكننا من تصور عدم القدرة على ملاحظة الحالات الطرفية التي تفصل زاوية المثلث عن أن تكون خطا مستقيما انطلاقا من المستوى الذي يرسم فيه المثلث ذاته بينما يمكن ملاحظة هذه الحالات الطرفية للمثلث انطلاقا من مستو آخر يتقاطع مع المستوي الأول، إضافة يمكن تصور الحالات التي نغض فيها الطرف عن المسلمات القبلية للفكر البشري و هي الزمان و المكان كما أشار إليها إيمانويل كانط، فحين ينعدم الزمان يصير المكان عمها أي كاوس لإننا نفتقر للزمن الذي تتم فيه الرؤية، أيضا انعدام المكان يكون معه الزمن طاقة غير ظاهرة، و بتصور غياب الزمان و المكان نكون أمام كاوس من الطاقة الرهيبة.
الرياضيات
مما سبق يبدو أن الرياضيات تتيح للفكر البشري تصور التواصل بين الأنساق كما رأينا مع زاوية المثلث حيث نشبه كل مستو بنسق مستقل، على الرغم من أن النسق الرياضي وحده يسمح بتصور ما لا نهاية من المستويات إن صح التعبير، إضافة لهذا فالرياضيات تمثل نسقا فكريا مثاليا قابل للتطوير بما يسمح بانفتاحه الكلي لدى المتعلم، خاصة في ظل وجود كمبيوتر الكوانتم كمساعد، و قد توصلت في مقالي السنن و التسنين و التواصلية إلى أن تحقيق التواصلية المثلى في السنن الشارح الذي يتضمن الإيديولوجيا و المصطلحات العلمية على سبيل المثال بعده شكلا للتواصل المنظم الذي يتم في صورته المثلى ضمن جماعات جزئية من أهل الاختصاص العلمي بالنسبة للعلوم مثلا، حيث ينحو هذا النوع من السنن سلوكا رمزيا أي تعاقديا محظا، يمكن تحقيق التواصلية الحرة في هذا النوع من السنن بتطوير نسقية المؤولات، و المؤولات وفق بيرس هي الوسيطة بين الدوال و الملولات، و هذا يظهر أن التمكن من تحقيق التعليم الأمثل و الأسرع للرياضيات قد يسمح للمتعلمين في وقت قصير نسبيا من الولوج عبر بوابات هذا النسق و بالتالي تحقيق الانفتاح الكلي عليه ، و اعتمادا على التطور الكبير للمنظومة الرمزية البشرية الناتج عن الانفتاح الكلي على هذا النسق من جهة و اعتماد الفكر البشري على التواصل بين الأنساق، فقد ينتج أيضا انفتاح كلي لأنساق أخرى لدى هؤلاء المتعلمين، و بهذا يظهر حاليا أن ترقية تعليم الرياضيات هو أسرع وسيلة لتحقيق التواصل ضمن سيميائيات الكوانتم.
الجاذبية النسقية
كما أوضحنا سابقا فإن إدراك البوابة النسقية يولد الانفتاح الكلي النسقي الذي يحدث لدى المفكر في صورة انبجاس فيضاني نسقي، و طبيعة الفكر البشري القائمة على التواصل بين الأنساق تعني أن هذا الانبجاس الفيضاني النسقي يكون ضرورة في شكل انبجاس فيضاني ترميزي، أي أن النشاط الترميزي يكون في أوجه، بعبارة أخرى التفكير البشري يكون في صورته الأكثر شدة، غير أن هذه الفكرة لا تدل على مكان البوابة النسقية، فيجدر البحث عنها في موقع آخر.
لحد الآن تمكنا من تصور صورتين للفكر البشري أي النشاط الترميزي هما النشاط الترميزي الضعيف ضمن حدود انغلاق النسق أي التفكير الكلاسيكي، و النشاط الترميزي القوي ضمن حدود انفتاح النسق، و هذا يجعلنا نتساءل عن حالة أخرى ثالثة للنشاط الترميزي هي حالة النشاط الترميزي في الدرجة صفر أي العمه الترميزي، هذه الحالة تصادفنا في الواقع ضمن صورتين هما الأحلام أثناء النوم و رياضة التأمل حيث يتمكن البشر ضمن هاتين الحالتين من انعدام النشاط الترميزي من تلق معارف معينة، و من المعلوم أن الأحلام تحدث في حالة النوم العميق و أيضا التأمل تمكن ممارسته ضمن حالة للنشاط العصبي تماثل حالة النوم العميق هي الموجة طيطا كما أظن، و عملية تلقي المعارف في هاتين الحالتين للدماغ البشري في حالة الوعي الإرادي لدى التأمل و حالة اللاوعي في الأحلام تجعلنا نعتقد بوجود جاذبية في البوابات النسقية تجعل النشاط الترميزي يتم لا إراديا، أي أن الجاذبية في البوابات النسقية تكون سببا في حدوث نشاط ترميزي لا إرادي أي تواصل نسقي بين الأنساق لا إرادي يمكن من تلقي معارف معينة، في هذه النقطة نتذكر الثقوب السوداء في علم الفلك التي تتميز بالجاذبية و تعرف من خلال انكسار بعض من المسلمات البشرية القبلية، و في الوقت عينه يبدو أن البوابات النسقية موجودة قبليا في الدماغ البشري و ربما تمكننا من فهم مصطلح اللغة LANGAGE التي هي ملكة توليد الأنساق السيميائية كما ترجمها الجزائري مختار زواوي عن فرديناند دو سوسير في أعماله التي اكتشفت حديثا مقابل مصطلح اللسان LANGUE الذي يعني اللغة الطبيعية وفق ما ترجمه الأستاذ زواوي، و من جانب آخر نجد أن علم التنمية البشرية الذي أولى عناية بعمليات التلقي البشري في الموجة طيطا يوافق ما توصلنا إليه هنا، فهل نصل هنا إلى أن أسرع طريق للتفكير و التواصل وفق سيميائيات الكوانتم هي رياضة التأمل المعروفة منذ ما قبل التاريخ إضافة إلى الاعتماد على نتائج علم التنمية البشرية . ربما لا نزال هنا في البدايات الأولى لبحث مشوق، و لكن الملاحظ حتى الآن أن النتائج الجزئية لهذا البحث منسجمة يخدم بعضها بعضا كما أنها لا تناقض كثيرا من النظريات العلمية الجديدة التي نعرفها، و في الحقيقة هذا الانسجام الملاحظ يجعلنا نتقدم في البحث متفائلين بنتائجه المستقبلية كما يدفعنا لاقتراح البحث مجددا أمام التعاون من قبل الباحثين المهتمين.
الحساسية السيميائية
يحيل الدال في سيميائيات الكوانتم على كل شيء و لا شيء في الآن ذاته، و إحالته على اللاشيء ذات أهمية محورية في هذه السيميائيات، فهي إحالة على عدم تعيين تعني توثبا إحاليا دائما يشكل الجانب الديناميكي في سيميائيات الكوانتم، يمكن أن يدعى بمولد التحفيز في النسق، و هذا المولد يضمن سميوزا نسقيا مستمرا بشكل دائم، و هذا يدعوني إلى افتراض البوابة النسقية مجال اللاشيء في النسق و يدعم افتراض الجاذبية النسقية أيضا، و هذا التوثب التحفيزي الدائم يميز سيميائيات الكوانتم بكونها سيميائيات الحساسية العالية ، فالتشكيلة النسقية تمثل تغيرا نسقيا تستجيب له هذه الحساسية السيميائية عبر تأويل مجاوز يهدف إلى تحقيق التوازن النسقي، على العكس من السيميائيات الكلاسيكية ذات الحساسية الدنيا و المنفردة بكونها سيميائية تأويلية تهدف إلى الفهم عبر التأويل المقارب الذي ينفتح على تعددية التأويلات، فالسيميائيات الكلاسيكية هي سيميائيات الفهم البشري، على العكس من سيميائيات الكوانتم التي هي سيميائيات فوق تأويلية، تجد مجالها في البيولوجيا و علوم المادة و الرياضيات و الحوسبة الآلية. و من جهة أخرى يظل مفهوم السميوز البيرسي مناسبا لكلتا السيميائيتين على الرغم من تجرده من مفهوم المؤول interpretant في سيميائيات الكوانتم، كما أنه مناسب أيضا على المستويين النسقي و السنني ( تواصل الأنساق) ، و هذا يجدد الثقة في البناء السيميائي الذي ورثناه عن شارل ساندرس بيرس، و من جهة أخرى تتجدد الثقة في ميراث فرديناند دي سوسير السيميائي الذي اكتفى بثنائية الدال و المدلول في خضم تصوره العام لعلم السيميائيات الذي بشر به، و يبدو أن هذين الميراثين السيميائيين يكمل أحدهما الآخر بشكل يدعو للانبهار بهاتين العبقريتين الفذتين و يدعونا لمزيد من البحث في آفاق السيميائيات التي أسستاها كل واحدة بمعزل عن الأخرى، كما يدعونا من جانب آخر إلى البحث في مظاهر انسجام المعرفة الإنسانية و دورها في دفع البحث النظري قدما في كل المجالات العلمية و الفكرية.
العوز المعرفي
العوز المعرفي عادة ما يكون أكثر حدة لدى الباحثين إلى درجة الجنون كما لاحظ لايبنيتز في تجربته الشخصية، و هذا يعزز افتراض وجود بوابة نسقية جاذبة تمثل مجال اللاشيء في النسق و التي تمثل في الوقت ذاته مولدا للتحفيز السيميائي الدائم لدى عناصر النسق ، و تكون جاذبيتها أشد لدى الباحثين ما يجعل حساسيتهم السيميائية أشد.
الدوال الفارغة:
يمثل الدال الفارغ دالا لا يحيل إلى مدلول معين، و في منظوري فهو تجسيد لحالة مؤقتة من وجود بعض من الدوال، و هو يحتفظ بصفته الدالة على الرغم من عدم تعين مدلول له بشكل مطلق بسبب إحالته الدائمة إلى اللاشيء أي إلى بوابة نسقية ، حيث تعمل هذه الإحالة الدائمة كمولد تحفيز سيميائي دائم له، حيث لا يحيل سوى إلى نفسه و إلى اللاشيء في الآن ذاته ، و هذا هو تصور الباحث للدال الفارغ.
يمكن تصور حالتين للدال الفارغ، الأولى هي كونه معزولا تماما، و هذا يمثل حالة النسق وحيد العنصر، أي النسق البسيط، و الثانية هي كونه عنصرا من نسق معروف و مع هذا فإحالته تبقى غامضة، و يتصور الباحث بالنسبة للحالة الأولى كون الدال الفارغ علامة على وجود نسق كامن لا يظهر منه سوى عنصر وحيد هو هذا الدال الفارغ، و بتعميم هذا التصور على الحالتين فإن الدوال الفارغة تشكل بؤرا لسميوز نسقي أكثر تطورا، و لهذا فهي تشكل مستوى نسقيا هو الأقرب إلى البوابة النسقية مقارنة ببقية عناصر النسق، فالسميوز النسقي الأكثر تطورا يعني نسقية أكثر تعقيدا.
و نتيجة لما سبق ذكره يتصور الباحث ثلاثة مبادئ نسقية هي:
- كل عنصر من النسق يحيل بالضرورة إلى عنصر آخر غيره على الأقل.
- الدال النسقي الفارغ يمثل بؤرة لنمو سميوز نسقي أكثر تطورا.
- اللاشيء يمثل مكونا نسقيا أساسيا و يدعى ببوابة النسق.
و استنادا لهذه المبادئ يقترح الباحث هنا صيغة سيميائية عامة للبوابة النسقية و هي أنها نسق الدوال الفارغة.
و يعتقد الباحث أن هذه الصيغة تمثل نتيجة قابلة للبحث التجريبي، و هي تقوم على تصور للبوابة النسقية على أنها آلية تسمح بتمثل النسق في كليته، و هو تمثل يسمح للذهن البشري للوصول إلى استيعابه في صورة تدفق رمزي فيضاني يكافئ ظاهرة الحدس أو الإلهام، و هي ظاهرة تنتمي إلى حقل العلوم المعرفية، كما من شأن البحث التجريبي للصيغة العامة للبوابة النسقية أن يكون مفيدا في حقول علمية متعددة و متنوعة كالتعليم و الرياضيات و دراسة اللغات و الآداب و الثقافات.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى