د. سيد شعبان - العصفورة ذات الحناء

ثمة أصوات بالسماء غير معهودة لي على الأقل،حين كنت أنظر من شرفة البيت أرى العصافير،صارت بيننا علاقة من نوع خاص؛ ألقي لها حبات القمح والذرة،أطلق صنبور الماء من دون أن تشعر أمي ،كل هذا ألقى على عالمي امتدادا، فتح لي كوة فيه، لا أتعاطى غير طعام العصافير،لذا ظنوا بي الخبل، استرحت لهذا التوجه ناحيتي، في مرة تسللت إلى خزانة أمي،كان بها بضعة أرغفة وسمكة مشوية، تبادر إلي ذهني خاطر عجيب أن أطعم العصافير الخبز محلى بالسمك!
ولما كانت تعلم أنني أحبها أصدرت زقزقة عالية بالطبع كل واحدة منها فعلت هذا!
ساعتها تنادت غربان لاقبل لي بها،جاءت في ثوبها الأسود،انهالت على صغارها في سرعة عجيبة،انقبض صدري،أمسكت بيد المقشة المصنوعة من جريد نخلتنا العجوز، التي انكسرت في يدي، وقفت أعلى النخلة تصدر نعيقها، عجزت أن أمنع الكلاب هي الأخرى فقد تشممت الخبز المحشو بالسمك المشوي.
هذا الصباح أعلم أنه مقبض للصدر،ثمة همهمة تأتي صوب العصافير،تداعى الجراد مع كل الهوام،نفرت لتنال من الصغار،صارت النخلة العجوز بيتا للسوس، ما كان من شأنها خفيا صار اليوم علانية،ما عساها ستفعل؟
نحن في زمن يعج بالجراد؛ هل هي بعض عقاب معجل؟
تساءلت.
سأفتح في الجدار الشرقي كوة ألقى منها الحبوب،بالتأكيد سأرسل رسالة للعصفورة ذات الذيل المحناة بحمرة داكنة،أنا أحبها كثيرا،تزورني بالليل،تسر إلي بحكاية جميلة،سيضحك أخي لو سمع بهذا، ربما تسلل إلى سريري وأمسك بها،إنه يحب اللعب بأشيائي يتطفل علي،يتبعني مثل ظلي،يراني أحد كنوز حياته،حقا فأنا أجيد سرد القصص التي تأتيني بها العصفورة المحناة بحمرة داكنة،لكنها تأخرت عن موعدها،لم تأت هذه الليلة،هل حدث لها مكروه؟
اخذت الكشاف تسللت إلى خارج البيت، وجدت الذيل المحنى بحمرة داكنة مختلطا ببعض دم، في عتمة الليل،القط الأسود ذي المخلب الحاد يتمطى سعيدا، أصدر مواءه،وقف على قدميه الأماميتين ،حرك ذيله مسح لسانه في تشف عجيب.
في صبيحة هذا اليوم وجدت أمي الحبوب كما هي،حتى كوة الجدار ظلت مغلقة،الشمس لم تنر وسط البيت،كثرت الغربان عن ذي قبل،القطط تجمعت في مشهد يشبه حفلة راقصة،ارتدوا جميعا ثيابا ذات لون أحمر داكن،هل تراهم يهزأون بي؟
ليس معقولا أن يحدث كل هذا مصادفة؟
العصافير هاجرت،تركت رسالة عند مدخل البيت من الجهة الشرقية،حيث اعتادت أن تجد الحبوب،كانت هناك صرة صغيرة،فتحتها بها ريشة محناة من الذيل ذي الحمرة الداكنة،وقلم رصاص صغير،وخطوط متعرجة، يطلبون مني أن أرسم صورة للعصفورة ذات الذيل المحناة بالحمرة الداكنة،أغلقت الباب ورائي،تخفيت من أخي المتلصص على أفعالي،أشعلت شمعة،جوار الحائط الشرقي بدأت أجمع ما عرفته،كل الحكايات التي قصتها علي مثلت أمامي،حتى حبات القمح تطاولت سيقانها،تدلت منها سبع سنبلات خضر،يد المقشة التى ضربها السوس صارت الآن خضراء،شعرت بسعادة غامرة،الأحلام صارت واقعا،لكن القط الأسود وقف أعلى السور الطيني،بدأ يصدر مواءه متوعدا،قفز ناحية الورقة التي ظهرت بها ملامح عصفورة دون حناء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى